هل يمكن لحكومة غير عقلانية في البيت الأبيض أن تهزم إيران؟

john-bolton-cpac-2017

السعوديون يحتفلون بالتغييرات التي يجريها ترمب في حكومته على أساس أن هذه التغييرات سوف تضر بإيران.

ولكنني أخشى أن المتضرر الأكبر من هذه التغييرات لن يكون إيران وإنما العرب، وخاصة السوريين. بالإضافة طبعا إلى أميركا نفسها.

صحيح أن الأشخاص الجدد الذين يعينهم ترمب في إدارته هم متشددون في مواقفهم من إيران، ولكن التشدد لوحده هو ليس أمرا جيدا. انظروا مثلا إلى تجربة داعش. داعش كانت الأكثر تشددا ضد أعدائها، ولكن ذلك لم ينفعها بشيء، بل هو ضرها بدلا من أن ينفعها. انظروا أيضا إلى تجربة “الائتلاف الوطني السوري” و”الجيش السوري الحر” وقطر. هؤلاء تشددوا إلى الحد الأقصى ضد بشار الأسد وضد العلويين وضد الشيعة وضد إيران وضد الأكراد وضد أميركا إلخ، ولكن ما هي النتيجة التي حققوها؟ هم خسروا معظم أراضيهم ثم في النهاية تحولوا إلى فرقة انكشارية تابعة للجيش التركي.

ما يصنع النجاحات والانتصارات هو ليس التشدد والهياج وإنما العقلانية والواقعية. هل الأشخاص الذين يعينهم ترمب الآن في إدارته يتصفون بالعقلانية والواقعية؟ أنا لا أظن ذلك.

أنا أستمع لتحليلات جون بولتون منذ فترة. المشكلة الواضحة في طروحاته هي أنها غير عقلانية وغير واقعية. هو يتصور أن أميركا يمكنها أن تفعل كل شيء في أي وقت (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). هو يستخف بكل دول وشعوب العالم ولا يعطي قيمة سوى لدولتين فقط: أميركا وإسرائيل.

عندما يسألونه «ماذا يجب على أميركا أن تفعل بشأن إيران؟» فإن جوابه ينحصر في أن أميركا يجب أن تدمر إيران.

عندما يسألونه «ماذا يجب على أميركا أن تفعل بشأن الفلسطينيين؟» فإن جوابه ينحصر في أن أميركا يجب أن ترغم الفلسطينيين على الرضوخ لما تمليه إسرائيل.

عندما يسألونه «ماذا يجب على أميركا أن تفعل بشأن كوريا الشمالية؟» فإن جوابه ينحصر في أن أميركا يجب أن تدمر كوريا الشمالية.

وهكذا، كل طروحاته هي بهذا التبسيط وهذا الاستخفاف. الغطرسة والغرور يسيطران على عقله إلى درجة أنه لا يستطيع أن يحلل القضايا بعمق ولا يستطيع أن يفهم أبعادها الحقيقية. أبرز مثال على بساطة تفكيره هو ما حصل في غزو العراق في عام 2003 (هو كان أحد المخططين لغزو العراق). بالنسبة له آنذاك فإن المسألة كانت تنحصر في التخلص من صدام حسين. كل القضايا الأخرى لم يكن لها وجود في حساباته.

جون بولتون يعبر عن تيار عريض في أميركا يسمى بالتيار المحافظ أو اليميني، ولكن طروحاته هي متطرفة وتبسيطية وغير واقعية حتى بمعايير ذلك التيار. هو شخص متغطرس يتحدث بكلام أهوج.

لا غرابة في أن السعوديين يحبونه. طروحاته تشبه طروحاتهم التي تتسم أيضا بالغطرسة وعدم العقلانية وعدم الواقعية. ولكن المشكلة هي أن هذا الرجل وأمثاله باتوا يسيطرون على البيت الأبيض، وأنا أخشى أنهم سيقومون بأعمال هوجاء سوف تصب في النهاية في مصلحة إيران وبشار.

بالنسبة للسعوديين فإن حل القضية السورية يتمثل في أمر واحد فقط: قصف بشار. هم لا يعرفون أية مشكلة في سورية سوى بشار، وليس لديهم أي حل سوى قصف بشار.

قصف بشار سوف يكون أمرا مفيدا إذا كان هناك بديل جاهز للحلول محله في دمشق، ولكن إذا قصفت أميركا بشار دون وجود البديل فهذا على الأغلب سيفيد بشار من حيث أنه سيظهره أمام الرأي العام بمظهر المنتصر على أميركا. لو درستم سلوك بشار منذ عام 2012 وإلى اليوم فستجدون أن همه الأكبر هو تصوير نفسه بمظهر المنتصر، وهو في الحقيقة نجح في إقناع الكثيرين بأنه منتصر. كثير ممن يكتبون في وسائل الإعلام الغربية يزعمون أن بشار هو منتصر. لو قصفته أميركا فإن ذلك القصف لن يزيحه من دمشق، وبقاؤه في دمشق سيخدم دعايته لأن كثيرا من الناس يعتقدون أن بقاءه في دمشق يعني أنه منتصر.

حتى لو نجحت أميركا في قتل بشار فكيف سيحل ذلك القضية السورية؟

قتل بشار سيكون أمرا مفيدا وسيخدم القضية السورية إذا فرضنا أنه سيؤدي لتحرير العلويين من قبضة إيران وسيسمح لهم بالتفاهم مع بقية السوريين، ولكنني لا أظن أن هناك إمكانية واقعية لذلك قبل تحرير العرب السنة من قبضة تركيا. المشكلة الكبيرة التي باتت واضحة الآن هي أن العرب السنة هم ليسوا جاهزين للتفاهم مع العلويين أو غير العلويين بسبب وقوعهم في قبضة تركيا. هم عجزوا عن التفاهم مع الأكراد رغم أن علاقتهم التاريخية مع الأكراد هي أفضل بمليون مرة من علاقتهم مع العلويين. كيف يمكن لهم أن يتفاهموا مع العلويين إذا عجزوا عن التفاهم مع الأكراد؟

حل القضية السورية يتطلب اتفاقا بين كل مكونات الشعب السوري، والاتفاق هو أمر مستحيل إذا استمر نموذج “غصن الزيتون” و”درع الفرات”. العلويون (كما الأكراد والدروز إلخ) لن يقبلوا بأن يأتي غصن الزيتون إليهم، ولن يقبلوا بأي حل سياسي يشرعن غصن الزيتون ودرع الفرات. وجود غصن الزيتون ودرع الفرات في سورية ينسف أية إمكانية للحل السياسي وينسف الكيان السوري من أساسه. هذه المشكلة حاليا هي أكبر مشكلة في سورية. هي أكبر من مشكلة بشار.

بالنسبة لفكرة إسقاط النظام الإيراني فأنا لا أريد أن أتحدث عنها في هذا المقال لأن أغلب الناس يعلمون أنها فكرة مجنونة وليست هناك حاجة لتوضيح ذلك، ولكن ما سوف أشير إليه هو رد الفعل الإيراني المحتمل في سورية. لو بدأت أميركا حربا ضد إيران فإن إيران قد ترد بشن موجة من الاعتداءات ضد المناطق المحررة في سورية (لأن تلك المناطق هي محسوبة على أميركا، وهي تحوي قوات أميركية). هذا قد يخلق مشاكل كبيرة في المناطق المحررة وقد يعيق عملية إعادة الإعمار التي يفترض أنها ستحصل هناك. ترمب أصلا هو ليس متحمسا لإعادة إعمار أي شيء في سورية لأنه يعتقد أن أميركا يجب ألا تنفق قرشا واحدا لمساعدة سورية. هو لا يريد حتى أن يكون هناك تواجد أميركي في سورية. في أثناء حملته الانتخابية هو قال أنه يريد ترك سورية لبوتن وبشار، وفي الأسابيع الأخيرة قرأنا في الصحف الأميركية أمورا تدل على أن هذه الفكرة ما تزال موجودة في رأسه. هو ما زال يريد الانسحاب من سورية. هو لا يعطي سورية أية قيمة ولا يرغب في أن تكون هناك صلة لأميركا بسورية.

المشكلة هي أن شخصا مهووسا بتأييد إسرائيل ومحتقرا للعرب والمسلمين مثل جون بولتون سوف يؤيد على الأغلب ما يريده ترمب. هو لن يقترح أي شيء بخصوص سورية سوى القصف والتدمير. أنا أخشى أن هؤلاء سوف يشعلون موجة جديدة من العنف في سورية وسيحرقون ما لم يتمكن بشار من إحراقه، ثم في النهاية سينسحبون وسيتركون البلد مدمرا وبعيدا عن الحل السياسي.

أميركا اتبعت سياسة جيدة في سورية حققت نجاحا كبيرا حتى الآن. هي أوجدت منطقة محررة من بشار وتركيا تصلح كمنطلق لتحرير بقية البلاد. ما نخشاه الآن هو أن إدارة ترمب الجديدة سوف تضيع هذه المنطقة المحررة وبالتالي ستضيع الأمل الوحيد لحل الأزمة السورية.

سورية شبعت قصفا وتدميرا. بشار استخدم كل ترسانته في تدمير البلاد. المطلوب الآن هو ليس المزيد من القصف وإنما التركيز على إعادة إعمار المناطق المحررة وتأسيس حكومة لسورية تقدر على توحيد البلاد. هذا أهم بكثير من التصعيد ضد بشار وإيران. التصعيد ضد إيران وبشار سوف يكون أمرا مفيدا عندما تكون هناك حكومة قادرة على الحلول محل بشار.

أضف تعليق