ما سبب الانسحاب العسكري الأميركي من قطر وتركيا؟

قبل أيام نشر موقع دبكا الإسرائيلي معلومات حول سحب أميركا لقواتها من قاعدة العديد في قطر إلى قاعدة “الأمير سلطان” التي تقع قرب بلدة الخرج في المملكة السعودية.

الموقع تحدث أيضا عن سحب أميركا لقواتها من قاعدة إنجرليك التركية نحو قواعد في أوروبا الشرقية، وعن احتمال تأسيس قاعدة في Andravida في اليونان لكي تكون بديلا لقاعدة إنجرليك.

المضحك في المقال هو أنه حاول أن يحمل محمد بن سلمان مسؤولية هذه التحركات الأميركية. حسب زعم المقال فإن أميركا قررت إخلاء قاعدتي العديد وإنجرليك لأن محمد بن سلمان طلب من ترمب أن يفعل ذلك!

طبعا هذه الرواية التي تحمل المسؤولية لمحمد بن سلمان هي مجرد تهريج وليست أكثر من ذلك. الإسرائيليون يشاهدون التفاهات التي تقال في وسائل الإعلام الخليجية وهم صاغوا روايتهم المضحكة هذه وفق نمط الروايات التي شاهدوها في تلك الوسائل، وخاصة القطرية منها. صحيح أن الرواية هي إسرائيلية المصدر ولكن من صاغها هو متأثر بالإعلام القطري وبأسلوب القصص التافهة التي دأب هذا الإعلام على ترويجها منذ انقلاب حمد على أبيه.

الهدف من بث هذه الرواية هو التحريض ضد محمد بن سلمان، سواء في الشرق الأوسط أو حتى في أميركا ذاتها. عندما يقولون للجمهور الأميركي أن محمد بن سلمان يملي على أميركا كيف تحرك قواتها فهذا سوف يثير الغضب ضد محمد بن سلمان في أميركا. هذا نفس ما فعلوه عندما روجوا القصة التي تزعم أن محمد بن سلمان قال أن جارد كوشنر هو في جيبه. ترويج هذه الروايات يستهدف تقويض صورة ابن سلمان وتنفير الناس منه. من يروجها هم الإسرائيليون وأمير قطر، ويبدو أيضا أن المخابرات الأميركية ساهمت في ترويجها (تحدثنا في مقال سابق عن هذا الأمر).

طبعا الجيش الأميركي لا يحرك قواته بناء على طلبات ابن سلمان. نقل القوات الأميركية من قاعدة إنجرليك هو أمر قديم بدأ منذ عام 2014، وموقع دبكا نفسه سبق أن تحدث عنه. القصة بدأت مع بداية التدخل العسكري الأميركي في سورية في عام 2014. آنذاك رفض أردوغان التعاون مع الأميركان وأقفل قاعدة إنجرليك في وجههم، ثم بعد ذلك أسس حلفا عسكريا مناوئا للتواجد الأميركي في سورية يضم إلى جانب تركيا كلا من بشار الأسد وإيران وروسيا (حلف أستانة). أردوغان تحول إلى عدو لأميركا، ومن الطبيعي أن الأميركان لن يبقوا قواتهم عنده وسيبحثون عن مكان آمَن. في عام 2016 أردوغان اتهم قاعدة إنجرليك بلعب دور في محاولة الانقلاب ضده وتحرش بضباط القاعدة وآذاهم.

بالنسبة لقاعدة العديد فنحن لم نسمع من قبل أن الأميركان ينسحبون منها. أول مرة سمعنا فيها هذا الكلام كانت في المقال الذي نشره موقع دبكا مؤخرا. موقع دبكا له مصداقية عالية فيما يتعلق بمثل هذه الأخبار التي تتحدث عن تحريك أميركا لقواتها، وليس هناك سبب يدعونا لعدم تصديق ما ذكره الموقع بهذا الصدد.

ما هو السبب الذي يدفع أميركا لتحريك قواتها من قطر؟ السبب بديهي يتعلق بجوانب لوجستية وسياسية. قطر حاليا هي دويلة منبوذة في منطقة الخليج. جيرانها يحاصرونها ويقفلون كل حدودهم معها ويعتبرونها عدوا لهم. ليس هناك منطق في أن تتخذ أميركا من هذه الدويلة المارقة مقرا لقواتها، لأن ذلك هو غير مناسب لوجستيا وغير مناسب سياسيا (المملكة السعودية والإمارات هما أكبر وأهم بكثير من دويلة قطر، ولا يوجد سبب منطقي يجعل أميركا تفضل علاقتها مع قطر على علاقتها مع تَيْنِكم الدولتين).

طبعا تحريك أميركا لقواتها من قطر يحمل في طياته رسالة وعبرة استراتيجية عميقة لأمير قطر، ولكن ليس من المحتمل أن أمير قطر سيفهم العبرة. وضعه العقلي والنفسي لا يتيح له فهمها، ونحن لن نحاول حتى أن نفسرها له لأننا نعلم أن ذلكم عبث.

أميركا نفت مرارا أن تكون بصدد الانسحاب العسكري من تركيا، وفي الأيام الأخيرة هي نفت بقوة أن تكون بصدد الانسحاب العسكري من قطر. هذا النفي هو شيء طبيعي ولقد شرحنا سببه في الماضي. باختصار: الأميركان لا يريدون أن تستغل دول أخرى أنباء الانسحاب الأميركي من تركيا وقطر لكي تأتي تلكم الدول وتحل محل أميركا في تركيا وقطر. هم لا يريدون مثلا أن تأتي روسيا إلى تركيا وقطر بدعوى أن أميركا انسحبت من تينكم الدولتين وأن الساحة باتت خالية فيهما.

أضف تعليق