الوجه المضيء للبنان

أنا في المدونة دائما ما أنتقد لبنان، والسبب هو أنني أتحدث عادة في مواضيع سياسية وجيوسياسية، ولبنان من هذه الجوانب هو دولة فاشلة بامتياز، فلا هو يملك نظاما سياسيا ناجحا أو مستقرا ولا هو يعتبر قوة إقليمية مهمة.

ولكن بعيدا عن السياسة لبنان له أهمية في عدد من المجالات، خاصة المجال الثقافي.

لبنان له تأثير ثقافي كبير على محيطه السوري والعربي، وهذا أمر معروف. في سورية بالذات لبنان له تأثير ثقافي كبير، وهذا التأثير نراه بالذات في المناطق القريبة جغرافيا من لبنان كدمشق.

أنا لاحظت أن كثيرا من الدمشقيين يتشبهون باللبنانيين في أمور كاللهجة مثلا. إن سألت هؤلاء الناس لماذا تقلدون اللهجة اللبنانية سيقولون ربما أن السبب هو أن اللهجة اللبنانية “أحلى”، وهذه إجابة غريزية غير علمية. لا أظن أن هناك في العلم ما يبرر القول بأن اللهجة اللبنانية أجمل من الدمشقية. التفسير العلمي لهذا التقليد هو أنه نابع من تأثر ثقافي، وهو نفس السبب الذي يدفع كثيرا من الناس لتقليد لغة الأفلام الأميركية مثلا.

في جبال إدلب (جبل حارم وجبل الزاوية) هناك قرى يتحدث سكانها لهجات مطابقة تقريبا للهجة اللبنانية، ولكن لا أحد من سكان المناطق المحيطة بتلك القرى يقلد لهجتها، والسبب هو أنه لا يوجد سبب يدفع الناس لذلك. سكان تلك القرى هم مجرد فلاحين فقراء، فلماذا يقلد الناس لهجتهم؟

هذا المثال ينفي مقولة أن اللهجة اللبنانية هي “أحلى” من غيرها. لو كانت القصة قصة “حلاوة” لكان أهل إدلب قلدوا لهجات القرى التي تتحدث كاللبنانيين. موضوع تقليد اللهجة اللبنانية لا علاقة له بالحلاوة والبشاعة بل هو مجرد ظاهرة تعكس شعورا بالدونية الثقافية. سكان دمشق يشعرون بالدونية تجاه اللبنانيين ولهذا السبب يقلدونهم في أمور تافهة كاللهجة. هذه هي نفس الظاهرة التي تدفع بعض الشباب لتقليد الأفلام الأميركية مثلا.

في حلب أيضا هناك ظاهرة مشابهة وهي تقليد اللهجة الدمشقية. في حلب قليل من الناس يقلدون اللهجة اللبنانية ولكن كثيرا من أفراد الطبقة الوسطى والعليا يقلدون اللهجة الدمشقية، والسبب هو أيضا الدونية والتبعية.

اللهجة أو اللغة هي من مكونات الثقافة (culture) التي تميز مجتمعا معينا، وهي طبعا ليست المكون الوحيد بل هناك أشياء أخرى عديدة تميز ثقافة معينة كاللباس والعادات والمعتقدات وغير ذلك. أنا أخذت موضوع اللهجة كمثال لأنه أمر واضح وبسيط.

تقليد اللهجة اللبنانية في دمشق هو تعبير عن تأثر ثقافي (cultural influence). التأثر الثقافي بمدينة أو منطقة معينة مسيطرة هو أمر عادي وموجود في كل البلاد وليس فقط في سورية، ولكن الغريب في الحالة السورية هو أن سكان دمشق (التي هي عاصمة سورية والمدينة المهيمنة التي تدعي أنها أقدم عاصمة في التاريخ) يقلدون لهجة لبنان الذي هو غير مهم سياسيا لا في الحاضر ولا في الماضي (في العصر العثماني وما قبله لبنان كان جزءا من ريف دمشق).

هذا التناقض هو تعبير عن حالة لبنان الفريدة الذي هو منطقة غير مهمة سياسيا ولكنها مهمة جدا ثقافيا، وهو منطقة إشعاع ثقافي بامتياز.

التقليد في أمور فكرية ومهنية لا يعني بالضرورة التبعية الثقافية (أنا مثلا آخذ معظم معلوماتي وأفكاري العملية من مصادر غربية رغم أنني لست تابعا ثقافيا للغرب)، أما التقليد في الأمور التافهة كاللهجة فهو دليل صريح على التبعية والدونية الثقافية.

أهل حلب يقلدون الدمشقيين في أمور تافهة كاللهجة لسبب سياسي بحت هو كون دمشق تحكم حلب سياسيا وتسيطر عليها، أما تقليد الدمشقيين لللبنانيين فهو أمر غير مبرر سياسيا لأن دمشق أهم سياسيا من لبنان (وهي كانت قبل سنوات قليلة تحكم لبنان).

المهم من كل ما سبق هو أنني أريد أن أقول أن لبنان هو متفوق على سورية من الناحية الثقافية إلى درجة أن كثيرا من السوريين يتقمصون الثقافة اللبنانية، وطبعا هم لا يأخذون منها الجيد فقط وإنما يأخذون كل شيء فيها بما في ذلك الأمور السيئة كالطائفية السياسية (التي نراها مثلا عند النظام السوري) والطائفية الاجتماعية (التي رأيناها خلال الأشهر الماضية عند الحمصيين على نحو بشع ومفاجئ).

لو كان التأثر السوري بالثقافة اللبنانية هو مجرد استعارة واستفادة لكان هذا التأثر انحصر بالأمور الجيدة والمفيدة، أما امتداد التأثر إلى الأمور السيئة كالطائفية والأمور التافهة كاللهجة فهذا يدل على أن التأثر بلبنان ليس مجرد تلاقح ثقافي وإنما هو دونية وتبعية حقيقية.

لماذا اكتسب لبنان هذه الهيمنة الثقافية على سورية رغم قلة أهميته السياسية؟

لكي نعرف السبب لا بد أن نعرف أولا متى بدأ تأثير لبنان الثقافي. تأثير لبنان الثقافي بدأ في القرن 19 (عصر النهضة)، ومن بدأه تحديدا هم مسيحيوا جبل لبنان.

في القرن 19 كانت الدولة العثمانية قد اهترأت تماما وأصبحت الرجل المريض، وفي تلك الفترة زادت الدول الأوروبية من تدخلها في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية وخاصة شؤون الأقليات الدينية (وبالأخص المسيحيين). الأوروبيون كثفوا تواصلهم مع مسيحيي لبنان وأنشؤوا الإرساليات والمدارس (ومن أشهر المدارس التي أنشؤوها الجامعة الأميركية في بيروت التي كانت تعرف وقت إنشائها باسم “الكلية الإنجيلية السورية”).

هذا التواصل المكثف والمتعاظم بين الغرب وبين مسيحيي جبل لبنان أدى إلى ظهور نهضة علمية وثقافية بينهم، ولهذا السبب هم لعبوا الدور الأساس في “إحياء” الثقافة والأدب العربي القديم وهم الذين اخترعوا ما يسمى الآن باللغة العربية الفصحى (أي أنهم قاموا بتعريب العلوم الغربية والأساليب التعبيرية الغربية).

هذه النهضة العلمية التي حصلت في جبل لبنان أدت سريعا إلى بروز الفكر القومي (مثلما حصل في أوروبا من قبل). هناك ارتباط مباشر بين التعليم وبين ظهور الفكر القومي لأن التعليم هو ما يجعل الناس يدركون وجود خصائص مشتركة بينهم تميزهم عن غيرهم كاللغة والعادات والتاريخ والمصير والمصالح المشتركة إلخ.

من يقرأ تاريخ موارنة لبنان يجد أن الفكر القومي لديهم كان في البداية يحمل طابعا سوريا. الموارنة هم أصلا من اخترعوا كلمة “سورية” بعد أن أخذوها من الكتابات الغربية. الناس في سورية الكبرى قبل القرن 19 لم يكونوا يعرفون كلمة “سورية” وإنما كانوا يستخدمون مصطلح “بلاد الشام” أو “بر الشام”، أما مصطلح “سورية” فهو مصطلح أوجده مسيحيوا لبنان كاسم للهوية القومية الجديدة التي بدأت تنشأ لديهم في القرن 19.

مسيحيوا لبنان كانوا على ما يبدو ينفرون من كلمة “بلاد الشام” التي كانوا يرون أنها مرتبطة بالحكم الإسلامي والتركي، ولهذا السبب صاروا يستخدمون كلمة “سورية” بدلا منها وصاروا يطلقونها على أسماء الجمعيات والمدارس التي نشأت في تلك الفترة. مثلا هم أنشؤوا جمعية في بيروت باسم “الجمعية العلمية السورية”، وبطرس البستاني أنشأ في عام 1861 صحيفة “نفير سورية”، وهكذا هم استمروا في استخدام هذه الكلمة ونشرها حتى انتقلت منهم إلى المسلمين وفي النهاية صارت هذه الكلمة مستخدمة رسميا لدى العثمانيين، وأما كلمة “بلاد الشام” القديمة فخرجت من الاستخدام الرسمي قبل نهاية القرن 19.

من هذا العرض السريع يتبين أن مسيحيي لبنان هم الذين اخترعوا اللغة العربية الفصحى وهم الذين عربوا العلوم الغربية وهم حتى الذين اخترعوا الهوية القومية السورية التي يحملها السوريون الآن. صحيح أن موارنة لبنان تخلوا تدريجيا عن الهوية السورية بعد أحداث العام 1860 ولكن الحقيقة التاريخية هي أنهم هم أصلا من اخترع هذه الهوية، وهذه مفارقة غير موجودة في مكان آخر على ما أعتقد— أن يقوم شعب أو جماعة معينة باختراع هوية قومية وتصديرها إلى ناس آخرين ثم التخلي عنها بل ومعاداتها ومحاربتها بشراسة.

الهوية السورية التي اخترعها الموارنة كانت تشمل كل منطقة سورية الكبرى وكانت موجودة أيضا عند الفلسطينيين في النصف الأول من القرن العشرين (وما زالت بقاياها موجودة لديهم حتى الآن)، ومن الجيد أن هذه الهوية اختفت من عند الفلسطينيين لأن وجودها لديهم ليست له أية فائدة لا لهم ولا للسوريين، وأنا أتمنى أن تختفي هذه الفكرة من عند السوريين أيضا لأنها فكرة مصطنعة ولا فائدة لها سوى أنها كانت وما زالت تستخدم من قبل حكام سورية الدمشقيين (أو المدمشقين) كذريعة لمنع الوحدة بين سورية والعراق. أنا بينت رأيي سابقا في هذا الموضوع بالتفصيل في تدوينة بعنوان “لماذا العراق؟”. فكرة “سورية الكبرى” أو “بلاد الشام” هي في رأيي فكرة كارثية دمرت سورية خلال القرن العشرين وما زالت حتى الآن تستخدم كذريعة من قبل حكام سورية الدمشقيين لمنع تحقيق الوحدة العربية. هي فكرة سيئة جدا مثل العقاقير المخدرة التي تجعلك تشعر بالراحة لدى تناولها ولكنها تفتك بجسدك.

الحلبيون في القرن العشرين كانوا يميلون للهوية العربية (وليس السورية) وكانو يدعمون بقوة فكرة الوحدة مع العراق، أما الدمشقيون فهم كانوا وما زالوا يتبنون فكرة الهوية السورية (رغم أنهم في العلن يكذبون ويزعمون أنهم قوميون عرب)، وهذا التناقض بين الحلبيين والشاميين هو ما كان يحرك السياسة السورية في الأربعينات والخمسينات. السياسة السورية في القرن العشرين هي صراع بين هذين النهجين، وكل الانقلابات التي حصلت قبل وصول البعث للسلطة كانت في جذورها تعود لهذا الصراع بين القومية العربية التي يتبناها الحلبيون وبين القومية السورية التي يتبناها الدمشقيون (طبعا أنا تحدثت عن هذا الصراع في السابق بالتفصيل وقلت أنه في العمق لم يكن إلا صراع مصالح بين المدينتين، لأن فكرة القومية العربية تخدم الحلبيين من حيث أنها تنقل مركز السلطة بعيدا عن دمشق وتريحهم من هيمنة الدمشقيين، أما القومية السورية فهي تخدم الدمشقيين لأنها تثبت هيمنتهم وسيطرتهم التي يتمتعون بها حاليا والتي لن يتخلوا عنها أبدا طالما أن دمشق هي عاصمة سورية. ما أفشل الوحدة العربية في القرن العشرين هو كون مدينة دمشق عاصمة سورية، وعندما نقلت العاصمة إلى القاهرة في عام 1958 وجدنا أن الدمشقيين انقلبوا بعد عامين فقط وأعادوا الأمور إلى ما كانت عليه، والحلبيون رفضوا هذا الانقلاب وقاوموه كالعادة. هذا الصراع الحلبي-الشامي المستمر أضعف الطرفين وفي النهاية جاء الفلاحون والرعاع واستولوا على السلطة، وطبعا هم تحالفوا مع الدمشقيين لكي يستمر حكمهم).

الخلاصة من كل هذا العرض السابق هي أن الثقافة السورية الحالية (بكل شيء فيها من لغة وأدب وعلم وفكر سياسي ووطني إلخ) تعود في جذورها إلى موارنة لبنان الذين أنشؤوا هذه الثقافة بسبب تواصلهم المبكر مع الغربيين.

إذن لبنان كان في القرن 19 المنارة الثقافية لسورية، وهذا الأمر كان مبررا وقتها لأن سورية كانت خاضعة للحكم العثماني القاسي ولبنان كان المنطقة الوحيدة التي تنعم بشيء من التواصل مع الغرب المتقدم. طبعا بالإضافة إلى لبنان هناك منطقة وحيدة في سورية يمكننا أن نقول أنها لعبت دورا ثقافيا في ذلك الوقت هي حلب. في القرن 19 حلب أنتجت عبد الرحمن الكواكبي وساطع الحصري، وهذان رجلان مهمان جدا في الثقافة العربية الحديثة، أما بالنسبة لدمشق فأنا بصراحة لا أعلم بوجود أي شخص فيها يمكننا أن نعتبره من صناع النهضة الثقافية الحديثة. دمشق في القرن 19 لم يكن لها أي دور ثقافي أو سياسي يذكر وكل دورها في ذلك الوقت هو أنها أنتجت الفتنة الطائفية الشهيرة التي يسميها الغربيون باسم “مذبحة دمشق”. حتى المسلسلات التاريخية الشامية التي تنتجها سورية الآن بغزارة فائقة (بمعدل مسلسل كل شهر) هي كلها فارغة من المضمون التاريخي ومن يتابعها يدرك أنها مجرد مسلسلات فلكلورية تروي أحداثا خيالية لا وجود لها إلا في خيال من كتبوا تلك المسلسلات.

المنطق يقول أنه يجب إنتاج مسلسل عن عبد الرحمن الكواكبي مثلا، ولكن الغريب هو أن المسلسلات السورية التاريخية على غزارتها عجزت عن استيعاب هذا الرجل وكل ما قدرت عليه هو شوارب أبو عصام وعضلات أبو عنتر وطنجرة صبحية خانم.

إذن هيمنة لبنان ثقافيا كانت مبررة في القرن 19 لأن سورية وقتها كانت تحت الحكم العثماني أما لبنان فكان متحررا نسبيا، ولكن السؤال المحير (جدا) هو لماذا ما زال لبنان حتى الآن (في القرن 21) يهيمن ثقافيا على سورية؟

المنطق يقول أن سورية بعد تحررها من الحكم العثماني كان يجب أن تنهض ثقافيا وأن تصبح مصدرة للثقافة أو على الأقل مستغنية عن استيرادها من لبنان الذي هو أقل أهمية سياسيا من سورية.

التخلف الثقافي السوري يتجلى في تخلف نظام التعليم السوري. التعليم في لبنان أفضل بكثير من التعليم في سورية، وخريج أي جامعة لبنانية هو أفضل بكثير من خريجي الجامعات السورية.

ما هو السبب؟ طبعا النظام الاقتصادي له دور. في لبنان القطاع الخاص له دور كبير في التعليم، أما في سورية فالتعليم عموما حكومي، وهذا سبب أساسي لتردي التعليم في سورية خاصة وأن الدولة السورية تصر على اتباع نهج “اشتراكي” فاشل في إدارة التعليم والإنفاق عليه (وهو أمر تحدثت عنه سابقا).

لبنان ينفق على تعليم طلابه أكثر مما تنفق سورية. في سورية الإنفاق على تعليم الطالب الواحد هو إنفاق ضئيل لأن الدولة تهدر قسما كبيرا من المال المخصص للتعليم تحت شعارات اشتراكية بالية كشعار “مجانية التعليم للجميع”.

النظام الاشتراكي المتبع في سورية منذ الستينات دمر كل شيء في البلد وقضى على كل مظاهر التنمية، وأكبر ضحايا هذا النظام الإجرامي هو التعليم الذي تم القضاء عليه تماما.

بالإضافة إلى سوء إنفاق المال هناك مصيبة كبيرة في التعليم السوري هي موضوع “التعريب”. التعريب هي فكرة تجذب الإنسان للوهلة الأولى ولكن في التطبيق العملي لا يوجد عاقل يقول أن التعريب مفيد بل هو سبب أساسي من أسباب تخلف التعليم السوري.

التعريب ممتاز إذا كان لإنتاج العلم وليس لاكتساب العلم. ألمانيا تدرّس في الجامعات بلغتها ولكن السبب هو أن ألمانيا هي دولة متقدمة منتجة للعلم، ونفس الكلام ينطبق على اليابان، أما الدول الفقيرة المتخلفة فهي لا تدرس بلغتها إلا إذا كانت تريد عزل نفسها عن العالم المنتج للعلم.

مشكلة التعريب في سورية هي مشكلة خطيرة جدا لا أحد يتحدث عنها. لبنان مر بحروب أهلية وكوارث ولكنه رغم ذلك ما زال يتمتع بمستوى تعليمي أعلى من المستوى السوري بكثير، والسبب الأساسي لذلك هو ارتباط التعليم اللبناني بالغرب. طالما أن التعليم في لبنان هو باللغات الأجنبية فهذا يجعل اللبنانيين على اتصال دائم وسلس مع الثقافة الغربية ومع ما يصدر في الغرب من علوم ومعارف.

إصرار سورية على ما يسمى بتعريب التعليم يعزل كل خريجي التعليم السوري عن العالم الخارجي ويجعلهم معتمدين على الترجمات (التي هي في معظمها رديئة للغاية).

كل الأمم تتقدم بسبب التواصل مع الأمم الأخرى الأكثر تقدما منها. الرومان القدماء كانوا يرسلون أبناءهم إلى اليونان للدراسة وكل الرومان المتعلمين كانوا يتقنون اليونانية، وفي أوروبا في القرون الوسطى كان الدارسون يتعلمون اللاتينية والعربية لقراءة الكتب وتألفيها (كتب نيوتن الفيزيائية كلها كتبت باللغة اللاتينية)، وفي اليابان في القرن 19 كان اليابانيون يتعلمون اللغات الأوروبية للدراسة وكانت الحكومة اليابانية ترسل الطلاب للغرب للدراسة، وحاليا لو نظرنا إلى الصين مثلا نجد أنها منذ السبعينات ترسل آلاف الطلاب سنويا إلى أميركا للدراسة على نفقة الدولة.

لا توجد دولة في التاريخ تقدمت بالانعزال والتقوقع. كل الأمم التي انتقلت من التخلف إلى التقدم حققت ذلك بالانفتاح على الثقافات الأخرى المتقدمة والتواصل المكثف معها. هذه حقيقة تاريخية ثابتة.

سبب تخلف سورية ثقافيا عن لبنان في القرن 21 هو نفس سبب تخلفها عنه في القرن 19، ألا وهو الانعزال عن الغرب. من العجيب جدا أن السوريين أمضوا قرنين كاملين دون أن يفهموا السبب الحقيقي لتخلفهم عن اللبنانيين من الناحية التعليمية والثقافية، وهم ما زالوا حتى الآن لا يفهمون هذا الأمر، أليس هذا دليلا على أن السوريين أغبياء أم ماذا؟

مصيبة سورية الآن هي مركبة من أمرين:

  • النظام الاشتراكي الذي يهدر مال التعليم ويسيء استخدامه.
  • التقوقع والانغلاق الثقافي المبرر بشعارات العروبة الكاذبة.

هذان العاملان هما سبب تخلف التعليم السوري عن التعليم في لبنان وبقية الدول المجاورة، والمصيبة هي أن النظام السوري يعتبر هذين العاملين من منطلقاته النظرية المقدسة التي لا رجوع عنها.

عندما تقدس دولة ما أسباب التخلف وتعتبرها مبادئ لا رجوع عنها، أليست هذه كارثة قومية؟

النظام السوري هو نظام بعيد جدا عن العلمية. هو نظام يقدس الشعارات والأيديولوجيا التافهة الجامدة. لو كان النظام يؤمن بالعلم لكان قارن بين نظام تعليمه وبين نظام التعليم اللبناني والأردني. ألا يسأل النظام السوري نفسه لماذا التعليم السوري متخلف إلى هذه الدرجة مقارنة بالتعليم اللبناني والأردني؟

لبنان والأردن هي ليست دولا غنية، بل هي أفقر من سورية، ولكن مصيبة سورية هي في نظام حكمها الذي يقدس أسباب التخلف ويعتبرها مبادئ مقدسة.

طالما أن التعليم السوري متخلف فلا أمل لسورية بالتقدم مطلقا. سورية لا تملك المال ولا تملك أي شيء لتبني به نفسها، ولكنها تستطيع على الأقل أن تحرر تعليمها وثقافتها من التقوقع والانغلاق ومن سوء إدارة المال. المشكلة هي أن النظام يرفض ذلك وينظر لإصلاح التعليم على أنه مجرد بناء مبان جديدة. طالما أن النظام السوري مستمر في عقليته العبثية هذه فهذا يعني أن سورية سوف تظل متخلفة طوال القرن 21 وسيأتي القرن 22 وسنجد الدمشقيين يقلدون اللبنانيين والأردنيين والسعوديين وكل الشعوب المجاورة.

بصراحة لا توجد أية فائدة من المقاومة والممانعة طالما أن التعليم فاشل وسيظل فاشلا. أنا أفضل إهداء الجولان إلى إسرائيل إن كان ذلك سيؤدي إلى التخلص من منطلقات النظام السوري النظرية التي دمرت البلد وقضت على كل شيء فيها.

10 آراء حول “الوجه المضيء للبنان

  1. أسوأ ما في المرأ أن يكون شمولياً

    وحضرتك في جميع مقالاتك تتخذ الطابع الشمولي

    أنت تقول في بداية مقالك أن هناك بعض ((بعض)) سكان دمشق يقلد اللهجة اللبنانية, أنا لا أقول أن كلامك ليس صحيحاً ولكنني عشت في دمشق ولم أرى هذه الظاهرة, لا لأنها ليست موجودة لكن ببساطة لأن عدد الناس التي تقوم بها قليل ومن ثم تستطرد في مقالك وتقول ((سكان دمشق يشعرون بالدونية تجاه اللبنانيين)) سكان دمشق التي يبلغ عددها ضعفي عدد سكان اللبنان يشعرون حسب قولك بالدونية تجاه اللبنانيين

    غريبة شموليتك هذه

    كما أنك تقول أن أهل حلب يشعرون بالدونية والتبعية تجاه دمشق (ربما أنت وكم شاب أو شابة من مدينة حلب) أما بالنسبة لي فلم أتعرف على أحد من حلب إلا وكان يفتخر بأنه حلبي, لماذا يشعر بالدونية تجاه دمشق ومدينته هي العاصمة الصناعية ولدى الحلبيين معظم رأس المال السوري

    وتقول أيضاً ((المهم من كل ما سبق هو أنني أريد أن أقول أن لبنان هو متفوق على سورية من الناحية الثقافية)) ما هي الأمور الثقافية التي يتفوق اللبنان علينا بها. ما هو النتاج الفكري والحضاري اللبناني المعاصر, أما إذا كنت تعتبر الملاهي والحانات ودور الدعارة اللبنانية ثقافة فهذا شأنك.
    من ثم تقول أن السوريين أخذوا من اللبنانيين بما في ذلك الأمور السئية كالطائفية السياسية التي نراها مثلا عند النظام السوري, وكأن النظام اللبناني هو من استوح منه النظام السوري الطائفية السياسية (رغم أنني لا أعترف بوجود طائفية سياسية كما تقترح حضرتك , أو أنني لا أعرف ماذا تقصد بالضبط بكلمة الطائفية الساسية التي يتصف بها النظام السوري حصراً)

    وأما عن الطائفية الاجتماعية, ولكأن الطائفية من هذا النموذج لم تكن سائدة منذ مئات السنين, وبلغت ذروتها أيام العثمانيين وتكرست فعلياً على أرض الواقع أيام الفرنسيين, وحسب ما تدعي أنت يظن المرء أن سعد الحريري ونبيه بري وغيرهم هم مسؤولون عن الطابع الطائفي لشرق المتوسط.

    أما فيما تقول: ((و كان التأثر السوري بالثقافة اللبنانية هو مجرد استعارة واستفادة لكان هذا التأثر انحصر بالأمور الجيدة والمفيدة، أما امتداد التأثر إلى الأمور السيئة كالطائفية والأمور التافهة كاللهجة فهذا يدل على أن التأثر بلبنان ليس مجرد تلاقح ثقافي وإنما هو دونية وتبعية حقيقية.)) فأتحفنا بما تعرف عن هذه الأمور الجيدة والمفيدة, على ما يبدو أنك زرت اللبنان كثيراً لتصل إلى درجة الإعجاب الثقافة اللبنانية وصرت ((تابعاً)) لها, وللأسف أنني وكثير من حولي لا يعرف الجوانب المضيئية من هذه الثقافة. فمن يتابع إعلانهم لا يجد إلى دعوات لندوات إما بالمركز الثاقفي الأمريكي, أو القنصلية الفرنيسية, أو حفل موسيقي لفرقة نمساوية. فلا أجد في ذلك شيء يدل على أن للبنان ثقافته الخاصة من نتاج بيئته ومحيطه.

    وتقول: (((مصيبة سورية الآن هي مركبة من أمرين:

    النظام الاشتراكي الذي يهدر مال التعليم ويسيء استخدامه.
    التقوقع والانغلاق الثقافي المبرر بشعارات العروبة الكاذبة.

    هذان العاملان هما سبب تخلف التعليم السوري عن التعليم في لبنان وبقية الدول المجاورة، والمصيبة هي أن النظام السوري يعتبر هذين العاملين من منطلقاته النظرية المقدسة التي لا رجوع عنها.

    عندما تقدس دولة ما أسباب التخلف وتعتبرها مبادئ لا رجوع عنها، أليست هذه كارثة قومية؟))))

    لا أدري كيف يكون اللاتقوقع ولا انغلاق ثقافي الذي تنادي به حضرتك والذي ((يببره النظام السوري بشعارات العروبة الكاذبة)) انت هنا تتحدث عن تقوقع ثقافي وليس سياسي على ما اعتقد فما علاقة شعارات العروبة ((الكاذبة))
    وإذا كان قصدك المناهج التعليمية والثقافة العامة فيبدو أنك لا تتابع التطورات الحالية التي تحاول كافة الوزارات الحالية المعنية بالشأن الثقافي والتحصيل العلمي في مضمار تحسين التحصيل العلمي, رغم قناعتي بعدم جدواها بالمدى القريب لكن التطوير في مثل هذه الحقول يحتاج لعقود من المثابرة والاستقرار.

    لم أقم بنقد باقي أفكار المقالة لأنها تحتاج لكثير من الوقت والتمحيص, وليس لدى الوقت الآن.

    لكن باعتبار كان تعليقي جلسة نقد أحب أن أقول لك ثاني أسوء منقبة من مناقب المرأ:

    دائماً تعتبر أن نظرتك حول الموضوع صائبة, وبعد كتابتك لأول سطرين تصبح هذه النظرة الصائبة مسلمة, ومن ثم تقوم بسرد باقي أفكار المدونة استناداً لهذه ((المسلمة)). وعندما تكون تحليلاتك واستقراءاتك المستقبلة منطقياً صائبة. تتبع استنتاجاتك بعبارة مفادها أشك أن من في موضع اتخاذ القرار يسفهم أو يستارك الوقوع بالخط. كأنك العالم الوحيد بعلم الغيب وأنت الشخص الوحيد الخارق الذكاء الذي استطعت أن تقرأ ما بين السطور وتبني تحليلات واستقراءات ((قد تكون صائبة)) وهذه يضفي عليك ثالث أسوء منقبة من مناقب المرء وهي التذاكي واستغباء الآخرين.

    بعد كل مقالك يا أخي هاني: اعترف أنا وكل من يزور هذه المدونة أنك على درجة عالية من الثقافة والاطلاع والرأي الذي غالباً ما يكون سديداً
    ولكنك لا تختلف كثيراً لا عن النظام الذي تارة تنتقده بنقد لاذع وتارة تمدح به, ولا عن المعارضة التي لا تقبل الآخر حسب قولك. فأنت مثلهم (مثل كل من في هذه الدنيا) لست منزها ولا كل ما تفكر به صواب ولكن مع الأسف دائماً تعتقدون أنكم على صواب والطرف الآخر على خطأ. وانك ومن خلال ردوداتك على متابعي مدونك من أشد الناس عدم تقبل للآخر. ولعل أشد ما يظهر فيه تطرفك هو مسألة الوحدة مع العراق. ولكأن العراق فاتح ذراعية ليحتضن سوريا. ولكأن مسألة الوحدة السورية العراقية هي قضية سورية- عراقية لا أحد معترض على هكذا زواج والكل سيتهافت لتهنئة العروسين.

    نصيحة صغيرة قبل أن أنهي كلامي: انظر في لرغباتك وما يحول دون تحقيقها قبل أن تهاجم من يقف في طريقها

    مع تمنايتي لك بالتوفيق

    وعذرا منك على النقد

    • أولا قولك هو أنني لا أقبل الرأي الآخر هو قول مرفوض تماما… بل ووصل بك التجني حتى تشبهني بالنظام السوري؟… هذه إساءة صارخة وغير مبررة…

      تعبيري عن رأيي بحدة أحيانا لا يعني أنني لا أقبل الرأي الآخر… قبول الرأي الآخر يعني الاعتراف بوجوده والاستماع له ولا يعني بالضرورة أنني يجب أن أتبناه أو أجامله…

      بالنسبة لردة فعلك على المقال فهي ردة فعل متوقعة (وإيجابية في رأيي)… أنا عندما كتبت المقال كنت أعلم أن محتواه قوي ومستفز ولكن بصراحة الاستفزاز مفيد أحيانا لأنه ربما يساعدني على إيصال فكرتي بصورة أسهل مما لو استخدمت العبارات اللطيفة المنمقة…

      أنا أعترف بأن طريقة المقال هي حادة واستفزازية… ولكن سبب ذلك هو أنني أكتب في مدونة شخصية والمقال هو أشبه بخاطرة وليس مقالا علميا حقيقيا… لو كان المقال علميا لكنت توسعت أكثر في التفاصيل وذكرت المصادر والمراجع وحاولت أن أجعل المقال أكثر حيادية وعرضا للآراء والاحتمالات الأخرى… ولكنني لا أكتب دراسة علمية وإنما مجرد مقال مرتجل كتبته في جلسة واحدة قبل أن أنام (وعندما انتهيت منه كنت نعسانا جدا ولهذا السبب لم أسهب كثيرا في خاتمة المقال واختصرت كثيرا مما كنت أريد قوله)…

      ربما تكون أنت شخصا أيديولوجيا لا تتأثر باللبنانيين… ولكن تأثر الدمشقيين بالثقافة اللبنانية هو ظاهرة واضحة جدا وصارخة… وهم أصلا لا يخفونها بل يتفاخرون بها حتى على الإعلام…

      أنا كنت أعلم أن هناك من سيعترضون على كلامي ولذلك بدأت مقالي بدليل علمي قوي هو موضوع اللهجة… الكلام الذي ذكرته عن تقمص اللهجة اللبنانية هو دليل قوي ولا يمكن لأحد إنكاره… وبالتالي هو يثبت كلامي عن وجود تأثير ثقافي للبنان على دمشق وسورية… وإلا فما تفسير تقمص اللهجة اللبنانية أو التأثر بها؟… هل ستقول لي أن الدمشقيين يريدون “تجميل” لغتهم؟… هذا كلام غير علمي وأنا رددت عليه بشكل قوي…

      بالنسبة لبقية الأمور في كلامك فسوف أرد عليها لاحقا…

  2. ((أهل حلب يقلدون الدمشقيين في أمور تافهة كاللهجة لسبب سياسي بحت هو كون دمشق تحكم حلب سياسيا وتسيطر عليها))
    غير صحيح ..
    ((سكان دمشق يشعرون بالدونية تجاه اللبنانيين ولهذا السبب يقلدونهم في أمور تافهة كاللهجة.))
    ايضا غير صحيح ..
    ((عندما تقدس دولة ما أسباب التخلف وتعتبرها مبادئ لا رجوع عنها، أليست هذه كارثة قومية؟))
    اكيد …
    (( النظام الاشتراكي المتبع في سورية منذ الستينات دمر كل شيء في البلد وقضى على كل مظاهر التنمية، وأكبر ضحايا هذا النظام الإجرامي هو التعليم الذي تم القضاء عليه تماما.))
    الف بالمئة ..
    ((المنطق يقول أنه يجب إنتاج مسلسل عن عبد الرحمن الكواكبي مثلا، ولكن الغريب هو أن المسلسلات السورية التاريخية على غزارتها عجزت عن استيعاب هذا الرجل وكل ما قدرت عليه هو شوارب أبو عصام وعضلات أبو عنتر وطنجرة صبحية خانم))
    احسنت القول …. ولكن لا يمنع من انتاج طنجرة صبحية فهي تحظى بشعبية هههههههههههههههههه
    ((بل ووصل بك التجني حتى تشبهني بالنظام السوري؟… هذه إساءة صارخة وغير مبررة…))
    لاااااااااااااااااااااااااااااااايك …
    اخي ((لا تكن متعنتا)) …
    الاخ هاني .. يشعر بان اهل حلب مظلومين في سوريا !!! ولا ياخذون حقوقهم كاملة !!! فعلى ذلك … وحتى ينالوها لا بد من فتح سوق تجاري كامل يعطي الشرعية الكاملة لتكون حلب فعليا عاصمة سوريا الاقتصادية التي تتطغى على اي شيء فكري او اسلامي او حتى تاريخي ممكن يميز مدينة أخرى !!! فدائما مطالبنا هي تمني .. وهي اهداف مرسومة من قبل ومتباحثة ومصصمة على اطار الواقع … الذي ربما يجدكثيرا من الصعوبات .. فهاني يريد الوحدة مع العراق رغم ادراكه لصعوباتها من اجل حلب اولا … واكمال الطوق الشيعي الكامل ثانيا !! حتى لا تخرج ثورات اخرى وتقتل بها الشعوب ( ابتسامة )
    اليوم في عربين اطلق النار على المتظاهرين بوجود المراقبين !!
    على عينك يا تاجر ..
    والله تعالى اعلم واجل ..

    • هل أنت فهمت من كلامي أنني أريد الوحدة مع العراق من أجل حلب فقط؟ غريب هذا الكلام… أنت تجاهلت كل كلامي ولم تفهم منه إلا أنني أريد مصلحة حلب…

      بالمناسبة أنا لست من الطبقة الحلبية البرجوازية… جدي (والد والدي) هاجر إلى حلب في أواخر القرن 19 من قرية قريبة من حلب… وجدي الثاني (والد أمي) هاجر إلى حلب في خمسينات أو ستينات القرن 20 من مدينة حمص التي كان يعمل فيها موظفا، وأصله هو من بلدة في شمال محافظة إدلب قرب الحدود التركية..

      إذن أنا لست من برجوازيي حلب… وأنا قلت للناس منذ البداية أنني لم أنشأ حتى في مدينة حلب وإنما ارتدت الجامعة فقط في حلب وقبل ذلك كنت خارج سورية…

      • أنا من المؤيدين بشدة للوحدة مع العراق لكن هي غير قابلة لتحقيق في المنظور القريب, وليس نظامنا هو المسؤول عن ذلك. تذكر أنك في مدونتك لطالما تركز على شيء اسمه التوازنات الدولية والتي لا يمكن لأحد أن يخرقها. وفي خرقها تهديد بحرب عالمية ثالثة, وكنت دائماً شديد السخرية على فريق الصعاليك (حمد والعاهر ((ر)) السعودي )الذي يظن أنه باستطاعته باستخدام نقوده ورشوة الدول العظمي أن يخرق هذه التحالفات الدولية. نفس الأمر ينطبق على الوحدة مع العراق. قد يقبل الأمريكيون بإيران نووية, وحتى يمكن أن يقبلوا في الوقت الراهن بنظام أسدي مهادن لإسرائيل وأقول مهادن لأنهم يعرفون تماما أنه لا حل يرضي إسرائيل إلا بزوال الأسد, وهذه الحقيقية يدركها الأسد كما تدركها إسرائيل.

        الأزمة في سوريا هي كانت مشروع أزمة سورية-تركية. لا أدري كيف أقنعوا أردوغان بأن يغزو سورية. هم غير قادرين على فتح جبهة إسرائيلية مع سوريا. فلم يجدوا سوى تركيا لتكون كبش المحرقة. ولكن ((وحمداً لله)) كان اردوغان أجبن من فعل ذلك, أو أنه اصطدم بحائط إيراني عراقي وردعه عن فعل ذلك. فكانت بداية النهاية للأزمة السورية. لا يوجد منفذ أخر لغزو سوريا سوا تركيا. وأقول تركيا وليس حلف النيتو (قد يكون للحلف دور في المراحل الأخيرة من الحرب التي كانت من المفترض أن تشتعل) لأن حلف النيتو بالنسبة للسورين هو أمريكيا وآباء إسرائيل فلا يسعنا إلا أن نهاجم ولدهم

        بكل الأحوال ليس هذا موضع النقاش. لكن التحالف السوري-العراقي إلى حد ما مقبول أما الوحدة العسكرية والاقتصادية السياسية والثقافية فهو أمر يخل بالتوازنات الدولية والتي كما انت تقول غير مسموح لأحد اللعب بها حتى لو كلف الأمر حرب عالمية ثالثة. هل تعتقد لو أن لسوريا الضوء الأخضر بمهاجمة إسرائيل لكانت توانت عن ذلك (وخصوصاً في ضوء الأزمة الراهنة). كما أن إسرائيل ذريعة لأمريكيا كي تتواجد في المشرق العربي هي أيضاً سبب استمرار تواجد الروس والصينين ودعمهم اللامنتاهي لنا. في حال الوحدة العراقية السورية هذه الوحدة ستغني السورعراقيين وحتى الإيرانيين بطلب الأذن من روسيا والصين للانقضاض على إسرائيل عندها سنكون دولة هي من تمنح الأذون للأخرين وهذا يتعارض بشدة مع مصالح حتى حلفائنا. عندما تقوم بدعم شخص فإنك تستمر بدعمه طالما تعتقد أنك أقوى منه وسينفذ ما تطلب منه, أما إذا أحسست أن هذا الشخص صار أقوى منك فعندها لن يعد بحاجة دعمك ولن ينفذ بعد ذلك إلا ما يحلو له من طلباتك

      • ما يلي كلام قلته في السابق في قسم التعليقات:

        صحيح أنني أدعو للوحدة مع العراق ولكنني بصراحة لا أعتقد أن هذه الوحدة ممكنة الآن بل هي مستحيلة… إيران من المستحيل أن تقبل بهذه الوحدة وهي ستعتبرها تهديدا أخطر من التهديد الأميركي… ونفس الكلام ينطبق على السعودية… وأميركا وإسرائيل حدث ولا حرج… ومصر أيضا سترفض بشدة… وروسيا والصين لن تقبلا بذلك… لا يوجد أي دولة في العالم من الممكن أن تقبل بمثل هذا السيناريو…

        توحيد العراق وسورية هو شبيه بتفجير قنبلة نووية في كل من تل أبيب وواشنطن والرياض وطهران واسطنبول…. هذا الأمر من المستحيل أن يحدث… كان من الممكن أن يتم في القرن العشرين (ووقتها كانت الدولة الناشئة ستواجه حربا شعواء لتقسيمها)… ولكن الآن هذا الكلام هو كلام خيالي … أنا أتحدث عنه فقط لكي أزرع الفكرة في عقول الناس ولكنني لا أعتقد أن هذا الأمر سيتحقق… إلا في المستقبل البعيد ربما…

        كانت هناك فرصة وضاعت…

  3. هناك بدائل كثيرة عن الوحدة الشاملة, ((وبالمناسبة قد تكون أرسخ وأعمق من الوحدة)) من هذه البدائل الاتفاقيات التجارية والعسكرية والسياسية والاستراتيجية. واعتقد أن هذه الاتفاقيات سترضي إيران حتى أنها يمكن أن تكون جزء منها وهو ما يحدث الآن على أرض الواقع بشكل أو بأخر. لا يخفى على أحد التعاون الاقتصادي الإيراني السوري وحتى العسكري وطبعاً الدعم السياسي هو من أعلى أشكال التنسيق السوري الإيراني, فما المانع (من وجهة نظر إيرانية) انضمام العراق لهذا الحلف الاستراتيجي. وهو من الناحية الاقتصادية والعسكرية أفضل لسوريا من قيام وحدة بينها وبين العراق فتصبح الدولة الوليدة معادية لكل ما يحيط بها.

    • يعني من يسمعك يظن أن سورية الآن ليست معادية لكل ما يحيط بها!

      الدولة العربية لن تكون عدوة لروسيا وإيران… هم طبعا سيرفضون قيامها ولكنها إن قامت واستقرت فستكون أمرا واقعا وسيضطرون للتعامل معها كما يتعاملون الأن مع سورية والعراق لأن تلك مصلحتهم…

      أنا بصراحة أستغرب من الذين يتحدثون بمنطقك وأسلوبك (وهم كثر جدا في سورية)… أنتم تدعون أنكم تؤمنون بالوحدة العربية ولكن عندما تطرح قضية الوحدة نجد ما شاء الله أن لديكم ألف سبب وسبب لمعارضة الوحدة العربية…

      لماذا لا تطبق نفس منطقك على سورية نفسها؟ ألا تعلم أن سبب كل ما تتعرض له سورية الآن هو الرغبة بتقسيمها؟ لماذا لا نقسم سورية إلى ثلاثة أو أربعة دويلات ونقيم بين هذه الدويلات اتفاقيات وعلاقات استراتيجية؟ هذا سوف يحل كل مشكلاتنا الاقتصادية والسياسية وسيجلب لنا أموالا طائلة كما يحصل الآن في لبنان…

      ما رأيك بهذه الفكرة؟

      المشكلة هي أنكم منافقون… أنتم لديكم عقلية قطرية بحتة والوحدة العربية بالنسبة لكم هي ترف وشيء مختلف كليا عن الوحدة القطرية… ولكن لأكون صريحا معك أنا غير معجب أبدا بالوحدة السورية الحالية وأفضل تقسيم سورية في أسرع وقت على استمرار الوضع الحالي المهزلة… نحن دولة قزمة تحارب نصف العالم…

أضف تعليق