هل سيدخل الجيش السوري إلى لبنان؟

الاضطهاد الذي يتعرض له العلويون في طرابلس اللبنانية كان مفهوما قبل بضعة أشهر. من يقف وراء هذا الاضطهاد يعتقد أنه بذلك يضغط على حزب الله والنظام السوري.

ولكن الآن الصورة تغيرت تماما. التفاهمات والصفقات الدولية جعلت من النظام السوري ممثلا للعلويين (وللأقليات عموما) في وجه الإرهاب المعادي للأقليات.

وفق المنطق الجديد للأمور فإن ما يحدث الآن في طرابلس هو مسألة تخص النظام السوري.

الدولة اللبنانية (ممثلة برئيسها ميشيل سليمان) استقالت من مسؤولياتها وسيادتها، وأنا لا أظن أن هناك أحدا يأخذ هذه الدولة بجدية. بالتالي وفق النظرة الدولية الجديدة ما يحصل في طرابلس هو من مسؤوليات النظام السوري وليس من مسؤوليات الرئيس اللبناني العاجز.

هذا الوضع سيؤدي في النهاية إلى دخول الجيش السوري إلى طرابلس لمحاربة المسلحين هناك.

لو استمر اضطهاد العلويين في طرابلس فهذا سيستلزم تدخلا دوليا. من الممكن مثلا أن تثير روسيا هذه القضية وأن تطالب بتدخل دولي لإنقاذ العلويين. من هي الجهة الدولية التي ستتدخل؟ لا توجد أية جهة مؤهلة للتدخل سوى النظام السوري، خاصة وأن هناك تفاهما دوليا ينص على أن النظام السوري هو حامي “الطائفة العلوية” وملحقاتها من الأقليات الأخرى.

دخول الجيش السوري إلى لبنان لن يلغي وجود لبنان لسبب بسيط هو أن المسيحيين الموارنة لن يقبلوا بذلك أبدا. حتى لو فرضنا أن هناك قسما من المسيحيين الموارنة يقبل الالتحاق بالنظام السوري فإن الأميركان والأوروبيين لن يسمحوا بذلك وسوف يضغطون على الكنيسة المارونية عبر الفاتيكان لأخذ موقف رافض لوجود الجيش السوري في لبنان.

المحصلة النهائية ستكون تغيير حدود لبنان أو تغيير نظامه السياسي.

من الممكن مثلا أن يتم وضع بعض المناطق اللبنانية تحت وصاية النظام السوري ومناطق أخرى تحت وصاية الغرب (تحت عنوان الفدرالية أو ما شابه ذلك).

القوى الدولية تضغط نحو إعادة رسم حدود المنطقة على أساس طائفي وإثني. هذا الأمر واضح.

حتى لو فرضنا أن النظام السوري لا يريد ذلك فهو لا يستطيع أن يقاومه. أصلا النظام السوري سار بالفعل في هذا الطريق عندما قبل بالصفقة الكيماوية.

الصفقة الكيماوية هي مجرد بداية للتفاهم الدولي الشامل حول مستقبل المنطقة.

طبعا وجهة النظر الأميركية معروفة وأنا شرحتها مرارا من قبل. الأميركان مستعدون لقبول الوصاية الروسية-الإيرانية على العلويين والشيعة، ولكنهم يرفضون القبول بهذه الوصاية على العرب السنة.

النظام السوري يريد أن يكون وصيا على كل سورية، وهذا ما لن يقبل به الأميركان والغربيون. هم سيستمرون بالمطالبة بفصل العرب السنة عن النظام السوري. هذا هو مغزى الموقف السعودي. الهدف من الموقف السعودي (الذي بدأ منذ عام 2003) هو تفتيت المشرق العربي طائفيا.

هناك تفاهم دولي (أميركي-روسي-إيراني) على تقسيم المنطقة طائفيا، ولكن الخلاف هو حول حدود التقسيم. النظام السوري قبل بمشروع التقسيم الطائفي عندما وافق على الصفقة الكيماوية. الخلاف الآن لا يتعلق بمبدأ التقسيم الطائفي ولكنه يتعلق بحدود كل طائفة (وبالتالي حدود الجهة الدولية الراعية لها). النظام السوري يريد أن تكون للعلويين الهيمنة العامة على سورية، والغربيون يرفضون ذلك ويريدون إعطاء دور لآل سعود.

الطوائف الدينية أصبحت موزعة على القوى الدولية (العلويون = روسيا، الشيعة = إيران، السنة = أميركا)، ولكن الصراع الآن هو حول حدود كل طائفة، وبالتالي حدود كل قوة من القوى الدولية الراعية للطوائف.

أضف تعليق