كل الدول المحيطة بالدويلة السورية تدخلت في الحرب باستثناء العراق.
لبنان تدخل عسكريا عبر إمداد بشار الأسد بالشبيحة المجرمين، ونعني بهم شبيحة حزب الله. صحيح أن حزب الله لم يستصدر قرارا رسميا من الحكومة اللبنانية يشرعن تدخله في سورية، ولكن هذا لا ينفي بشكل كامل مسؤولية الحكومة اللبنانية عن تدخل حزب الله. حزب الله هو مشارك دائم في الحكومة اللبنانية وهو قوة أساسية من القوى المشكلة لتلك الحكومة (هو أقوى وأهم مكونات الحكومة اللبنانية). الحزب يعتبر شبيحته جزءا رسميا من القوات المسلحة للدولة اللبنانية، وقسم كبير من اللبنانيين يشاركون الحزب هذه النظرة. بناء على ذلك لا أدري كيف يمكن للحكومة اللبنانية أن تتنصل بشكل كامل من مسؤولية تدخل حزب الله في سورية (أنا أقول هذا الكلام بهدف توضيح مسألة رسمية قانونية وليس بهدف التحريض ضد لبنان أو مطالبته بتعويض أو غير ذلك).
التدخل التركي في سورية هو ربما الأسوأ على الإطلاق. أردوغان أخذ على عاتقه توفير الدعم والإسناد الكامل لبشار الأسد والإيرانيين في تدميرهم لسورية. هو لم يترك طريقة لدعم بشار الأسد إلا وسلكها. هو دعم الإرهابيين وسهل لهم السيطرة على المناطق المحررة، وحارب المعارضة المعتدلة ومنعها من تشكيل حكومة بديلة لبشار الأسد، وحارب الجهود الأميركية لدعم المعارضة المعتدلة، وعمل على بث الفتنة العربية-الكردية، وسهل لبشار الأسد والإيرانيين تدمير مدينة حلب وتطهيرها من سكانها. أكبر جرائمه على الإطلاق هي أنه منع التحالف الدولي من العمل في محافظة حلب وحول هذه المحافظة إلى منطقة نفوذ روسي-إيراني. بهذا العمل الشنيع هو وضع الأساس لتقسيم سورية إلى شطرين شرقي وغربي.
طاغية الأردن ظل لسنوات يتفرج على داعش في سورية دون أن يفعل شيئا لمحاربتها، ناهيك عن موقفه المشبوه والملتبس من بشار الأسد. في الآونة الأخيرة هو تنشط فجأة وصار يتحرك في الأروقة الدبلوماسية بهدف الحصول على رخصة للدخول إلى محافظة درعا واحتلال بعض الأراضي هناك. هو فعليا لم يقدم أية مساعدة تذكر للسوريين طوال السنوات الماضية، والآن صار متلهفا للدخول بهدف احتلال بعض الأراضي. ولكن على كل حال، أنا لست ضد التدخل الأردني في سورية إذا كان في إطار التحالف الدولي وبمشاركة وتغطية أميركية ودون تقديم أية تنازلات لبشار الأسد. ما نرفضه هو تدخل على طريقة أردوغان.
إسرائيل تدخلت في الحرب بشكل إيجابي عبر تقديم العناية الطبية لبعض السوريين وعبر توجيه ضربات لبشار الأسد وشبيحة إيران. من مفارقات هذه الحرب أن التدخل الإسرائيلي كان الأفضل مقارنة بتدخل دول الجوار الأخرى، رغم أن إسرائيل تعتبر دولة معادية ودول الجوار الأخرى تعتبر دولا شقيقة.
العراق هو الدولة المجاورة الوحيدة التي لم تتدخل في سورية وإنما بالعكس: العراق تعرض لغزو داعشي انطلق من الأراضي السورية.
الميليشيات العراقية التي تحارب مع إيران في سورية لا تحمل أية صفة رسمية في العراق ولا تمت بصلة للحكومة العراقية. تلك الميليشيات هي عبارة عن متطوعين مدنيين جمعتهم إيران بشكل غير رسمي وشحنتهم إلى سورية.
في الماضي قيل أن نوري المالكي دعم بشار الأسد بأموال. لا أدري ما هي أهمية ذلك الدعم الذي قيل أن المالكي قدمه لبشار الأسد.
العراق هو المتأثر الأكبر مما يجري في سورية. طاغية الأردن وأردوغان يصرخون في المحافل الدولية ويقولون أن الأزمة السورية تؤثر عليهم، ولكن الحقيقة هي أن المتأثر الأكبر مما يجري في سورية هو العراق. العراق يخوض حربا ضد داعش، وداعش هي ممتدة في كل من العراق وسورية. الحرب التي تسمى بالحرب السورية تمددت من سورية نحو العراق وباتت حربا سورية-عراقية. بعد هزيمة داعش في العراق سوف تظل داعش موجودة في النصف الشرقي من سورية المتاخم للعراق، وهذا يعني أن تهديد داعش للعراق سوف يظل قائما طالما استمرت الحرب السورية، لأن داعش يمكنها نظريا أن تشن هجمات جديدة على العراق انطلاقا من الأراضي السورية. هذا تهديد حقيقي للعراق وليس مجرد تهديد خرافي كذلك الذي يتحدث عنه أردوغان عندما يتحدث عن قسد والأميركان.
العراق الآن يقترب من هزيمة داعش داخل أراضيه، وإيران تروج لأن العراق سوف يتدخل بعد ذلك في سورية لدعم بشار الأسد.
أنا أفهم مصلحة العراقيين في التدخل في سورية لمحاربة داعش. هذا شيء بديهي. ليس من المنطقي أن يتركوا داعش في مناطق متاخمة لهم لكي تهاجمهم من هناك. ولكنني أشك في أنهم سوف يتدخلون لدعم بشار الأسد. التدخل لدعم بشار الأسد هو عمليا تدخل لدعم داعش. هكذا تدخل سوف يؤدي إلى تكرار سيناريو نوري المالكي مجددا. العراقيون ما زالوا يذكرون جيدا تجربة نوري المالكي ونتائجها ولا أحسب أنهم يريدون تكرار تلك التجربة الكارثية.
أنا أؤيد التدخل العراقي في سورية ضد داعش، ولكن هناك شروطا ينبغي توفرها في التدخل حتى يكون ناجحا:
1. التدخل يجب أن يكون في إطار التحالف الدولي وبتغطية أميركية.
2. العراق يجب أن ينسق تدخله مع قسد وغيرها من القوى السورية المعتدلة (مثلا العشائر)، ويجب أن يتجنب التنسيق مع بشار الأسد لأن التنسيق مع بشار الأسد سوف يشعل جذوة الفتنة الطائفية وسوف ينقض كل ما تحقق في الحرب ضد داعش.
3. من المستحسن أن يتم الدفع بالقوى العراقية السنية إلى واجهة التدخل، وأما الشيعة فيفضل أن يلعبوا دورا إسناديا وألا يكونوا في الواجهة. الهدف من ذلك هو تجنب الفتن الطائفية، لأن كل قوى المنطقة سوف تلجأ للتحريض الطائفي بهدف إفشال تدخل عراقي منسق مع الأميركان وقسد.
إذا تحققت هذه الشروط فإن التدخل في رأيي سوف يكون ناجحا وسوف يكون نهاية ممتازة للحرب على داعش.
إذا تدخل العراقيون في سورية فأنا أرى أنهم لا يجب أن يقفوا عند حد معين ولكنهم يجب أن يستمروا في التحرير حتى يصلوا إلى دمشق ويحرروها. هم يجب أن يلغوا وجود الدويلة السورية من أساسها، لأنها دويلة غير شرعية ويجب أن تمسح من على الخريطة.
أنا بهذا الكلام لا أشجع العراقيين على غزو سورية ولكنني أشجعهم على دعم القوى السورية المعتدلة بهدف تحرير سورية. العراقيون يجب أن يتحالفوا مع قوى الشعب السوري المعتدلة، وخاصة في النصف الشرقي من سورية، وهذا التحالف العراقي-السوري يجب أن يسعى لتحرير سورية بأكملها.
العراق لا يستطيع أن يغزو سورية ولكنه يستطيع أن يدعم السوريين لكي يحرروا بلادهم.
العراق يجب أن تكون له رؤيته المستقلة بشأن سورية. إيران تريد من العراق أن يدعم بشار الأسد، ولكن ما هي مصلحة العراق في دعمه؟ نموذج بشار الأسد يتناقض تماما مع النموذج العراقي. العراق الآن هو دولة ديمقراطية فدرالية تقوم على التعايش بين مكونات الشعب. قيم بشار الأسد تتناقض تماما مع قيم العراق. بشار الأسد هو من أكبر مجرمي الحرب في التاريخ وقيمه هي أسوأ من قيم صدام حسين. كيف يمكن لدولة مثل العراق أن تتدخل لدعم بشار الأسد؟ هذا شيء يخلو من المنطق. إيران تحاول أن تبرر هكذا تدخل على أساس العصبية الشيعية، ولكن النظام العراقي هو ليس قائما على العصبية الشيعية.
قيم العراق تتناقض أيضا مع قيم أردوغان وآل سعود وطاغية الأردن. كل الدول المتدخلة الآن في سورية (باستثناء أميركا) لها مشاريع تتناقض مع مصالح العراق وتهدد مستقبل العراق. العراق يجب ألا ينسق مع أحد في سورية باستثناء الشعب السوري وأميركا. العراق يجب أن يدعم القوى السورية المعتدلة كما تفعل أميركا، لأن هذا هو ما يناسب مصلحة العراق. العراق يجب أن يسعى لمد نموذجه نحو سورية لأن هذا يحصن مستقبل النموذج العراقي نفسه.
أردوغان وآل سعود يريدون تقسيم سورية إلى دويلات طائفية وعرقية متناحرة. لو نجحوا في تقسيم سورية فهم سيقسمون العراق بعد ذلك. العراق يجب أن يتدخل في سورية لمنع مشاريع التقسيم لأن تلك المشاريع تهدد العراق نفسه. منع مشاريع التقسيم يكون بمحاربة المتطرفين والمجرمين وبنشر النموذج العراقي القائم على الديمقراطية والتعايش. بشار الأسد لا يمت بصلة للنموذج العراقي بل هو نقيض لذلك النموذج، تماما مثل داعش.
شكرا على الطرح
مدونة
إسرائيل تدخلت في الحرب بشكل إيجابي…. من هنا يُفهم عمالتك وخيانتك … عليك ولامثالك اللعنة