جل اهتمام بوتن ينصب حاليا على تأمين مستقبل دويلة بشار الإرهابية.
هذه الدويلة كانت تعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني، ولكن إيران الآن (بعد عودة العقوبات) لم تعد تقدر على دعم أحد وباتت نفسها بحاجة لمن يدعمها. الحقيقة هي أن دويلة بشار باتت الآن مصدر دعم لإيران وليس العكس. إيران هي ممنوعة من تصدير النفط وممنوعة من التعامل بالدولار الأميركي بسبب العقوبات الأميركية، وأما بشار فهو يلعب بمليارات الدولارات واليوروات التي تأتيه من مصادر متعددة:
- حوالات السوريين في الخارج.
- زيارات وقوافل الأمم المتحدة التي تذهب لدعم بشار بحجج كثيرة كلها ساقطة.
- بعض حثالات العرب يتاجرون مع بشار ويزورونه ويتسوحون عنده.
- هناك أيضا من يزورون بشار بهدف التضامن معه والتسوح عنده من العنصريين وأعداء الإسلام في أوروبا وغيرها (بشار أصبح أيقونة لدى العنصريين وأعداء الإسلام سواء في داخل سورية أم خارجها).
بوتن يعمل لمنح دويلة بشار الإرهابية موردا ماليا جديدا. هو أوصل بشار قبل فترة إلى المعبر الحدودي مع الأردن، والآن هو يعمل لإيصاله إلى معبر حدودي مع تركيا. هو يريد أن يفتح طريقا دوليا يمتد بين الحدود التركية والأردنية ليكون ذلك مصدرا جديدا للعملات الأجنبية لبشار. حسب ما قرأنا فإن هناك بالفعل اتفاقا بين الروس والأتراك على فتح طريق يصل بشار بتركيا، ولكن الاتفاق لم يطبق إلى الآن. هناك على ما يبدو خلافات بين الروس والأتراك حول تفاصيل الاتفاق، وهذا هو سبب التصعيد العسكري في إدلب. بوتن لا ينوي فعلا تحويل إدلب إلى حمام دم ولكنه يهدد بذلك لأنه يريد الضغط على الأتراك لدفعهم للتنازل في أمور تقنية تتعلق ربما بترسيم الحدود بينهم وبين بشار وأماكن انتشار القوات وربما أيضا تفاصيل مالية وتجارية.
بوتن فشل في جر أميركا وأوروبا لتزويد بشار بالمال بدعوى “إعادة اللاجئين”، ولكنه مستمر في محاولة خلق دورة دموية لدويلة بشار الإرهابية الانفصالية. هذا العمل الذي يقوم به يبدو وكأنه عمل يائس. لا ندري ما هو الهدف المرجو منه إن كان ثَمَّ هدف. من الوارد أن الهدف هو دعائي. بوتن ما زال يحاول أن يخلق انطباعا إعلاميا بأن بشار قام من الموت وبأنه قوي وخطير ويجب أن تتحدثوا معه اتقاء لشره.
بوتن يعمل أيضا لضمان المستقبل السياسي للدويلة الإرهابية. هو على ما يبدو يعد سهيل الحسن (“النمر”) لخلافة بشار ويحاول أن يزود الدويلة بدستور جديد يمد من عمرها. الهدف من ذلك هو “ليس حل الأزمة السورية” كما قد يظن بعض المغفلين وإنما محاولة تأمين مستقبل الدويلة الإرهابية الانفصالية ومنع انهيارها بعد زوال بشار.
بقاء الدويلة الإرهابية هو ضروري لحفظ ماء وجه الروس. بالنسبة لتركيا فإن بقاء هذه الدويلة يضمن بقاء الاحتلال التركي في شمال سورية. في السابق ذكرنا أن الصفقات التي عقدها بشار مع الأتراك أغرت الإسرائيليين وفتحت شهيتهم لعقد صفقات مماثلة. لهذا السبب إسرائيل صارت تعلن رغبتها في بقاء بشار وعقد اتفاق معه حول الجولان. ما يريده الإسرائيليون من دويلة بشار هو أمر بسيط نظريا. هم يريدون ضمانة من هذه الدويلة ومن أسيادها بأن إيران لن تشن حربا في الجولان. حصولهم على تلك الضمانة سيسمح لدونالد ترمب بالاعتراف بضم الجولان لإسرائيل دون الخشية من رد فعل إيراني. أنا أظن (بناء على مؤشرات وليس أدلة ملموسة) أن هذه الصفقة هي محور سياسة دونالد ترمب السورية. هو على ما يبدو تعهد لشخصيات مؤيدة لإسرائيل داعمة له بأنه لن يسقط دويلة بشار وإنما سيعمل لعقد صفقة معها تسهل الاعتراف الأميركي بضم الجولان لإسرائيل.
زوال الدويلة الإرهابية يعني بالنسبة لتركيا وإسرائيل خسارة أراض، أي أن بقاء الدويلة الإرهابية بالنسبة لهما هو “حاجة جيوسياسية”. هذا أمر كنا قد حذرنا منه في السابق. بالنسبة لروسيا فإن زوال الدويلة الإرهابية يعني خسارة نفوذ وتأثير دولي. إيران تبدو الآن الطرف الأقل تأثيرا في مستقبل الدويلة الإرهابية، وهذه مفارقة لأن إيران هي التي وضعت بذرة تأسيس الدويلة. إذا نجح الروس في استبدال بشار بـ”النمر” فهذا قد يضعف الدور الإيراني، ولكن إيران تملك “حزب الله” وهي ستظل حاضرة بقوة في الدويلة الإرهابية ولن يسهل إزاحتها. الروس لن يفرطوا بحلفهم مع إيران لأجل الدويلة الإرهابية التافهة.
إحدى المشاكل التي تعاني منها سورية الآن (والتي كنت قد تنبأت بها باكرا وكتبت عنها كثيرا) هي أن أيتام القومية الدمشقية يدعمون بوتن وأردوغان إلخ لظنهم بأن هؤلاء يخدمون دمشق والقومية الدمشقية، والأسوأ من ذلك هو أن السذج من هؤلاء يظنون أن بوتن ومن معه سوف يعيدون بناء الإمبراطورية الدمشقية الزائلة كما كانت.
القومية الدمشقية بالنسبة لبوتن وتركيا وإيران هي مجرد ورقة يستخدمونها للخداع والتضليل. هم قالو لكم في عام 2015 أن تقفوا ضد أميركا وقسد وتدعموا “درع الفرات” لأجل القومية الدمشقية، وأنتم سرتم معهم وأدخلتم الاحتلال التركي وسمحتم لبشار باحتلال حلب وأرغمتم أميركا على الانكفاء شرق الفرات. تلك الكارثة (كما كتبنا حينها) أضافت عقدا أو أكثر إلى عمر دويلة بشار.