الهجوم الأميركي على سورية يصل إلى ذروته قبيل الاجتماع بين أوباما وبوتين

التصعيد الشديد الذي تقوم به الولايات المتحدة هذه الأيام له هدف واحد هو التأثير على روسيا لكي تغير موقفها قبل الاجتماع المرتقب بين أوباما وبوتين، وروسيا حتى الآن ما تزال ثابتة على موقفها واليوم أصدرت بيانا جديدا قالت فيه أن الضغوط الأميركية لن تؤثر على موقفها.

أميركا رمت بكل أوراقها، بما في ذلك الحديث عن تدخل عسكري أميركي في سورية. بالأمس موقع دبكا الإسرائيلي نشر الكلام التالي:

US President Obama recently vetoed a detailed Franco-Saudi plan for ending President Bashar Assad’s rule by means of a massive air strike against his palace that would at one fell swoop wipe him, his family and top leadership circle out, debkafile’s military and intelligence sources report.

Their plan was for the presidential palace situated atop Mount Qassioun northeast of Damascus to be devastated by French warplanes taking off from the Charles de Gaulle aircraft carrier off Syria’s Mediterranean coast and Saudi and United Arab Emirates bombers flying in through Jordan.
They would bomb the palace for 12 hours in several sorties while at the same time American fighter jets launched from a US aircraft carrier cruising in the Mediterranean or Red Sea would shut down Syria’s air defenses, which are considered among the most sophisticated and densely-arrayed in the region.
US warplanes would also keep the Syrian Air Force grounded and prevented from repulsing the incoming bombers.

This plan was presented to President Obama separately by Nicolas Sarkozy before he was voted out of office and Saudi Defense Minister Prince Salman, who arrived at the White House on April 12 for a personal presentation. The prince maintained that there is no end in sight for the Syrian conflict; it would only spread and ignite the rest of the Middle East. The peril could only be rooted out at source by a single, sharp military strike that would remove Assad and his close clan for good. This would be the only acceptable kind of Western-Arab armed intervention in Syria and it had the added advantage of being effective without bringing foreign boots to Syrian soil.

In early May, Sarkozy was still trying to talk Obama around to the plan. He spent his last days in the Elysée Palace in long telephone conversations with the White House in which he drove home three points:

1.  Because Assad has concentrated his family, top military command and intelligence chiefs at a single nerve center behind the fortified walls of the Qassioun Palace, the snake’s head can feasibly be cut off at one stroke.
The case of Libya’s Muammar Qaddafi was different because, unlike Assad, he never stayed long in one place and was constantly on the move.

 2. Once that nerve center is destroyed, Syrian army and intelligence would be bereft of their sources of command. Their troops may remain in their bases and wait for news, while their officers may use the sudden political vacuum in Damascus to try and seize power. In either case, the Syrian military would be free of its orders to crush the anti-Assad revolt.
3.  The French, Saudi and UAE air forces lack a central command center capable of coordinating a major combined air operation and therefore depend on the United States to provide this essential component. American military input is also vital for paralyzing Syria’s air defenses by applying its cyber warfare capabilities to disrupt the radar systems of Syria’s anti-air missile batteries.
Our Washington sources report that Obama consistently resisted repeated French and Saudi efforts to jump aboard their initiative.
The Saudi defense minister at one point in their conversation told the US president harshly that it was time for the Americans to stop talking and start acting. But Obama remained unmoved.

هذا الكلام يذكرنا بالكلام التالي الذي نقلته من صحيفة الشرق الأوسط السعودية قبل فترة:

كان للسفير السعودي الأسبق بندر بن سلطان دور خطير. فقد سد الباب أمام رسل صدام وحلفائه العرب الذين تقاطروا على واشنطن يطرحون وعودا ومبررات هدفها الحقيقي تمكين صدام من الغنيمة. وعندما سأل بوش سفير السعودية الذي شن حملة دبلوماسية على كل الأصعدة في واشنطن واستعان برئيسة وزراء بريطانيا ثاتشر التي طارت للولايات المتحدة وقالت للرئيس جورج بوش الأب تحثه على ألا يتردد ويساوم «هذا ليس الوقت لتبدو مرتبكا». وبدوره سأل بوش بندر متشككا هل أنتم مستعدون أن نرسل لكم قوات أميركية تحارب صدام؟ رد عليه السفير «نعم.. إذا كنتم مستعدين لإرسال قوات ضخمة». كانت هناك مخاوف لها ما يبررها أن يمتنع الأميركيون عن التدخل ويقبلوا بحلول ووساطات كانت مطروحة، خاصة أن الفرنسيين والروس وغيرهم يدفعون بفكرة الحل السلمي الذي سيترك الكويت لصدام.

عصابة آل سعود ما زالت تلعب نفس الدور التاريخي المرسوم لها إسرائيليا. هم كانوا السبب وراء دمار مصر والعراق والآن هم يقومون بنفس الدور لتدمير سورية، ولكن الجديد الآن هو أن حلفاءهم الصهاينة والأميركان يفضحونهم ويكشفون عمالتهم ومؤامراتهم على الملأ وعبر مواقع الإنترنت.

الفكر القومي العربي فشل واندثر لأنه كان قائما على عدد من الخرافات والمغالطات الكبيرة، ومن هذه المغالطات اعتبار إسرائيل العدو الأول للمشروع القومي العربي، وهذا هراء كبير. من الذي دمر العراق في عام 1991؟ هل هي إسرائيل أم آل سعود؟ من الذي دمر ليبيا وسورية؟ من الذي دمر مصر في الستينات؟ أليس آل سعود هم من شجعوا عملاءهم السوريين على الانفصال عن مصر؟ مؤامرة فصل سورية عن مصر في عام 1961 كانت بداية النهاية للمشروع القومي العربي وبداية الهزيمة لمصر.

السبب الأساسي لهزيمة القومية العربية لم يكن إسرائيل. إسرائيل لم تفعل شيئا سوى أنها هاجمت العرب مرة واحدة في عام 1967 لأسباب دولية وإقليمية أكبر من حجم إسرائيل. إسرائيل هي كيان صغير ضخم القوميون العرب من حجمه وهولوا من شأنه وجعلوه شماعة علقوا عليها كل شيء.

إسرائيل هاجمت مصر في عام 1967 لأنها كانت الجهة الوحيدة المؤهلة للعب هذا الدور. السعودية لم تكن تستطيع أن تهاجم مصر وقتها، وأميركا أيضا لم تكن تستطيع ذلك بسبب التوازنات الدولية والحرب الباردة. إسرائيل كانت المنفذ الصغير الذي تحمل عبء المشروع الأميركي المدعوم من عصابة آل سعود. من هزم المشروع الناصري لم يكن إسرائيل وإنما أميركا وعملاؤها، وأما إسرائيل فهي مجرد ستار اختبأ خلفه هؤلاء.

من يتتبع هزائم وكوارث العرب في العصر الحديث يجد دائما أن السبب الأساسي لتلك الهزائم بعد أميركا كان عصابة آل سعود. هذه هي الحقيقة التي أدى التغافل عنها إلى هزيمة المشروع القومي العربي.

صدام حسين الغبي حاول بعد الحرب الإيرانية التقارب والتحالف مع آل سعود، فماذا كانت النتيجة؟ هذه هي النتيجة مجددا:

كان للسفير السعودي الأسبق بندر بن سلطان دور خطير. فقد سد الباب أمام رسل صدام وحلفائه العرب الذين تقاطروا على واشنطن يطرحون وعودا ومبررات هدفها الحقيقي تمكين صدام من الغنيمة. وعندما سأل بوش سفير السعودية الذي شن حملة دبلوماسية على كل الأصعدة في واشنطن واستعان برئيسة وزراء بريطانيا ثاتشر التي طارت للولايات المتحدة وقالت للرئيس جورج بوش الأب تحثه على ألا يتردد ويساوم «هذا ليس الوقت لتبدو مرتبكا». وبدوره سأل بوش بندر متشككا هل أنتم مستعدون أن نرسل لكم قوات أميركية تحارب صدام؟ رد عليه السفير «نعم.. إذا كنتم مستعدين لإرسال قوات ضخمة». كانت هناك مخاوف لها ما يبررها أن يمتنع الأميركيون عن التدخل ويقبلوا بحلول ووساطات كانت مطروحة، خاصة أن الفرنسيين والروس وغيرهم يدفعون بفكرة الحل السلمي الذي سيترك الكويت لصدام.

تقارب صدام حسين مع آل سعود هو غباء شديد ويشبه التقارب مع إسرائيل. التقارب مع إسرائيل أقل ضررا من التقارب مع هذه العصابة العميلة.

إذا أعيد إحياء المشروع القومي العربي مستقبلا فيجب إجراء إعادة تقييم شاملة لهذا المشروع ومنطلقاته. الخطأ الأكبر الذي وقع فيه الفكر القومي العربي في القرن العشرين هو سوء ترتيب الأولويات.

ما هي الأولوية؟ هل الأولوية هي تحرير فلسطين أم الوحدة العربية؟

الجواب الصحيح هو الوحدة العربية، ومن يحاول تحرير فلسطين قبل تحقيق الوحدة العربية يجب اعتباره خائنا وعميلا لأنه يساعد على هزيمة المشروع القومي.

ما هي الأولوية في الوحدة؟ هل الأولوية هي الوحدة مع الدول المجاورة أم الدول البعيدة؟

الجواب الصحيح هو أن الأولوية يجب أن تكون للوحدة مع الدول المجاورة، وأما طرح مشاريع الوحدة مع الدول البعيدة جغرافيا فهذا أيضا شكل من الخيانة والعمالة ولدينا في التاريخ السوري أمثلة واضحة على هذا الأمر. الطبقة السياسية الحاكمة في سورية اخترعت مفهوم “المثلث السوري-المصري-السعودي” بهدف نسف مشاريع الوحدة العربية والتهرب منها. المثلث السوري-المصري-السعودي هو مثلث استعماري صهيوني لا علاقة له بالعروبة والقومية العربية. هذا المثلث تم خلقه لكي يكون بديلا استعماريا عن الوحدة العربية وليس طريقا إليها.

من هو العدو الأول للمشروع القومي العربي؟

هذا السؤال هام جدا وجوهري. طالما أن الوحدة العربية مقدمة على تحرير فلسطين فهذا يعني بالضرورة أن عصابة آل سعود هم العدو الأول وليس إسرائيل. إسرائيل كما قلت لم تكن يوما خطرا حقيقيا على القومية العربية. هي دولة صغيرة معزولة وليست لديها القدرة أصلا على إجهاض المشروع القومي العربي. الخطر الحقيقي الذي نجح بالفعل في إجهاض المشروع القومي هم عصابة آل سعود بمؤامراتهم وفكرهم الرجعي الاستعماري الذي نجح في غسل عقول العرب وأعادهم إلى عصور الظلام وما قبل المدنية.

أي مشروع قومي عربي لا يأخذ هذه المبادئ في الاعتبار فإن مصيره سيكون الفشل والهزيمة الحتمية، وأنا هنا لا أنظّر وإنما أحلل تجارب التاريخ وأستخلص منها العبر.

المقال الذي نشره موقع دبكا موجه إلى روسيا. أميركا تقول أن عصابة آل سعود تضغط علينا لقصف سورية ولكننا نرفض ذلك، وبالتالي من الأفضل لك يا روسيا التجاوب معنا لكي تجنبينا ضغط عصابة آل سعود، أي أميركا تريد الاختباء وراء عصابة آل سعود واستخدامها كورقة للضغط على روسيا.

اليوم أيضا قالت هيلاري كلينتون أن الموقف الروسي سيؤدي إلى حرب أهلية في سورية، وما لم تجرؤ كلينتون على قوله بنفسها أوكلت به نعلها بان كي مون الذي قال أن الحرب الأهلية في سورية إن اندلعت فلن يمكن إنهاؤها، بمعنى أنه يقول لروسيا أن السلطة السورية لن تتمكن أبدا من استعادة السيطرة على البلاد، وهذه هي نفس الرسالة التي حملها وزير الخارجية البريطاني إلى روسيا، والذي هو مجرد نعل آخر لأميركا.

الهدف الحقيقي من كل هذه الضغوطات على روسيا ليس إقناعها بالتخلي عن الأسد. أنا قلت منذ بداية الأزمة السورية أن أميركا تفضل خلع الأسد ولكنها مستعدة لتقبل بقائه إن نجحت في فرض النموذج العراقي على سورية. التصاريح الأميركية والغربية بدأت في الآونة الاخيرة تركز على موضوع السلاح. أميركا تريد الآن إقناع روسيا بفرض حظر سلاح على سورية، وهذا هو الهدف الحقيقي من التصعيد الحالي.

موقع دبكا تحدث قبل أيام عن أن روسيا أعادت سفينة الأسلحة التي كانت متجهة إلى سورية أدراجها، وهذا بالضبط هو هدف أميركا الأول الآن. اليوم موقع دبكا نشر مقالا جديدا يقول فيه أن أوباما سيطلب من بوتين نشر قوة دولية في سورية لحماية الأسلحة الكيماوية السورية من استيلاء القاعدة عليها. هذا أول اعتراف صريح بهدف أميركا الحقيقي من كل ما يجري.

أميركا قالت أن المناورات التي جرت مؤخرا في الأردن لم تكن بهدف الاستعداد لإسقاط النظام السوري وإنما بهدف الاستعداد “لحماية الأسلحة الكيماوية السورية”. والآن أميركا تريد إقناع روسيا بإرسال قوة دولية إلى سورية ليس لإسقاط النظام وإنما لحماية الأسلحة الكيماوية. كل تركيز أميركا الآن هو ليس على إسقاط النظام بقدر ما أنه على حماية الأسلحة الكيماوية (أي تجريد سورية منها). أنا شخصيا قلت من قبل أن السبب الأساسي الذي دفع أميركا للقبول بإرسال المراقبين إلى سورية هو رغبتها في تحديد مواقع الصواريخ والأسلحة الكيماوية السورية. هؤلاء المراقبين بالنسبة لأميركا هم مجرد جواسيس كمراقبي العراق سابقا.

كل هم أميركا الآن هو تكرار النموذج العراقي في سورية وتجريد سورية من أسلحتها، وهذا هو ما سيطرحه أوباما على بوتين. هو سيقول له أننا نريد خلع الأسد، ولكنك في حال كنت ترفض ذلك فالبديل هو تجريد سورية من السلاح. هذا هو بالضبط ما سيطرحه أوباما على بوتين.

أميركا كما قلت من قبل تعمل وفق عقلية صراع البقاء ولا تفهم إلا لغة القوة. الأميركان لا يرون في سورية شيئا سوى الصواريخ والأسلحة الكيماوية، ولولا هذه الأسلحة لكانت أميركا قصفت سورية منذ زمن طويل (منذ عام 2003).

أنا ليس لدي شك في أن الهدف الأساسي للمعارضة السورية وللجيش السوري الحر هو تحديد مواقع الصواريخ والأسلحة الكيماوية. لا شك أن أميركا وعصابة آل سعود وعدوهم بالتدخل لإيصالهم إلى السلطة في حال كشفوا مواقع هذه الصواريخ والأسلحة.

روسيا حتى الآن تقول أنها لن تتنازل، وبالنسبة للتدخل الخارجي فروسيا سبق أن قالت أن هذا التدخل إن تم فسيؤدي إلى فشل من يقومون به.

اندلاع الحرب الأهلية في سورية هو أمر سيء، ولكن الأسوأ منه هو ربح أميركا لهذه الحرب، وأنا بصراحة لا أرى أن لأميركا القدرة على ربح الحرب الأهلية. هم يحلمون بهذه الحرب منذ ستينات القرن العشرين لاعتمادهم على نظريات سقيمة وفاشلة. هم يظنون أن الحرب الأهلية ستؤدي إلى انقسام طائفي، وهذا أمر مشكوك فيه وثبت خطؤه خلال الأشهر الماضية. السنة في سورية منقسمون إلى نصف مؤيد للمعارضة ونصف رافض لها. قليل من السنة يحبون النظام السوري، ولكن نصفهم على الأقل يرفضون المعارضة ومن يقف وراءها، وهذا هو سبب خيبة الأمل الأميركية من المعارضة السورية ومن القومية العربية و”التطرف” في سورية.

الحرب الأهلية ستنتهي بهزيمة المعارضة حتما. لبنان والعراق كلاهما إلى جانب الحكومة السورية وأميركا لم تستطع تغيير هذه الحقائق. بالنسبة لتركيا فهي ستعاني من مسألة الأكراد قريبا ولن تستطيع دعم المعارضة السورية كما يجب، وأما الأردن فهو لا يستطيع أن يقلب الموازين.

الكلام عن قصف أميركي لسورية هو كلام فارغ، وسورية بالمناسبة تعيش تحت التهديد بالقصف الأميركي منذ ثمانينات القرن العشرين، أي أن هذه ليست مسألة جديدة وسورية مستعدة لها منذ عقود. القصف الأميركي إن تم فهو سيستهدف البنية التحتية بهدف تكرار السيناريو اليوغوسلافي في سورية. أميركا ربما تقوم بقصف محطات الطاقة والمياه والوقود بهدف هدم بنية الدولة السورية، ولكن سورية سوف ترد بالمثل وسوف تقصف البنية التحتية في تركيا وإسرائيل، ناهيك عن أن الأمور إذا تطورت فإن الأسلحة الكيماوية ربما تتسرب إلى جماعات مناهضة لإسرائيل وتركيا وأميركا. هذه عوامل رادعة ستجعل أميركا تفكر مئة مرة قبل قصف سورية.

من الأخطاء الاستراتجية الجسيمة في العقيدة العسكرية السورية عدم وجود خطط واستعدادات لقصف عصابة آل سعود. العقلية العسكرية السورية تنظر لإسرائيل وتركيا على أنهما العدوان المحتملان، أما عصابة آل سعود فهي حسب علمي في منأى عن الصواريخ السورية، وهذا هو الخطأ الجسيم.

ما الذي يدفع عصابة آل سعود للضغط على أميركا لكي تقصف سورية وسابقا العراق؟ السبب هو غياب الردع. هم لا يشعرون بالتهديد ولا يشعرون بأن هناك عواقب لأفعالهم. العراق في عام 1991 لم يلحق أي ضرر يذكر بعصابة آل سعود. وقتها فروا جميعا إلى أوروبا وأميركا وظلوا هناك إلى أن تم تدمير العراق وبعدها عادوا مجددا إلى قصورهم.

لو كانت لدى سورية خطة عسكرية لتدمير قصور آل سعود لكانت سياستهم في المنطقة تغيرت جذريا. إن اندلع نزاع ودمرت فيه قصور آل سعود وأموالهم فعندها سيفهمون ما هو معنى الحرب والقصف وأن المسألة ليست لعبة. طالما أنهم يشعرون بالحصانة فإذن سياساتهم الحالية غير مستغربة.

أميركا الآن تقوم عبر نعالها بإغراق سورية بالأسلحة، وهذا الأمر لن يسقط النظام السوري. العراق في السنوات الماضية كان يشهد تفجيرات ومجازر كل يوم ولكن النظام لم يسقط. أعمال الإرهاب لم تنجح يوما في إسقاط الأنظمة. الهدف من هذه الأعمال هو ربما دفع الجيش السوري للانسحاب من بعض المناطق وتركها للمتمردين. هذه السياسة تفيد فقط على المناطق الحدودية، ولكن النظام السوري لن يسمح للمتمردين بالسيطرة على أي منطقة حدودية.

عامل الإرباك الكبير الآن هو وجود المراقبين الذين يعملون على تسهيل أمور المتمردين. لولا وجود هؤلاء المراقبين لكان وضع المتمردين أصعب بكثير. أميركا تريد المزاوجة بين عمل المراقبين وبين إغراق سورية بالسلاح بهدف إضعاف سيطرة الدولة على أراضيها.

النظام السوري لن يسمح للمتمردين بالسيطرة على مناطق حدودية ولن يسمح لهم بالسيطرة على مواقع الصواريخ والأسلحة، وبالتالي المتمردون لن يربحوا الحرب الأهلية. سوف تكون هناك الكثير من الدماء وسوف يموت مئات الآلاف ولكن نتيجة الحرب الأهلية لن تكون لصالحهم.

يجب ألا نخشى من فكرة الحرب الأهلية لأنها للأسف أصبحت أمرا واقعا. أميركا دفعت بكميات هائلة من الأسلحة والمتفجرات إلى سورية وهذه الأسلحة لن تبقى في المخازن بل سوف تستخدم وسوف يموت بها ناس، وبالتالي يجب أن نتوقع أعدادا كبيرة من الضحايا. طالما أننا أصبحنا نعيش واقع الحرب الأهلية فجيب أن يكون التركيز الآن على كيفية ربح هذه الحرب. جانب السلطة لم يختر الحرب ولكنها فرضت عليه فرضا لأن هناك من يحلمون بها ويعتبرونها فرصة للجهاد وإحياء أمجاد ابن تيمية. يجب أن يكون التركيز الآن حول كيفية ربح الحرب لأن الأسوأ من الحرب الأهلية هو ربح أميركا والوهابيين لها. هناك دول كثيرة عاشت حروبا أهلية وخسرت فيها الكثير (الحرب الأهلية الأميركية: نصف مليون قتيل، الحرب الأهلية الروسية: مليون ونصف قتيل، الحرب الأهلية اللبنانية: 200 ألف قتيل، إلخ). الحروب الأهلية تتميز دائما بضخامة عدد الضحايا وبالدمار الشامل الذي تسببه، ولكن في كل الحروب الأهلية هناك دائما رابح وخاسر سياسيا. ميزان القوى في الحرب الأهلية السورية هو لمصلحة المحور المناوئ لأميركا، وبالتالي الاحتمال الأكبر هو هزيمة أميركا وأتباعها، وهذا ليس أمرا جديدا لأن أميركا لطالما خسرت الحروب الأهلية وخاصة في منطقتنا (في لبنان في الثمانينات وفي العراق قبل سنة). لا يمكن لأميركا أن تربح في سورية إلا بالعوامل النفسية فقط وبالاعتماد على التخويف والتهويل ودفع الرشاوي والأموال، وفي سورية كل هذه الأساليب فشلت حتى الآن.

أميركا راهنت كثيرا على انقلاب من داخل الجيش السوري، وهذا الرهان ينم عن استغباء أميركي هائل للسوريين. أميركا تريد من الجيش السوري الانقلاب، ولكن على من؟ هل بشار الأسد هو المشكلة؟ وهل إزاحته ستنهي المشكلة؟ إذا انقلب الجيش السوري على بشار الأسد فهل سيلقي المتمردون أسلحتهم ويعودوا إلى بيوتهم؟ وهل سترفع أميركا وعصابة آل سعود أيديهم عن سورية؟ ومن الضامن لهذه الوعود الهرائية؟

الانقلاب على بشار الأسد لن ينهي المشكلة بل سوف ينهي الجيش السوري وسوف ينهي سورية وسوف ينهي العلويين والأقليات قبل غيرهم، وبالتالي الرهان الأميركي على انقلاب من داخل الجيش هو رهان أقل ما يقال فيه أنه معتوه وينبع من نفس العقلية الأميركية العنصرية التي تنظر للسوريين والعرب على أنهم بلهاء ومهابيل.

الانقلاب على بشار الأسد لن يحل أي شيء. هو سيكون فقط خدمة مجانية لأميركا ونعالها ونكسة كبيرة للمحور المقاوم لها. بشار الأسد يجب أن يبقى رئيسا إلى أن تنتهي الحرب الأهلية وبعد ذلك يمكننا أن نبحث في موضوع بقائه أو رحيله.

الحرب مهما طالت لن تكون لمصلحة المحور الأميركي. العراق ممسوك من الشيعة وسواء رحل المالكي أم بقي فإن غالبية شيعة العراق هم ملتزمون بالخط الإيراني، وإيران لا تنوي التخلي عن سورية بحال من الأحوال. وفي لبنان حزب الله وحلفاؤه هم القوة الأكبر. تركيا وضعها ضعيف وهش وأردوغان ربما يخسر الانتخابات القادمة. لا يوجد تهديد استراتيجي جدي لسورية والتمرد لا أفق له مهما طال أمده. أما عصابة آل سعود فمستقبلها غامض للغاية خاصة إن ربح الإخوان المسلمون الحكم في مصر.

الوحدة العربية

 

اتهمني كثير من القراء بالتشاؤم في تدويناتي الأخيرة، وأنا أقر بأنني كنت متشائما. صحيح أن الوحدة العربية متعذرة الآن ولكن هناك إمكانية للوحدة الاقتصادية بين سورية والعراق. إذا نجحت سورية في الاتحاد اقتصاديا مع العراق فهذا يعني أن المستقبل سيكون مشرقا لكلا البلدين. يجب الآن إجهاض المشروع الأميركي في البلدين وبعد ذلك سوف تكون هناك فرص كبيرة لتحقيق الوحدة العربية، وهذه الوحدة لن تؤذي إيران بل يجب أن تكون الدولة العربية حليفا ودرعا لإيران في وجه الغرب.

حل الأزمة السورية مؤجل إلى العام القادم

من كان يتابعني منذ بداية الأزمة السورية يتذكر كلامي عن أن سورية أصبحت ملعبا لقوى دولية متصارعة وأن الأزمة السورية لا يمكن حلها إلا بصفقة بين هذه القوى. هذا الكلام أنا قلته منذ ما قبل رمضان الماضي، وأنا منذ البداية تنبأت بالعقوبات والمجازر والانهيار الاقتصادي وكل ما حصل تقريبا.

الصفقة المطلوبة لإنهاء الثورة السورية هي صفقة بين أميركا وبين المحور الدولي المناوئ لها والذي يتألف من روسيا والصين وإيران.

على ماذا ستتم الصفقة؟

 أنا منذ البداية طرحت رؤيتي للصفقة التي تريدها أميركا، والأيام أثبتت أن كلامي كان صحيحا. الصفقة التي تريدها أميركا هي باختصار “إيران مقابل سورية”. أميركا تقول للمحور المناوئ لها أننا لا نستهدف إيران ونحن مستعدون لتقبل نفوذ إيران في العراق والخليج ومستعدون حتى لتقبل البرنامج النووي الإيراني، ولكننا نريد شيئا واحدا هو نزع مخالب إيران التي تطال بها إسرائيل وتحويل المنطقة المحيطة بإسرائيل إلى أرض محايدة (no man’s land).

ما تطرحه أميركا هو التالي: دولة كبيرة ومهمة ومؤثرة هي إيران، ولا مانع من أن تكون هذه الدولة نووية وأن تكون الآمرة الناهية في العراق والخليج، ولكن بشرط أن تنتهي حدود النفوذ الإيراني عند بداية صحراء الأنبار العراقية.

أميركا تريد تحويل منطقة المشرق العربي إلى مجموعة من الدويلات الطائفية، وهو نفس المشروع الغربي القديم الذي بدأ بعد انهيار الدولة العثمانية. الهدف من هذا المشروع هو باختصار حماية إسرائيل. أميركا كما شرحت من قبل لا تعترف بوجود شيء اسمه أمة عربية أو حتى سورية. هي ترى أن منطقة المشرق العربي مكونة من اليهود (أي إسرائيل) ومجموعة من الطوائف الدينية الأخرى المحيطة بها. هذه هي نظرة أميركا والعقل الغربي للمشرق العربي. هي نظرة تضع إسرائيل في المركز وتفهم العرب على أنهم مجموعة من الأقوام والشعوب المحيطة بإسرائيل.

هذه النظرة هي الهدف الذي تريد أميركا الوصول إليه، ويجب أن نعترف أن أميركا نجحت خلال فترة قصيرة نسبيا في قطع نصف المسافة إلى هذا الهدف.

أميركا أعطت منذ سنوات الضوء الأخضر لصعود الإسلام السعودي أو الوهابي في المنطقة، وأنا شرحت مرارا ما هو معنى هذا الإسلام الأميركي. المعنى باختصار هو تقسيم المنطقة طائفيا ونشر العداوة بين كل الأديان الموجودة في المنطقة ما عدا الصهاينة حصرا الذين يحرص السعوديين دائما على إبقاء الود والصداقة معهم.

أميركا عندما جاءت إلى المنطقة في عام 2003 جاءت تحت عنوان استراتيجي هو الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد. أميركا عندما تدخلت في العراق كانت تفهم التكوين السكاني والديني للعراق جيدا جدا. الأميركان ليسوا جهلة وهم يفهمون كل دول العالم بشكل جيد جدا ولديهم خبراء ومختصون في شؤون كل الدول. أميركا كانت تعلم بوجود الشيعة والسنة في العراق وهي كانت تعلم أن تدخلها من شأنه إيصال “الشيعة” إلى الحكم وخلط أوراق المنطقة.

التدخل الأميركي في العراق تزامن مع بروز ظاهرتين هامتين:

  • الظاهرة الأولى هي ظاهرة المجازر الطائفية في العراق التي لعب تنظيم القاعدة دور البطولة فيها، وهي ظاهرة لم تكن معروفة سابقا في المنطقة حيث لم تكن هناك فصائل أو جماعات تنتهج القتل الطائفي كسياسة ممنهجة.
  • الظاهرة الثانية هي ظاهرة الخطاب الوهابي الطائفي التحريضي التي لعبت المخابرات السعودية والإعلام السعوي دور البطولة فيها.

تنظيم القاعدة هو مجرد فرع للإسلام السعودي الوهابي، وأنا لا أعتقد أن هذا التنظيم بعيد عن السعودية بحال من الأحوال بل هو مجرد أداة في يد السعودية وأميركا يحركونه بشكل غير مباشر. عندما أرادت السعودية استهداف شيعة العراق وجدنا تدفق القاعدة إلى العراق لقتل الشيعة، وعندما أرادت السعودية استهداف سورية نرى الآن تدفق القاعدة إلى سورية. التحكم بالقاعدة ليس مسألة صعبة بل هو مسألة سهلة جدا. يكفي أن توعز السعودية لإعلامها وشيوخها لكي يشنوا حملة تحريض وفتاوى ضد بلد ما حتى نجد أن المناخ الوهابي والقاعدي تحرك كله ضد هذا البلد. هذا ما رأيناه في العراق حيث أن المجازر الرهيبة التي ارتكبت ضد الشيعة في العراق كانت تترافق مع صدور الفتاوى بتكفير الشيعة من السعودية. القنوات الفضائية التابعة للمخابرات السعودية (صفا ووصال) كانت في زمن المذابح الطائفية في العراق تحرض على قتل الشيعة بشكل علني ومكشوف وصريح.

أنا لا أقتنع ببراءة أميركا من تصرفات السعودية. كيف يمكن أن تدعي أميركا أنها تحارب القاعدة في العراق بينما الإعلام السعودي كله مستنفر للتحريض الطائفي ضد الشيعة. هل هذا يعني أن السعودية تعمل ضد مصالح أميركا؟ هذا كلام مضحك.

منذ بدء الثورة السورية أوعزت أميركا لكل أبواقها وأتباعها بإيقاف الحملة ضد الشيعة، وهذا ما لاحظناه أيضا في قناتي صفا ووصال اللتين أوقفتا التحريض على قتل الشيعة. أنا لم أسمع على هاتين القناتين أي دعوات صريحة لقتل الشيعة منذ بدء الثورة السورية، ولا أعتقد أن هذه صدفة بل هي جزء من المناخ الأميركي العام الذي يسعى لعقد صفقة مع إيران. حتى محكمة الحريري أوقفوها ولم نعد نسمع شيئا عنها.

أميركا عندما دخلت العراق كانت تريد (بمعونة السعودية) استثارة الشيعة وجرهم إلى حرب طائفية، وهذا ما حدث بالفعل في عام 2006 حيث أن الميليشات الشيعية شنت في ذلك الوقت حملة قتل وخطف ضد المناطق السنية، ولكن الشيعة بسبب وعيهم (وربما بسبب النصح الإيراني لهم) لم ينجروا في الحرب الطائفية للنهاية وتمالكوا نفسهم ونجحوا في الحفاظ على وحدة العراق تحت حكمهم. هذا كان فشلا أميركيا كبيرا ونجاحا واضحا لإيران.

أميركا قبلت بهزيمتها في العراق بسبب الثورة السورية. أميركا حاولت في عام 2003 إشعال ثورة طائفية في سورية في نفس الوقت الذي دخلت فيه إلى العراق. القرار الدولي 1559 الذي صدر فجأة في ذلك الوقت جاء في هذا السياق، وجاك شيراك اعترف لاحقا بأن الهدف من القرار كان إسقاط النظام السوري. أميركا كانت تعتقد أن القرار 1559 وما تبعه من تطورات (أبرزها مقتل رفيق الحريري الرمز “السني”) هي أمور من شأنها إشعال ثورة سنية ضد النظام السوري، والثورة السنية اشتعلت بالفعل في لبنان ولكنها لم تمتد إلى سورية بشكل سريع كما كان التصور وقتها. في ذلك الوقت اشتعلت أيضا الثورة الكردية في سورية (التي جاءت بتحريض من جهة العراق) وبعد ذلك جاءت حرب تموز 2006 الإسرائيلية لتتوج الخطة المرسومة لإسقاط النظام السوري والتي وردت بشكل واضح في القرار 1559.

الثورة السورية التي اشتعلت في عام 2011 هي جزء من هذا السياق وتتويج له، وهذا هو ما قصده بشار الأسد حينما تحدث عن المؤامرة في خطابه الأول، رغم أن معظم مستمعيه لم يفهموا كلامه بما في ذلك السوريين (وكثير منهم ظنوا أنه يهذي على طريقة القذافي). سبب هذا الانفصال الكامل بين السلطة والشعب في سورية هو طبيعة نظام الحكم الذي هو نظام نخبوي أوليغارخي يتعامل مع الشعب لا على أنه مصدر السلطة بل على أنه مجرد رعايا وأتباع للسلطة. هذه العقلية متأصلة في فكر البعث وغيره من الأحزاب الشمولية بما في ذلك الأحزاب الإسلامية كحزب الإخوان المسلمين. الإخوان لديهم نفس العقلية بل وأسوأ منها بكثير لأنهم يعتقدون أنهم يحكمون باسم الله وأن مناوئيهم هم أعداء الله.

الثورة السورية حاولت طرح نفسها في البداية على أنها ثورة غير طائفية، رغم أن سياقها هو سياق طائفي بالكامل لأن من أشعلها هم الوهابيون ومن أبقى نارها مشتعلة هم أيضا الوهابيون، وكل سياق الثورة ومسارها هو سياق ومسار أميركي وهابي لا علاقة له بالوطنية. في بداية الثورة عندما قدم بشار الأسد التنازلات وجدنا أن القنوات الوهابية صارت تسخر منه وتبث مشاهد كهذا المشهد مثلا:

هذا المشهد ظهر كثيرا على القنوات الوهابية في البداية، وهو يصور استهزاء “الثوار” من تنازلات بشار الأسد. هناك مسار عام كان يسعى للتصعيد وعدم الرغبة بالحوار مع الأسد. كانت هناك رغبة لدى الوهابيين وأميركا من ورائهم باستنساخ السيناريو المصري في سورية، وهذا طبعا كلام مضحك لأن الوضع السوري لا يشبه الوضع المصري في شيء، لا من حيث بنية النظام السياسي ولا من حيث بنية المجتمع ولا من حيث الوضع الخارجي. حسني مبارك كان ينام في أحضان أميركا وإسرائيل أما بشار الأسد فهو يخوض منذ استلامه السلطة حربا وجودية ضد أميركا وإسرائيل. إهمال كل خصوصيات الوضع السوري ومحاولة “تمصير” سورية خلال يوم وليلة هو كان مسعى مفضوحا لإشعال حرب في سورية. أنا لا أتحدث هنا عن الثوار المساكين وإنما عمن يقف وراءهم ويحرضهم ويرسم لهم المسار، أي أميركا وأتباعها في المنطقة.

الآن نسمع كثيرا من التباكي على مجزرة الحولة في حمص، وخلال الأيام الماضية دخل الثوار إلى المدونة لكي يشتموني ويشتموا مؤيدي النظام بحجة أنهم خائنون لطائفتهم ومساهمون في المجزرة مع العلويين.

أنا أنزعج كثيرا من المجازر في سورية، ولكنني لا أدري ما هو المفاجئ في مجزرة الحولة. أنا كنت منذ أشهر أقول أن مسار الثورة السورية سوف يقودنا إلى مجازر وتطهير عرقي وتقسيم، وأنا تحدثت كثيرا عن سعي أميركا لتطبيق السيناريو اليوغوسلافي في سورية وعن رغبتها في إحداث مجازر كبيرة تقود إلى تحقيق رؤيتها لسورية والمنطقة. في الحقيقة المجازر التي تنبأت بها لم تحصل حتى الآن. مجزرة الحولة هي ليست مجزرة حقيقية وإنما مجرد مقبلات. المجازر التي في بالي هي مجازر أكبر بكثير من مجزرة الحولة.

أنا أنطلق في إدانتي للمجازر من عاطفة إنسانية، بمعنى أنني أرفض المجازر بحد ذاتها وبغض النظر عن دين القاتل والمقتول، وأغضب لمقتل العلوي والشيعي كما أغضب لمقتل السني، أما الإخوة المعارضون كالأخ علي سعيد والأخ “سوري حر” فهم يرفضون المجازر لأنها حسب رأيهم تستهدف السنة. هذه ليست عاطفة إنسانية وإنما عاطفة حيوانية. هي نفس غريزة القطيع التي تحكم سلوك الحيوانات. ما يزعج المعارضين ليس وقوع المجازر بحد ذاتها وإنما كون المجازر تستهدف السنة حسب قولهم، وهذه العاطفة تظهر بوضوح مثلا في تعليقات الأخ “سوري حر” التي حذفتها والتي تنبع من هذه الغريزة الحيوانية البدائية مع احترامي له ولإنسانيته.

الإنسان يجب أن يغضب للقتل والظلم بحد ذاته وبغض النظر عن هوية المقتول أو المظلوم، ولكننا للأسف لا نشاهد هذه العاطفة لدى الثوار ومن يقف وراءهم. بالنسبة لهم الثورة السورية هي حرب طائفية للاستيلاء على السلطة من يد طائفة أخرى. هم يقولون منذ البداية أنهم غير طائفيون ولكن تصرفاتهم وعواطفهم وأفعالهم تكذب كلامهم. هم من البداية رفضوا فكرة الحوار مع الطرف الآخر وسخروا منها، وهذا بحد ذاته إعلان حرب وهو ما أوصل إلى مجزرة الحولة وأمثالها.

مجزرة الحولة هي مجرد تفصيل صغير جدا في صورة كبيرة، وهذه الصورة تعمل أميركا على رسمها منذ العام 2003 على الأقل. حتى الوهابيون والسعوديون هم مجرد تفاصيل في هذه الصورة، وأنا منذ بداية تدويني كنت أركز دائما على الصورة الكبيرة وعلى دور أميركا لأن نسياننا لدور أميركا وانشغالنا بالحديث عن الوهابيين والمعارضين يعني اكتمال نجاح المشروع الأميركي. الهدف الأول من المشروع الأميركي هو إلهاء سكان المنطقة ببعضهم حتى ينسوا أميركا وإسرائيل.

المنطق الذي يتبناه الوهابيون (أي آل سعود) في معظم القضايا مطابق للمنطق الأميركي، حتى في تقييمهم للمجازر. أميركا تغضب جدا إذا وقعت مجزرة ضد أميركان أو إسرائيليين، ولكنها لا تعير اهتماما لموت ملايين العراقيين والسوريين. بالنسبة لأميركا العراقيون والسوريون هم حشرات، وهذا هو نفس المنطق الوهابي الذي ينظر للآخر على أنه حشرة لا قيمة لها. خلال سنوات حصد أرواح الشيعة في العراق لم نكن نسمع أي استنكار من الوهابيين بل على العكس كنا نرى القنوات التابعة لآل سعود تؤيد وتحرض وتبارك، والآن نفس السيناريو يتكرر مع سورية، وفي كلتا الحالتين المسؤول الحقيقي هو أميركا التي تستعين بآل سعود كذراع لتنفيذ المهام القذرة.

ما سبق هو الهدف الاستراتيجي الذي تريد أميركا تحقيقه من الثورة السورية. هي تريد خلق كتلتين كبيرتين متصارعتين في المنطقة: كتلة شيعية شرقية وكتلة سنية غربية، وبين الكتلتين يجب أن تكون هناك منطقة عازلة هي منطقة المشرق العربي التي سوف تتحول إلى شيء شبيه بألمانيا قبل الوحدة الألمانية.

دولتا ألمانيا وفرنسا الحاليتان تعود أصولهما إلى مملكة الإفرنج (Frankish Kingdom) التي كانت تحكم مساحات شاسعة من أوروبا الغربية والوسطى في العصور الوسطى الباكرة (الفترة التالية لانهيار الإمبراطورية الرومانية في الغرب). هذه المملكة أسسها الإفرنج (Franks)، وهم قبائل جرمانية (Germanic) تعود أصولها إلى شمال ألمانيا. هذه القبائل سكنت شمال فرنسا في القرون الميلادية الباكرة ضمن موجة من الهجرات الجرمانية التي شهدتها أوروبا في ذلك الوقت (والتي كانت من أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية). الإفرنج كانوا من أوائل الشعوب الجرمانية التي هاجرت جنوبا واحتكت بالرومان ولهذا السبب هم تحضروا باكرا واكتسبوا الكثير من طباع وعادات الرومان بما في ذلك اللغة (اللغة الفرنسية هي لغة رومانيقية Romance متفرعة من اللاتينية وليست لغة جرمانية)، ولاحقا أيضا الإفرنج أخذوا الدين المسيحي من الرومان.

مملكة الإفرنج وصلت إلى ذروة مجدها في عهد شارلمان Charlemagne في بداية القرن التاسع (في العصر العباسي عند المسلمين). شارلمان هذا شن حربا شعواء ضد السكسون Saxons استمرت لمدة ثلاثين عاما، والسكسون هم فصيل آخر من الجرمان كانوا يسكنون شمال ألمانيا في ذلك الوقت وكانوا يتميزون عن الفرنجة بمحافظتهم على لغتهم وتراثهم الجرماني وعلى دينهم القديم (الوثني). شارلمان غزا السكسون وخيرهم بين الدخول في المسيحية أو الموت بحد السيف، وبعد أن قتل الآلاف منهم نجح في فرض الديانة المسيحية عليهم وبهذا دخلت الديانة المسيحية إلى ألمانيا. ثم بعد ذلك توجه جنوبا نحو إيطاليا وقاتل اللومبارديين Lombards، وهم جرمان كانوا يسكنون شمال إيطاليا. بابا روما في ذلك الوقت كان يحكم وسط إيطاليا وعندما تمدد اللومبارديون نحو أراضيه طلب المساعدة من شارلمان الذي أنجده ووفر الحماية له حتى وفاته، ووفرها أيضا للبابا التالي له (ليون الثالث) الذي قام في يوم 1\1\800 (اليوم الأول من عام 800) بتنصيب شارلمان “إمبراطورا على الرومان”، بمعنى أن مملكة شارلمان كانت حسب وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية استمرارا للإمبراطورية الرومانية البائدة (مثلما أن الكنيسة الكاثوليكية كانت تعتبر نفسها كنيسة للدولة الرومانية البائدة وهي ما زالت تسمي نفسها حتى اليوم “الكنيسة الكاثوليكية الرومانية” Roman Catholic Church). الأوروبيون في القرون الوسطى لم يكونوا يعرفون أنهم يعيشون في القرون الوسطى بل كانوا يعتقدون أنهم يعيشون في العصر الحديث، والكنيسة الكاثوليكية لم تكن تعترف بسقوط الإمبراطورية الرومانية وظلت طوال القرون الوسطى تعتبر أن هذه الإمبراطورية ما زالت قائمة وكانت تمنح لقب إمبراطور الرومان مرة لهذا الملك ومرة لذاك حسب ولاء الملوك للكنيسة في روما العاصمة الافتراضية للرومان. مفهوم الدولة الرومانية عند الكنيسة الكاثوليكية كانت له أهمية دينية شبيهة بأهمية مفهوم الخلافة عند المسلمين ولذلك رفضت هذه الكنيسة فكرة زوال الدولة الرومانية وأصرت على بقائها.

الممالك الإفرنجية الثلاث التي نتجت عن تقسيم مملكة شارلمان في عام 843. المملكة الغربية تحولت في النهاية إلى دولة فرنسا والمملكة الشرقية تحولت في النهاية إلى دولة النمسا، أما المملكة الوسطى فتفتت إلى عدة دويلات واضمحلت

المملكة الفرنجية الهائلة في عهد شارلمان (التي كانت تضم أوروبا الوسطى والغربية ما عدا إسبانيا الإسلامية وبريطانيا) وزعت بعد وفاته على أولاده الثلاثة (حسب العرف السائد في القرون الوسطى)، فأضحت بعد وفاته ثلاث ممالك: غربية ووسطى وشرقية. المملكة الفرنجية الغربية تحولت لاحقا إلى المملكة الفرنسية (دولة فرنسا الحالية)، والمملكة الشرقية تحولت في القرن العاشر إلى “الإمبراطورية الرومانية المقدسة” (Holy Roman Empire)، وهذه الدولة هي دولة ألمانيا التاريخية (الرايخ الأول)، أما المملكة الوسطى فتقسمت بعد وفاة ملكها الأول إلى ثلاثة أقسام هي لوثرينغيا Lotharingia في الشمال وبورغنديا Burgundy في الوسط ولومبارديا في الجنوب Lombardy. هذه المناطق ضمت لاحقا إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة ثم في النهاية قسمت المنطقة الشمالية إلى أربعة أقسام: قسم جنوبي هو حاليا غرب سويسرا يعلوه قسم هو حاليا في فرنسا ثم قسم هو حاليا في ألمانيا ثم قسم أخير هو حاليا منطقة الأراضي الواطئة (هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ)، أما المنطقة الوسطى بورغنديا فهي حاليا في فرنسا، والمنطقة الجنوبية لومبارديا هي حاليا شمال إيطاليا.

الإمبراطورية الرومانية المقدسة (ألمانيا) كانت دولة كبرى في أوروبا في القرون الوسطى، وفي نهاية القرون الوسطى كانت العائلة الحاكمة لهذه الدولة هي عائلة الهابسبورغ Hapsburg الإقطاعية العريقة المتحدرة من النمسا. في بداية القرن السادس عشر (بداية “العصور الحديثة” حسب تقسيم التاريخ الأوروبي) ظهرت في شمال ألمانيا الفتنة البروتستانتية التي قادها رجل الدين المسيحي المتمرد مارتن لوثر، وهذه الفتنة تشبه في الكثير من جوانبها فتنة الوهابية في التاريخ الإسلامي. مارتن لوثر كان ينكر الكثير من مبادئ وتعاليم وعبادات الكنيسة الكاثوليكية لكونها حسب رأيه بدعا ظهرت في عصور لاحقة لظهور المسيحية. هو كان ينكر مفهوم الكنيسة الكاثوليكية من أساسه وكان ينكر بابوية البابا وينكر كرامات القديسين وتعاليمهم ولا يعترف بأي شيء إلا بالكتاب المقدس حصرا، وحتى هذا الكتاب هو لم يكن يعترف به بالكامل حيث أسقط منه بعض أسفار الكتاب اليهودي (“العهد القديم”) بحجة أنها إضافات متأخرة، وكان يفكر في حذف أسفار من الكتاب المسيحي أيضا ولكنه خشي ردة فعل الناس، ولقد نقل عنه أتباعه وصفه لبعض أسفار الكتاب المسيحي بأنها من تأليف يهود لا يفقهون شيئا في المسيحية.

البروتستانت ينكرون كرامات القديسين المسيحيين ويرفضون التشفع والتبرك بهم بحجة أن ذلك بدعة، وهم يرفضون وجود أي واسطة بين الإنسان والله ويصرون على الصلاة لله مباشرة وبدون وسيط، ويرفضون طقس الاعتراف في الكنيسة وينكرون دور رجال الدين في التشفع للخاطئين، ويرون أن أي إنسان مؤمن بتضحية المسيح هو ناج حتما ويرفضون فكرة المطهر purgatorium الذي تتطهر فيه الأرواح بعد الموت حسب المعتقدات الكاثوليكية. هم أيضا لديهم موقف سلبي من السيدة العذراء ويرفضون الصلاة لها والتشفع بها وينكرون بعض الأوصاف التي تطلق عليها بحجة أنها من الغلو، وهذا شبيه بموقف الوهابية من الرسول محمد. أيضا بعض غلاة البروتستانت يرفضون حتى تمثيل علامة الصليب على الجسد ويعتبرون ذلك بدعة، وهذا شبيه بموقف غلاة الوهابية الذين يرفضون الصلاة على النبي محمد بحجة أنها بدعة. البروتستانت يخالفون الكاثوليك أيضا في المظهر الخارجي فهم مثلا يرفضون الأيقونات والصور في كنائسهم، ولهذا يمكن تمييز كنائسهم بسهولة عن بقية الكنائس حيث أنها تكون خالية من الصور والزخارف وتتميز بالبساطة الشديدة، وهذا شبيه بمساجد الوهابية التي تكون في العادة خاوية على عروشها ولا تحوي أي زخارف أو زينة. أيضا رجال الدين البروتستانت لديهم لباس خاص بهم يختلف عن اللباس الكاثوليكي، وبعضهم يرتدي اللباس المدني العادي ويضع فقط طوقا أبيض على رقبته. هذا أيضا شبيه بالوهابية الذين لهم موديل خارجي خاص بهم ومن يراهم يعرف أنهم وهابيون من موديلهم.

مارتن لوثر بدأ فتنته في مدينة Wittenberg في ألمانيا الشرقية حاليا، وكان من الممكن وأد هذه الفتنة في مهدها ولكن ما حصل هو أن أمير سكسونيا المسمى Frederick III of Saxony حمى مارتن لوثر ورعاه ومنع سلطات الإمبراطور الروماني المقدس كارل الخامس من الوصول إليه، وهذا شبيه بموقف ابن سعود أمير الدرعية الذي تبنى محمد بن عبد الوهاب ورعاه. بسبب هذه الحماية والرعاية التي حظي بها مارتن لوثر فإن فتنته انتشرت وعمت شمال ألمانيا بأسره، والسبب الكامن وراء هذا الانتشار السريع هو رغبة حكام شمال ألمانيا في التخلص من سلطة الإمبراطور الروماني المقدس، وأفكار مارتن لوثر كانت تمثل بالنسبة لهم الفرصة الذهبية لذلك حيث أنها كانت تدعو للتحلل من سلطة الكنيسة الكاثوليكية التي يستمد منها الإمبراطور الروماني المقدس شرعيته.

بعد أن انتشرت فتنة مارتن لوثر في شمال ألمانيا وعظم أمرها أصبحت ألمانيا مقسمة فعليا إلى قسمين، قسم جنوبي محافظ على الدين الكاثوليكي والولاء للكنيسة الرومانية والإمبراطور الروماني المقدس، وقسم شمالي متمرد على الدين والكنيسة والإمبراطور، وهذا ما أدخل ألمانيا في وضع خطير للغاية وسلسلة لا تنتهي من الاضطرابات والقلاقل والحروب. أولى تجليات الفتنة اللوثرية كانت “حرب الفلاحين” (Peasants’ War) التي شهدها مارتن لوثر بنفسه، ثم تبع هذه الحرب سلسلة من القلاقل حاول خلالها الأباطرة الرومان المقدسون احتواء اللوثريين والتوصل معهم إلى حل سلمي، ولكن اللوثريين كانوا في قرارة أنفسهم عازمين على الحرب وغير راغبين بالحل السلمي بسبب التحريض الخارجي من الدول المحيطة بألمانيا والتي كانت ترغب في التخلص من الإمبراطورية الرومانية المقدسة وتقسيمها، وأبرز الدول المحرضة كانت فرنسا العدو التاريخي لألمانيا.

في بداية القرن 17 عقد الإمبراطور الروماني المقدس رودولف الثاني اتفاقا مع اللوثريين لحل الخلافات بين الجانبين سلميا، ولكن الدول المحرضة روجت لمقولة أن هذه الاتفاقية تعني عودة سلطة الكاثوليكية إلى شمال ألمانيا، وعلى رأس الدول المحرضة كانت فرنسا التي هي دولة كاثوليكية وكانت تقمع البروتستانت في أراضيها وترتكب بحقهم المجازر (من مجازر فرنسا الشهيرة ضد البروتستانت في القرن 16 مجزرة فاسي Massacre de Wassy ومجزرة القديس برتولماي Massacre de la Saint-Barthélemy). المفارقة الغريبة هي أن فرنسا ذات التاريخ الأسود مع البروتستانت كانت العقل المدبر وراء تمرد البروتستانت في ألمانيا وفشل الحلول السلمية، وهذا يذكرنا بآل سعود ودعوتهم إلى الحرية في سورية.

فشل الحلول السلمية أدى في النهاية إلى اندلاع الحرب الأهلية المدمرة في ألمانيا، وهي الحرب المعروفة باسم حرب الثلاثين عاما Thirty Years’ War (من 1618 إلى 1648). هذه الحرب كانت في الأصل حربا أهلية ألمانية بين السلطة الشرعية والمتمردين البروتستانت، ولكن الحرب سرعان ما تحولت إلى حرب أوروبية شاملة بسبب تدخل القوى الأوروبية في الصراع بشكل مباشر. المتمردون الألمان كانوا يريدون من فرنسا وإنكلترا التدخل في الصراع إلى جانبهم، ولكن هذه الدول شعرت بالحرج من التدخل عسكريا إلى جانب البروتستانت لأنها دول كاثوليكية تقمع البروتستانت في أراضيها وتقتلهم فكيف تتدخل لنصرتهم في ألمانيا؟ لتجاوز هذا الحرج أوعزت فرنسا إلى دول اسكندنافيا البروتستانتية (الدنمارك ثم السويد) لكي تتدخل في ألمانيا عسكريا تحت حجة نصرة البروتستانت، وفي النهاية وبعد أن استعر الصراع وتوسع وتحول إلى حرب أوروبية شاملة تدخلت فرنسا بنفسها وأرسلت قواتها إلى عمق ألمانيا لمحاربة السلطة الشرعية. الإمبراطور الروماني المقدس فيرديناند الثالث رفض في البداية الاستسلام رغم ضغط الجيوش السويدية والفرنسية ولكنه في النهاية اضطر للاستسلام بعد أن كادت الجيوش الغازية تطبق على العاصمة فيينا، وبعد استسلامه تم توقيع معاهدة وستفاليا (Peace of Westphalia) في عام 1648، وهي المعاهدة التي رسمت مصير أوروبا للقرون التالية.

حرب الثلاثين عاما قضت على الإمبراطورية الرومانية المقدسة وحولتها إلى مجرد كيان اسمي لا تتعدى سلطته الفعلية حدود النمسا، وأما بقية المناطق الألمانية فتحولت إلى دويلات مستقلة بلغ عددها في عام 1815 تسعا وثلاثين مملكة ودوقية وإمارة ومدينة مستقلة. ألمانيا بعد هذه الحرب انتهت فعليا من الوجود وحلت محلها فرنسا التي أصبحت القوة المهيمنة على أوروبا. معاهدة وستفاليا التي أنهت الحرب نصت أيضا على إنشاء عدد من الدويلات المستقلة في غربي ألمانيا كدولتي سويسرا وهولندا، وهذه الدويلات منذ ذلك الوقت وحتى الآن لم تعد مجددا إلى ألمانيا. هدف فرنسا من إنشاء هذه الدويلات كان خلق مناطق عازلة (buffer zones) بينها وبين ألمانيا.

أما على الصعيد الداخلي فنتائج الحرب كانت مدمرة للغاية وظلت محفورة في ذاكرة الألمان لقرون. ألمانيا فقدت خمس عدد سكانها الإجمالي في هذه الحرب وبعض المناطق الألمانية فقدت نصف عدد سكانها أو أكثر، والاقتصاد الألماني دمر بالكامل ولم يبق منه شيء.

كل هذه الخسائر الجسيمة للغاية بدأت بفتنة مارتن لوثر وأتباعه الذين اختاروا خط العمالة والخيانة بدلا من التفاهم مع السلطة الشرعية في بلادهم، والنتيجة كانت دمارا كاسحا ومحرقة للشعب الألماني لم يستفد منها أحد إلا فرنسا عدو ألمانيا اللدود.

الرايخ الألماني الموحد في عام 1871. اللون الأزرق هو مملكة بروسيا Preußen. اللون الأحمر هو مملكة سكسونيا Sachsen. اللون الأخضر هو مملكة بافاريا Bayern. اللون الأصفر هو ممكلة فورتمبرغ Württemberg. أما بقية الألوان فهي عبارة عن دوقيات وإمارات ومدن مستقلة. اللون البرتقالي هو دوقية بادن Baden، واللون البني هو دوقية هيسة Hesse، واللون الرمادي هو دوقية ميكلينبرغ شفيرين Mecklenburg-Schwerin. اللون الوردي هو أراضي الألزاس واللورين التي غنمتها بروسيا في الحرب الفرنسية-البروسية.

الدويلات الألمانية تحولت بعد حرب الثلاثين عاما إلى ملعب للقوى الأوروبية وساحة لتصفية الحسابات والصراعات، وما أعاد توحيد ألمانيا مجددا في القرن 19 هما عاملان:

  • بروز الشعور القومي لدى الألمان بعد التدخل الفرنسي في ألمانيا في نهاية القرن 18. في القرن 18 كانت هناك قوتان ألمانيتان كبيرتان: مملكة بروسيا (عاصمتها برلين) والإمبراطورية الرومانية المقدسة (النمسا). هاتان القوتان كانتا تتصارعان فيما بينهما على السلطة في ألمانيا ولكن عندما غزا نابوليون بونابرت ألمانيا في نهاية القرن 18 توحدت بروسيا والنمسا وكل الدويلات الألمانية في مواجهة الغزو الفرنسي، ولكن النتيجة كانت هزيمة الألمان، وهذا ما أدى إلى شعور كبير بالمرارة والدونية لدى الألمان الذين أدركوا أن سبب هزيمتهم أمام فرنسا هو كونهم مقسمين إلى دويلات. بعد الهزيمة أمام نابوليون أعلن الإمبراطور فرانسيس الثاني في عام 1806 حل الإمبراطورية الرومانية المقدسة واكتفى بلقب إمبراطور النمسا.
  • بروز مملكة بروسيا كقوة دافعة وحصان أسود للأمة الألمانية. مملكة بروسيا في القرن 19 كانت أكثر دول أوروبا تقدما من الناحية التكنولوجية والعسكرية وكانت دولة ناجحة تتوسع باستمرار وتربح الحروب، وعندما انتصرت بروسيا على فرنسا في عام 1871 (في الحرب الفرنسية-البروسية Franco-Prussian War) أدى هذا الانتصار إلى إلهاب الشعور القومي لدى الألمان وتحققت الوحدة الألمانية في نفس العام تحت مسمى “الإمبراطورية الألمانية” (Deutsches Reich). رئيس وزراء بروسيا بسمارك (Otto von Bismarck) كان صاحب الفضل في تحقيق هذه الوحدة وهو أصبح مستشار الدولة الجديدة. هذه الدولة ضمت كل الدويلات الألمانية ما عدا النمسا غريمة بروسيا التقليدية.

هذا باختصار هو تاريخ ألمانيا وكيف تم تقسيمها تحت ستار الحروب الدينية، وما يحصل الآن في المشرق العربي هو مشابه إلى حد كبير لهذا السيناريو. الوهابيون الآن هم ليسوا إلا ذريعة تستغلها أميركا لتقسيم المشرق العربي والقضاء على فكرة الأمة العربية، وكل ما يحصل في سورية الآن من مجازر يتم بتحريض واستثارة من أميركا وعملائها الذين يريدون استثمار هذه المجازر لتحقيق أهدافهم الجيوسياسية بعيدة المدى (أو بالأحرى متوسطة المدى في ظل المعطيات الحالية).

أميركا تريد تحويل المشرق العربي إلى مجموعة من الدويلات الطائفية لتحقيق عدة أهداف:

  • أولا: القضاء تماما على فكرة الوحدة العربية التي هي فكرة مدمرة للمصالح الأميركية في هذه المنطقة الحساسة.
  • ثانيا: ترسيخ وجود إسرائيل كدولة يهودية وتحويلها إلى القوة المهيمنة في المشرق العربي. حاليا هناك دولتان أكبر من إسرائيل في المشرق العربي هما سورية والعراق، وبعد تقسيم هاتين الدولتين ستصبح إسرائيل هي الدولة الأكبر والأهم في المشرق العربي.
  • ثالثا: خلق منطقة عازلة تفصل بين إيران ومن وراءها من القوى الآسيوية وبين الغرب.

هذه الأهداف هي ما تنطلق منه أميركا في مقاربتها الاستراتيجية للأزمة السورية، وكل ما تقوم به أميركا وتطرحه لا يرمي إلا لتحقيق هذه الأهداف.

أوباما كان يريد من إيران وروسيا أن تقبلا بتصوره هذا. هو عرض على إيران إعطاءها دورا هاما جدا على الصعيد الإقليمي والدولي مقابل أن تتخلى عن نفوذها العسكري في منطقة المشرق العربي. هو لا يمانع أن تحتفظ إيران بنفوذها في المنطقة ولكنه يريد تجريد هذا النفوذ من الطابع العسكري وتحويل المنطقة إلى منطقة عازلة منزوعة السلاح.

إيران طوال العام الماضي كانت ترفض هذه الصفقة الأميركية، وفي اجتماع بغداد الأخير فاجئت إيران الغرب بتمسكها بالرئيس السوري وبدعوتها له لحضور قمة دول عدم الانحياز في طهران.

رد الفعل الأميركي على الرفض الإيراني كان غاضبا، ومجزرة الحولة بالنسبة لي هي ليست إلا جزءا من رد الفعل الأميركي. أنا شاهدت قناة العربية ليلة المجزرة ولاحظت أن مذيعة القناة كانت متفاجئة أثناء حديثها مع المراسل في نيويورك من عدم انعقاد جلسة لمجلس الأمن في تلك الليلة. أتباع أميركا كانوا يظنون أن هناك جلسة لمجلس الأمن ستعقد في تلك الليلة، فهل هي مصادفة أن تقع المجزرة في نفس الليلة؟ وهل رد الفعل الغربي المنسق على المجزرة هو مصادفة؟ هل طرد سفراء سورية هو نتيجة للمجزرة أم سبب لها؟

أنا أعتقد أن قرار طرد سفراء سورية هو رد على الدعوة التي وجهتها إيران للأسد لحضور قمة عدم الانحياز، ومجزرة الحولة في رأيي كانت بتوصية وتخطيط وتدبير من أميركا وأتباعها لتبرير طرد السفراء وأشكال التصعيد الأخرى. التسبب بمجزرة الحولة أمر سهل ومن الممكن أن المتمردين تعمدوا نصب كمين للسلطة السورية لكي يورطوها في هذه المجزرة. أنا أراقب سلوك المتمردين السوريين منذ بداية الثورة وهم منذ البداية كانوا يستخدمون الأطفال كطعوم وأفخاخ سياسية. هم كانوا في البداية يدفعون بالأطفال إلى واجهة “المظاهرات” لكي يصطدموا مع رجال الأمن ويتعرضوا للإصابة، وأنا تحدثت عن قصة حمزة الخطيب وتساءلت وقتها من الذي دفع بهذا الطفل إلى مواجهة حاجز عسكري للجيش السوري ولماذا؟

من الممكن مثلا أن المتمردين تعمدوا مهاجمة الجيش السوري من منطقة آهلة بالنساء والأطفال لكي يرد الجيش السوري عليهم في تلك المنطقة ويصاب النساء والأطفال. هذا وارد جدا وهو يتفق مع عقلية المتمردين وأسلوبهم منذ بداية الثورة. العقيدة الوهابية أو “الإسلامية” التي يحملها المتمردون هي عقيدة ليس لها أية علاقة بالأخلاق والإنسانية وبالنسبة لهم مقتل 90 طفلا هو أمر بسيط في سبيل تحقيق أهدافهم. من يدرس سيرة هذه الجماعات في العراق وأفغاستان وغيرها يتبين له مدى رخص الحياة البشرية والأخلاق عند هؤلاء الناس، وحتى في تعاملنا معهم في الثورة السورية رأينا كيف أن ثورتهم قامت منذ البداية على أسس مناقضة للأخلاق والقيم الإنسانية (وحتى الدينية في مفهومي الشخصي، ولكن المشكلة هي أن كلمة “الدين” عند هؤلاء لها معنى الإرهاب والإجرام ولذلك أنا صرت أستحي من استخدام هذه الكلمة).

أميركا تريد الآن تجيير مهمة كوفي عنان لكي تفرض على الأسد التنحي. مجزرة الحولة وطرد السفراء جاءت في نفس توقيت زيارة عنان. مهمة كوفي عنان تتلخص الآن في في إقناع روسيا بالتخلي عن الأسد. كوفي عنان لا يحمل أي مبادرة حقيقية لحل الأزمة السورية بل هو يحمل فقط رسائل أميركية إلى روسيا ويحاول إقناعها بالتخلي عن الأسد والتوقف عن بيع السلاح لسورية.

قبل يومين أطلق النعل الأميركي بان كي مون تصريحا قال فيه أن على جميع الدول وقف تزويد “جميع الأطراف” في سورية بالسلاح. هذا التصريح ليس من بنات أفكار النعل بان كي مون بل هو تصريح أميركي بامتياز والهدف منه هو فرض معادلة على روسيا تقول أننا لن نوقف تزويد المتمردين بالسلاح إلا إذا أوقفتم تزويد سورية بالسلاح. طبعا إيقاف تزويد سورية بالسلاح هو مطلب أميركي-إسرائيلي قديم ومزمن يعود إلى أربعينات القربن العشرين وبداية الصراع السوري-الإسرائيلي. روسيا كانت منذ عام 1948 إلى اليوم تبيع السلاح لسورية رغما عن إرادة أميركا، وما يريده النعل بان كي مون الآن هو أن توقف روسيا تزويد سورية بالسلاح مقابل أن توقف أميركا تزويد المتمردين السوريين بالسلاح.

خلال الأيام القادمة سوف يبلغ التصعيد الأميركي مداه على أمل إقناع روسيا بتطبيق “النموذج اليمني” في سورية، وأنا بصراحة لا أرى إمكانية لتطبيق هذا النموذج في سورية لأن الوضع مختلف جذريا. النموذج اليمني لم يكن تسوية بين قوى دولية متصارعة وإنما كان شأنا أميركيا داخليا، لأن اليمن هو منطقة نفوذ أميركية، أما سورية فهي ليست منطقة أميركية وإنما منطقة عدوان وتدخل أميركي. تطبيق النموذج اليمني في سورية هو أمر عادي وطبيعي لو كانت أميركا بعيدة عن التدخل في الشأن السوري، ولكن ما يحدث الآن هو أن أميركا تريد تطبيق النموذج اليمني في سورية بينما هي تقحم نفسها بقوة في سورية، بمعنى أن هدفها ليس مجرد تغيير الرئيس الأسد وإنما هي تريد الحصول على حصة في سورية، وقضية حصول أميركا على حصة في سورية هي قضية شائكة لأنها تعني تفكيك النظام وتركيب نظام جديد، وهذا أمر معقد جدا وله تداعيات وحسابات خطيرة، خاصة ونحن نعلم أن أميركا تتحرك في الموضوع السوري بسوء نية ومن خلفية استراتيجية لها أبعاد ومرامي لا تنحصر في سورية نفسها.

إيران وروسيا رفضتا القبول بصفقة باراك أوباما التي تحدثت عنها (صفقة المنطقة العازلة) لسبب أساسي هو الانتخابات الأميركية المقبلة. إيران وروسيا تشعران حاليا بأن أوباما في موقف ضعيف وهو مقبل على انتخابات ولن يغامر بأي عمل كبير، وبالتالي هما تشعران بأنهما تملكان فترة سماح حتى العام القادم. أيضا هما لا تريدان الاتفاق مع أوباما لأن مصيره غير مؤكد ومن الممكن أن يرحل عن البيت الأبيض في نوفمبر، وبالتالي من الأفضل الانتظار للتفاوض مع الإدارة المقبلة بدلا منه.

أوباما الآن سيصعد إلى أقصى حد على أمل إقناع روسيا بمبادرة عنان (التي هي النموذج اليمني كما قلت)، ورسالة وزير الخارجية البريطاني كانت واضحة عندما قال أن الخيار في سورية هو بين مبادرة عنان والحرب الاهلية. هو نقل رسالة أميركية للروس مفادها أن بقاء الأسد يعني فشل مهمة عنان والحرب الأهلية.

من المستبعد أن تقبل روسيا بتبديل الأسد حاليا خاصة وأنه ما زال يحظى بالدعم الإيراني ووضعه داخل سورية ما زال جيدا، ولا يوجد لدى أوباما ما يغري بتقديم هكذا تنازل له. على ما يبدو فإن مهمة عنان شارفت على نهايتها، وهذا ربما هو سبب عودة الكلام السوري عن “الحسم” ضد المتمردين. النظام السوري يستشعر قرب نهاية الهدنة وهو يستعد على ما يبدو لمواصلة القتال ضد المتمردين.

الاتفاق الروسي-الأميركي لو تم الآن فهو سيكون مجرد اتفاق جديد للتهدئة وتقطيع الوقت، ولكنه لن يكون اتفاقا يحل المشكلة جذريا. الاتفاق الجذري غير ممكن قبل الانتخابات الأميركية، وهذا هو معنى أن يكون الوضع السوري معلقا على مصالح القوى الكبرى. سورية فقدت استقلالها فعليا منذ أشهر وتحولت إلى مجرد ملعب للقوى الدولة المتصارعة. لا يوجد أي سوري يمكن أن يتحكم بمصير سورية الآن. بشار الأسد لا يملك شيئا وهو مجرد طرف من أطراف الصراع. هو لا يستطيع أن يحل المشكلة مهما فعل. أنا لست من أنصار بقاء الأسد للأبد ولكن كما قلت من قبل مرارا فإن تنحي الأسد الآن لن يؤدي لشيء سوى تقريب أميركا خطوة إضافية إلى تحقيق مشروعها لتقسيم سورية.

أنا أشجع تداول السلطة في سورية إذا كان ذلك في إطار عملية سياسية وطنية داخلية، أما المطروح الآن فهو أن يتخلى الأسد عن السلطة ويسلمها أو قسما منها إلى أميركا، وهذا أمر مرفوض تماما بالنسبة لي. أنا أرفض تنحي الأسد إلا بعد أن تنتهي الثورة السورية وبعد أن تقطع يد أميركا الممدودة إلى الداخل السوري. في ذلك الوقت أنا أطالب بتداول السلطة في سورية ولكن ليس الآن.

الآن أميركا تضغط بقوة لتطبيق السيناريو اليمني في سورية، والمتوقع هو فشل هذه المساعي لأن التوازنات لا تسمح لأميركا بتحقيق هذا الأمر. مجزرة الحولة لم تغير شيئا والموقف الروسي كان واضحا من أن هذه المجزرة لن تؤثر شيئا على الموقف الروسي. وبالنسبة لخطف اللبنانيين للضغط على حزب الله فهذا أيضا لم يؤثر على موقف حزب الله. أمين عام حزب الله كان واضحا حينما قال أن الخطف لن يؤثر على موقفنا. بالنسبة للتهديد بإشعال لبنان فهذه المسألة توقفت بجهود المحور المناوئ لأميركا. من الواضح أن أميركا وأتباعها سعوا خلال الفترة الأخيرة لإشعال لبنان ويكفي فقط تتبع المواقف الخليجية والزيارات الأميركية المتكررة، ولكن حزب الله ومن معه نجحوا في امتصاص الضغط وأفشلوا مسعى إشعال لبنان. هذه السياسة هي سياسة حكيمة وهي نفس السياسة التي طبقها شيعة العراق وخرجوا في النهاية رابحين. يجب على العلويين في سورية أيضا الانتباه لهذه المسألة وتجنب الوقوع في فخ الحرب الطائفية مهما بلغت الاستفزازات الوهابية والأميركية. الشيعة في العراق كانوا يقتلون بالعشرات يوميا ولكنهم رغم ذلك تجنبوا الحرب الطائفية الشاملة التي سعت أميركا وآل سعود لإشعالها.

بعد فشل مهمة عنان سوف يقرر أوباما بين اللجوء للتهدئة بهدف تمرير الانتخابات وبين الاستمرار في التصعيد، والقرار هنا سيعتمد بالأساس على عوامل داخلية أميركية. هذه التهدئة لن تعني حل الأزمة بل ستكون مجرد تقطيع للوقت، وربما تفضل أميركا إبقاء المراقبين في سورية لمنع النظام السوري من تحقيق أي مكاسب ميدانية ضد المتمردين. وجود المراقبين في سورية يعدل ميزان القوى لمصلحة المتمردين ويتيح لأميركا فرصة كبيرة للتجسس على سورية. قرار طرد السفراء السوريين ربما يوحي بوجود نية أميركية للتمديد للمراقبين لأن سورية لو ردت بالمثل وطردت السفراء الغربيين فهذا سيحرم أميركا من كل عيونها داخل سورية، وبالتالي هي على ما يبدو تراهن على بقاء المراقبين.

 مصر والإخوان المسلمون

 

النظرية التي تعاملت أميركا بموجبها مع المنطقة منذ عام 2001 تقوم على فكرة إيصال الإسلاميين إلى السلطة بهدف تشجيع الصراعات الطائفية وخاصة بين العرب وإيران. لهذا السبب رأينا أن أميركا أزاحت مبارك ومهدت الطريق أمام الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة في مصر.

آل سعود غضبوا جدا من هذا الأمر كما هو معروف، وهم الآن يدعمون أحمد شفيق بقوة. المجلس العسكري يدعم أيضا أحمد شفيق كما هو واضح.

أنا تحدثت من قبل عن هذا السيناريو ولكنني افترضت أن مرشح السعودية والمجلس العسكري هو عمر سليمان، ولكن على ما يبدو فإن رد الفعل العنيف من جانب المصريين تجاه ترشيح عمر سليمان أدى إلى استبداله بأحمد شفيق كونه وجها ألطف من عمر سليمان.

دعم آل سعود والمجلس العسكري لأحمد شفيق هو أمر واضح ولا يمكن إخفاؤه. الإخوان المسلمون سنوا قانونا لمنع رموز النظام السابق من الترشح للرئاسة، والقانون في البداية تم تطبيقه على أحمد شفيق ولكن القضاء المصري ألغى القانون وأعاد ترشيح شفيق رغما عن إرادة الإخوان. أما عمر سليمان فتم إخراجه من السباق بطريقة غريبة تدل أيضا على تورط المجلس العسكري. هناك قرار من المجلس العسكري وآل سعود بترشيح أحمد شفيق بدلا من عمر سليمان ولذلك تم إخراج الثاني وإبقاء الأول. دخول الاثنين إلى السباق معا يضعف من حظوظهما ولا يفيد آل سعود.

طبعا ما يخيف آل سعود في الإخوان معروف وأنا شرحته من قبل. السعوديون لا يريدون إيران جديدة في مصر. هم كانوا طوال العقود الماضية يحاربون إيران بوصفها دولة شيعية رافضية مجوسية، أما مصر الإخوانية فهي ستكون بالنسبة لهم كالخازوق الذي يخرج من الحلق. أي شيء يقولونه عن الإخوان في مصر سوف يكون مضحكا ولن يقنع جماهيرهم المقموعة. هم كانوا يقولون عن عبد الناصر أنه علماني محارب للدين، ثم قالوا عن إيران أنها رافضية مجوسية، ولكن ماذا سيقولون عن الإخوان في مصر؟ لا يوجد شيء يقولونه، وهذه المسألة بالنسبة لهم هي كابوس حقيقي ومسألة حياة أو موت.

أميركا لا تمانع وصول الإخوان إلى السلطة في مصر لأنها ترى أن سقوط النظام السعودي ومجيء نظام إخواني سوف يضعف موقف إيران في الخليج. النظام السعودي الحالي هو ليس نظاما وطنيا بل عبارة عن عصابة. هو عبارة عن قبيلة تحكم بلدا غنيا جدا بأسلوب المافيا. هذا النظام الخاوي لا يخدم مصالح أميركا على المدى البعيد وهو في رأيي استنفذ أهدافه، ومن الوارد جدا أن أميركا تفضل وصول الإخوان إلى الحكم في السعودية بهدف تسعير الخلافات الطائفية في منطقة المشرق. أميركا تتصور أن وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر والجزيرة العربية سوف يقضي تماما على فكرة القومية العربية ويسهل خلق المنطقة العازلة في سورية والعراق.

ما يقوم به المجلس العسكري في مصر من دعم لفلول مبارك هو محاولة أميركية لإرضاء آل سعود، ولكنني لا أعتقد أن أميركا تريد بصدق عودة فلول مبارك إلى الحكم. هذا أصلا مطلب غير واقعي وغير عملي، ولكن أميركا تحاول مسايرة الغبي سعود الفيصل الذي لا يدرك المصير السيء الذي رسمه له أسياده، وأنا أستغرب كيف أنه لا يدرك هذا المصير رغم أن الخطط الأميركية كلها منشورة ومعلنة وليست سرية، ولكن شخصا بهذا الغباء والتبعية لا يستغرب منه أي شيء.

إيران تبدو متحمسة للإخوان المسلمين في مصر وهي تراهن على علاقات جيدة معهم. الإخوان المسلمون ليسوا بنفس سوء الوهابيين وهم لديهم قدر من الوطنية والاستقلالية، ولكن المشكلة الطائفية التي زرعتها أميركا في سورية والعراق هي عامل التفجير الذي سوف يفسد العلاقة بين إيران ومصر مستقبلا. إذا أرادت إيران التقارب مع مصر فهي ستضطر للتضحية بسورية وتسليمها إلى الإخوان المسلمين، وأنا لا أستبعد حصول ذلك ولكن إيران لن تتخلى عن سورية لمصر قبل أن تتأكد من أن مصر أصبحت دولة ممانعة بالفعل وليست ممانعة على الطريقة التركية. إذا أثبتت مصر أنها دولة ممانعة بالفعل وتسعى لمقاومة الغرب وإسرائيل بصدق فعندها لا أستبعد أن تتخلى إيران عن سورية لمصر في إطار صفقة بين الجانبين، ولكن إلى أن نصل إلى تلك المرحلة سوف يمر وقت طويل جدا. لا يمكن أن تنشأ علاقة وثيقة بين إيران ومصر إلى هذه الدرجة قبل مرور سنوات وقبل أن تتحلل مصر من التبعية لأميركا. هو مشوار طويل وصعب، وأميركا طبعا لن تظل متفرجة على هكذا مشروع وستسعى لإحباطه وستتدخل لإشعال الخلاف بين الجانبين.

كما قلت مرارا من قبل، المشروع القومي العربي هو مشروع ميت ولا مستقبل له. مستقبل المنطقة ينحصر بين النظرتين الأميركية والإيرانية، وكلتا النظرتين هما نظرتان دينيتان تتناقضان مع المشروع القومي العربي. المشروع القومي لا يمكن إحياؤه إلا بصدمة قوية، وأنا اقترحت في السابق فكرة الوحدة بين سورية والعراق كصدمة لإجهاض المشاريع الطائفية، ولكن تحقيق هذه الوحدة هو أمر متعذر وصعب بسبب النفوذ الإيراني في كل من العراق وسورية. لا يوجد في الحقيقة أي مستقبل للمشروع القومي العربي. هذا المشروع مات منذ أربعينات القرن العشرين عندما رفض حكام سورية الدمشقيون الوحدة مع العراق. من يرفض الوحدة ويدعم الانفصال تحت أي مبرر كان هو ليس قوميا بل انفصالي انعزالي، وطالما أن حكام سورية طوال القرن الماضي كانوا من الانفصاليين الانعزاليين فليس من الغريب إذن أننا نشهد الآن مراسم دفن المشروع القومي العربي. الشعب السوري كان يعيش طوال القرن الماضي في خدعة وكذبة كبيرة. هو كان يعيش تحت شعارات لا علاقة لها بالواقع. حكام سورية كانوا على الدوام يرفعون شعارات يكذبون بها على الشعب بهدف ترسيخ حكمهم ومصالحهم الضيقة، والنتيجة كانت انحدار سورية وتدهورها وصولا إلى المرحلة الحالية التي هي بداية نهاية سورية بشكلها المعروف سابقا. سورية لن تعود مجددا دولة مستقلة كما كانت. سورية القديمة انتهت.

الطوائف والموقف من المعارضة السورية (2)

هذا الموضوع هو تحديث لموضوع سابق تحدثت فيه حول نتائج استفتاء أجريته في المدونة بعنوان “ما دينك وهل تؤيد المعارضة السورية”؟.

عدد العينة التي تحدثت عنها في المرة الماضية كان 102 شخصا، أما الآن فالعدد ارتفع إلى 200، وبالتالي هذه الأرقام يجب أن تكون نظريا أقرب إلى الواقع.

هناك ثلاثة أشخاص شاركوا في التصويت على أنهم يهود، ولا أدري إن كانوا حقيقيين أم لا، ولكنني سوف أدرجهم في العرض التالي احتراما لليهود الذين هم ديانة رسمية في سورية.

الأديان

  • 104 أشخاص من أصل 200 (52%) عرفوا عن أنفسهم بأنهم “مسلمون سنة”.
  • في المرتبة الثانية حل “المسيحيون” الذين بلغ عددهم 32 شخصا (16%).
  • في المرتبة الثالثة حل “اللادينيون والحياديون” بعدد 27 شخصا (13.5%).
  • في المرتبة الرابعة “الأقليات المذهبية” بعدد 26 شخصا (13%).
  • في المرتبة الأخيرة ثلاثة يهود (1.5%).
  • 8 أشخاص (4%) اختاروا “جواب آخر”.

الموقف من المعارضة

  • 76 شخصا من أصل 200 (38%) أيدوا المعارضة السورية.
  • 116 شخصا من أصل 200 (58 %) لم يؤيدوا المعارضة السورية.
  • 8 أشخاص من أصل 200 (4%) اختاروا “جواب آخر”.

التركيب الديني لكل فريق

الفريق المؤيد للمعارضة السورية (76 شخصا) يتكون من:

  • 54  مسلم سني من أصل 76 = 71.05%
  • 11 من اللادينيين والحياديين = 14.47%
  • 5 من الأقليات المذهبية = 6.58%
  • 4 من المسيحيين = 5.26%
  • 2 يهود = 2.63%

الفريق غير المؤيد للمعارضة السورية (116 شخصا) يتكون من:

  • 50 مسلم سني من أصل 116 = 43.1%
  • 28 من المسيحيين = 24.14%
  • 21 من الأقليات المذهبية = 18.1%
  •  16من اللادينيين والحياديين = 13.79%
  • 1 يهودي = 0.86%

موقف كل دين من المعارضة

  • 54 مسلم سني من أصل 104 يؤيدون المعارضة = 51.92%
    • و50 مسلم سني من أصل 104 لا يؤيدون المعارضة =  48.08%
  •  4 من المسيحيين من أصل 32 يؤيدون المعارضة = 12.5%
    • و28 من المسيحيين من أصل 32 لا يؤيدون المعارضة =  87.5%
  • 11 من اللادينيين والحياديين من أصل 27 يؤيدون المعارضة = 40.74%
    • و16 من اللادينيين والحياديين من أصل 27 لا يؤيدون المعارضة = 59.26%
  • 5 من الأقليات المذهبية من أصل 26 يؤيدون المعارضة = 19.23%
    • و21 من الأقليات المذهبية من أصل 26 لا يؤيدون المعارضة = 80.77%
  • 2 يهود من أصل 3 يؤيدون المعارضة = 66.67%
    • ويهودي واحد من أصل 3 لا يؤيد المعارضة = 33.33%

تركيا تختطف الشيعة في سورية لكي تتاجر بهم إعلاميا

عمليات الخطف في سورية هي من تدبير تركيا

 

عمليات خطف الشيعة (سواء إيرانيين أم غير إيرانيين) التي حدثت في سورية خلال الأشهر الماضية انتهت كلها بتدخلات مريبة من تركيا. آخر عملية كانت عملية خطف اللبنانيين الشيعة شمال حلب.

هذه العملية مريبة جدا ويجب أن نلاحظ فيها ما يلي:

  • توقيتها الذي أتى مباشرة بعد ثورة الوهابيين في لبنان.
  • اهتمام قناة الجزيرة الشديد بها وترويجها لها.
  • الكيفية التي انتهت بها (عودة الأسرى بسلام بعد تدخل تركيا والمعارضة السورية وسعد الحريري).

هذه العملية في رأيي لم تكن إلا مسرحية من تدبير المخابرات التركية بهدف تحسين صورة تركيا وأتباعها. الخاطفون تعاملوا مع المخطوفين بلطف بالغ وقالوا لهم أننا لسنا ضدكم وإنما ضد النظام السوري (وهذه هي الرسالة التركية)، ثم بعد ذلك تدخلت المعارضة السورية واللبنانية وأعلنت رفضها لعملية الخطف، وفي النهاية تم تحرير المخطوفين وعادوا إلى لبنان بسلام على متن طائرة سعد الحريري.

هدف تركيا من هذه المسرحية هو القول للعالم بأن وجود بعض الوهابيين المتطرفين في المنطقة لا يشكل خطرا على الأقليات لأن الفريق السني الذي تتزعمه تركيا قادر على حماية الأقليات ولجم الوهابيين، وبالتالي يجب على حزب الله أن يخجل من موقفه من الأزمة السورية.

أنا أتهم تركيا بأنها هي من دبرت عملية الخطف بهدف التغطية على الثورة الوهابية الأخيرة في لبنان، وقطر كانت على علم بذلك والدليل هو تغطية قناة الجزيرة التي اهتمت منذ البداية بالموضوع وأبرزته.

أنا اتهمت تركيا سابقا بأنها هي المسؤولة عن عمليات التفجير وتخريب المنشآت الاقتصادية في سورية، وحادثة الخطف الأخيرة تؤكد مجددا أن تركيا هي المخرب الأساسي في سورية. معظم ما يحدث في سورية من أعمال قتل وتخريب وخطف هو من تدبير المخابرات التركية (يالتعاون مع المخابرات الأميركية طبعا).

تركيا كانت في السابق تختطف الإيرانيين في سورية بهدف توجيه الرسائل إلى إيران، ولكن الآن تم خطف لبنانيين بسبب أحداث لبنان الأخيرة.

أردوغان يتصور أنه بهذه المسرحيات والألاعيب سوف يقنع سكان المنطقة بمشروعه العثماني، وهذا أمر غير وارد. لا يوجد أحد في المنطقة يريد المشروع العثماني إلا المعارضة السورية التي لا تشكل إلا أقلية في سورية.

إيران تدعو الأسد إلى قمة عدم الانحياز

قبل انعقاد مؤتمر الحوار بين إيران والغرب في بغداد شهدنا كثيرا من التصعيد من الجانبين استعدادا للمفاوضات، وبعد انعقاد الجلسة الحوارية لاحظنا اليوم غضبا شديدا من الخليجيين وإسرائيل بسبب نتائجها.

من يتابعني يعلم وجهة نظري في هذه المفاوضات. أنا لا أعتقد أن الهدف الحقيقي منها هو البرنامج النووي الإيراني وإنما بحث مستقبل إسرائيل وكيفية حمايتها. قضية البرنامج النووي الإيراني هي مجرد ستار وذريعة تستغلها أميركا لإبقاء الضغط على إيران.

بالأمس إيران قامت بخطوة فاقعة في الموضوع الإسرائيلي. الرئيس الإيراني أرسل مبعوثا خاصا إلى سورية سلم الرئيس الأسد دعوة لحضور قمة دول عدم الانحياز في طهران في شهر أيلول.

حضور الأسد لهذه القمة يعني أن كل الكلام الأميركي عن فقدان الأسد للشرعية وقرب رحيله سوف يصبح كلاما فارغا ولا معنى له. إيران بتوجيهها هذه الدعوة للأسد أثبتت لأميركا عمليا أنها لن تتخلى عنه ولا تفكر في ذلك.

بالإضافة إلى ذلك تردد كلام خليجي عن أن إيران طرحت قضية البحرين في مباحثات بغداد، وذلك ربما ردا على طرح أميركا للموضوع السوري.

باختصار إيران لا تفكر في تقديم أي تنازل جدي، وهذا هو ما أصاب الخليجيين والإسرائيليين بالجنون. تغطية قناة الجزيرة بالأمس كانت غاضبة تجاه إيران على نحو غير معتاد، أما موقع دبكا فهو عاد للتهديد بحرب إسرائيلية منفردة ضد إيران.

الموقف الروسي لا يقل صلابة عن الموقف الإيراني. التصريحات الروسية المتعلقة بالشأن السوري خلال الأيام الماضية كانت حادة للغاية.

هذا مثال على ما تفعله روسيا هذه الأيام:

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=todayz497.htm&arc=data12-24z497.htm

أعلنت وزارة الخارجية الروسية الخميس أنها ستتابع تحقيقا دوليا بشأن ضبط محاولة تهريب أسلحة إلى سورية.

ونقلت وكالة ‘نوفوستي’ الروسية للأنباء عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش قوله: ‘خصصت شحنة من الأسلحة التي تم العثور عليها على متن السفينة للإرسال إلى سورية لتلبية حاجة المعارضة. وسيتابع الجانب الروسي باهتمام تحقيقات هذا الحادث بما في ذلك في إطار مجلس الأمن الدولي ولجنة العقوبات التابعة لها’.

روسيا لا تكتفي بالتحقيق في قضية سفينة الأسلحة وإنما تتحدث أيضا عن تفعيل لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن.

هناك أيضا التصريح القوي للغاية الذي أطلقه بوغدانوف بالأمس والذي قال فيه أن روسيا والصين تعلمتا الدرس مما حدث في ليبيا ولن تسمحا أبدا بتكراره في سورية، بل وذهب أبعد من ذلك عندما هدد الدول التي ستتدخل في سورية بأنها ستخسر من وراء تدخلها ولن تنجح فيه.

إذا جمعنا المواقف الروسية والإيرانية التي صدرت بالأمس يمكننا أن نقول أن تخلي هاتين الدولتين عن سورية هو أمر بعيد، وأميركا على ما يبدو بدأت تستشعر ذلك وهذا ما بدأ يظهر في الإعلام الأميركي والغربي الذي بدأ يتغير بشكل لافت ويبتعد عن خطه السابق. حتى جوشوا لانديز استشعر التغير القادم وبدأ ينقلب. في الأشهر الأولى للأزمة عندما أحس لانديز بأن أميركا تتجه للتصعيد كان يتحدث عن حتمية زوال الأسد وعن فعالية العقوبات، ولكنه الآن انقلب 180 درجة وصار يرى أن العقوبات لن تسقط الأسد بل ستقويه، وصار يطالب برفعها. هو أيضا أقر لأول مرة بتأثير القومية العربية في سورية ودورها في إفشال المساعي الأميركية. تدوينته الأخيرة تعبر عن بداية انقلاب استراتيجي في توجهاته، ومن معرفتي به أنا أعلم أنه لم ينقلب هذا الانقلاب إلا لأنه استشعر تغيرات في المناخ الرسمي الأميركي.

جيفري فيلتمان سيرحل قريبا، وبرهان غليون سيرحل أيضا. جوشوا لانديز بكى كثيرا في مدونته على برهان غليون، وهذا يدل على أن رحيله أثر سلبا على المشاريع الأميركية. ما فهمته من كلامه هو أن أميركا فسرت رحيل غليون على أنه انتصار لإرادة المعارضة الداخلية على المعارضة الخارجية، وأميركا لا تحب المعارضة الداخلية بسبب ميولها الوطنية. ما يلي هو كلام جوشوا لانديز حول هذه المسألة:

The fact that Syrians inside distrust those outside the country is perhaps natural, but it is also a product of years of indoctrination, xenophobia and anti-Westernism that has been preached by the Baath Party. It is unfair to blame only the Baath. Arab nationalism as a movement has preached distrust of the West and those Arabs who have lived in the West for decades. That ideology is coming back to haunt the revolutionary movement today.  It will be very hard for Syrians living in the West to gain the trust of those inside the country.

هو يصف سوريي الداخل بأنهم عقائديون ومصابون برهاب الأجانب ويكرهون الغرب، ويقول أن القومية العربية علمت السوريين عدم الثقة بالغرب ومن يعيشون فيه، ويزعم أن هذا الفكر هو ما يهدد الثورة السورية اليوم.

طبعا الزعم بأن أميركا ستغير سياستها تجاه سورية بسبب قومية المعارضين هو كلام فارغ. أنا لا أؤمن مطلقا بهذه الترهات. ما يحدد سياسة أميركا الآن هو موازين القوى الدولية، وهذا الكلام الذي يسرده لانديز هو مجرد ذر للرماد في العيون ومحاولة لتبرير التراجع والانسحاب.

هو يصف السوريين برهاب الأجانب وكره الغرب، ولكنه بسبب غطرسته لا يدرك كم الكوارث التي تسببت بها بلاده في سورية والمنطقة خلال العام الماضي فقط. هو لا يعتبر قتل وتجويع آلاف وملايين العرب رهاب أجانب ولكنه يرى أن رد الفعل من جانبهم هو رهاب أجانب. هذه هي نفس العقلية الأميركية العنصرية التقليدية.

عموما كلام لانديز هذا يوحي بأن أميركا تتجه للتخلي عن المعارضة السورية تحت حجة أن هذه المعارضة إرهابية ومخترقة من القاعدة وقومية ومعادية للغرب إلخ. كل هذا الكلام هو فقط لتبرير الابتعاد الأميركي عن المعارضة.

جريدة الأخبار اللبنانية نقلت عن مسؤول روسي قوله أن أميركا أقرت ضمنا بشرعية الانتخابات السورية الأخيرة، وروسيا الآن تسعى لعقد مؤتمر حوار في موسكو بين النظام السوري والمعارضة بعيدا عن الجامعة العربية.

هذا المؤتمر الذي تريد روسيا عقده في موسكو هو الفرصة الأخيرة للمعارضة السورية لكي تحصل على أي شيء من النظام. عدم تجاوب المعارضة السورية مع هذه المساعي الروسية يعني أنها تتجه لهزيمة شبه مؤكدة، ومصيرها سوف يكون مثل مصير سليفتها في الثمانينات.

الصورة الآن هي تصلب روسي-إيراني، وتراجع وفشل أميركي، وغضب وهياج خليجي-إسرائيلي. كل مكونات الصورة تدل على أن الأمور تسير لصالح الأسد.

أزمة المازوت والغاز يتحمل مسؤوليتها النظام السوري

أزمة المازوت والغاز الخانقة التي تعيشها سورية هذه الأيام كان من الممكن تفاديها من جذورها لو أن النظام السوري أجرى الإصلاحات التي طالب بها الكثيرون في السنوات الماضية لنظام الدعم الاجتماعي.

الدردري وغيره لطالما طالبوا بإصلاح نظام الدعم والتخلي عن فكرة بيع السلع بأسعار مخفضة، ولكن النظام وحواشيه الفاسدة من مدعي الاشتراكية عارضوا وقاوموا وأبقوا الوضع على ما هو عليه.

الحكومة في الوضع السليم يجب ألا تحتكر استيراد المحروقات والغاز. لو كان هناك قطاع خاص سوري يستورد هذه المواد لما كانت الأزمة الحالية حصلت. الأزمة حصلت لأن أميركا استهدفت شركة المحروقات الحكومية السورية، وبما أن هذه الشركة هي المنتج والمستورد الوحيد للمحروقات والغاز انقطعت هذه المواد من السوق.

ما كان الإصلاحيون يطالبون به منذ سنوات هو أن يتم تحرير أسعار المحروقات وجميع السلع وأن يتم تقديم الدعم الحكومي لمحتاجيه عبر وسائل أخرى غير تخفيض الأسعار (الذي هو في الحقيقة ليس وسيلة دعم بل وسيلة لسرقة المال العام وهدره). ولكن الفاسدين في النظام والإعلام السوري حاربوا هذه المقترحات بشدة وأصروا على إبقاء النظام القديم الذي يستفيدون منه عبر التهريب والسمسرة والحصول على الدعم الحكومي بدون وجه حق.

الآن هؤلاء الفاسدون الذين حاربوا الإصلاح في السابق سكتوا وغابت أصواتهم. أنا أزور موقع سيرياستيبس وألاحظ أن الموقع ينوح كثيرا في هذه الأيام على المازوت والغاز، رغم أن هذا الموقع كان من أشد معارضي الإصلاح الاقتصادي وهو في رأيي من أكبر مروجي وداعمي الفساد الحكومي في سورية.

ما لدى الموقع ورئيسة تحريره هو فقط النواح والعويل دون تقديم أي حل مفيد. هذا هو ما يعرفه هؤلاء.

الدردري ترك سورية في وضع اقتصادي قوي للغاية. حتى أميركا أقرت بأن سورية في بداية الأزمة كانت تملك كمية هائلة من الأموال. المؤسف أن هذه الأموال ضاعت ولم تستفد سورية منها شيئا. أنا أصلا قلت منذ بداية الأزمة أن هدف أميركا الأساسي هو تجريد سورية من هذه الأموال حتى لا يصبح لسورية اقتصاد قوي وتصبح قادرة على مواجهة إسرائيل، وأميركا نجحت في هذا المسعى بالفعل حيث أن سورية تكبدت خسائر هائلة والأموال التي جمعت في حقبة الدردري ضاعت خلال الأشهر الماضية على أمور عبثية.

لو كان النظام السوري أصلح نظام الدعم الاجتماعي قبل الأزمة لما كان هناك الآن أزمة محروقات وغاز في سورية. القطاع الخاص كان سيستورد هذه المواد، وحتى لو ارتفعت أسعارها فالارتفاع ما كان ليبلغ المستويات الحالية التي نتجت عن فقدان المواد من الأسواق. فقدان هذه المواد هو كارثة وطنية لأنه يشل الاقتصاد ويشل كل مناحي الحياة.

ما دينك وهل تؤيد المعارضة السورية

 الإجابة للسوريين فقط لو سمحتم. إذا كنت صوتت من قبل فلا تصوت مجددا حتى لا تلغى أصواتك.

أنساب التوراة (3)

هذا الموضوع هو استكمال للحديث الذي بدأته عن الأنساب التوراتية، والذي هو حديث متفرع من موضوع بلاد العرب. سوف أكمل الحديث عن الأنساب التوراتية وبعد ذلك سأعود لإكمال الموضوع الأصلي.

هذا المقال فيه استدراك لبعض النقاط التي أهملت ذكرها في المقال الماضي.

لرؤية الرموز الأجنبية المستخدمة في هذا المقال وبقية المقالات حمل ونصب هذا الخط. لمعرفة أصوات الرموز انظر هذا المقال.


هبل

في المرة الماضية تحدثت عن قَيْن وهَبْل (قابيل وهابيل) وأظهرت الربط بين هاتين الشخصيتين وبعض القصص الدينية القديمة في الشرق الأوسط (Enkimdu وDumuzi السومريين، Set وOsiris المصريين، إلخ).

وذكرت في المرة الماضية أصل اسم قين (الحداد) وكيف عثر عليه في كتابات حجازية ويمنية قديمة. ما لم أتحدث عنه بما يكفي هو اسم أخيه هبل (الراعي). طبعا من المستحيل علي في هذا العرض الوجيز أن أغطي كل المعلومات الموجودة في الكتب وإلا فإنني سأضطر لتأليف موسوعة، ولكن ما أقوم به هو أنني أمر على بعض المعلومات المهمة بشكل سريع ووجيز.

بالنسبة لاسم هبل فأنا ذكرت النظرية الأقرب إلى الصحة في رأيي، ولكن هناك نظريات أخرى منها أن الاسم مأخوذ من كلمة aplu الأكدية التي تعني “وريث” (من ibila السومرية)، وهناك نظريات أخرى ولكنها كلها ضعيفة والتفسير الصحيح هو أن هبل مأخوذة من جذر سامي يعني “الرعي”.

اسم “هبل” عثر عليه في كتابات نبطية قديمة (“هبلو”) مقرونا مع اسم الإلهة مناة (“منوتو”)، وهذا يدل على أن “هبل” كان إلها عند النبطيين في جبل الشراة وشمال الحجاز. لا أدري إن كان هذا الاسم عثر عليه في مناطق أخرى ولكن من المعروف لدى المسلمين أن “هُبَل” كان اسم إله مكة الأكبر قبل الإسلام.

كلمة هُبَل Hubal عند اللغويين العرب هي وزن معدول، أي أنها مثل كلمة عُمَر المعدولة عن عامِر حسب قول سيبويه، وأنا لا أدري لماذا اعتبر اللغويون العرب أصل عُمَر هو من عامِر. لماذا لا يكون أصلها من عَمْرو مثلا؟ أنا أذكر أنني قرأت لأحد المستشرقين أن أصل عُمَر هو من عَمْرو:

ʕamr > ʕumar

الصفات التي على وزن فُعَل fuʕal أو فُعال fuʕāl يكون لها في العادة معان مرتبطة بعالم الجن والأرواح والآلهة. مثلا كلمة قُزَح Quzaḥ قال فيها ابن منظور ما يلي:

وقوسُ قُزَحَ: طرائق متقوسةٌ تَبْدو في السماءِ أَيام الربيع، زاد الأَزهري: غِبَّ المَطر بحمرة وصُفْرة وخُضْرة، وهو غير مصروف، ولا يُفْصَلُ قُزَحُ من قوس؛ لا يقال: تأَمَّلْ قُزَحَ فما أَبْيَنَ قوسه؛ وفي الحديث عن ابن عباس: لا تقولوا قوسُ قُزَحَ فإِن قُزَحَ اسم شيطان، وقولوا: قوس الله عز وجل؛ قيل: سمي به لتسويله للناس وتحسينه إِليهم المعاصي من

التقزيح، وهو التحسين؛ وقيل: من القُزَحِ، وهي الطرائق والأَلوان التي في القوس، الواحدة قُزْحة، أَو من قَزَحَ الشيءُ إِذا ارتفع، كأَنه كره ما كانوا عليه من عادات الجاهلية وأَن يقال قوسُ الله فَيُرْفَعَ قدرُها، كما يقال بيت الله، وقالوا: قوسُ الله أَمانٌ من الغرق؛ والقُزْحة: الطريقة التي في تلك القَوس. الأَزهري: أَبو عمرو: القُسْطانُ قَوْسُ قُزَحَ. وسئل أَبو العباس عن صَرْفِ قُزَحَ، فقال: من جعله اسم شيطان أَلحقه بزُحَل؛ وقال المبرد: لا ينصرف زُحل لأَن فيه العلتين: المعرفة والعدل؛ قال ثعلب: ويقال إِن قُزَحاً جمع قُزْحة، وهي خطوط من صفة وحمرة وخضرة، فإِذا كان هذا، أَلحقته بزيد، قال: ويقال قُزَحُ اسم ملك مُوكَّل به، قال؛ فإِذا كان هكذا أَلحقته بعُمر…

نلاحظ في هذا التعريف أن قزح وصف مرة بأنه شيطان ومرة بأنه الله ومرة بأنه ملك.

المقصود بـ”قوس قزح” هو الإله السامي المعروف “قَوْس” الذي ورد ذكره في الكتابات الأكدية والذي كان الإله الرئيسي للإداميين في جبل الشراة. هذا الإله كان معروفا أيضا لدى النبطيين، وهو كان إلها للحرب وكان شعاره القوس.

هذا الإله كان معروفا لدى العرب باسم قَيْس وهو كان من أهم آلهتهم كما يظهر من كثرة تسميهم باسمه (عبد القيس، امرؤ القيس، إلخ). هناك قبائل كاملة من العرب كانت منسوبة لهذا الإله كبني عبد القيس سكان البحرين (المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية).

القبائل التي كانت تسكن غربي نجد (غَطَفان، سُلَيْم، هَوازن،…) تسمى عند النسابين المسلمين باسم قبائل “قَيْس عَيْلان”، وطبعا النسابون المسلمون لم يكونوا يعرفون ما هو معنى “قيس عيلان” ولذلك زعموا أن قيس عيلان هو جد لتلك القبائل وأنه كان شقيقا للياس بن مضر إلخ. بالنسبة لكلمة “عيلان” فهذا شرحها في لسان العرب:

والعَيْلان: الذَّكَر من الضِّباع. وعَيْلان: اسم أَبي قَيْس بن عَيْلان، وقيل: كان اسم فرس فأُضيف إِليه، قال الجوهري: ويقال للناس بن مُضَر بن نِزار قَيْسُ عَيْلان، وليس في العرب عَيْلانُ غيره، وهو في الأَصل اسم فرسه، ويقال: هو لقب مُضَر لأَنه يقال قَيْسُ بن عَيْلانَ

هناك قولان في عيلان: الأول هو أنه اسم أبي قيس بن عيلان (وهذا أسهل التفاسير عند العرب حيث أنهم كلما عجزوا عن تفسير كلمة جعلوها اسما لأب)، والقول الثاني هو أن عيلان هو اسم فرس قيس (وهذا ثاني أسهل تفسير).

كلمة “قيس” هي على ما أعتقد اسم الإله قيس/قوس، وأما كلمة “عيلان” فهي لقب مشتق من الجذر عيل الذي هو مرادف للجذر ربب (يعني الارتفاع والكثرة ويعني أيضا الرعاية)، أي أن معنى قيس عيلان هو “قيس العائل” أو “قيس المعيل” = “قيس الرب”.

بعض النسابين الذين يجعلون عيلان أبا لقيس يطلقون عليه مسمى “عيلان الناس”، وهم يزعمون أن “الناس” هو اسم عيلان وأن كلمة “عيلان” هي لقب يطلق عليه، وهناك نسابون آخرون يزعمون أن “الناس” هو اسم “قيس عيلان” وأن عبارة “قيس عيلان” هي كلها لقب له.

التفسير الصحيح لمصطلح “عيلان الناس” هو “عائل الناس” أو “رب الناس”، وهذه العبارة هي كلها لقب لقيس وليست اسما لأبيه المزعوم، وكلمة “الناس” هي جزء من اللقب وليست اسما (“قيس عيلان الناس” = “قيس عائل الناس” أو “قيس رب الناس”).

تحويل الاسم من “قوس” إلى “قيس” هو أمر معتاد في اللغات السامية. اللغات السامية الجنوبية (اليمنية والحبشية) هي أكثر اللغات السامية ميلا للياء في الجذور الجوفاء (التي تحوي ياء أو واوا في وسطها)، واللغات السامية الشرقية (الأكدية) هي أكثر اللغات السامية ميلا للواو في هذه الجذور. اللغات السامية الغربية (التي تضم العربية) تقع في موقع وسط بين الاثنتين. اللهجات العربية الشرقية (لهجات البحرين وتميم) تميل للواو، أما اللهجات الغربية (الحجاز وغرب نجد) فتميل للياء. مثلا تميم كانوا يقولون حَوث وأهل الحجاز يقولون حَيث، وتميم يقولون قُنْوَة وأهل الحجاز قِنْيَة، وتميم يقولون صوَّم ونوَّم وأهل الحجاز صيَّم ونيَّم، وتميم يقولون اللذون وأهل الحجاز اللذين، وهكذا.

في كتابات معين اليمنية عثر على اسم شخصي هو “قيس منوت” (قيس مناة)، وتركيبة هذا الاسم دفعت بعض المستشرقين للشك في كون اسم قيس العربي مرادفا لاسم الإله الشمالي قوس، وبعضهم رأى أن كلمة قيس هي في الأصل كلمة يمنية لم تكن اسما لإله ولكن بني كندة اليمنيين الذين كانوا يحكمون نجد في العصور القديمة استخدموا هذه الكلمة كترجمة لاسم الإله قوس الشمالي وبذلك انتشر اسم الإله قيس في نجد والبحرين. هذه النظرية في رأيي ليست ضرورية لأن كلمة قيس ربما كان لها استخدامان: اسم علم شخصي واسم إله. هناك لدى العرب أشخاص اسمهم “قيس” وهذا لا يعني أنهم آلهة ولكنهم ببساطة يتشاركون مع الإله في الاسم. لدى عرب حمص قديما كان هناك إله اسمه عَزيز، وعزيز أيضا هو اسم شخصي عادي. كلمة “قين” هي كانت اسما لإله على الأغلب ولكنها أيضا تستخدم بمعنى حداد أو صانع عادي.

اسم “قيس مناة” شبيه باسم “قين مناة” الذي عثر عليه في شمال الحجاز. الكلمة الأولى في كلا الاسمين يمكن أن تكون اسما لإله أو اسما لشخص عادي.

لو فرضنا أن اسم “قيس” يمني الأصل فربما تكون كلمة “عيلان” كذلك. كلمة عيلان هي كلمة غامضة المعنى عند الكتاب المسلمين كما يظهر من شرحها في لسان العرب. ربما تكون عيلان كلمة يمنية بمعنى العَيل (على أساس أن الألف الممدودة والنون هما أداة التعريف اليمنية). في هذه الحالة تكون عَيلان ʕaylān هي على وزن قيس qays ولكن الفرق هو أن الأولى معرّفة. طبعا هذا الكلام هو مجرد تخرص بحت، وأنا نظرت في قاموس بيستون السبئي ولم أجد هذا الجذر. كلمة عيلان ربما تكون مجرد كلمة عربية قديمة على وزن فَعْلان.

خلاصة ما سبق هي أن “قوس” هو في الأصل إله، وكلمة “قُزَح” هي لقب له مشتق من الجذر قزح الذي يعني التلون والتبدل. الإله قوس كان في الإصل إلها للحرب ولكن العرب ربطوا بينه وبين القوس الذي يظهر في السماء بعد المطر (لأن شعار الإله قوس هو قوس الرماية)، ومن هنا ربما جاء وصفه بـ”عيلان” على أساس أنه كان ينزل المطر على أتباعه. النظير اليوناني لقوس قزح العربي هو الإلهة Iris التي كانت من ملائكة السماء وزميلة للإله الملاك Hermes,

إذن كلمة قُزَح هي لقب للإله قوس، والرسول على ما يبدو وصف قوس قزح بأنه شيطان، ولكن الكتاب المسلمين (الذين ينتمي معظمهم للعصر العباسي) لم تصلهم الرواية واضحة فظنوا أن كلمة قزح لوحدها هي اسم لشيطان أو ملاك.

إلى جانب قُزَح هناك ألقاب لكائنات روحية كثيرة على وزن فُعَل منها ما يلي:

  • زُحَل Zuḥal الذي يطلق على أبعد الكواكب المعروفة قديما، والمعنى مأخوذ من البُعد.
  • الزُّهَرَةُ Zuharat الكوكب المعروف، نجمة الصباح أو نجمة المساء، والمعنى مأخوذ من الضياء.
  • العُزَّى الإلهة العربية الشهيرة (أصل اسمها *ʕuzazay من الجذر عزز) والمقصود بها كوكب الزهرة.

(علامة النجمة  قبل كلمة معينة تعني أن هذه الكلمة غير موجودة في اللغة بهذا الشكل وإنما هي إعادة إنتاج لكلمة قديمة مفترضة. مثلا كلمة *ʕuzazay هي غير موجودة في اللغة العربية بهذا الشكل ولكن الموجود هو ʕuzzā.)

أما على وزن فُعال فهناك مثلا كلمة ذُكاء *Ḏukāy التي تطلق على الشمس (إحدى أهم آلهة العرب). ما يلي من لسان العرب:

وذُكاءُ، بالضم: اسمُ الشمس، معرفة لا يَنْصَرِف ولا تدْخُلها الأَلِفُ واللام، تقول: هذه ذُكاءُ طالِعةً، وهي مُشْتَقَّة من ذَكَتِ النارُ تَذْكُو، ويقال للصُّبْح ابنُ ذكاء لأَنه من ضَوْئها؛ وأَنشد:

فَوَرَدَتْ قبل انبِلاج الفجرِ :: وابنُ ذُكاءَ كامِنٌ في كَفْرِ

وقال ثعلبة بن صُعَير المازنيّ يصف ظَلِيماً ونَعامة:

فتذَكَّرا ثَقَلاَ رَثِيداً بَعْدَما :: أَلْقَتْ ذُكاءُ يمينَها في كافِرِ

هناك أيضا مصطلح الضُحَى *Ḍuḥay أو الضُّحاء *Ḍuḥāy الذي يطلق على طلوع الشمس. فترة الضحى كانت أقدس فترات اليوم عند العرب وكان يجلسون فيها ويستقبلون الشمس، وصلاة الضحى من عبادات قريش قبل الإسلام وهي موجودة أيضا في الإسلام.

هناك أيضا كلمة عُطارِد ʕuṭārid التي هي على وزن فُعالِل الملحق بوزن فُعال. ما يلي معنى عطارد من اللسان:

عطرد: ناقة عَطَرَّدَةٌ: مرتفعة. ورجل عَطَرَّد، بتشديد الراء: طويل. وسير عَطَرَّد: كعطوَّد. ويوم عطرَّدٌ وعطوَّدٌ: طويل. وطريق عطرَّد: ممتدّ طويل، وشأْوٌ عَطَرَّدٌ.

ويقال: عَطْرِدْ لنا عندك هذا يا فلان أَي صَيِّره لنا عندك كالعِدَة واجعله لنا عُطْروداً مِثْلُه؛ قال: ومنه اسم عُطارِدٍ. وعُطارِدٌ: كوكب لا يفارق الشمس. قال الأَزهري: وهو كوكبُ الكتاب. وقال الجوهري: هو نجم من الخُنَّسِ. وعُطارِدٌ: حَيٌّ من سَعْد، وقيل: عُطارِدٌ بطنٌ من تَميمٍ رَهْطُ أَبي رَجاءٍ العُطاردي.

إذن معنى عطارد هو من العلو والارتفاع، وطالما أنها كانت تطلق على بعض القبائل فهذا يعني أنها كانت من معبودات العرب كبقية الكواكب.

اللغات السامية الغربية (تحديدا العربية والكنعانية) تتميز عن بقية اللغات السامية بصيغة الفعل المبني للمجهول التي تبدأ بحرف مضموم:

عربي عبري
فُعِل fuʕil
فُعِّل fuʕʕil *puʕʕal
أُفْعِل ʔufʕil *hupʕal

 
اللغة العبرية فيها هاتان الصيغتان فقط (*puʕʕal و *hupʕal)، وبقية اللغات السامية ليس فيها أفعال مبنية للمجهول من هذا النمط (هناك في الآرامية آثار تدل على احتمال وجود هكذا أفعال قديما).

هذه الأفعال التي تبدأ بحرف مضموم تعود في رأيي إلى نفس الأصل الذي تعود له صيغتا فُعَل وفُعال. المعنى الأصلي هو البناء للمجهول (passive voice).

وزن فُعال يرد كثيرا في العربية في الكلمات الدالة على المرض (سعال، صداع، جذام، إلخ). تفسير هذا على ما أعتقد يعود إلى الرؤية العربية القديمة للمرض. المرض بالنسبة للعرب (وغيرهم) كان حالة مجهولة السبب، والقدماء كانوا يربطون المرض في الغالب بمس الجن أو الشياطين أو الآلهة أو غيرها من القوى الخفية.

هناك في اللغة العربية أيضا أسماء مثل عُمَر وسُعاد. هذه الأسماء تيمنية. المقصود باسم عُمَر هو تمني طول العمر، والمقصود بسعاد هو تمني السعد. الأسماء التيمنية المحتوية على أسماء آلهة أو أرواح هي أسماء شائعة جدا لدى الساميين (مثلا “يسمع إل” = “الله يسمع”، “يرحم إل” = “الله يرحم”، إلخ). المقصود باسمي عُمَر وسُعاد هو في رأيي نفس هذا المعنى ولكن بدون التصريح باسم القوة الروحية التي ستسبب طول العمر أو السعد.

الصيغ الاسمية مضمومة الحرف الأول كانت في الأصل تعني البناء للمجهول ولكن معناها تطور وصارت تقرن بالآلهة والكائنات الروحية، والسبب هو أن الكائنات الروحية هي بحد ذاتها كائنات مجهولة وخفية. طبعا هذا التطور لم يحدث إلا في اللغة العربية وربما في الكنعانية أيضا (الكنعانية هي أقرب اللغات السامية إلى العربية، واللغة العبرية هي لغة كنعانية).

بعد كل هذا الاستطراد الطويل أعود إلى الموضوع الأصلي وهو اسم الإله المكي هُبَل. كلمة هُبَل هي كلمة معدولة من هَبْل أو هابل، وكلا الكلمتين تعنيان الراعي، وأنا أرى أن هُبَل Hubal المكي هو ربما نفسه هَبْل *Habl التوراتي شقيق قين.

اسم قين عثر عليه في كتابات حجازية ويمنية كاسم لإله على الأغلب، واسم هبل عثر عليه في كتابات نبطية وربما كتابات أخرى لا أعلمها. الرواية الإسلامية تقول أن من أحضر هُبَل إلى مكة هو “عمرو بن لُحَي” مؤسس قبيلة خُزاعة. هذا الرجل حسب الكتاب المسلمين هو “أول من غير دين اسماعيل عليه السلام ونصب الأوثان وسيب السائبة وبحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحام”، بمعنى آخر هو من اخترع دين قريش بالكامل.

قال ابن تيمية:

هذا كما كانت العرب عليه قبل ان يبتدع عمرو بن لحي الشرك وعبادة الاوثان فانهم كانوا حنفاء يعبدون الله وحده ويعظمون ابراهيم واسماعيل…

وفي مسند أحمد:

إن أول من سيب السوائب و عبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر و إني رأيته يجر أمعاءه في النار.

من أين أحضر عمرو بن لحي الأصنام؟ هناك روايتان، واحدة تقول أنه أحضرها من هِيت في العراق وأخرى تقول أنه أحضرها من مآب في الشام. ما يلي رواية ابن هشام:

حدثني بعض أهل العلم : أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره ، فلما قدم مآب من أرض البلقاء ، وبها يومئذ العماليق – وهم ولد عملاق . ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح – رآهم يعبدون الأصنام ، فقال لهم : ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون ؟ قالوا له : هذه أصنام نعبدها ، فنستمطرها فتمطرنا ، ونستنصرها فتنصرنا ، فقال لهم : أفلا تعطونني منها صنما ، فأسير به إلى أرض العرب ، فيعبدوه ؟ فأعطوه صنما يقال له هبل ، فقدم به مكة ، فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه .

هذه الرواية أصح من رواية هيت لأن أصل هبل على الأغلب هو من هذه المنطقة، أي منطقة جبل الشراة وما حولها، واليهود أخذوا أسماء قين وهبل من هذه المنطقة (كما أخذوا الكثير من تراثهم ودينهم، والكتاب اليهودي يعترف أصلا بأن جذور بني إسرائيل تعود إلى هذه المنطقة).

قين وهبل على ما يبدو هما إلهان قديمان كان يعبدان في منطقة جبل الشراة وشمال الحجاز، ومن تلك المنطقة انتشرت عبادة هبل جنوبا حتى وصلت إلى مكة. اسم هُبَل المكي هو على ما يبدو معدول عن هَبْل.

بالنسبة لعمرو بن لحي فهو عند المستشرقين شخصية أسطورية وهم يرون أن القصة المنسوبة إليه مفبركة لأهداف ومرام معينة. الملفت في اسم عمرو بن لحي هو كلمة لٌحَيّ Luḥayy التي هي تصغير للَحْي laḥy. ما يلي من اللسان:

واللِّحْيانُ: خُدود في الأَرض مما خدَّها السيل، الواحدة لِحْيانةٌ. واللِّحيان: الوَشَل والصَّديعُ في الأَرض يَخِرّ فيه الماء، وبه سميت بنو لِحْيان، وليست تثنية اللَّحْي. ويقال: أَلْحى الرجلُ إِذا أَتى ما يُلْحَى عليه أَي يُلامُ، وأَلْحَت المرأَة؛ قال رؤبة: فابْتَكَرَتْ عاذلةً لا تُلْحي

وفي حديث ابن عباس، رضي الله عنهما: أَن النبي، صلى الله عليه وسلم، احْتَجَمَ بلَحْيَيْ جَمَلٍ، وفي رواية: بلَحْي جَمَلٍ؛ هو بفتح اللام، وهو مكان بين مكة والمدينة، وقيل: عقبة، وقيل: ماء. وقد سمت لَحْياً ولُحَيّاً ولِحْيانَ، وهو أَبو بطن. وبنو لِحْيان: حَيٌّ من هذيل، وهو لِحْيان بن هذيل بن مُدْرِكة.

على ما يبدو فإن كلمة لٌحَيّ مرتبطة بمعنى اللوم والتقريع، والسبب طبعا هو أن عمرو بن لحي شخصية تستحق التقريع كونه هو من اخترع الديانة العربية القديمة. ومن الممكن أيضا أن تكون كلمة لٌحَيّ تعني “مجرى ماء” أو شيء من هذا القبيل، وهذا المعنى يذكرنا بالجُبّ الذي كان صنم هبل موضوعا فيه داخل الكعبة والذي زعم الكتاب المسلمون أن عمرو بن لحي هو من نصب هبل عليه. أيضا من الممكن أن يكون هناك رابط بين اسم لٌحَيّ وبين اللحيانيين الذين كانوا يسكنون شمال الحجاز في العصور القديمة. إذا كانت عبادة هبل وصلت إلى مكة من النبطيين فهذا يعني أنها مرت عبر اللحيانيين لأن اللحيانيين كانوا يسكون إلى الجنوب مباشرة من النبطيين (في ددن وما حولها)، وبالتالي ربما يكون اسم “عمرو بن لحي” مستوحى من بني لحيان القدماء.



سِت

في المقال الماضي تحدثت عن سِت (شيث) ابن آدم وربطت بين اسمه وبين الإله المصري Set، ولكنني قرأت لاحقا أن هناك من يربطون بين اسم سِت التوراتي وبين قبائل السُّت Sutû التي ورد اسمها في المصادر الأكدية وفي ألواح العمارنة الكنعانية. هذه قبائل نصف بدوية كانت تجوب الصحراء السورية في الألفية الثانية قبل الميلاد وفي بداية الألفية الأولى، وبعضها كان يعيش في منطقة عربية الصخرية ويعمل تحت إمرة المصريين. بعض الباحثين يرون أنها نفسها š3sw (“شأسيون”) المصرية وآخرون يربطونها بكلمة sṯtyw/sttyw (“ستشتيون” أو “ستتيون”) التي تشير إلى المشرقيين عموما. في كل الأحوال هذه الكلمة هي على ما يبدو مصدر اسم سِت التوراتي. هَبل كان راعيا وبعد وفاته حل محله سِت الذي هو اسم لقبائل نصف بدوية كانت تعيش قرب فلسطين في نفس منطقة قين وهبل. هذا الاشتقاق لا يمنع أن تكون قصة ست متأثرة بقصة ست المصري أو بقصة أخرى شبيهة بها.

متُوسَئِل/متُوسِلَح

Hades

 
في المرة الماضية أنا فسرت اسم متُوسِلَح على أنه مركب من “موت” و”سلح” وقلت أن الاسم الثاني هو على الأغلب اسم لإله سوري قديم له علاقة بالسلاح، ولكنني فسرت اسم متُوسَئِل (الذي هو نظير متُوسِلَح عند المصدر J ) على أنه يعني “الباحث عن الله”، وهذا التفسير ضعيف ولا يتوافق مع اسم متُوسِلَح.

المقطع الأول في هذه الأسماء هو كلمة mutu الأكدية التي تعني “رجل قريب” أو “زوج”، وهي تختلف عن كلمة “موت” mūtu (في الأكدية aw تتحول دائما إلى ū). كلمة mutu هي كلمة سامية يقابلها كلمة “مت” في أجاريت وكلمة mǝt في الحبشية الجعزية. كلمة mutu وردت في أسماء سورية كثيرة من الألفية الثانية قبل الميلاد، مثلا في ألواح العمارنة الكنعانية عثر على muutbaaḫl(u) (“مُت بَعْل” أي “رجل بعل” أو “امرؤ بعل”). الميم في مُتُوسَئِل/مُتُوسِلَح يجب أن تكون مضمومة وليست مفتوحة.

بالنسبة لاسم مُتُوسَئِل فهو مركب من mutu وكلمة أخرى لها على الأغلب نفس أصل كلمة “سُؤال” שְׁאוֹל (اللفظ الطبري: šəʔôl، بالإنكليزية: Sheol) التي يطلقها الكتاب اليهودي على عالم الأموات أو الأرض السفلى (ʔereṣ taḥtiyyôṯ). الكتاب اليهودي يتعامل مع كلمة “سؤال” أحيانا وكأنها اسم علم شخصي، وهو يتعامل مع كلمة “موت” أيضا بنفس الطريقة، وهذا ما دفع الباحثين للربط بين الكلمتين وبين الآلهة السامية القديمة كالإله مَوت مثلا الذي هو تجسيد للموت في ديانة أجاريت وغيرها. الترجمة اليونانية للكتاب اليهودي التي أعدها يهود في الإسكندرية في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد تستخدم كلمة Hadēs اليونانية كترجمة لكلمة سؤال العبرية، و Hadēs هو اسم الإله اليوناني المعروف المعبر عن عالم الأموات أو الأرض السفلى. هذا دليل واضح على أن مفهوم “سؤال” عند اليهود هو نفس مفهوم إله الموت أو إله الجحيم في الديانات القديمة.

إذن القسم الثاني من كلمة مُتُوسَئِل هو في رأي كثير من الباحثين مرتبط بـ”سؤال”، وهو على الأغلب اسم لإله سوري قديم له علاقة بالأرض السفلى أو الجحيم، وهذا الإله له علاقة بالإله “سلح” الوارد ذكره في متُوسِلَح والذي يرى كثير من الباحثين أنه اسم لإله سوري قديم هو عبارة عن نهر في الأرض السفلى أو الجحيم (“سلح” في أجاريت هو اسم لنهر الموت في الأرض السفلى، ولقد عثر على كلمة “سلح” في أسماء شخصية كنعانية مثل “سلح” و”أب سلح” و”مسلح” و”أسد سلح”). إذن اسم “متُوسَئِل” له معنى مشابه لمعنى “متُوسِلَح”.

مصادر

• David Noel Freedman, The Anchor Bible Dictionary
• Gary M. Burge, Andrew E. Hill, Baker Illustrated Bible Commentary
• John Phillips, Exploring Genesis: An Expository Commentary
• Geoffrey W. Bromiley, The International Standard Bible Encyclopedia
• John Barton, The Oxford Bible Commentary
• James D. G. Dunn, John William Rogerson, Eerdmans Commentary on the Bible
• K. A. Mathews, The New American Commentary
• Karel van der Toom, Bob Becking, Pieter W. van der Horst, The Dictionary of Deities and Demons in the Bible
• Joseph Blenkinsopp, Creation, Un-Creation, Re-Creation: A Discursive Commentary on Genesis
• Richard James Fischer, Historical Genesis: From Adam to Abraham
• David L. Jeffrey, A Dictionary of Biblical Tradition in English Literature
• Kelley Coblentz Bautch, A Study of the Geography of 1 Enoch 17-19: “no One Has Seen what I Have Seen”
• David Toshio Tsumura, The Earth and the Waters in Genesis 1 and 2: A Linguistic Investigation
• David Toshio Tsumura, Creation And Destruction: A Reappraisal of the Chaoskampf Theory in the Old Testament
• Charles N. Pope, Living In Truth: Archaeology and the Patriarchs
• Allen Austin, The Middle of the Earth
• Gerald Massey, Ancient Egypt – The Light of the World: A Work of Reclamation and Restitution in Twelve Books
• Israel Finkelstein, Amihay Mazar, Brian B. Schmidt, International Institute for Secular Humanistic Judaism. Colloquium, The Quest for the Historical Israel: Debating Archaeology and the History of Early Israel
• Frank Anthony Spina, Israelites as Gerim, ‘Sojourners’, in Historical Context
• Jan Retsö, The Arabs in Antiquity: Their History from the Assyrians to the Umayyads
• Irfan Shahîd, Byzantium and the Arabs in the Fifth Century
• Encyclopaedia of Islam
• The Cambridge Encyclopedia of the World’s Ancient Languages
• Gesenius’ Hebrew grammar
• Arthur Ungnad, Akkadian grammar
• Rebecca Hasselbach, Sargonic Akkadian A Historical and Comparative Study of the Syllabic Texts
• Daniel A. Foxvog, Introduction to Sumerian Grammar
• Theodor Nöldeke, Compendious Syriac Grammar
• Wikipedia, the free encyclopedia
• Encyclopædia Britannica
• Microsoft Encarta
• جواد علي، المفصل في تاريخ العرب
• ربحي كمال، اللغة العبرية
• Claudii Ptolemaei Geographia
• مصدر نص الكتاب المقدس العربي: The Bible Society in Lebanon (مع تصرف شديد)
• مصدر نص الكتاب المقدس العبري: Biblia Hebraica Stuttgartensia
• مصدر نص الكتاب المقدس الإنكليزي: King James Version of the Holy Bible

أنساب التوراة (1)

هذا الموضوع تم اقتطاعه من “بلاد العرب (4)” وتحويله إلى موضوع منفصل.

________________________________________________

تفسير الأنساب التوراتية هو أمر أتعب الباحثين طوال القرون الماضية. هناك أمور لا يختلف عليها اثنان، ومنها مثلا أن شجرة الأنساب لا تعكس أنسابا حقيقية وإنما هي مجرد وسيلة لوصف الأمم والشعوب المحيطة ببني إسرائيل، ولهذا السبب نجد أن الغربيين يسمون شجرة الأنساب باسم “جدول الأمم” Table of Nations.

اختراع الأنساب هو أمر معتاد منذ القدم عند الساميين، وهو مجرد أسلوب لغوي تعبيري لا يعبر عن حقيقة بيولوجية. مثلا التوراة تطلق على الحِتِّيين سكان الأناضول القدماء مسمى “بني حِتّ”. هذه اللفظة لا تعني أنه كان للحتيين جد اسمه حت وإنما هي مجرد تعبير لغوي. الحتيون أخذوا اسمهم من اسم المنطقة التي كانوا يعيشون فيها وليس من اسم جد.

نفس الأمر ينطبق مثلا على الكنعانيين الذين يسمون أنفسهم في النقوش أحيانا باسم “بني كنعان”. هذه اللفظة هي مجرد تعبير لغوي ولا تعني أن للكنعانيين جد اسمه كنعان.

أنساب الشعوب السامية كثيرا ما تكون مأخوذة من أسماء أمكنة، وهذا ما يظهر في الأمثلة السابقة. عند العرب هناك مثلا “آل غَسَّان” الذين كانوا يسكنون جنوب سورية قبل الإسلام والذين يقول الكتاب المسلمون أنهم أخذوا اسمهم من اسم ماء يقال له “غَسَّان” ببلاد عَكّ.

أيضا في كثير من الأحيان تكون الأنساب مأخوذة من أسماء آلهة، وهذا ما يشاهد مثلا عند اليمنيين القدماء. المعينيون سموا أنفسهم في النقوش باسم “أولاد ود” نسبة إلى إلههم وَدّ، والسبئيون سموا أنفسهم “ولد ألمقه” نسبة إلى إلههم ألمقه، والقتبانيون “ولد عم” نسبة إلى إلههم عم. أيضا الآشوريون القدماء هم منسوبون إلى إلههم آشور، وهناك أمثلة أخرى عديدة.

هناك أيضا أنساب نابعة من طوطمية قديمة. مثلا القبائل المنسوبة إلى حيوانات كبني أسد وبني كلب وبني ثعلب وبني ثور وبني بكر وبني ضب وبني غراب وبني فهد إلخ هي ربما تعبير عن طوطمية قديمة ولا تعني وجود أجداد كانوا يحملون هذه الأسماء.

أحيانا يكون النسب نابعا من أسس سياسية أو اجتماعية، وهذا ما كان يحدث كثيرا في الجزيرة العربية. يقول جواد علي:

وأقرب تفسير لأنساب العرب في نظري هو أن النسب، ليس بالشكل المفهوم المعروف من الكلمة، و إنما هو كناية عن “حلف” يجمع قبائل توحدت مصالحها، واشتركت منافعها، فاتفقت على عقد حلف فيما بينها، فانضم بعضها إلى بعض، واحتمى الضعيف منها بالقوي، وتولدت من المجموع قوة ووحدة، وبذلك حافظت تلك القبائل المتحالفة على مصالحا وحقوقها. قال البكري: “فلما رأت القبائل ما وقع بينها من الاختلاف والفرقة، وتنافس الناس في الماء والكلأ، والتماسهم المعاش في المتسع، وغلبة بعضهم بعضاً على البلاد والمعاش، واستضاف القوي الضعيف، انضم الذليل منهم إلى العزيز، وحالف القليل منهم الكثير، وتباين القوم في ديارهم ومحالّهم، وانتشر كل قوم فيما يليهم”.

ويرى “كولدتزيهر” أنه لفهم الأنساب عند العرب، لا بد من معرفة الأحلاف والتحالف فإنها أساس تكوّن أنساب القبائل، فإن هذه الأحلاف التي تجمع شمل عدد من البطون والعشائر والقبائل هي التي تكوّن القبائل والأنساب، كما إن تفكك الأحلاف وانحلالها يسبب تفكك الأنساب وتكوين أنساب جديدة ويرى أيضاً إن الدوافع التي تكوّن هذه الأحلاف لم تكن ناشئة عن حس داخلي بوجود قرابة وصلة رحم بين المتحالفين وشعور بوعي قومي، بل كانت ناشئة عن المصالح الخاصة التي تهم العشيرة كالحماية والأخذ بالثأر وتأمين المعيشة. ولذا نجد الضعيف منها يفتش عن حليف قوي، فانضمت “كعب” مثلاً إلى “بني مازن” وهم أقوى من “كعب”، وانضمت “خزاعة” إلى “بني مدلج”، كما تحالفت “بنو عامر” مع “اياد” وأمثلة أخرى عديدة.

إذن الأنساب عند الشعوب السامية نادرا ما يكون لها علاقة بالمعنى الحقيقي للنسب، بل هي في الغالب نابعة من أسباب جغرافية وسياسية واجتماعية وروحية إلخ. هذه النزعة ما زالت موجودة حتى يومنا هذا. مثلا أنا شاهدت بعض الناس على الإنترنت يطلقون على الوهابيين مسمى “بني وهاب”. هذه الكلمة لا تعني أن للوهابيين جد بيولوجي اسمه وهاب بل هي تسمية مبنية على أساس ديني.

أنساب التوراة اليهودية هي نابعة من هذا المنطق. هي لا تعبر عن أنساب بيولوجية حقيقية بل هي مجرد أسلوب تعبيري لوصف الشعوب المحيطة ببني إسرائيل في العصور القديمة وعلاقتها ببعضها. هذا أمر يتفق عليه كل الباحثين على ما أعتقد. ولكن الباحثين يختلفون في أمور أخرى أهمها تحديد معنى كل اسم من الأسماء الواردة في الأنساب التوراتية، وأيضا هناك خلاف حول ما إذا كانت شجرة الأنساب التوراتية تغطي شعوب العالم بأسره أم أنها تتحدث فقط عن الشعوب المحيطة ببني إسرائيل.

الرأي الشائع هو أن شجرة الأنساب التوراتية تغطي كل العالم المعروف لبني إسرائيل في ذلك الوقت، وهذا يعني أن هذه الشجرة هي إنجاز فريد يختلف عن الأنساب العربية التي تختص فقط بالقبائل العربية دون غيرها من الشعوب. صحيح أن العرب ينسبون نفسهم إلى سام بن نوح ويضمون أنساب قبائلهم إلى الأنساب التوراتية، ولكن هذا تطور لاحق قام به النسابون العرب بعد اطلاعهم على شجرة الأنساب التوراتية.

هل شجرة الأنساب التوراتية هي من اختراع بني إسرائيل؟ أم أنهم أخذوها من مصادر أخرى أقدم منهم وأضافوا أنسابهم إليها كما فعل العرب؟

من المستبعد أن يكون اليهود هم من أنشؤوا شجرة الأنساب التوراتية لأسباب عديدة، منها مثلا أن الشجرة تذكر أسماء شعوب بعيدة عن اليهود، واليهود لم يعرف عنهم في القدم أنهم أصحاب إمبرطوريات أو أصحاب تجارات عابرة للقارات، وبالتالي من أين أتوا بأسماء الشعوب والأمكنة التي تبعد عنهم آلاف الكيلومترات؟ مثل هذه المعلومات تكون موجودة عادة لدى الحضارات الكبيرة كحضارة ما بين النهرين والحضارة المصرية، أما اليهود فهم في أقصى عزهم لم يتمكنوا من السيطرة على فلسطين بكاملها ناهيك عن أن تكون لهم علاقات مع ليبيا والنوبة واليونان وغير ذلك من الأماكن المذكورة في شجرة الأنساب.

الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب اليهودي (التكوين، والخروج، واللاويين، والأعداد، والتثنية) يسميها اليهود باسم “التوراة” (القانون أو الشريعة) ويسمونها أيضا “أسفار موسى”. هذه الأسفار هي أقدم أسفار الكتاب اليهودي وهي تحكي قصة نشوء بني إسرائيل والديانة اليهودية حسب وجهة نظر من كتبها. اليهود تقليديا يعتقدون أن موسى هو من كتب هذه الأسفار (بسبب تسميتها بأسفار موسى ربما) ولكن هذا مستبعد لأن الأسفار أصلا تتحدث عن موسى على أنه عاش في زمن بعيد. حاليا الباحثون الغربيون يرون أن هذه الأسفار كتبها كهنة اليهود بدءا من القرن الخامس قبل الميلاد، أي بعد عودة اليهود مما يسمى السبي البابلي في أواخر القرن السادس قبل الميلاد.

الباحثون الغربيون بدءا من القرن 19 كانوا يرون أن التوراة (الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب اليهودي) لها أربعة مصادر مختلفة على الأقل:

  • المصدر الأول يسمونه “اليهوي” Jehovist (رمزه J) لأنه يشير إلى الله باسم “يهوه”.
  • المصدر الثاني يسمونه “الإلهي” Elohist (رمزه E) لأنه يشير إلى الله باسم “إلاهيم” أو “إل”.
  • المصدر الثالث يسمونه “التثنوي” Deuteronomist (رمزه D) لأنه مصدر سفر التثنية.
  • المصدر الرابع يسمونه “الكهنوتي” Priestly Source (رمزه P) لأنه من تأليف كاهن أو مجموعة من الكهان.

الباحثون الغربيون يرون أن كهان يهودا قاموا بعد السبي البابلي بتجميع هذه المصادر وأوجدوا منها التوراة. ولكن في العقود الأخيرة نشأ جدل حول صحة هذه النظرية، وحاليا هناك رأي يقول أن J وE هما في الحقيقة مصدر واحد وأنه لا يعود إلى أزمنة سحيقة كما كان يعتقد وإنما كتب قبل السبي البابلي مباشرة أو حتى خلاله، أي في القرن السادس قبل الميلاد. وأما المصدران D وP فهما يعودان للفترة التالية مباشرة للسبي البابلي (أواخر القرن السادس قبل الميلاد أو القرن الخامس قبل الميلاد)، وهناك الآن من يشككون في وجود مصادر اسمها J وE وD وP ويرون أن J وE لم تكن مصادر مجمعة وإنما كانت عبارة عن قصص وقصائد متفرقة، وأما D وP فهي إضافات قام بها الكهنة أثناء تناقلهم للتوراة بعد السبي البابلي.

خلاصة ما سبق هي أن التوراة جمعت لأول مرة في القرن الخامس قبل الميلاد من مصادر متعددة ربما كان عددها أربعة أو أكثر أو أقل، وبعد جمع التوراة تناقلها كهان اليهود جيلا بعد جيل وكل جيل كان يضيف إلى الكتاب اليهودي حسب مستجدات عصره وحسب مدرسته الفكرية والدينية والسياسية. في نهاية القرن الأول الميلادي (بعد “خراب الهيكل”) قرر علماء اليهود وقف الإضافة إلى الكتاب اليهودي، وقرروا أيضا حذف ما أضيف إليه بعد عام 300 قبل الميلاد، وهكذا تم حذف مجموعة من الأسفار هي التي تسمى Apocrypha و Pseudepigrapha. منذ ذلك الوقت صار هناك تمييز بين الكتاب اليهودي (المعروف عند اليهود باسم التَّنَك HatTanakh) وبين ما يكتبه العلماء اليهود والذي لم يعد يضاف إلى الكتاب اليهودي (وتم تجميعه لاحقا في التلمود).

بالنسبة لسفر التكوين فهو حسب رأي الباحثين يعود إلى ثلاثة مصادر هي J وE وP (أو J وP في حال اعتبار J وE مصدرا واحدا). المصدران J وE كما قلنا هما الأقدم ويعودان إلى ما قبل السبي البابلي، وهذان المصدران هما من أورد قصة الخلق الواردة في بداية سفر التكوين والقصص الأخرى المذكورة في السفر (قصة آدم وحواء وقايين وهابيل ونوح وأبرام وإسماعيل ويعقوب ويوسف إلخ). أما المصدر P فهو الذي أورد شجرة الأنساب بشكلها الحالي.

طبعا الباحثون الغربيون تحدثوا منذ البداية عن التشابه بين قصة الخلق الواردة في سفر التكوين وبين قصص الخلق الموجودة لدى حضارات أخرى قديمة (خاصة حضارة ما بين النهرين والحضارة المصرية والحضارة الهندية). في البداية هم افترضوا أن المصدرين J وE استوحيا قصة الخلق من مصادر بابلية أو آشورية، ثم بعد ذلك ظهرت آراء تقول أنهم نقلوا من مصادر مصرية، وبعد اكتشاف حضارات شمال سورية (إبلا وأُجاريت) ظهرت آراء تقول بأن مصدر القصص التوراتية هو التراث السوري القديم (الذي هو بدوره مستوحى من تراث ما بين النهرين)، والرأي الأخير هو الأقوى من حيث الأدلة ومن حيث المنطق.

التوراة تجعل من “آدم” (اسمه الأصلي “أَدَم”) جدا لكل البشرية. كلمة أَدَم تعني “رجل” في اللغة الكنعانية، والجذر أدم يعني الحَمَار (كلمة ʔāḏōm تعني “أحمر” بالعبرية). المستشرق نولدكه زعم أن النظير العربي لكلمة “أدم” هو “أنام”. في القصة التوراتية هناك ربط مضمر بين اسم أَدَم אָדָמָ وبين كلمة أَدَمَة אֲדָמָה التي تعني “أرض” (المقابل العربي “أديم”؟)، لأن يهوه خلق آدم من الأرض:

(التكوين 3)

19. בְּזֵעַת אַפֶּיךׇ תֹּאכַל לֶחֶם עַד שׁוּבְךׇ אֶל-הָאֲדָמָה כִּי מִמֶּנָּה לֻקָּחְתָּ כִּי-עָפָר אַתָּה וְאֶל-עָפָר תָּשׁוּב:
19. بِعَرَقِ جبينِكَ تأكُلُ طَعَامَكَ حتّى رُجُوعِكَ إلى الأرضِ hā-ʔăḏāmah لأنَّكَ مِنها أُخِذْتَ. فأنتَ تُرابٌ، وإلى التُّرابِ تَرجِعُ.

كثير من الكتاب القدماء فسروا اسم أدم على أنه مشتق من أدمة=أرض. ولكن في العصر الحديث بعض الباحثين الغربيين يرون أن الاسم هو من أصل أَكََّدِي (آشوري-بابلي) هو adamu (أي Adamu ، و u– في نهاية الاسم هي الضمة علامة الرفع). هذا الاسم في رأيهم هو مرادف لاسم adapa الذي ورد في الأساطير السومرية والذي له قصة شبيهة بقصة آدم التوراتي، وأما كلمة “أدمة” التي تعني أرض فهي في رأي بعضهم مأخوذة من اللغة السومرية. في اللغة السومرية adam قد تعني “ريف” أو “مَرْعى”، وهذا ربما يذكر بقول الأعشى (من لسان العرب):

يَوْماً تَراها كَشِبْه أَرْدِية العَصْب ويوماً أَدِيمُها نَغِلا

اسم آدم كان شائعا في سورية في العصور القديمة (عثر عليه في إبلا Adamu وفي أُجاريت أدم ʔadm)، وفي كل هذه الحضارات كان آدم يعتبر ابنا للآلهة أو للإله الأكبر (مثلا في أجاريت عثر على ʔil ʔab ʔadm = “الله أبو آدم”) والبعض ربط هذا المعتقد مع عبارة “آدم ابن الله” الواردة في إنجيل لوقا (3:38).

هناك أيضا باحثون يربطون آدم التوراتي بالإله المصري ỉtm) Atum) الذي له قصة شبيهة بقصة آدم التوراتي.

أما حواء زوجة آدم فسفر التكوين يفسر اسمها:

(التكوين: 3)
20. وسمَّى آدمُ امرأتَهُ حَوَّاءَ، لأنَّها أُمُّ كُلِّ حيٍّ.

هذا التفسير لم يرض الباحثين الغربيين الذين ربط بعضهم بين اسم حواء (Ḥawwȃ) وبين اسم الإلهة الحثية Kheba التي كانت تعبد في سورية وفلسطين قبل ظهور الديانة اليهودية، وهي kugbau السومرية. أيضا الباحثون كثيرا ما يربطون بين حواء التوراتية وبين الإلهة السومرية Ninti التي يعني اسمها “سيدة الحياة” ويعني أيضا “سيدة الضِّلع”. كلمة nin السومرية تعني “سيدة” أما كلمة ti فهي تعني كلا من “حياة” و”ضلع”، وهذا في رأي الباحثين يفسر القصة التوراتية التي تتحدث عن كون حواء خلقت من ضلع آدم. قصة حواء في رأيهم كانت متداولة في سورية وما بين النهرين قبل كتابة التوراة بزمن طويل، وبسبب كون اسم Ninti يحمل معنيين مختلفين (“سيدة الحياة” و”سيدة الضلع”) نشأ الربط بين حواء والحياة من جهة (وسمَّى آدمُ امرأتَهُ حَوَّاءَ لأنَّها أُمُّ كُلِّ حيٍّ) وبين حواء والضلع من جهة أخرى:

(التكوين: 2)
21. فأوقَعَ يهوه الله آدمَ في نَومٍ عميقٍ، وفيما هوَ نائِمٌ أخذَ إحدى أضلاعِهِ وسَدَّ مكانَها بِلَحْمٍ.
22. وبنى يهوه الله امْرأةً مِنَ الضِّلعِ التي أخذَها مِنْ آدمَ، فجاءَ بِها إلى آدمَ.

قصة خلق حواء من ضلع آدم في رأيهم لم تكن في الأصل تحمل أي معنى فلسفي أو ديني بل هي نبعت فقط من كون كلمة ti السومرية تحمل معنيين لغويين مختلفين، وربما يكون تفسير قصة خلق آدم من الأرض (“الأدمة”) مماثلا لأن كلمة adam في السومرية لها معنى “كائن حي” أو “رجل” ومعنى آخر هو “الأديم” أو “المرعى”، رغم أن هذا التفسير غير ضروري لأن الأساطير البابلية تتحدث صراحة عن أن إله الماء Ea (بالسومرية Enki) خلق Adapa من الطين (وعند المصريين أيضا فإن بداية الخلق كانت من Nu الذي هو عبارة عن ماء، وقبل خلق العالم لم يكن هناك شيء إلا الماء. أما حواء عند المصريين فقال بعضهم أنها Isis التي ورد أنها سممت AtumRa وأخرجته من قاربه لأنها أرادت أن تعرف اسم الله السري، وقال آخرون أن حواء عند المصريين هي Tefnut التي هي الإلهة الأولى التي خرجت من جوف Atum في بداية الخلق).

إذن آدم وحواء عند كثير من الباحثين الغربيين هي آسماء لآلهة أو شخصيات أسطورية قديمة تعود أصولها على الأغلب إلى حضارة سومر. بعد ذلك يتحدث سفر التكوين عن قصة جنة عدن (عِدْن):

(التكوين: 2)
4. هكذا كانَ مَنشأُ السَّماواتِ والأرضِ حِينَ خُلِقَت. يومَ صنَعَ يهوه اللهُ יְהוָה אֱלֹהִים الأرضَ والسَّماواتِ،
5. لا شجَرُ البرِّيَةِ كان بَعدُ في الأرضِ، ولا عُشْبُ البرِّيَةِ نَبَتَ بَعدُ. فلا كانَ يهوه اللهُ أمطرَ على الأرضِ، ولا كانَ إنسانٌ يَفلَحُ الأرضَ،
6. بل كانَ يصعَدُ مِنها ماءٌ يَسقي وجهَ التُرْبَةِ كُلَّه.
7. وجبَلَ يهوه اللهُ آدَمَ تُراباً مِنَ الأرضِ ونفَخَ في أنْفِه نَسَمَةَ حياةٍ. فصارَ آدمُ نفْسًا حيَّةً.
8. وغرَسَ يهوه اللهُ جَنَّةً في عِدْنٍ شَرقاً، وأسكنَ هُناكَ آدمَ الذي جبَلَهُ.
9. وأنبتَ يهوه الله مِنَ الأرضِ كُلَّ شجَرَةٍ حسَنَةِ المَنظَرِ، طيِّبةِ المأكَلِ، وكانَت شجَرةُ الحياةِ وشجَرةُ معرِفَةِ الخيرِ والشَّرِّ في وسَطِ الجَنَّةِ.
10. وكانَ يخرُجُ مِنْ عِدْنٍ نهرٌ فيَسقي الجَنَّةَ، ويتَشَعَّبُ مِنْ هُناكَ فيصيرُ أربعةَ أنهارٍ،
11. أحَدُها اسْمُه فِيسان، ويُحيطُ بِجميعِ أرضِ الحَوِيلَةِ حَيثُ الذَّهَبُ،
12. وذهَبُ تِلكَ الأرضِ جَيِّدٌ. وهُناكَ اللؤلُؤُ وحجَرُ العقيقِ.
13. و اسمُ النَّهرِ الثَّاني جِيحان، ويُحيطُ بِجميعِ أرضِ كُوس،
14. و اسمُ النَّهرِ الثَّالثِ دِجلَةُ، ويجري في شَرقي أَسُّورَ. والنَّهرُ الرَّابعُ هوَ الفُراتُ.
15. وأخذَ يهوه الله آدمَ وأسكنَهُ في جَنَّةِ عِدْنٍ لِيَفلَحَها ويَحرُسَها.
16. وأوصى يهوه الله آدمَ قالَ: “مِنْ جميعِ شجَرِ الجَنَّةِ تأكُلُ،
17. وأمَّا شجَرَةُ معرِفَةِ الخيرِ والشَّرِّ فلا تأكُلْ مِنها. فيومَ تأكُلُ مِنها موتاً تموت”.

“جنة عدن” المقصودة هنا هي حسب كثير من الباحثين Eridu السومرية التي أوجدها إله الماء Ea) Enki) وسكنها Adapa و”أحضر لها الحضارة من دلمون” (وكانت فيها شجرة محرمة إلخ). لا يوجد منطقة أخرى ينطبق عليها وصف جنة عدن التوراتية سوى هذه المنطقة التي تقع في جنوب غرب العراق. النص التوراتي يقول أن جنة عدن يخرج منها أربعة أنهار (والصحيح أنها تصب فيها) وهي:

  • فِيسان Pison الذي يحيط بأرض الحويلة Havilah. كلمة حَوِيلة هي محل جدل لدى الباحثين حيث منهم من يرى أنها خَوَلان التي ورد اسمها في النقوش اليمنية قديما وكانت اسما لقبيلة يمنية معروفة (حرف الخاء يتحول دائما إلى حاء في العبرية)، وهناك من يرى أنها بادية العراق في شرق الصحراء السورية، وأصح الأقوال في رأيي هو أنها اسم قديم لصحراء النفود. هذا القول يتوافق مع معنى الكلمة التى قد تعني “الأرض الرملية” وهو يتوافق مع وصف حويلة في نصوص التوراة. المؤلف اليوناني الشهير إسطرابون Strabōn (القرن الميلادي الأول) نقل عن إراطوسثين القوريني Eratosthenes of Cyrene (القرن الثالث قبل الميلاد) اسم قوم من سكان الجزيرة العربية هم Khaulotaioi، وموقعهم هو بين Nabataioi (النبط) وبين قوم سماهم Agraioi. هو كان يصف طريقا تجارية تمتد من مصر إلى شرق الجزيرة العربية، وبالتالي Agraioi هم ربما سكان مدينة هَجَر (الهفوف) عاصمة البحرين القديمة. إذن Khaulotaioi يقعون بين النبط والبحرين. المؤلف الروماني الشهير إفلينيوس Plinius (القرن الميلادي الأول) وصف نفس الطريق وذكر مدينة باسم Gabba بين البحرين وفلسطين، وهذه المدينة هي على الأغلب موطن Agubēnoi الذين ذكرهم بطليموس (القرن الميلادي الثاني) وعين موقعهم قرب دومة. Gabba هي ربما الموضع المعروف باسم “الجُبّ” في جبل سلمى قرب حائل، وKhaulotaioi هم على الأغلب منسوبون إلى “حائل” التي يشبه اسمها اسم منطقة حويلة التوراتية. نهر فيسان هو ربما يكون وادي الرمة الذي يسير من الغرب إلى الشرق بمحاذاة حائل (حويلة) من جهة الجنوب باتجاه الكويت (أي باتجاه دلمون وسومر). هناك في الحجاز أكثر من منطقة تحمل أسماء لها علاقة بالذهب (مثلا “مهد الذهب”) وهذا يناسب الوصف التوراتي لنهر فيسان. وادي الرمة يتصل بأودية أخرى تسير من الجنوب إلى الشمال بمحاذاة الحجاز (وبمحاذاة مهد الذهب)، وهو يتصل بوادي بيشة في عسير الذي يشبه اسمه اسم فيسان (حرف الفاء في العربية كان يلفظ أصلا P). من المحتمل أن نهر فيسان التوراتي هو وادي الرمة مع امتداداته نحو وادي بيشة في عسير، وبما أن هذه الأسطورة قديمة جدا فلا يستغرب أنها تصف وادي الرمة بأنه نهر لأنه ربما كان نهرا بالفعل في ذلك الزمن.
  • جيحان Gihon الذي يحيط بأرض كوس. كلمة “كوس” Cush في الكتاب اليهودي تطلق عادة على بلاد النوبة إلى الجنوب من مصر، ولكنها أحيانا تطلق على مناطق أخرى لا علاقة لها بالنوبة. في هذه القصة كلمة كوس لا يمكن أن تكون النوبة لاستحالة التوفيق بين ذلك وبين ذكر نهري دجلة والفرات. المقصود بكوس هنا ربما هو مدينة Kish) Kis) السومرية التي تقع إلى الشرق من بابل. نهر جيحان المقصود هنا هو ربما نهر الكرخة الذي ينبع من جبال زاغروس في إيران ويسير عبر الأهواز ويتصل بنهر دجلة قبل التحامه مع الفرات.
  • دجلة والفرات هي الأنهار المعروفة.

هذه الأنهار الأربعة كلها تلتقي في سومر، ولذلك فإن كثيرا من الباحثين لا يشكون بأن المقصود بجنة عدن أصلا هو Eridu السومرية التي تقع في ذي قار جنوب غرب العراق. فلسطين أصلا ليس فيها أنهار وبالتالي لا يتوقع من سكانها الاهتمام بموضوع الأنهار وإدخاله في الأساطير. الاهتمام بالأنهار والطوفان هي أمور نابعة من البيئة السومرية (أو المصرية) وليس من البيئة الفلسطينية أو السورية.

بالنسبة لكلمة عِدْن فتفسيرها العبري هو أنها مأخوذة من الجذر “عدن” الذي يعني “اللذة” أو “السعادة”، ولكن الباحثين رفضوا هذا التفسير وفضلوا ربط الكلمة بكلمة edinu الأكّدية التي تعني “سهل”، والتي هي بدورها مأخوذة ربما من EDIN السومرية. ولكن في عام 1982 عُثر على نقش آرامي قديم في تل فخرية قرب رأس العين في الحسكة يحوي وصفا للإله هداد بأنه “جوجل نهر كلم… معدن مت كلن” (“المتحكم بالأنهار كلها… مغدق الماء على الأراضي كلها”). كلمة “معدن” في النقش هي اسم فاعل من الجذر “عدن”، والمهم في النقش هو أنه يحوي ترجمة إلى اللغة الآشورية حيث ترجمت كلمة “معدن” إلى muṭaḫḫidu التي تعني “مغدق الماء”، وهو معنى قريب من معنى الجذر العبري الذي رفضه الباحثون في البداية. أيضا في أجاريت عثر على نص يقول “ون أف عدن مطره بعل يعدن عدن” (“والآن إغداق مطره، بعل يغدق الماء إغداقا”؟).

كل هذه الأدلة تثبت أن كلمة “عدن” التوراتية هي كلمة سورية الأصل وليست أكدية أو سومرية كما تصور الباحثون، وهذا يؤكد مجددا أن قصص سفر التكوين هي مستوحاة من التراث السوري القديم ولم تؤخذ مباشرة من مصادر أكدية أو سومرية.

الجذر “عدن” هو في الأصل “غدن” ولكن في الكنعانية والآرامية الغين تقلب دائما إلى عين. الجذر موجود في العربية (من لسان العرب):

الغَدَنُ: سَعَةُ العيش والنَّعْمةُ… والغَدَنُ: النَّعْمة واللِّينُ. وإن في بني فلان لغَدَناً أَي نَعْمةً
ولِيناً، وكذلك الغُدُنَّة. وإنهم لفي عَيْشٍ غُدْنَةٍ وغُدُنَّةٍ أَي رَغْدٍ…

إذن جنة “عدن” العبرية هي في الأصل “غدن” بالغين، ومعناها مشتق من سعة العيش والنعمة.

سوف أنشر الجزء التالي من هذا الموضوع بعد أيام، وسوف أذكر فيه المصادر التي اعتمدت عليها.

الملك السعودي يحذر الرئيس اللبناني من استهداف “السنة” في لبنان

من لديه أدنى شك في أهداف المحور السعودي-الإسرائيلي مما يحدث في لبنان يجب أن يقرأ البرقية التي أرسلها اليوم الملك السعودي إلى لبنان. البرقية تحذر الرئيس اللبناني من أن “استهداف السنة في لبنان سوف يعيد لبنان إلى الحرب الأهلية”.

هذا الكلام من الملك السعودي هو نفس الكلام الذي يردده الوهابيون المتمردون في لبنان وهو نفس الكلام الذي نسمعه منذ سنوات على القنوات الفضائية الوهابية. الملك السعودي اليوم اعترف بوثيقة رسمية بأنه هو من يروج هذا الفكر الوهابي في المنطقة.

قبل أيام كان المعتقل الوهابي في طرابلس إرهابيا خطيرا مدانا بأدلة دامغة، ولكنه اليوم خرج بكفالة بحجة أن التهم الموجهة إليه بسيطة وسخيفة. هذا دليل على أن عملية إطلاق سراحه تمت استجابة لضغوط خليجية من السعودية وقطر.

ما حدث اليوم هو عمليا ترسيخ لفكرة المنطقة العازلة في شمال لبنان. من الآن فصاعدا لن تتمكن القوى الأمنية اللبنانية من اعتقال مهربي السلاح إلى سورية لأن الملك السعودي يعتبر هذا استهدافا للسنة ونذيرا بعودة الحرب الأهلية.

مرة جديدة يثبت لبنان أنه دولة فاشلة ووهمية. ما يحدث الآن هو في الحقيقة تكرار لسيناريو الحرب الأهلية السابقة. خروج الوهابيين منتصرين في هذه المواجهة مع الدولة اللبنانية يعني أنهم صاروا الآن أكثر قوة مما سبق، وهم يحظون بغطاء رسمي من المحور السعودي-الإسرائيلي شبيه بالغطاء العربي الذي كان الفلسطينيون يحظون به في الستينات والسبعينات. أي أننا نتحدث الآن عن ميليشيات وهابية في لبنان مستقلة عن سلطة الدولة وخاضعة لإمرة المحور السعودي-الإسرائيلي.

الحرب الوهابية-الشيعية في لبنان هي مسألة وقت فقط. الملك السعودي دعا للحوار لأجل نزع سلاح حزب الله مقابل نزع سلاح العصابات الوهابية. المحور السعودي-الإسرائيلي يريد فرض هذه المعادلة على سورية وإيران: هم يريدون نزع سلاح حزب الله مقابل نزع سلاح الوهابيين، أي أنهم عمليا يريدون نزع سلاح حزب الله بدون مقابل تدفعه إسرائيل.

“حكومة حزب الله” فشلت في ضبط الوضع الأمني في لبنان. هي سمحت للمحور السعودي-الإسرائيلي بتسليح الوهابيين والآن هي تسمح لهذا المحور بمنح الوهابيين الغطاء الشرعي تحت حجة أنهم يمثلون طائفة رئيسية في لبنان كما زعم ملك آل سعود.

الوهابيون في لبنان هم “جيش لحد” الجديد الذي سوف يحارب حزب الله عاجلا أم آجلا. جيش لحد القديم كان اسمه “جيش لبنان الجنوبي”، أما الجيش الوهابي الجديد فسوف يكون اسمه “جيش لبنان الشمالي”. طبعا الداعم واحد في كلتا الحالتين وهو المحور السعودي-الإسرائيلي.

موقع دبكا نشر اليوم ما يلي:

Sunday, at the NATO summit in Chicago, Secretary Anders Fogh Rasmussen said firmly that the alliance has “no intention” of taking military action against President Bashar Assad’s regime. But he said nothing about individual NATO members translating their concern about the escalating violence in Syria into military action. Above all, he did not explain why Syrian army heavy T-72 tanks have in recent days started bursting into flames on the open roads.
Debkafile’s military sources disclose the cause: The Syrian rebels have received their first “third generation” anti-tank weapons, 9K115-2 Metis-M and Kornet E. They are supplied by Saudi and Qatari intelligence agencies following a secret message from President Barack Obama advising them to up the military stake in the effort to oust Assad.
Saturday, May 19, President Obama said in a speech to the G-8 summit at Camp David that “Bashar al-Assad must leave power.” Listening to him were Russian Prime Minister Dmitry Medvedev whose government strongly opposes the bid to topple Assad and is helping him to weather the uprising against his rule.
Medvedev and Chinese leader Hu Jintao both kept silent after Obama spoke. Both would have had intelligence updates relayed to Camp David on the latest turn of events in Syria.
The supply of powerful anti-tank missiles to the Syrian rebels is intended to achieve two purposes:

1. To impede Syrian military tank movements between flashpoints. During the 14-month uprising, there was nothing to stop Syrian tanks criss-crossing the country as back-up for the official crackdown on dissent. But in recent weeks, trucks hauling the T-72 are being blown up before they reach their destinations.
2.  The sight of blazing tanks is intended to undermine army morale and puncture the self-assurance of the security circles surrounding the president.
The anti-tank missiles reaching the rebels through Saudi and Qatari channels are only one facet of the unfolding US plan for the Syrian crisis, our military sources report. Turkish intelligence has been given the green light to arm Syria rebels with IED roadside bombs tailored for the Syrian theater and intensively train the dissidents in their use at Turkish military facilities. This is tantamount to Ankara’s first direct military intervention in Syria.
How will Assad and his backers in Tehran and Moscow handle the upscale of rebel munitions?
According to our sources, the Syrian ruler and his cronies are not shaken in their conviction that even with heavy weapons in play they will suppress the revolt, because the majority of the population is still behind the regime and because the rebels will find it hard to wield the advanced systems, especially by day.
But his Russian and Iranian military and intelligence advisers are growing less sanguine as they watch foreign military intervention expand step by step. They are warning the Syrian ruler that the advanced missiles reaching the rebels represent the most dangerous development his regime has faced to date. They reckon that, after failing to ignite a full-dress unified rebellion inside the main Syrian cities, the West and the Arab states have turned to equipping anti-Assad rebel forces for pursuing sustained guerilla warfare between the big cities – on the main roads and in rural and mountainous areas.
Russian and Iranian tacticians agree that the Syrian army, like most other regular armies, is not trained or structured for combating guerilla forces. Adapting it to the new peril would be a long process.

المقال يقول أن أميركا بدأت منذ فترة بتزويد الإرهابيين في سورية بصواريخ مضادة للدروع وبأن تركيا تزودهم بعبوات ناسفة متطورة، والهدف هو إعاقة تحرك الجيش السوري وتقويض معنويات الجنود والشعب السوري بعد فشل محاولة إشعال ثورة في سورية.

المقال يقول أن الروس والإيرانيين قلقون من هذا التطور لأن الجيش السوري غير معد لهكذا مواجهة، أما النظام السوري فهو غير قلق وما زال يعتقد بإمكانية القضاء على الإرهابيين.

 مقال موقع دبكا صادق لأن جريدة الشرق الأوسط أكدته بالأمس ولكنها زعمت أن مصدر الصواريخ التي تصل للمتمردين هو مخازن الجيش السوري. المقال الذي نشرته الشرق الأوسط بالأمس كان بهدف التمويه على وصول السلاح المتطور إلى الإرهابيين من الخارج.

أنا بصراحة أستغرب كيف أن سورية والعراق وإيران وروسيا يشاهدون تركيا تفعل هذه الأفاعيل دون أن يردوا بالمثل. لماذا لا يتم تزويد المقاومين الأكراد في تركيا بالعبوات الناسفة والأسلحة المضادة للدروع؟ المعارضة الكردية في تركيا لها مطالب تاريخية مشروعة، أما الإرهابيون في سورية فهم ليس لديهم أي مطلب مشروع وهم يرفضون الديمقراطية والانتخابات ويسعون لاغتصاب السلطة بالعنف والإرهاب. أي الجهتين أولى بالدعم؟

عدم دعم المقاومين الأكراد بالسلاح بينما تقوم تركيا بتزويد الإرهابيين في سورية بالعبوات الناسفة هي مهزلة وأمر بحاجة لتوضيح. لماذا تتفرج أربع دول كبيرة على تركيا وهي تسلح الإرهابيين دون أن ترد هذه الدول بالمثل؟

العصابات التابعة لتركيا اختطفت اليوم مجموعة من اللبنانيين الشيعة قرب حلب بهدف تهييج شيعة لبنان بعد أن تم تهييج الوهابيين. هذا مؤشر جديد على وجود رغبة لدى المحور المعادي بتفجير لبنان طائفيا للأسباب التي ذكرتها من قبل.

الأسد حذر الدول المتورطة في الإرهاب في سورية من امتداد الفوضى إليها، ولكن ما حدث هو أن الفوضى امتدت إلى لبنان الذي هو مناصر لسورية، أما تركيا التي تزرع الإرهاب والفتن الطائفية فهي ما زالت بعيدة عن الفوضى رغم أنها أكثر دولة مؤهلة للفوضى.

ما دينك وهل تؤيد المعارضة السورية

 الإجابة للسوريين فقط لو سمحتم. إذا كنت صوتت من قبل فلا تصوت مجددا حتى لا تلغى أصواتك.

الجميل يشذ من جديد عن الطوق الحريري

ما يلي موقف ابن أمين الجميل من الأحداث الأخيرة:

http://www.tayyar.org/Tayyar/News/PoliticalNews/ar-LB/sami-gemayel-pb-311110347.htm

اعلن منسق اللجنة المركزية في حزب الكتائب النائب سامي الجميل ان الحديث عن اغتيال للشيخ احمد عبد الواحد امر غير مقبول ، داعيا الى انتظار نتائج التحقيقات.

وكشف الجميل عن ان معلوماته من مصادر امنية في بيروت تفيد بانه حدث توقيف على الحاجز وعندما رفض موكب الشيخ عبد الواحد الامتثال اطلق الجيش 3 طلقات في الهواء فرد عناصر الموكب  بإطلاق النار واصابوا ثلاثة عناصر من الجيش الذي رد عناصره بإطلاق النار ما ادى  الى مقتل الشيخ عبد الواحد ومرافقه. وقال :هذه هي المعلومات التي وصلتني قد تكون صحيحة  وقد لا تكون لكن في جميع الاحوال علينا انتظار نتائج التحقيق.

وعن علاقة حزب الكتائب مع 14 آذار ، شدد الجميل على ان الخروج عن ثوابت 14 آذار نكون يعني الخروج عن ثوابت الكتائب وهذا غير وارد  لكنه اعلن في المقابل ان التحالف لا يعني السكوت عن الخطأ.

لا أعلم ما الذي يريده الجميل بالضبط حتى يقبل بقانون النسبية ولكنه إن قبل بهذا القانون سيكون جنب لبنان حربا أهلية جديدة.

الحريري لديه مشروع واضح. هو يريد دعم الثورة السورية ويعتبر نفسه طرفا في الصراع السوري، وبالتالي وصوله إلى الحكم الآن هو وصفة لإحراق لبنان. ما هي مصلحة حزب الكتائب في ذلك؟

موقف حزب الكتائب واضح. هو لا يريد الفوضى الخلاقة، وبالتالي هو بهذا المعنى ليس جزءا من المحور الأميركي.

مصلحة لبنان الآن هي في استخراج النفط والغاز وبيعه، وبهذا يتحرر لبنان من هيمنة السعودية. أيضا يجب على لبنان العمل على تقوية جيشه بالتعاون مع روسيا وإيران والصين. أميركا لا تريد تسليح الجيش اللبناني، ومصلحة لبنان تقتضي تسليح هذا الجيش وتقويته. ليس المطلوب جعله جيشا جرارا ولكنه يجب أن يكون قادرا على مواجهة الميليشيات والعصابات.

وفي السياسة مصلحة لبنان هي في تطبيق قانون النسبية والتخلص من الطائفية السياسية.

إذا قام في لبنان نظام سياسي مستقل عن أميركا وأتباعها وصديق لسورية وإيران فعندها أنا أعتقد أن حزب الله يمكن أن يرتبط بالدولة اللبنانية وأن يكون تابعا للجيش اللبناني. من الممكن تحويله وقتها إلى قوة عسكرية رديفة للجيش اللبناني (paramilitary force).

مستقبل لبنان من الممكن أن يكون جيدا إذا تمرد على المشروع الأميركي الجهنمي. أما انتخاب الحريري في الانتخابات المقبلة فهذا يعني ببساطة عودة الحرب الأهلية مجددا إلى لبنان، لأن الحريري لا يخفي عداءه للنظام السوري وحزب الله وهو يريد إسقاط النظام السوري ونزع سلاح حزب الله، أي أنه يسعى لحرب أهلية ذات أبعاد إقليمية. هو يريد إعادة تجربة الحرب الأهلية اللبنانية من جديد.

بعد الجمود على الجبهة السورية… الصراع يتفجر في لبنان

ما يحدث في لبنان الآن هو أمر طبيعي في ظل المناخ الإقليمي والدولي. المنطقة تعيش منذ سنة حالة حرب شاملة بين المحور السعودي-الإسرائيلي والمحور الإيراني. الحرب كانت تدور على عدة جبهات أهمها الجبهة السورية. في الآونة الأخيرة الجبهة السورية أصيبت بالجمود (reached a stalemate) ولهذا السبب كان من الطبيعي أن تفتح جبهات جديدة.

الحرب العالمية الأولى بدأت في صيف عام 1914. الفرنسيون قبل الحرب كان يراهنون على حلفهم مع روسيا لتحقيق التوازن في ميزان القوى بينهم وبين الألمان. الحلف الفرنسي-الروسي كان يعني أن الألمان سيضطرون للقتال على جبهتين في نفس الوقت، وبالتالي قوتهم على كل جبهة ستنخفض إلى النصف.

للتغلب على هذه المعضلة اعتمد الألمان على خطة شليفن Schlieffen. هذه الخطة تقوم على فكرة غزو بلجيكا (البلد المحايد) والنزول من هناك مباشرة نحو باريس بدلا من التقدم عبر الجبهة الألمانية-الفرنسية شديدة التحصين، وبذلك يمكن حسم الحرب على الجبهة الفرنسية خلال أسابيع قليلة والتفرغ بعد ذلك لمحاربة الروس.

خطة شليفن

ولكن خطة شليفن لم تنجح عندما اندلعت الحرب فعلا في آب 1914. الألمان فشلوا في تنفيذ الخطة بحذافيرها ولذلك وجدوا نفسهم في نهاية العام 1914 عالقين إلى الشرق من باريس وغير قادرين على التقدم غربا، وفي نفس الوقت هم كانوا يخوضون حربا صعبة ضد الروس على الجبهة الشرقية. لهذا السبب وصلت الحرب إلى طريق مسدود وحصل ما كان الألمان يخشونه قبل الحرب.

بعد أن وصلت الحرب في أوروبا إلى طريق مسدود (deadlock) في نهاية العام 1914 بدأت الأطراف المتصارعة تبحث عن جبهات جديدة لإشعالها، فقامت بريطانيا بالهجوم على إسطنبول (حملة غاليبولي) وتم إقحام إيطاليا وبلغاريا في الحرب، وهكذا بدأت الحرب تتوسع وتتمدد حتى تحولت إلى حرب عالمية.

هذا السيناريو يحدث في كل الحروب الشاملة. عندما تعجز الأطراف المتصارعة عن التقدم فإنها تلجأ إلى فتح جبهات جديدة.

المحور السعودي-الإسرائيلي كان يراهن على نصر سريع وحاسم ضد سورية. هم كانوا يتصورون أن سورية ستنهار خلال أسابيع أو أشهر وبعد ذلك سيتفرغون للحرب ضد إيران، ولم يكن يدور بخلدهم أبدا أن الجبهة السورية ستصمد حتى الآن. هم كان لديهم جدول زمني معين وحسب هذا الجدول كان المفروض أن تكون إيران الآن تحارب لوحدها.

صمود سورية والعراق قلب موازين آل سعود والصهاينة. هم خلال الفترة الماضية كانوا عاجزين عن إحداث أي تقدم أو اختراق على الجبهتين السورية والعراقية. آل سعود وآل ثاني والصهاينة وأميركا وأردوغان لم يتركوا ثغرة إلا وحاولوا استغلالها لضرب سورية والعراق، ورغم جهودهم المسعورة إلا أن بشار الأسد ونوري المالكي ما زالا صامدين، والمحور الممتد من طهران إلى بيروت ما زال متماسكا.

أمام هذا التماسك اضطر المحور السعودي-الإسرائيلي للتصعيد في لبنان. هم زادوا من إرسال السلاح إلى لبنان وبدؤوا يتآمرون في الأسابيع الأخيرة لإسقاط الحكومة اللبنانية، وهذا كان واضحا من زيارة جيفري فيلتمان إلى لبنان. تيار الحريري بعد هذه الزيارة صار يطالب بقوة بإسقاط حكومة ميقاتي. هم يرون أن هذه الحكومة تخدم سورية ولذلك يريدون إسقاطها.

التصعيد السعودي-الإسرائيلي في لبنان قابله رد فعل من سورية. سورية زادت من ضغوطها على الحكومة اللبنانية لكي تتحرك ضد مهربي السلاح، وعندما تحركت الأجهزة الأمنية اللبنانية واعتقلت زعيم إحدى العصابات الوهابية انفجر الوضع في لبنان، وهذا أمر متوقع لأن الوهابيين هم عبارة عن برميل بارود قابل للانفجار بأي صدمة بسيطة.

الوهابيون في لبنان هم صناعة سعودية-إسرائيلية بامتياز. السعودية أوجدت هؤلاء الوهابيين وربتهم وشحنتهم حتى صاروا برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة، والهدف من تفجيرهم هو الإطاحة بحزب الله كما قلت سابقا (هذه تدوينة كتبتها سابقا عن هذا الموضوع).

الخطة السعودية-الإسرائيلية سارت بنجاح بالغ. عندما انفجر الوضع في شمال لبنان سارع صديق سورية نبيه بري إلى الاتصال بالسفير السعودي في لبنان بهدف حل المشكلة بالحوار، ولكن الرد السعودي جاء عبر سعد الحريري الذي قال أنه لن يتحاور إلا حول نزع سلاح حزب الله. القوى الصديقة لسورية في لبنان كانت تسعى بجهد كبير لإطفاء الوضع في الأيام الماضية، ولكن الإعلام السعودي كان يحرض طائفيا ويسعى لتأجيج الوضع. قناة صفا وقناة العربية كلتاهما تحرضان طائفيا. بالأمس عندما قتل الشيخ في شمال لبنان أذاعت فناة العربية الخبر كما يلي “مقتل شيخ سني في شمال لبنان”. قناة العربية تستخدم ألفاظ “سني” و”علوي” و”شيعي” وتستخدم ألفاظ “أنصار النظام السوري” و”مناوئوا النظام السوري” بهدف تأجيج الوضع ومد الحرب السورية إلى لبنان.

دول الخليج منعت رعاياها من السفر إلى لبنان وهي تقول أن ذلك بسبب موقف الحكومة اللبنانية المؤيد للنظام السوري. هم يريدون الضغط اقتصاديا على لبنان لكي يتخلى عن سورية أو تسقط حكومته، وهذا دليل واضح على أنهم حسموا أمرهم ويريدون فتح جبهة جديدة في لبنان.

أنا تحدثت من قبل عن موضوع الاقتصاد اللبناني وقلت أنه نقطة الضعف التي سيستغلها المحور الأميركي. لا حل لهذه المشكلة سوى استخراج النفط والغاز اللبناني وبيعه، ولكن هذه المسألة سوف تستغرق وقتا طويلا على ما يبدو.

لبنان هش جدا وهو بالكاد فيه كيان دولة. حافظ الأسد أراد بعد اتفاق الطائف تقوية الدولة اللبنانية وهو نجح في بناء جيش لبناني متماسك نسبيا، ولكن المشكلة في اتفاق الطائف هي أنه أوكل إدارة الدولة اللبنانية لرفيق الحريري. رفيق الحريري لم يستخرج النفظ والغاز ولم يقم بأي جهد لبناء اقتصاد لبناني إنتاجي. هو فقط اعتمد على المشاريع السياحية والعقارية وأغرق الدولة اللبنانية في الديون، والأدهى من ذلك هو أنه رفض بناء جيش لبناني قوي. الجيش اللبناني حاليا قليل العدد جدا (هو ربما 30 أو 40 ألف رجل فقط على ما أذكر) وهو يفتقر بشدة إلى السلاح. هذا الجيش الضعيف المهلهل لا يمكنه أن يحمي الدولة اللبنانية التي هي أصلا هشة جدا وضعيفة.

رفيق الحريري لم يبن اقتصادا لبنانيا ولا جيشا لبنانيا، وبالتالي لبنان حاليا يفتقر لمقومات الدولة الحقيقية وهو معتمد بالكامل على السعودية وأميركا. السعودية وأميركا لم يكونوا يريدون للبنان الواقع تحت الوصاية السورية أن يتحول إلى دولة قوية أو على الأقل متماسكة، ولهذا السبب هم عملوا مع الحريري على جعل لبنان بهذه الصورة الهشة والمتداعية.

هم الآن يجنون ثمار ما زرعوه. هم يستغلون ضعف الجيش اللبناني ويحاولون إغراق لبنان في الفوضى الأمنية، ويستغلون ضعف الاقتصاد اللبناني ويحاولون ضرب لبنان اقتصاديا. هم يريدون تحويل لبنان من داعم لسورية إلى عبء عليها، ويريدون أن يشغلوا حزب الله في الداخل اللبناني لكي يمنعوه من لعب دور إقليمي داعم لسورية وإيران في هذه المرحلة الحرجة.

من الصعب جدا على الحكومة اللبنانية ضبط الأوضاع في لبنان لأنها لا تملك المقومات اللازمة لذلك. الدولة اللبنانية هي دولة ضعيفة جدا وهشة وهي تستند إلى مبادئ وفلسفات فاسدة وغير مجدية. هي لا تملك ما يمكنها من الصمود، وبالتالي لبنان هو مرشح بشكل جدي للانهيار خلال الفترة القادمة. مناخ المنطقة هو مناخ حرب، والمحور السعودي-الإسرائيلي يريد منذ البداية زج لبنان في الصراع وتحويله إلى منصة لضرب سورية. طالما أن المحور السعودي-الإسرائيلي يريد ضرب سورية انطلاقا من لبنان فهذا يعني أن لبنان مقبل على انهيار وفوضى، وهو أمر كنا نتوقعه منذ البداية.

استخدام لبنان لدعم “الثورة السورية” هو دليل على وجود نية لدى المحور السعودي-الإسرائيلي لتفجير لبنان. هم يريدون تفجير لبنان لأنهم يريدون أن يشغلوا حزب الله ويتخلصوا منه. هذه هي سياستهم منذ بداية الأزمة السورية.

المنطقة الآن تعيش حالة الفوضى الخلاقة التي أعدت لها أميركا منذ سنوات، ومشروع الفوضى الخلاقة يشمل لبنان ولا يستثنيه. تفجر الأوضاع في لبنان هو أمر متوقع ومنتظر، وأصلا المحور الأميركي لم يكن يخفي منذ البداية مراهنته على نتائج الحرب في سورية لتغيير الأوضاع في لبنان. هم منذ البداية كانوا يقولون أنهم ينتظرون سقوط النظام السوري لكي ينقضوا على حزب الله، أي أنهم لم يكونوا يخفون نيتهم في مد الفوضى السورية إلى لبنان.

وضع المنطقة معقد جدا، والأمور بدلا من أن تهدأ تتجه إلى التصعيد. هذا هو ما أغضب الروس ودفعهم لإصدار بيان شديد اللهجة بالأمس. البيان الروسي اتهم القوى التي عجزت عن إسقاط النظام السوري بمد الصراع إلى لبنان. هذا الكلام الصريح جدا هو تعبير عن حجم الغضب والاستياء الروسي. روسيا تسعى منذ البداية لإطفاء الحرب وإخماد الفوضى في المنطقة، ولكن السعودية وإسرائيل مصرتان على التصعيد والفوضى، وهذا ما يجعلهما في صدام مباشر مع روسيا لأن روسيا تعتقد أن هذه الفوضى لن تنحصر في المنطقة بل هي ستصيب في النهاية روسيا نفسها.

فتح الجبهة اللبنانية الآن يعني أننا ما زلنا في العام 1915 من الحرب العالمية الأولى، أي أننا ما زلنا بعيدين عن نهاية الحرب. أميركا في عام 1976 فجرت لبنان لأسباب مشابهة للأسباب الحالية، ونحن نعلم أن سورية في تلك المرحلة ظلت مضطربة حتى العام 1982 (ولبنان حتى العام 1991)، أي أن نهاية الصراع ما تزال بعيدة. نحن نعيش حربا كبيرة وطويلة الأمد. الأميركان صريحون وكل تصريحاتهم ومقالات كتابهم تدل على أن الصراع ما زال طويلا. هم لا يفكرون أبدا بإنهاء الحرب بل ينظرون لها على أنها حرب طويلة ومفتوحة. هم يحرصون دائما على وصف مهمة عنان بالفاشلة وغير المجدية، وهذا بحد ذاته دليل على رغبتهم في مد الحرب.

هم يريدون استمرار الحرب إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. هم ينتظرون أن تستلم قطر رئاسة الجامعة العربية في آذار 2013 لكي يجددوا الهجوم على سورية في مجلس الأمن. هم يعتقدون أن روسيا في ذلك الوقت ستكون أيست من سورية وأصبحت جاهزة للتفاوض حولها وفق الشروط الأميركية.

في العام 2013 هناك استحقاق الانتخابات اللبنانية واستحقاقات أخرى يراهنون عليها. هم سينتظرون للسنة القادمة وربما أبعد منها. لا يوجد حاليا ما يجبرهم على وقف الحرب.

الحرب العالمية الأولى انتهت عندما انهارت ألمانيا. في السنة الأخيرة من الحرب (1918) ألمانيا كانت محاصرة والاقتصاد الألماني كان منهارا تماما. الألمان كانوا يقتلعون مواسير المياه من أراضي مدنهم ويذيبونها لكي يصنعوا منها الذخائر. ألمانيا لم تكن مهزومة عسكريا بل كانت قواتها لا تزال داخل فرنسا، ولكن قادة الجيش الألماني أعلنوا بشكل مفاجئ أنهم لا يستطيعون مواصلة القتال، وهذا ما صدم الشعب الألماني الذي كان يعتقد حتى اللحظة الأخيرة أن ألمانيا ستربح الحرب ولم يكن احتمال الهزيمة يدور في خلدهم.

أميركا تراهن على نهاية مماثلة لسورية. هي تنتظر أن تنهار سورية من الداخل، وهي تراهن على عامل الزمن وزيادة الضغط بشكل تراكمي على الشعب السوري إلى أن يصل إلى مرحلة الانهيار.

لا يوجد حل لسورية سوى التكيف. يجب أن يتكيف الاقتصاد السوري على الوضع الحالي وعلى الحصار الأميركي. الحصار الاقتصادي لوحده يمكن التكيف معه ولكن المشكلة هي بالعصابات الأميركية (عصابات الكونترا) التي تعمل على الأراضي السورية. هذه هي المشكلة الكبرى ورهان أميركا هو بالأساس على هذه العصابات. بدون هذه العصابات فإن أميركا لا تملك شيئا قي سورية وهي ستضطر لإيقاف الحرب في اليوم التالي.

الفوضى في لبنان تقوى العصابات السورية لأن الفوضى ستشغل الجيش اللبناني وحزب الله عن ملاحقة خطوط تهريب السلاح إلى سورية وستزيد من تقاطر الأسلحة إلى سورية.

“رفعت عيد” الموالي لسورية قال في بداية الأحداث اللبنانية أن الأحداث لو استمرت فإن الجيش السوري سيدخل إلى لبنان. أيضا رسالة بشار الجعفري إلى مجلس الأمن تسير في نفس الاتجاه. هذا التلويح السوري بالدخول إلى لبنان هو تهديد للوهابيين في لبنان لكي يرعووا ويستكينوا، ولكنهم إن استمروا في أعمالهم فلا أستبعد أن يتدخل الجيش السوري فعلا في لبنان. كم من القوات يلزم للسيطرة على شمال لبنان؟ لا أعتقد أنه عدد كبير لأن هناك حزب الله وفئات أخرى صديقة لسورية سوف تساعد أيضا. أنا أعتقد أن عددا محدودا من القوات يمكنه التدخل في شمال لبنان وتأمين المنطقة إن انفلتت الأوضاع، وأميركا لن تستطيع أن تفعل شيئا في مجلس الأمن سوى إصدار قرار يطالب سورية بالانسحاب. روسيا والصين لن تسمحا بأكثر من ذلك، وبالتالي الوهابيون يخوضون معركة خاسرة ومن الأفضل لهم الهدوء.