من المفترض أن جون بولتون سيذهب إلى موسكو قريبا لبحث الاتفاقية التي سيعقدها ترمب مع بوتن في القمة المرتقبة التي أشرنا إليها في المقال السابق.
هذه الاتفاقية مع بوتن هي حلم بالنسبة لترمب. هي أهم شيء في برنامجه للسياسة الخارجية.
كما قلنا من قبل، فكرة ترمب الأصلية كانت الانسحاب من سورية وتركها لبشار. هذا كان مفهوم الاتفاقية الأميركية-الروسية لدى ترمب ولدى الروس طبعا. ولكن الأميركيين لم يسمحوا لترمب بعقد تلك الاتفاقية التي حلم بها.
في الآونة الأخيرة أظهر ترمب مقاربة جديدة للقضية السورية، وهذا أزعج الروس. لهذا السبب رأينا أن وسائل إعلام روسية ذهبت إلى بشار وعقدت معه لقاءات قال فيها كلاما هو في مجمله استفزاز روسي للأميركان.
أيضا قاعدة “حميميم” الروسية تنصلت من الاتفاقية الأميركية-الروسية بشأن المنطقة المحررة في درعا. تلك القاعدة أصدرت مؤخرا بيانا قالت فيه أن بشار سيهجم على المنطقة المحررة في درعا وسيفعل فيها نفس ما فعله في الغوطة (أو بهذا المعنى). طبعا هذا الموقف هو أيضا استفزاز روسي للأميركان.
هجوم بشار على درعا من شأنه أن يستجلب رد فعل من إسرائيل. بوتن استعد لذلك بإطلاق موقف طالب فيه القوات الإيرانية بالخروج من سورية. بعض الناس ظنوا ذلك الموقف تنازلا من روسيا، ولكنه في الحقيقة ليس تنازلا وإنما مناورة وتحايل اعتاد بوتن عليه منذ بداية تدخله العسكري في سورية.
بوتن دأب منذ تدخله العسكري في سورية على التمييز بين إيران وبشار زاعما أن شبيحة بشار هم الذين يقتحمون المدن والمناطق السورية وليس إيران. هو طالب من يعارضون إيران بدعم شبيحة بشار على أساس أن ذلك ينهي الحاجة للتدخل الإيراني في سورية. بهذا الكلام بوتن ظن أنه ينهي حجة إسرائيل وغيرها لضرب بشار.
بوتن أراد بموقفه الأخير ضد التواجد الإيراني في سورية أن يعزز حجته التي تقول أنه يدعم بشار وشبيحته ولا يدعم إيران، وأن بشار وشبيحته هم شيء مختلف عن إيران. بالتالي (حسب منطق بوتن) لا يوجد مبرر لإسرائيل لكي تضرب شبيحة بشار عندما يهجمون على درعا.
السؤال المهم هو ما الذي سيستفيده بوتن من هجوم بشار على درعا؟ في المحصلة هذا الهجوم لن يحقق شيئا سوى زيادة سجل بشار الإجرامي وتعميق أزمته داخليا وخارجيا.
لو فرضنا أن أميركا انجرت إلى الاستفزاز ودخلت في صدام عسكري مع روسيا فإن هذا قد يسمح لبوتن بتحقيق مكاسب سياسية، ولكن الأميركان لن ينجروا إلى هذا الفخ المستهلك. بوتن استفز الأميركان عشرات المرات بهدف جرهم إلى صدام عسكري، ولكن كل محاولاته السابقة باءت بالفشل. هو استخدم الكيماوي في سورية عدة مرات بهدف جر أميركا إلى عمل عسكري كبير ضد بشار ينتهي بصدام أميركي-روسي. في المرة الأخيرة التي حصل فيها ذلك رأينا ترمب يطالب بقصف القوات الروسية في سورية. لا أظن أن أحدا في واشنطن صدق أن ذلك الموقف كان من بنات أفكار ترمب. من الواضح أن بوتن هو الذي أوعز لترمب بأخذ ذلك الموقف. ولكن الأميركان تجاهلوا ترمب وخرجوا من التصعيد بضربة محدودة لبشار.
بالأمس قرأت أن قاعدة حميميم توقعت هجوما كيماويا جديدا في إدلب. هذا الكلام هو أيضا استفزاز روسي يائس. هم يكررون مجددا نفس الحيلة الإجرامية اليائسة التي ثبت فشلها أكثر من مرة.
باختصار، الروس لا يملكون شيئا جديدا. ما يفعلونه هو تكرار لأعمال إجرامية يائسة ثبت فشلها. الهجوم على درعا واستخدام الكيماوي في إدلب هي تصرفات لن تحقق شيئا سوى تعميق أزمة بشار وبوتن.
حال بوتن هي كحال من هو واقع في حفرة ولا يفعل شيئا سوى الحفر لتعميق حفرته.
العقوبات الأميركية على روسيا تشتد، وعزلة بوتن الدولية تشتد. الأميركان سوف يتحركون قريبا للضغط على محمد بن زايد وأمثاله ممن يدعمون بوتن وبشار (إذا لم يكونوا قد تحركوا فعلا). أيضا سوف يكون هناك تحرك مماثل ضد تركيا. المزاج الحكومي في واشنطن يؤشر إلى زيادة الضغوط على بوتن. ترمب الذي فرح الروس به وظنوا أنه سيخدمهم هو ورقة عديمة القديمة. الأميركان حيدوه ولم يسمحوا له بأن يخدم الروس بشيء.