هل سيبقى العراق موحدا بعد خروج أميركا منه؟

هل يكون خروج أميركا من العراق بداية لتقسيمه على يد الأكراد والإيرانيين من مدخل “الفدرالية”؟

 

لا شك أن الغزو الأميركي للعراق سدد ضربة قاصمة للفكر القومي في هذا البلد، فبعد سقوط صدام سيطرت على المشهد السياسي العراقي القوى الطائفية والإثنية وغابت القوى القومية بشكل شبه كامل، وهذه القوى الطائفية والإثنية سارعت إلى إعداد دستور جديد يقوم على مبادئ التقسيم والتجزئة تحت شعار “الفدرالية”.

البعث العراقي (أو البعث “اليميني” كما يسمى في التراث البعثي) كان –بخلاف البعث السوري- يجنح نحو الفاشية. الانقسام بين البعثين “اليميني” و”اليساري” بدأ منذ عام 1963 وسرعان ما تحول إلى حرب إلغائية استخدمت فيها كل وسائل الصراع -الشريف منها وغير الشريف- بما في ذلك التحريض الطائفي الذي كان رائجا جدا في عقد الستينات بين صفوف “الرفاق” البعثيين في سورية. عندما أقدم “اليساريون” في سورية في عام 1966 على الإطاحة بـ”القيادة القومية” التي كانت تمثل الاتجاه “اليميني” (أو الاتجاه “الرجعي المتعفن” كما كانوا يسمونه) فر “اليمينيون” إلى العراق وشنوا من هناك حملة كاسحة من التحريض الطائفي والفاشي العنصري ضد النظام السوري (وفقا لنظرية صدام حسين الشهيرة التي تقول بأن العلويين أصلهم أكراد من الأناضول وبالتالي لا يحق لهم قيادة حزب البعث).

البعث العراقي كان يفهم القومية العربية على أنها شكل من الفاشية، ولذلك كان يستخدم كثيرا في أدبياته التحريض العنصري ضد “الفرس” والأكراد وغيرهم. هذا الفهم العرقي للقومية العربية مختلف عن الفهم السوري والذي يفهم الفومية العربية على أنها رابطة توحد كل الطوائف والإثنيات المقيمة على الأرض العربية (بحدودها المعروفة والتي تمتد من جبال طوروس شمالا إلى جزر القمر جنوبا).

النزعة الفاشية لدى البعث العراقي (والتي أخذت الطابع الدموي في الحروب ضد الأكراد والإيرانيين) خلقت ردات فعل سلبية في المجتمع العراقي المتعدد إثنيا، وهذا ما نراه الآن لدى الإثنيات العراقية غير العربية (خاصة الأكراد والعراقيين من أصل إيراني) والذين نجد لديهم الحقد الشديد على حزب البعث والقومية العربية. هذا الحقد الإثني (والذي تلاقى مع مشروع الفوضى الخلاقة الأميركي) أنتج الدستور العراقي الجديد الذي يشرعن تقسيم العراق تحت شعار “الفدرالية”.

حقيقة المشكلة في العراق هي إثنية وليست طائفية. الشيعة العرب في العراق هم عموما ذووا توجه قومي ويعارضون فكرة تقسيم العراق. القوى السياسية “الشيعية” التي كانت منفية في زمن صدام (والتي تضم في صفوفها كثيرا من ذوي الأصول الإيرانية الذين نفاهم صدام بسبب أصولهم الإيرانية) حاولت بعد سقوط صدام  أن تنشئ إقليما “للشيعة” في وسط وجنوب العراق، ولكن هذا المشروع فشل بسبب عدم تجاوب الشعية العرب معه، مما يظهر بوضوح الانقسام على أساس إثني بين صفوف الشيعة العراقيين.

وحدة العراق هي أمر مرغوب لدى العرب فقط (سواء شيعة أم سنة)، ولكن الأكراد والعراقيين المرتبطين بإيران (سواء بسبب أصولهم الإثنية أو بسبب التبعية الفكرية) يرفضون هذه الوحدة بل ويمقتونها. المقلق في العراق الآن هو مدى التغلغل الإيراني في المجتمع العراقي والذي يسعى لهدم الفكر القومي لدى الشيعة العرب واستبداله بفكر انعزالي طائفي يروج لإنشاء إقليم “شيعي” في العراق. ويقابل هذا التغلغل الإيراني تغلغل آخر لا يقل عنه خطورة هو التغلغل الوهابي لدى سنة العراق والذي ساهم بشكل جوهري في إنشاء حالة الاستقطاب الطائفي الحاد في العراق حاليا.

التيارات السياسية “الشيعية” الأساسية في العراق هي ثلاثة: حزب الدعوة الإسلامية والتيار الصدري وتيار الحكيم. تيار الحكيم أظهر منذ الأيام الأولى لسقوط صدام حماسة كبيرة لتقسيم العراق (وذلك لأنه الأكثر قربا من إيران سواء من حيث احتوائه على أعداد كبيرة من ذوي الأصول الإيرانية أو من حيث تبعيته الفكرية والسياسية لإيران). التيار الصدري في المقابل رفض فكرة تقسيم العراق (وذلك لأن هذا التيار أكثر عروبة من تيار الحكيم). أما حزب الدعوة فهو أخذ موقفا وسطا من القضية.

المقلق في الآونة الأخيرة هو ما بدأنا نسمعه من دعوات لتقسيم العراق في أوساط التيار الصدري وفي أوساط سنة العراق. إذا كانت هذه الفئات التي تعتبر الأكثر عروبة في العراق قد بدأت تتقبل فكرة التقسيم فهذا أمر لا يبشر بالخير أبدا بل ينذر بشر كبير.

الحجة التي يطرحها مروجوا التقسيم منذ سقوط صدام حتى الآن هي حجة باطلة تقوم على الخلط بين الفدرالية واللامركزية الإدارية. اللامركزية الإدارية هي مطلب مشروع ومطبق في كثير من الدول، ولكن الفدرالية هي مفهوم آخر ينطوي على تقسيم سياسي وليس مجرد تقسيم إداري. إن مروجي التقسيم في العراق يخلطون عمدا بين هذه المفاهيم ويحاولون التلبيس على العامة وإيهامهم بأن الفدرالية هي شكل من اللامركزية الإدارية، والمؤسف هو أن هذا التشويه الفكري قد بات رائجا في العراق وحاليا صار طرح التقسيم الفدرالي طرحا عاديا ومقبولا لدى قسم كبير من العراقيين بما في ذلك العرب.

إن اجتماع المصالح الأميركية مع مصالح إيران ومصالح الأقليات الإثنية ومصالح الساسة العراقيين الفاسدين يقود العراق سريعا نحو التقسيم، وهذا خطر جدي وكبير في المرحلة القادمة بعد انسحاب الولايات المتحدة من العراق. إن مشهد تقسيم السودان الذي شاهدناه فبل أسابيع قد يتكرر مجددا في العراق في غضون السنوات القليلة القادمة.

الحل الوحيد لإنقاذ العراق من التقسيم هو بإحياء الفكر القومي أو الوطني ولكن على أساس سليم هذه المرة يبتعد عن الفاشية والتعصب العرقي، وهو أمر صعب في المرحلة الحالية بسبب سوء أوضاع العراق الاقتصادية وتردي مستوى التعليم وانتشار الفوضى والعنف، وهي كلها عوامل تؤجج التعصب والنعرات الضيقة، ناهيك عن أن الغزو الفكري المكثف من إيران والوهابيين وأميركا لا يساعد  أبدا على بناء ثقافة وطنية في العراق بل يدفع بقوة نحو التقسيم.

كنت قد طرحت سابقا فكرة إقامة اتحاد سياسي فدرالي بين سورية والعراق كحل لإعادة إحياء الفكر القومي في البلدين وتهميش الأفكار الانعزالية. السيناريو المخطط لسورية هو نفس السيناريو الذي جرى تنفيذه في العراق، ولو تم إعادة إحياء فكرة الوحدة العربية حاليا (حتى ولو على أساس اقتصادي فقط) فهذا سيكون له مفعول الصدمة الإيجابية لدى الغالبية العربية في كلا البلدين وسيؤدي لتهميش الأفكار الانعزالية والطائفية.

المملكة السعودية على خطى الأمم المتقدمة؟

جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية… هل تنقل هذه الجامعة وأمثالها السعودية إلى مصاف الدول المتقدمة؟


المجتمع السعودي هو أكثر المجتمعات العربية تخلفا من كل النواحي الثقافية والاجتماعية والسياسية، وهو في الواقع من أكثر المجتمعات تخلفا على مستوى العالم بأسره. ولكن مع هذا لا يمكننا أن نتجاهل ما يحدث في السعودية (خاصة في العقد الأخير) على مستوى التعليم.

الجامعات السعودية هي الأفضل على مستوى العالم العربي، وهناك جامعات سعودية تعتبر من أفضل 200 جامعة في العالم. ناهيك عن أن السعودية ترسل أعدادا هائلة من الطلاب سنويا إلى الغرب للدراسة. هناك في الآونة الأخيرة اهتمام ملحوظ بالتعليم العالي في السعودية وهناك استثمارات ضخمة تتم في هذا المجال. الجامعات في السعودية تعلم باللغة الإنكليزية وهناك أكاديميون من الدول الغربية يحاضرون في هذه الجامعات بشكل دائم.

هذا الارتقاء الكبير في مستوى التعليم في السعودية (وفي الخليج عموما) لا بد وأنه سيترك تبعاته على المجتمع والاقتصاد السعودي. النهضة الأوروبية بدأت كنهضة ثقافية وعلمية في البداية ثم تحولت بعد ذلك إلى نهضة سياسية واجتماعية واقتصادية. هذا السيناريو حدث أيضا في اليابان التي اتبعت في أواخر القرن 19 سياسة شبيهة بسياسة الملك السعودي الحالي الذي يركز كثيرا على رفع مستوى التعليم في بلاده (ربما يكون للتطور التقني الإيراني دور في دفعه لهذا المسار؟).

التعليم هو أساس كل شيء وهو مفتاح النهضة في كل المجالات. لقد تحدثت في السابق عن تاريخ المجتمع السوري وكيف أنه فشل في الانتقال إلى مرحلة مدنية حقيقية لأسباب عدة أهمها فشل النظام الاقتصادي الاشتراكي (والذي استتبع سوء نظام التعليم واستشراء الفساد في مؤسسات الدولة) بالإضافة للحكم السلطوي الذي أقصى معظم النخبة الثقافية واضطرها إما للهجرة أو الصمت أو القبوع في السجون.

العقول الصدئة في سورية لم ولن تفهم أهمية إصلاح التعليم، ولذلك أنا لا أرى مستقبلا مشرقا لسورية على الإطلاق لأنني لا أرى نهضة علمية حقيقية في سورية. الحكومة السورية هي حتى الآن عاجزة عن أن تفهم كيف تصلح تعليمها المتخلف بشكل جذري وهي تتخبط وتقوم بإجراءات ترقيعية تافهة قامت بها الدول المجاورة لسورية قبل 50 سنة. من المؤسف أن السعودية التي كانت قبل 60 سنة متخلفة جدا عن سورية صارت الآن تسبقنا بعقود من التطور الاقتصادي والعلمي.

المجتمع السعودي مجتمع متخلف كما قلت، ولكن الجامعات السعودية ذات المستوى العالي سوف تخرج طبقة حداثية شبيهة بالطبقة “البرجوازية” التي قادت التغيير في أوروبا في عصر التنوير. هذه الطبقة سوف تصطدم في المستقبل بطبقة الأمراء ورجال الدين وستجبرها على الإصلاح السياسي والاجتماعي، وربما يكون ذلك حتى من خلال ثورة على غرار الثورة الفرنسية. هناك نموذجان أمام السعودية: النموذج الإنكليزي (الإصلاح السلمي) والنموذج الفرنسي (الإصلاح بالفوضى والعنف). النموذج الذي ستسير فيه الأمور يعتمد على حكمة الطبقة الحاكمة، ولكن في كل الأحوال فإن التغيير قادم حتما. التطور العلمي والتقني في السعودية والنمو الاقتصادي الكبير سوف يخلق تناقضات اجتماعية كبيرة ومن المستحيل للنظام الحالي أن يستمر.

السعودية دولة قابلة للنمو بشكل كبير وهي من الممكن أن تصبح من القوى العظمى في العالم. هناك مساحات شاسعة من الأراضي القاحلة في السعودية وهذه المساحات من الممكن أن تتحول إلى حقول ومراعي بفضل التطور في تقنيات تحلية مياه البحر (خاصة تلك التي تعتمد على الطاقة الشمسية). السعودية تملك سواحل طويلة جدا وهي تملك طاقة شمسية هائلة، وبالتالي أتوقع في المستقبل أن يتم إنشاء مئات وألوف المحطات لتحلية مياه البحر لأغراض زراعية (هناك بالفعل تجارب في هذا المجال تتم حاليا في السعودية). السعودية تملك المساحات الشاسعة القابلة للزراعة مستقبلا في وجود الماء، وتملك مصادر ضخمة للطاقة وخاصة الطاقة الشمسية، وهي تقوم حاليا ببناء بنية تحتية علمية وتقنية، وبالتالي فهذا البلد يسير على طريق النمو الحقيقي وهو قريبا سيخرج من خانة الدول النامية وسيصبح قوة إقليمية ودولية مهمة في حال حافظ على استقراره السياسي ولم يسقط في فخ الانقسام والحروب الأهلية. إن قيام ثورة في السعودية ودخول البلد في حرب أهلية تقضي على كل شيء هو احتمال وارد بقوة وتجنبه هو مسؤولية الطبقة الحاكمة قبل غيرها. لا بد لهذه الطبقة أن تبدأ بتحويل الدولة إلى دولة مواطنة وتغادر الفكر الإقطاعي الديني البدائي الذي ما زالت تسير عليه حتى الآن، ولا بد لها أن تمنح الحريات الثقافية والاجتماعية والدينية للمواطنين بشكل كامل.

التهديدات الخارجية للسعودية موجودة وبقوة، وطبعا التهديد الأول للسعودية ليس إيران ولا سورية كما يعتقد بعض حكام السعودية الأغبياء وإنما هو أميركا وإسرائيل. الخلاف بين إيران وسورية من جهة وبين السعودية من جهة ثانية هو خلاف سياسي عارض، أما الخلاف بين أميركا وإسرائيل وبين السعودية فهو خلاف وجودي. أميركا الآن تدعم السعودية لأن السعودية بنموذجها الطائفي المتخلف التابع للغرب تخدم المصلحة الأميركية في تقسيم المنطقة والسيطرة عليها، ولكن إن ظهرت في السعودية بوادر فكر وطني استقلالي فعندها ستصبح السعودية هي العدو الأول بلا منازع  لأميركا وإسرائيل في المنطقة.

لو كنت مكان بشار الأسد

لو كنت مكان بشار الأسد فإنني كنت سأترك كل شيء وأبدأ فورا ببناء جامعة ضخمة للعلوم والتكنولوجيا ذات مستوى عالمي، وهذا أمر ليس بالصعب أبدا. الدولة السورية يجب أن تقدم الأرض مجانا وتسهم بقسط من رأس المال، وبقية رأس المال سيأتي من دول ومنظمات صديقة أو من مستثمرين سوريين وعرب وأجانب. الجامعة يجب أن تعلم باللغة الإنكليزية ويجب أن يكون فيها محاضرون ذووا سمعة عالمية من الدول الغربية وغيرها. لا أظن أن القوانين الأميركية والأوروبية تمنع إحضار أكاديميين من تلك الدول للتعليم في سورية، وإن كانت القوانين تمنع فلنحضر السوريين والعرب المغتربين وما أكثرهم.

ولكن بدلا من ذلك فإن الحكومة السورية مشغولة الآن ببناء المزيد من الكليات لجامعاتها ذات المستوى الراقي جدا. والمؤسف أنه حتى لو أراد مستثمر خاص أن يقيم جامعة ذات مستوى عالمي على نفقته الخاصة فإن القوانين السورية تمنعه من ذلك بحجة منع التعليم بغير اللغة العربية، وبهذا لا يبقى للطلاب السوريين إلا الجامعات الحكومية (دكاكين توزيع الشهادات المجانية أو المدعومة) والجامعات الخاصة (دكاكين توزيع الشهادات غير المجانية أو السياحية) تماما كحال أفران الخبز التي توزع الخبز المدعوم والسياحي.

التصعيد الأميركي ضد سورية سببه خوف روسيا من امتداد “الحرية والديمقراطية” إليها؟

روسيا تخشى امتداد “ربيع” الديمقراطية الأميركية إليها؟


شهد الأسبوع الأخير تصعيدا كلاميا أميركيا كبيرا ضد سورية، وكنت قد حاولت في التدوينة السابقة أن أخمن سبب هذا التصعيد ووضعت بعض الاحتمالات لذلك، ولكن على ما يبدو فإن السبب المباشر لهذا التصعيد متعلق بالعلاقات الروسية-الأميركية.

التدخل الأميركي في الشؤون الداخلية الروسية قديم ويعود إلى العصر السوفييتي عندما كانت أميركا تتدخل بذريعة الحرية والديمقراطية، وبعد أن تفتت الاتحاد السوفييتي وانهار اقتصاده وعمت فيه الفوضى والخراب بسبب الحرية والديمقراطية الأميركية جاء فلاديمير بوتين الذي نجح في ضبط الأوضاع في روسيا وتحسين الاقتصاد، فعادت الولايات المتحدة مجددا إلى نغمتها القديمة وإلى التدخل في الشؤون الداخلية الروسية بذريعة الحرية والديمقراطية.

آخر فصول التدخل الأميركي كان قضية المحامي سيرغي مغنيتسكي الذي تتهم الولايات المتحدة مسؤولين روس كبارا بالتورط في اغتياله. أميركا استغلت هذه القضية وقامت بفرض عقوبات على مجموعة من المسؤولين الروس الكبار تحت ذريعة أنهم متورطون في اغتياله. موسكو أصدرت بيانا قويا ضد أميركا يوم الأربعاء ويبدو أن العلاقات تتجه نحو التأزم.

تأزم العلاقات الأميركية-الروسية سينعكس في الشرق الأوسط، وخاصة في ليبيا وسورية. لقد شاهدنا التصعيد الغربي بالفعل في ليبيا وسورية حيث أن الغرب بدأ بسلسلة من الخطوات التصعيدية في ليبيا كالاعتراف بمجلس المتمردين على أنه الحكومة الليبية الشرعية وتحويل الأموال الليبية المجمدة له. الغربيون أوقفوا مساعيهم الجدية لإسقاط القذافي عسكريا وهم حاليا يعملون على تقوية مجلس المتمردين وإحكام الحصار على القذافي على أمل أن ينهار تحت وطأة الحصار. هم ببساطة يريدون تكرار السيناريو الكوري في ليبيا حيث أنهم سوف يقسمون ليبيا إلى شطرين ويدعمون أحد الشطرين بالمال والسلاح بينما يحاصرون ويخنقون الشطر الآخر، ولهذا السبب فإن معركة النفط في ليبيا هي معركة استراتيجية ومصيرية دفعت القذافي لوضع قوات وتحصينات هائلة في مرفأ البريقة النفطي.

أما في سورية فالتصعيد الغربي واضح ويتمثل بسيل الشتائم الأميركية التي تنهال يوميا بالإضافة إلى عودة الحديث عن العقوبات،  ناهيك عن الشحن الكبير الذي يتم استعدادا لـ “معركة رمضان” التي يبدو منذ الآن أنها لن تسير لصالح المتمردين.

القاعدة تعلن دعمها للثورة السورية… والعرعور يختفي من الشاشة

ظهر الظواهري فاختفى العرعور… هل تريد السعودية إخلاء مسؤوليتها من العنف القادم إلى سورية؟


أعلن زعيم القاعدة أيمن الظواهري قبل يومين دعمه الكامل “للثورة السورية” وذلك في شريط خاص بث لهذا الغرض. أهمية الإعلان هي أنه يؤكد ما قلناه سابقا عن تأييد القاعدة للمتمردين في سورية وعن احتمال وجود أعداد كبيرة من مقاتلي القاعدة تعمل حاليا في سورية. الملفت هو أن عمليات القاعدة في العراق انخفضت مؤخرا بشكل كبير مما يدل على أن القاعدة حولت وجهتها الرئيسية من العراق إلى سورية، وهناك تقارير تتحدث عن هجرة عكسية لمقاتلي القاعدة من العراق إلى سورية.

أمر آخر ملفت هو اختفاء عدنان عرعور عن شاشته، فما السبب؟ ربما يكون هناك من أحس بأن عرعرة التمرد في سورية لا تخدم هدف المتمردين الأكبر في إظهار تمردهم على أنه تمرد سلمي وغير طائفي، ولذلك تم إخفاء العرعور عن الشاشة. هذا مجرد احتمال.

تعرض اليوم أنبوب نفط جديد في تل كلخ للتخريب على أيدي متمردين. هذه رسالة رد على مشروع نقل الغاز الإيراني. إذا أخذنا هذه الرسالة وأخذنا الضوضاء الكبيرة جدا التي أثيرت حول وجود “انشقاقات في الجيش” في دير الزور (مصطلح “انشقاق في الجيش” هو كود يستخدمه المتمردون منذ بداية الأحداث يعني وجود عصابات مسلحة من المتمردين تقاتل الجيش السوري) إذا أخذنا هذه الأمور بالحسبان مع رسالة الظواهري والتصعيد الأميركي ضد الجيش السوري فيمكننا أن نتوقع أن التمرد السوري يتجه نحو المزيد من العنف والتسلح في المرحلة المقبلة. العقوبات الأوروبية الجديدة ستصدر قريبا وإذا كانت هذه العقوبات ستشمل أسماء شخصيات ومؤسسات عسكرية فهذا يؤكد التوجه لعسكرة التمرد كليا في المرحلة المقبلة وتركيز الاستهداف على الجيش السوري.

الغرب والتذرع بالتفوق الحضاري كمبرر للاستعمار

الإعلام الغربي يصنع الرأي العام الغربي… والنخب السياسية والاقتصادية الغربية تصنع الإعلام الغربي… إذن النخب السياسية والاقتصادية الغربية تصنع الرأي العام الغربي


منذ أن ظهرت الأمم الأوروبية الحديثة وبدأت في سياستها الاستعمارية قبل نحو 500 سنة تستخدم هذه الأمم باستمرار “تفوقها الحضاري” كمبرر للغزو والسيطرة على الأمم الأخرى التي يعتبرها الغربيون غير متحضرة أو بربرية.

الدول الغربية الاستعمارية كانت وما زالت تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى تحت ذرائع مختلفة تتعلق عادة بـ”التفوق الحضاري” الغربي على تلك الدول وحكوماتها، ثم يتطور ذلك التدخل فيتحول إلى استعمار وسيطرة مباشرة أو شبه مباشرة. هذا سيناريو ما زال يتكرر باستمرار منذ 500 عام إلى الآن.

في الهند مثلا تدخلت الدول الغربية في القرنين 16-17 تحت ذريعة حماية التجارة مع الملوك والأمراء الهنود، ثم تطور الأمر وبدأت الدول الغربية توقع اتفاقيات الحماية مع الممالك والإمارات الهندية وترسل قواتها إلى تلك الممالك والإمارات بحجة حمايتها من بعضها، وطبعا تلك الحماية لم تكن مجانية وكانت الممالك الهندية تضطر للتنازل عن جزء كبير من اقتصادها وسيادتها لكي توفي ما عليها من ديون للدول الغربية.

 الشعوب الأوروبية كانت تدرك أن حكوماتها تستغل الشعب الهندي والشعوب الأخرى ولكنها كانت تبرر ذلك بأن الأوروبيين ينقلون الحضارة للشعوب البربرية، وهذا النمط من التفكير ما زال قائما في الغرب حتى الآن حيث أن الشعوب الغربية ما زالت تتقبل تدخل حكوماتها في شؤون الدول النامية الداخلية (بل وتشجع ذلك) تحت حجة نشر الحرية والديمقراطية وإيقاف القمع وغير ذلك من المبررات الاستعمارية الكلاسيكية (وأكبر مثال ما نراه حاليا في ليبيا).

سيناريو استعمار الهند تكرر في مناطق كثيرة من العالم ومنها جنوب شرق آسيا والخليج العربي مثلا، حيث كان البرتغاليون في البداية يسيطرون على منطقة الخليج العربي تحت ذريعة حماية التجارة، ثم جاء الإنكليز ووقعوا “اتفاقيات الحماية” مع بعض شيوخ وأمراء البدو، وكانت هذه الاتفاقيات تنص على  أن تحمي بريطانيا أولئك الشيوخ والأمراء مقابل أن تحصل على النفط والنفوذ والقواعد العسكرية في مناطقهم. رغم أن تلك الاتفاقيات ألغيت رسميا في القرن الماضي إلا أنها ما زالت مطبقة عمليا (بشكل شفهي وغير رسمي) وما زالت الدول الغربية تحمي إمارات ومشيخات الخليج مقابل الحصول على النفوذ السياسي والعسكري فيها.

في مصر تدخلت بريطانيا في البداية في عام 1801 تحت ذريعة إخراج الفرنسيين ثم تدخلت في عام 1840 تحت ذريعة حماية السلطان العثماني من محمد علي ثم في عام 1876 تحت ذريعة تحصيل الديون من مصر وفي عام 1882 تحت ذريعة حماية الخديوي من أحمد عرابي، وبعد ذلك تم توقيع اتفاقية حماية وتحولت مصر إلى مستعمرة بريطانية.

أما الدولة العثمانية فكان التدخل الغربي فيها كثيرا ما يتم بذريعة حماية الأقليات والحريات الدينية. الدولة العثمانية كانت تطرح نفسها كدولة خلافة إسلامية ولم تبدأ بالتطور إلى دولة قومية إلا في أواخر القرن 19 (أي متأخرة بقرن كامل عن الدول الغربية، وأيضا الدولة العثمانية تأخرت قرنا كاملا عن الدول الغربية في دخول العصر الصناعي). تأخر الدولة العثمانية في التحول إلى دولة مواطنة nation-state فتح الباب واسعا للدول الغربية لكي تتدخل في شؤونها الداخلية تحت ذريعة حماية الأقليات الدينية (خاصة المسيحية). أول تدخل غربي كبير ضد السلطنة العثمانية كان في عام 1827 عندما قامت أساطيل الدول الغربية بتحطيم الأسطول العثماني في اليونان بذريعة نصرة الثورة اليونانية وإيقاف القمع العثماني الوحشي الذي أدى إلى اضطراب حركة التجارة في شرق المتوسط حسب قولهم، وأدى هذا التدخل إلى إنهاء الحكم العثماني في اليونان (والذي كان بداية نهاية الحكم العثماني في البلقان عموما). وتدخلت الدول الغربية عسكريا في السلطنة العثمانية مرة ثانية في عام 1861 عندما قامت قوات غربية بقيادة فرنسية باحتلال جبل لبنان تحت ذريعة حماية المسيحيين الموارنة من الذبح على أيدي الدروز الذين كان الغرب يتهم العثمانيين بدعمهم، وهذا التدخل الغربي في جبل لبنان أدى إلى إضعاف السيطرة العثمانية على منطقة سورية الكبرى مما أدى إلى ضياعها من يد العثمانيين بسهولة في عام 1918.

القانون الدولي والاستعمار

بين هنري غورو وألان جوبيه… لم يختلف الكثير لا بالشكل ولا بالمضمون


عندما غزت القوات البريطانية سورية الكبرى في عام 1918 استقبلها “المثقفون” السوريون بالتهليل والترحاب على أساس أنها جاءت لتحريرهم من حكم الأتراك الظالمين (وهذه الثقافة انتشرت في سورية بسبب الغزو الثقافي الغربي الذي كان مصدره الأول مستعمرة جبل لبنان الفرنسية). ولكن النخبة السورية المخدوعة بالدعاية الغربية سرعان ما اكتشفت حقيقة التدخل الغربي عندما ظهرت اتفاقية سايكس-بيكو ووعد بلفور إلى العلن وعندما نزلت القوات الفرنسية بقيادة غورو إلى شواطئ سورية ولبنان في عام 1919.

السوريون كانوا موعودين بقيام دولة عربية كبيرة تحت حماية ورعاية بريطانيا على أن تمتد هذه الدولة من جبال طوروس شمالا إلى اليمن جنوبا ومن فارس شرقا إلى مصر غربا، ولكن اتفاقية سايكس-بيكو ونزول القوات الفرنسية على الساحل السوري أصاب السوريين بخيبة الأمل، فبدؤوا في بناء “جيش عربي” لتحرير منطقة الساحل من الفرنسيين، ولكن فرنسا هاجمت هذا الجيش ودمرته في معركة ميسلون بعد مرور أشهر قليلة على إنشائه وقبل أن يتم تسليحه بشكل جدي. وبهذا انتهى مشروع الدولة العربية كليا ووقعت سورية بكاملها تحت الاحتلال فرنسي الذي قامت دول الغرب بشرعنته في إطار ما يسمى بنظام الانتداب، وكانت ذريعة الانتداب هي أن السوريين أظهروا عدم قدرة على إدارة شؤون بلدهم بشكل مسؤول وعدم التزامهم بالاتفاقات الدولية (كاتفاقيتي سايكس-بيكو ووعد بلفور اللتين أعلنت الحكومة العربية في دمشق رفضها لهما).

القانون الدولي هو شريعة الأقوياء، ولتغيير هذا القانون لا بد من وجود قوة جيوسياسية قادرة على ذلك. كمال أتاتورك مثلا نجح في تغيير القانون الدولي عندما نسف اتفاقية سيفر بكاملها وأعاد رسم خريطة تركيا بالشكل الحالي، وهذا الإنجاز تحقق بفضل الجيش التركي الذي نجح أتاتورك في تجميع قواه المتبعثرة وأعاد تنظيمها وشن حربا تحريرية ناجحة ضد اليونانيين والفرنسيين والأرمن. و نجح الأتراك بعد ذلك في انتزاع لواء الإسكندرون وشمال قبرص. الأتراك هم من الأمم القليلة في العالم الذين تمكنوا من توسيع أراضيهم وبناء اقتتصادهم وتطويره دون أن يدخلوا في صدام مع الغرب، وهذا يعود لأسباب كثيرة أهمها موقع تركيا الجيوستراتيجي وحاجة الولايات المتحدة الماسة لها، ولذلك تفادى الغربيون منذ العشرينات حتى الآن إغضاب تركيا مهما فعلت. تركيا نجحت منذ حرب التحرير التي شنها أتاتورك في عام 1919 في فرض نفسها كحليف للغرب بدلا من أن تكون تابعا، والغرب يتعامل مع الحلفاء بشكل مختلف عن تعامله مع الأتباع، خاصة إذا كان موقع الحليف مهما كموقع تركيا.

مثال آخر (وأكثر إبهارا) على شخصية نجحت في تغيير القانون الدولي هو أدولف هتلر، الذي نجح خلال سنتين فقط في نسف كل النظام العالمي الذي كان قائما على قانون “عصبة الأمم”، وهو قانون وضعه الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الأولى على ألمانيا وحلفائها.

بعد الحرب العالمية الأولى أحس الغربيون بالحاجة إلى تنظيم نزاعاتهم القومية حتى لا تأخذ الشكل العنيف  الشامل الذي وقع في عام 1914 مرة أخرى، وبذلك تم إنشاء “عصبة الأمم” والتي لم تكن مرجعية قانونية بالمعنى الفعلي (لأن أي مرجعية قانونية نزيهة بحاجة لقوة مستقلة تسندها وتمكنها من فرض القانون بالتساوي على الجميع، وهو ما افتقدته عصبة الأمم) ولكنها كانت مجرد أداة سياسية لتنظيم الصراعات والنزاعات القومية بين الدول الغربية وحصرها في نطاق ضيق بما لا يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية جديدة وبما يثبّت قدر الإمكان الواقع الجيوسياسي القائم (والذي يناسب مصالح الدول التي أنشأت المنظمة). منظمة “الأمم المتحدة” هي استمرار لنفس المنطق الذي أقيمت على أساسه عصبة الأمم، فهي ليست مرجعية قانونية حقيقية وإنما هي مجرد إطار لتحجيم الصراعات المسلحة ولتثبيت الواقع الجيوسياسي القائم عالميا والذي تم رسمه بعد الحرب العالمية الثانية.

من يريد أن يقوم بإعادة رسم كبيرة للخريطة الجيوسياسية لن يستطيع أن يفعل ذلك في إطار عصبة الأمم أو الأمم المتحدة، ولذلك مثلا نجد أن هتلر ضرب عرض الحائط بعصبة الأمم، ونفس الأمر ينطبق على الولايات المتحدة التي ضربت عرض الحائط بالأمم المتحدة عندما قررت غزو العراق في عام 2003 رغم معارضة أعضاء مجلس الأمن الآخرين لذلك. الأمم المتحدة كانت تحفظ التوازن العالمي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي لم يعد لوجود الأمم المتحدة مبرر حسب المنطق الأميركي اليميني، ولذلك تجاهلت الولايات المتحدة مجلس الأمن عندما قامت بغزو العراق (المحافظون الجدد في أميركا كان لديهم موقف سلبي جدا من الأمم المتحدة وكانوا يريدون إلغاءها لاعتقادهم بأنها تعيق تمدد الولايات المتحدة في العالم بعد زوال الاتحاد السوفييتي). ولكن الانتكاسات التي أصابت التمدد العسكري الأميركي أجبرت الولايات المتحدة على العودة مجددا إلى منطق الأمم المتحدة لأنها أدركت أنها ليست بالقوة التي كانت تتصورها على الصعيد العالمي.

صدام حسين أيضا أراد تغيير الخريطة الجيوسياسية بالقوة ورغما عن القانون الدولي، ولكنه أخطأ جدا في تقدير موازين القوى وحقيقة الوضع الإقليمي (هو لم يكن يتصور أن المملكة السعودية والدول العربية سيقومون بما قاموا به من تغطية للتدخل العسكري الغربي، وسبب خطئه الجسيم في التقدير هو أنه لم يفهم حقيقة المملكة السعودية وأنها لا تستطيع أن تعارض الولايات المتحدة في مسائل جوهرية تهدد الخريطة الجيوسياسية الإقليمية وحتى الدولية).

السوريون لم يكن لديهم يوما هذا الوهم، وهم يدركون منذ التجربة المريرة لمعركة ميسلون أن تغيير الخريطة الجيوسياسية هو أمر يفوق قدرتهم. الحكومة العربية في دمشق قبل معركة ميسلون كانت لا تعترف بالانتداب الفرنسي إطلاقا وكانت تعلن انها ستحرر لبنان والساحل من الفرنسيين، ولكن معركة ميسلون وما تلاها من انتداب فرنسي قاس للغاية غير نظرة السوريين لأنفسهم وقدراتهم (الانتداب الفرنسي في سورية، كما في معظم الدول الأخرى، لم يفد سورية إلا قليلا جدا وكانت محصلته تخريبا اقتصاديا ودمارا سياسيا واجتماعيا وثقافيا).

فرنسا كانت مصممة منذ احتلالها لدمشق في عام 1920 على تقسيم سورية إلى دويلات عديدة كعقوبة لها على معركة ميسلون وما جرى قبلها من تحدي للانتداب الفرنسي. رئيس الوزراء الفرنسي ميلران طلب من غورور تقسيم سورية إلى 8 دويلات، ولكن غورو أصدر مراسيما بإنشاء 5 دويلات فقط (غورو شرح لميلران في رسالة أرسلها له أن المبالغة في تقسيم سورية ستعطي مفعولا عكسيا لأن بعض الدويلات التي اقترحها ميلران لا تملك مقومات البقاء الذاتي وستضطر لاحقا لطلب الوحدة مع غيرها).

رفضت فرنسا بإصرار طوال فترة الانتداب إعادة توحيد سورية، والتنازل الوحيد الذي قدمته كان قبولها بتوحيد حلب ودمشق في عام 1925، والذي كان عبارة عن مناورة أرادت منها فرنسا إحباط مشروع وحدوي أكبر يشمل حلب ودمشق واللاذقية. بعد أن تم توحيد حلب ودمشق بأشهر قليلة أجرت فرنسا انتخابات نيابية جديدة في حلب فاز فيها موالون لفرنسا يعارضون الوحدة ويريدون فصل حلب مجددا، مما يظهر أن فرنسا لم تكن تريد بصدق توحيد حلب ودمشق وأن قبولها بذلك كان مجرد مناورة، ولكن الوحدة مع ذلك استمرت بسبب عصيان قام به هنانو وأعضاء الكتلة الوطنية في حلب احتجاجا على مشروع الانفصال الذي كان مطروحا وقتها على نار حامية.

بعد توحيد حلب ودمشق في عام 1925 تم إغلاق ملف الوحدة السورية نهائيا من الجانب الفرنسي وتعنتت فرنسا في بحث هذه القضية مجددا، وكانت هذه القضية محل الخلاف الأساسي بين الكتلة الوطنية والفرنسيين حتى عام 1936. في عام 1936 وصل إلى الحكم في فرنسا تحالف اليساريين المسمى بالجبهة الشعبية والذي وافق لأول مرة على بحث مسألة الوحدة السورية، وذهب وفد سوري إلى فرنسا وتم التوصل إلى الاتفاق الشهير الذي وافقت فرنسا بموجبه على توحيد كل الدويلات السورية ما عدا لبنان.

هذا الاتفاق ظل حبرا على ورق لأن البرلمان الفرنسي رفض المصادقة عليه، وبالتالي فهو لم يدخل أبدا حيز التنفيذ. ولكن آثاره الإعلامية كانت مدمرة، حيث أن السوريين في دمشق وحلب اعتبروه فتحا مبينا وانتصارا عظيما، وهو ما أثار حفيظة الأقليات الانفصالية (وهي كثيرة في ذلك الزمن وتشمل موارنة لبنان وتركمان الإسكندرون وأكراد الجزيرة والبدو وقسما من العلويين والدروز). كل هذه الأقليات ثارت في وقت واحد وأعلنت العصيان والرفض لمضمون الاتفاقية بين فرنسا وسورية، فعمت الفوضى والاضطرابات في البلاد، وحاولت الحكومة السورية أن تخضع المتمردين ولكن السلطات الفرنسية منعتها من ذلك تحت ذريعة أن القمع غير مقبول (وهي الموعظة الاستعمارية السامة التي لا يطبقها الغربيون أبدا في بلادهم)، وكانت النتيجة أن أقدم الجيش التركي على غزو لواء الإسكندرون وطرد معظم سكانه العرب والأرمن في عام 1938 تحت ذريعة حماية الأتراك، وتم فصل لواء الإسكندرون عن سورية وفق المؤامرة المعروفة.

هذه الأحداث (وغيرها مما لا أريد أن أتوسع فيه هنا) ساهمت كلها في صياغة العقل السياسي السوري. رغم أن سورية هي دولة حديثة العهد نسبيا إلا أن التجارب التي مرت عليها منذ عام 1920 حتى الآن كانت في معظمها تجارب مريرة وأليمة تركت أثرها على التعاطي السوري مع القضايا الإقليمية. سورية -على سبيل المثال- لديها عقدة تجاه لبنان تعود إلى أيام معركة ميسلون، وهذه العقدة ليست عقدة توسعية كما يردد أعداء سورية وإنما هي عقدة دفاعية. سورية تقبلت استقلال لبنان منذ زمن بعيد ولا يوجد سياسي سوري حاول يوما أن يضم لبنان إلى سورية، وإنما الهدف السوري تجاه لبنان كان وما يزال هدفا دفاعيا بالمقام الأول يهدف إلى منع تكرار سيناريو ميسلون عندما استخدمت فرنسا لبنان كمنصة للانقضاض على دمشق واحتلال سورية وتدميرها (ومن الجدير بالذكر أن الجيش الذي جاء من لبنان إلى دمشق لم يكن فرنسيا خالصا بل كان فيه متطوعون لبنانيون، وهذا حال قسم من اللبنانيين حتى يومنا هذا حيث أنهم لا يكتفون بتسهيل مرور المستعمرين إلى سورية وإنما يساهمون معهم في المجهود الحربي). العلاقة بين لبنان وسورية علاقة معقدة، حيث أن الفريق اللبناني “الانعزالي” أو “الاستقلالي” (تقليديا الموارنة وحاليا سنة الحريري) ينظرون إلى سورية على أنها التهديد الأول لاستقلال لبنان (وهذا ربما يكون مبررا من وجهة نظر جيوسياسية)، وبما أن سورية هي التهديد الأول فهم يتخذون سياسة عدائية تجاهها ويتحالفون مع أعدائها (خاصة أميركا، وإلى درجة أقل إسرائيل وفرنسا). هذا الموقف العدائي يستدعي رد فعل عدائي من سورية، وهو أمر طبيعي، وبالمناسبة فإن سورية عندما اعترفت بلبنان في الأربعينات اشترطت في ذلك ألا يكون لبنان “ممرا للاستعمار ولا مقرا له”، وهذا الشرط غير متحقق في سياسة الانعزاليين أو الاستقلاليين اللبنانيين، وبالتالي فإن سورية معذورة عندما تتدخل في شؤون لبنان الداخلية لأن الاعتراف السوري بلبنان هو من الناحية التاريخية كان اعترافا مشروطا وليس اعترافا مفتوحا، والشرط الذي وضعه السوريون للاعتراف بلبنان لم يكن من باب عقدة التوسع والضم وإنما من باب الدفاع البحت كما يدرك أي ناظر إلى خريطة لبنان وسورية.

الغرب يحاول استباق صعود الصين وروسيا كقوى عظمى لمد نفوذه

الفترة التي نعيشها حاليا هي “الوقت الضائع” بالنسبة للغرب، حيث أن الصين وروسيا توشكان على الصعود كقوى عظمى جديدة في العالم ولكنهما لم تصلا بعد إلى مرحلة القوة الكافية لتحدي الغرب، ولذلك يحاول الغرب انتهاز هذه الفرصة “الذهبية” لمد نفوذه في العالم بأقصى ما يمكن.

هذا النمط من التفكير بدأ منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عندما قام جورج بوش الأب بتدمير العراق وحاول بيل كلينتون تصفية القضية الفلسطينية، ولكنه تسارع وأخذ شكلا محموما في عهد جورج بوش الابن. اندفاعة بوش الابن هدأت مجددا مع أوباما، ولكن السياسة ما زالت هي نفسها ولم تتغير.

منذ انهيار الاتحاد السوفييتي بدأنا نشاهد سياسات غربية فجة لم نكن نشاهدها منذ عام 1956 (عندما فشل العدوان الثلاثي على مصر وانتهى عصر الاستعمار القديم). بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عاد الغرب مجددا إلى ممارساته الاستعمارية القديمة عندما كان يرسل جيوشه وأساطيله لمد نفوذه الاستعماري بشكل فج. شاهدنا هذا في أحداث العام 1991 عندما أرسلت أميركا أساطيلها إلى الخليج العربي/الفارسي ودمرت العراق (وهو أمر ما كنا لنراه في أيام عز الاتحاد السوفييتي). ثم جاء غزو أفغانستان والعراق ليذكرنا بعصر الاستعمار القديم تماما، حيث ضربت أميركا القانون الدولي بعرض الحائط وأرسلت جيوشها لاحتلال البلدين تحت ذرائع مختلفة تهاوى كثير منها أو معظمها.

مخطط “نشر الديمقراطية في العالم العربي” و”إسقاط الأنظمة العربية” الذي تعمل عليه الولايات المتحدة منذ 10 سنوات لا يخرج أبدا عن هذا الإطار الاستعماري. حجة نشر الحرية هي حجة قديمة استخدمها الغرب قديما (عندما كانت فرنسا تقسم سورية في زمن الانتداب وتضعف الحكومة المركزية كانت تدعي أنها تعطي الحريات وتمنع الحكومة السورية من قمع المحتجين—تماما نفس اللغة التي نسمعها اليوم في ليبيا وسورية). الغرب يحاول الآن أن يهيمن على المنطقة العربية بالكامل وأن “يطهر” سواحل البحر المتوسط من النفوذ الروسي والصيني كما قال أحد مساعدي رونالد ريغان مؤخرا في تصريح لفت انتباه الإعلام غير الغربي.

روسيا والصين تدركان هذا الأمر، ولذلك نجد الموقف الروسي المتصلب في موضوع سورية مثلا. روسيا وافقت مضطرة على قرار مجلس الأمن بخصوص الحظر الجوي على ليبيا (لأنها أحرجت من موقف العملاء العرب في جامعة الدول العربية) ولكنها لم تكن تتخيل أن هذا القرار سيتم استخدامه لإسقاط نظام القذافي. الحظر الجوي هو ممارسة تم تطبيقها في كثير من الدول (العراق في زمن صدام مثلا) وهو أمر مختلف كليا عن إسقاط النظام. إن محاولة الغرب إسقاط نظام القذافي أثارت استياء روسيا الشديد لأن روسيا شعرت بأنها خسرت منطقة جيوسياسية لصالح الغرب دون سبب وجيه، ولذلك هي تتصلب الآن في الموصوع السوري. مسألة سورية بالنسبة لروسيا هي مسألة صراع جيوسياسي كما هو واضح، وبالتالي من المستبعد أن تتخلى روسيا عن سورية (وهذا هو سبب ثقة الوزير المعلم في تصريحاته عن الموقف الروسي). الغرب خدع روسيا في موضوع ليبيا ولكنه لن ينجح في خداعها مجددا في موضوع سورية.

بالإضافة إلى ذلك فإن روسيا تخشى بشكل جدي من تكرار السيناريو العربي داخل أراضيها (وهناك تجربة سابقة في زمن الاتحاد السوفييتي الذي انهار بسبب التدخل الغربي، وخاصة من ناحية الغزو الثقافي). روسيا حتى الآن ما تزال دولة متعددة الإثنيات والأديان وهي معرضة للتفتيت والتقسيم في حال تدخل الغرب فيها كما يحدث الآن في سورية مثلا، ولهذا السبب ربما نفهم الغضب الروسي الشديد على الولايات المتحدة بسبب فرضها عقوبات على بعض المسؤولين الروس. إن فرض العقوبات على المسؤولين الروس بذريعة “حقوق الإنسان” هي رسالة مخيفة لروسيا في هذه المرحلة وتوحي بأن “الربيع العربي” ربما لا يتوقف عند حدود العرب وإيران بل ربما يمتد نحو روسيا والصين، وهذا خطر جدي أكبر من الخطر العسكري، حيث أن الغرب أثبت أنه يستطيع تدمير الدول بالغزو الثقافي (بـ”الحرية والديمقراطية”) بشكل أكثر فعالية بكثير من الغزو العسكري (وما أقصده بالحرية والديمقراطية هي الديمقراطية الأميركية التي تحدثت عنها في تدوينة سابقة والتي هي اسم كودي للقومية الأميركية).

أميركا تعد العدة لـ “معركة رمضان”

هل يستغل الغرب “مذابح” رمضان التي يروج لها “ثوار” سورية منذ الآن لتمرير حظر تجاري ونفطي ضد سورية؟


بعد يوم واحد من توقيع اتفاقية نقل الغاز بين إيران والعراق وسورية (وهي اتفاقية ذات أبعاد استراتيجية وربما حتى جيوسياسية) فوجئ العالم بتصريحات قوية جدا تخرج عن وزارة الخارجية الأميركية تجاه سورية. هذه التصريحات كانت غير مسبوقة من حيث كونها سيلا من الشتائم تجاه الرئيس الأسد والجيش السوري.

ما هو السبب المباشر وراء هذا التصعيد الكلامي (والذي ترافق أيضا بتصعيد على قناة الجزيرة)؟ من الصعب أن أحدد، ولكن هناك عدة أسباب محتملة (وكنت قد تحدثت عنها كلها من قبل):

  • ربما تكون هذه الشتائم بسبب اتفاقية الغاز الإيراني وفشل الولايات المتحدة في تمديد بقاء قواتها في العراق كما كانت تريد. الفشل في العراق هو ضربة استراتيجية مؤلمة للولايات المتحدة وكنت قد كتبت تدوينة سابقة عن هذا الموضوع وتوقعت أن تحاول الولايات المتحدة الانتقام من سورية.
  • ربما تكون بسبب موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية أوالفشل في إسقاط النظام الليبي.
  • ربما تكون الشتائم بسبب شعور الولايات المتحدة بأن الأمور لا تسير لصالح “الثوار” في سورية. إن اتفاقية الغاز الإيراني هي مكسب استراتيجي لسورية نظرا لأنها ستفيد سورية ماليا على المدى المتوسط والبعيد وليست مجرد إجراء تنفيسي طارئ. أي أنها تضرب المخطط الأميركي لعزل سورية وإضعافها على المدى المتوسط والبعيد. أيضا إن اشتداد القمع الأمني ضد “الثوار” ربما يكون أخاف الولايات المتحدة من أن تخمد الثورة ولذلك قامت بمهاجمة الجيش السوري تحديدا وكالت له الشتائم. ولا ننسى أيضا أن سورية منعت السفير الأميركي من التحرك وزيارة مناطق “الثورة”.

هناك أسباب عديدة تدفع الولايات المتحدة لكيل الشتائم لسورية، ولكن ما هي الغاية المرتجاة من الشتائم؟ الغاية طبعا هي تحريض الثوار على الاستمرار في الثورة والمحافظة على زخم الحملة الإعلامية الغربية ضد سورية. إن توجيه الشتائم للجيش السوري تحديدا هي إشارة ذات مغزى لأنها تريد أن توحي للثوار بأن الجيش يتعرض للضغط وأنه ربما ينقسم أو يتمرد على الرئيس الأسد. أيضا لا بد أن الولايات المتحدة حاولت كثيرا منذ بداية الأزمة أن تتصل بضباط الجيش السوري وتحرضهم على التمرد، وكون الجيش ما زال متماسكا حتى الآن هو أمر يدفع الولايات المتحدة للغضب ولذلك ربما قامت بكيل الشتائم للجيش في محاولة لإخافة ضباطه ودفعهم للتمرد حتى لا يكون مصيرهم كمصير الرئيس الأسد حسب الإيحاء الأميركي.

الثوار يعلقون آمالا عريضة على شهر رمضان، والسلطات السورية صعّدت من حملة القمع قبل رمضان في محاولة لكسر معنوياتهم. لهذا السبب تدخلت الولايات المتحدة وكالت الشتائم للرئيس الأسد وللجيش السوري في محاولة جديدة منها لرفع معنويات الثوار وإضعاف معنويات الجيش. الولايات المتحدة تقوم بالتصعيد دائما عند اللحظات المفصلية. في السابق قامت بالتصعيد قبيل انعقاد مجلس الأمن للبحث في الموضوع السوري، وقبيل انعقاد “اللقاء التشاوري” الذي ترأسه فاروق الشرع، والآن هي تقوم بالتصعيد قبيل رمضان ومع صدور بعض القوانين السياسية الجديدة في سورية كقانون الأحزاب وغيره وذلك في محاولة منها لامتصاص مفاعيل هذه القوانين على الصعيد الإعلامي الدولي والمحلي ورفع معنويات الثوار.

من الأدلة المباشرة على أن أميركا تعول على “معركة رمضان” ما جاء على لسان “دبلوماسي غربي” لوكالة رويترز من أن “رمضان يغير اللعبة”. طالما أن الغرب يرى أن رمضان “يغير اللعبة” فإذن ليس من المستغرب أن تقدم الولايات المتحدة حقنة دافعة للثوار قبيل رمضان. أنا أتوقع أن تقوم الدول الغربية بتصعيد كبير في رمضان (معظمه سيكون تصعيدا إعلاميا ودعائيا ولن تكون هناك خطوات عملية مؤثرة لأن الغرب استنفذ ما لديه كما ذكرت سابقا). ربما يكون الهدوء الغربي الحالي هو الهدوء الذي يسبق العاصفة. لو كنت مكان الغربيين لما كنت ألقيت أسلحتي الآن وإنما لكنت انتظرت أن “يحمى الوطيس” في رمضان وعند ذلك أقوم بإخراج كل ما في جعبتي من أسلحة خاصة وأن أسلحتي لم تعد بالكثيرة.

ما الذي يمكن أن يفعله الغربيون في رمضان؟ دعني أتوقع:

  • سمعنا مؤخرا على لسان عدنان عرعور (الناطق باسم المخابرات السعودية) أن المخابرات السعودية قامت بإدخال أعداد كبيرة جدا من هواتف الأقمار الصناعية إلى سورية، ناهيك عما قيل في الصحف الأميركية قبل أسابيع عن أن أوباما أمر بإيصال أجهزة اتصال حديثة إلى “المعارضة السورية”.
  • إذن يمكننا أن نتوقع تصعيدا كبيرا في البث الدعائي في رمضان وربما نرى ونسمع الكثير من العجائب التي لم نسمعها حتى الآن (ربما يخرج كلام عن انشقاقات في الجيش وإبادة جماعية وقصف الناس بالطائرات كما حصل في الحملة الدعائية ضد ليبيا).
  • أيضا لا شك أن الثوار يخططون لصدامات كبيرة مع أجهزة الأمن والجيش مما يهيئ المجال للحملة الدعائية المنتظرة.
  • وعلى ضوء هذه الحملة الدعائية سيتحرك الغرب لفرض عقوبات جديدة، ربما يكون بعضها مؤلما ويطال الشركات السورية والقطاع النفطي، ولكن الغرب سيتستر تحت ستار الحملة الدعائية “الثورية” ليفرض هذه العقوبات التي كان يتردد في فرضها حتى الآن لكونها تضرب الشعب السوري بشكل مباشر ولا يمكن تغطيتها تحت ستار “استهداف النظام”.
  • ربما نرى أيضا مفاجآت من دول كانت صامتة حتى الآن، وهنا تحديدا أشير لقطر والمملكة السعودية، أما تركيا وباقي دول الخليج فلا أتوقع منهم تغيرا جذريا.
  • الاحتمال الأخير والأضعف هو تدخل إسرائيل عسكريا ضد لبنان وسورية.

بالأمس تم استهداف القوات الفرنسية العاملة في جنوب لبنان، ولكن فرنسا لم ترد بشكل قوي، مما يدل على وجود نية مبيتة بعدم الرد حاليا وانتظار شهر رمضان للرد.

خلاصة الكلام هي أن الغرب وأتباعه يعدون العدة لتصعيد كبير في رمضان وهم بالتالي يراهنون على أن هذا الشهر سيكون المعركة الفاصلة. لو تمكن الغربيون من تمرير بعض العقوبات الاقتصادية اللئيمة خلال هذا الشهر فإنهم ربما يكونون انتصروا بالفعل. المعركة في الأساس هي معركة طويلة المدى ونجاح الغرب في تمرير حظر تجاري على سورية تحت ستار شهر رمضان وما سيجري فيه من “مذابح” متوقعة سيقوم بها الجيش السوري “الوحشي والبربري” (كما وصفته أميركا) سيميل كفة المعركة ضد سورية.

بناء على كل هذا لا أتوقع أن تخمد “الثورة” في رمضان، وحتى لو خمدت فإن سورية ستكون قد خرجت خاسرة لأن العقوبات المتوقعة والتشويه الإعلامي المتوقع سيقضي على أي أمل لسورية بالتعافي اقتصاديا على ما أظن. النظام السوري يحاول مؤخرا التقرب من قطر والسعودية لأنه بحاجة لأموالهما، ولكنني لا أدري إن كانت هذه الأموال ستأتي خاصة في ظل الأجواء الحالية التي توحي بتصعيد كبير متوقع في رمضان تساهم فيه قطر والسعودية بشكل أساسي.

جاء عزوز ليكحلها فعماها

بقاء عزوز وأمثاله في مناصبهم هو من أهم أسباب تفاقم الأزمة في سورية

تحدث إلى التلفزيون السوري بالأمس أحد مستحاثات النظام السوري وهو محمد شعبان عزوز رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، واستعرض أبو الزوز خلال حديثه المطول “إنجازات” الدولة السورية على الصعيد العمالي والتي تتمثل بأشكال لا تعد ولا تحصى من هدر المال العام، ومن ذلك “تشحيد” الصدقات والإعانات للعمال بدون وجه حق (تباهى أبو الزوز مثلا بأن الدولة تدفع رواتب منذ ثلاث سنوات لعمال لا يقومون بأي عمل!).

أبو الزوز كان يتحدث معنا ليس كمواطنين في دولة وإنما كرعايا في دولة. أنا كمواطن أشعر بالحنق عندما أعلم أن المال العام (الذي هو مالي ومال غيري من المواطنين) يوزع كهبات وصدقات على ناس لا يقومون بأي عمل، بينما هناك ناس آخرون بأمس الحاجة إلى المال ولا يستطيعون الحصول عليه. أنا كمواطن أعتبر الدولة السورية مؤسستي وأعتبر أن كل هدر لأموالها وإساءة لإدارتها هو هدر لأموالي وإفشال للمؤسسة التي أنتمي إليها. ولكن العقلية التي ينطلق منها أبو الزوز هي عقلية مختلفة تماما، فهو لا يعتبر أن الدولة هي ملك للمشاهدين الذين يتحدث إليهم وإنما هي ملك له ولزمرته ونحن مجرد رعايا عندهم، ولذلك فهو لا يتوقع منا أن نهتم بمالية الدولة ولا بكيفية إدارتها، لأنه يفترض أن هذه أمور لا تعنينا وليست من شأننا. هو يفترض أن ما يعنينا هو أن نحصل من الدولة على المال فقط وليس أي شيء آخر.

هذه العقلية، أي عقلية الراعي والرعية، هي النقيض لعقلية الوطن والمواطن. الدولة السورية كانت وما زالت تربي السوريين على أنهم رعايا وليسوا مواطنين، وبالتالي لا نستغرب انعدام ثقافة المواطنة لدى معظم الشعب السوري وانتشار ثقافة الانعزال والأنانية واللامسؤولية.

الرئيس الأسد كان غاضبا في خطابه الأخير على “الحاقدين على الدولة” ومن لا يملكون حس الانتماء إليها (يقصد “الثوار”). أنا أتفق معه في أن الثوار فاقدون لحس المواطنة، ولكن السؤال هو من المسؤول عن ذلك؟ أليس النظام السوري هو المسؤول عن انعدام ثقافة المواطنة لدى السوريين؟

هل النظام السوري يتعامل مع السوريين كمواطنين أم كرعايا؟ هل النظام شفاف معنا ويخبرنا بصدق كبف يدير شؤون الدولة وما هي خططه ورؤاه الحقيقية؟ أم أنه يتعامل معنا كمجموعة من المغفلين الذين لا نفهم شيئا؟ هل النظام يشركنا بصدق في إدارة شؤون الدولة ورسم سياساتها؟ أم أنه يضعنا على الهامش ولا يهتم بنا ولا يعيرنا بالا؟ هل النظام كان يتعب نفسه أصلا في الحديث معنا؟

هناك مشكلة كبرى في التواصل بين السوريين والدولة التي من المفترض أنها دولتهم، ومن الجيد أن الرئيس الأسد اعترف بهذه المشكلة، ولكن للأسف أن هذا حدث بعد فوات الأوان وبعد أن اندلعت “الثورة”. الثوار في سورية لا يعترفون بالدولة ولا يشعرون بالانتماء لها، بل على العكس هم يرونها عدوا ويسعون للتحالف مع الغرب (وحتى إسرائيل) ضدها. هذا الواقع المأساوي بحاجة لمعالجة جذرية لكل بنية الدولة والنظام السياسي. كلام السيد عزوز ونضال الشعار وأمثالهما من الجيل البائد لا يفيد الوضع بل على العكس هم بكلامهم يتسببون في مفاقمة الأزمة. الثوار في سورية لا يريدون هبات ومعونات من الدولة. الأزمة ليست في سعر المازوت ولا في مخالفات البناء. الأزمة هي أزمة مواطنة.

تخفيض سعر المازوت والسماح بمخالفات البناء ومخالفات قانون السير هي إجراءات ترضي الشريحة الدنيا من المجتمع (الشريحة الجاهلة تماما) والتي هي راضية أصلا ولا تريد أن تثور، أما الثائرون في الشوارع فهذه الإجراءات لم تؤثر عليهم بشيء سوى أنها زادت من استفزازهم. الثائرون في الشوارع يريدون من الدولة أن تتعامل معهم كمواطنين، بمعنى أنهم جزء من الدولة وليسوا رعايا لديها. كان الأحرى بالدولة بدلا من إغداق النعم والعطايا على الشعب (والتي لم تفد بشيء سوى تعميق الأزمة سواء على الصعيد الشعبي أو على صعيد مالية الدولة) أن تقوم بعملية تغيير جذرية وشاملة لكيفية تعاطيها مع المواطنين، وهكذا عملية لا يمكن أن تتم بدون تغيير شامل لكل الوجوه القديمة المحنطة كالسيد عزوز وأمثاله.

الرئيس الأسد شخصيا أراد تغيير الأمور وأن يتواصل بصراحة مع المواطنين، ولكن المشكلة هي في طاقمه وفي نظامه الذي صار خارج العصر ويجب أن يتغير. طالما أن المسؤولين السوريين ما زالوا لا يتحدثون بصراحة وما زالوا يتحدثون مع السوريين وكأنهم جهال ومغفلون ولا يفهمون شيئا فإن الأزمة ستستمر وتتفاقم.

يجب على الرئيس الأسد أن يصدر مرسوما جمهوريا بفصل كل من لا يحترم عقول السوريين في حديثه ومن لا يتحدث بعلم ومنطق. في الدول المتقدمة يلعب الإعلام الدور الأساسي في تسليط الضوء على المسؤولين الفاشلين والمغفلين والفاسدين، ولكن المشكلة لدينا هي في أن الإعلام أكثر فسادا من الدولة والإعلاميون السوريون في معظمهم يجب رميهم في مكب النفايات.

هناك طبعا مسؤولون جيدون في الدولة وأذكر منهم (على سبيل المثال) الوزير سفيان العلاو الذي كان علميا وصريحا في مقابلته مع تلفزيون الدنيا (بخلاف المذيع الذي كان يجري المقابلة معه والذي هو مجرد شخص معتوه). المقابلة كانت جيدة لأن الوزير كان صريحا ولم يكذب على المواطنين. أما لو أخذنا الوزير نضال الشعار مثلا فهو يجب أن يفصل من الحكومة لأن مقابلاته كانت وكأنها موجهة لمعاقين ومهابيل ولم يكن لها علاقة بالعلم والمنطق.

بين الشمولية وغياب الشفافية

لا شك أن ثقافة تهميش الشعب هي ثقافة قديمة في سورية وهي بدأت مع وصول حزب البعث للسلطة في عام 1963. البعثيون كانوا ينظرون لأنفسهم على أنهم حزب تقدمي في مجتمع رجعي جاهل، ولهذا السبب كانوا يسمون نظامهم “بالثورة” وكانوا يعتقدون أنه لا بد من الاستبداد والقمع لـ “تحضير” الشعب السوري ونقله من الرجعية والتخلف إلى الحضارة والتقدم.

هذه النظرية فيها شيء من المنطق، ولكن المشكلة فيها أن تطبيقها على أرض الواقع يقود إلى انحرافات كبيرة (مثلها مثل معظم نظريات المنظومة الفكرية “الاشتراكية”). مشكلة الأنظمة الشمولية أن الأمور فيها تبدأ من منطق “الفرض” على الشعب لتصل فيما بعد إلى “تجاهل” الشعب وعدم التواصل معه. الحكم السلطوي يصيب الحكام بالكسل فلا يعودون يشعرون بالحاجة للحديث مع الشعب وشرح الأمور له، ناهيك عن أن وجود الفساد والفشل في إدارة الدولة لا يشجع المسؤولين على الحديث أيضا. وعدم الحديث مع الناس وتجاهلهم وتهميشهم يقودهم إلى اليأس والإحباط من الدولة فيكفرون بها وينهار شعور المواطنة لديهم.

إذن نظرية الحكم السلطوي الذي يقوم بنقل الشعب من التخلف إلى التقدم هي نظرية مثالية وغير علمية مثلها مثل كل النظريات المرتبطة بالفكر الاشتراكي الثوري والتي ثبت فشلها عالميا.

ولكن ما هو البديل؟

هناك طبعا البديل “الديمقراطي” الغربي. يقول توماس جيفرسون منظر الديمقراطية الأميركي:

“I know no safe repository of the ultimate powers of the society but the people themselves, and if we think them not enlightened enough to exercise their control with a wholesome discretion, the remedy is not to take it from them but to inform their discretion.”

توماس جيفرسون (ومعه بقية “الآباء المؤسسين” للولايات المتحدة) كانوا أيضا يعانون من مشكلة الشعب الجاهل، ولذلك مثلا قاموا بإيجاد نموذج من الديمقراطية يقوم على مبدأ الانتخاب غير المباشر. رئيس الولايات المتحدة لا ينتخب مباشرة من الشعب وإنما ينتخب من “كلية انتخابية” منتخبة من الشعب. أي أن الآباء المؤسسين لم يكونوا يثقون بقدرة الشعب على اختيار الرئيس ولذلك جعلوا انتخابه بشكل غير مباشر من خلال هيئة منتخبة لهذا الغرض (وهذا النظام شبيه نوعا ما بالنظام السياسي السوري الذي يجعل انتخاب الرئيس من مهام المجلس النيابي).

الدول الغربية عموما تتحكم بالرأي العام من خلال التحكم بوسائل الإعلام والتعليم. من يحكم الدول الغربية هو شكليا الشعب ولكن في الواقع فإن من يحكم هو النخب الاقتصادية والسياسية. عندما يتوافق السياسيون وأصحاب النفوذ في الغرب على القيام بشيء ما فإنهم يوجهون وسائل الإعلام لكي تأخذ الشعب في الاتجاه الذي يريدونه (وأكبر مثال هو الأزمتان الليبية والسورية اللتين نعيشهما حاليا). هذا النظام هو تطبيق لكلام جيفرسون الذي نقلته في الأعلى. من يحكم الدول الغربية هو النخب “البرجوازية” التي توجه الشعب كما تريد عبر تحكمها بوسائل الإعلام وبمناهج التعليم.

إذن الأنظمة الغربية لا تختلف عن الأنظمة “الثورية” في كونها أنظمة نخبوية وغير ديمقراطية بالمعنى الحرفي للكلمة. من يحكم الأنظمة الغربية والشرقية هي نخب، ولكن أدوات الحكم تختلف، ففي حين يستخدم النظام السوري مثلا أجهزة المخابرات والأمن ولا يتحدث مع الشعب إلا لماما، نجد أن الإعلام والحديث مع الشعب هو الوسيلة الأساسية للسيطرة على الشعوب في الغرب.

لا بد للنظام السوري أن يبدأ بالانتقال إلى شكل من أشكال “الديمقراطية” الممسوكة جيدا والتي تقوم على مبدأ التحكم الإعلامي والتعليمي بدلا من التحكم الأمني. طبعا الكلام سهل ولكن التطبيق صعب ويأخذ وقتا طويلا. لقد تحدثت سابقا عن مناهج التعليم السورية وضرورة تغييرها، ونفس الكلام ينطبق على الإعلام السوري الذي يجب تغييره من إعلام تلقيني دوغمائي إلى إعلام تحليلي نقدي، ومن أهم التغييرات التي يجب أن تدخل على الإعلام السوري التخلص من الثقافة العزوزية والشعارية التي تقوم على مبدأ استغباء المواطن والتعامل معه بمنطق تحقيري واستصغاري.

هل تنسف أميركا وإسرائيل عرش الأردن لكي تجهضا الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

عندما فصلت بريطانيا شرق الأردن عن غربه في عام 1921 وأنشأت فيه إمارة هاشمية أصيب الصهاينة بمرارة شديدة لأنهم كانوا يعتبرون تلك المنطقة جزءا من أراضي دولتهم الموعودة، ومنذ ذلك الوقت عقدوا العزم على عدم “التنازل” عن أي شبر إضافي غرب النهر، وهم ربما يحلمون حتى بإعادة ضم شرق النهر في يوم ما


تعاني إسرائيل والولايات المتحدة أزمة حقيقية في كيفية التعاطي مع موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 والذي اقترب موعده كثيرا. هذه القضية تشكل ضغطا على الصهاينة إلى درجة أن الإعلام الأميركي بدأ يسرب معلومات عن أن إسرائيل ستشعل حربا إقليمية لإحباط هذا المشروع (وهي رسالة تهديد مبطنة لعرب أميركا على ما أظن).

عرب أميركا لا يريدون السير قدما في هذه المواجهة مع أميركا وهم يناورون فقط، رغم أن ركوب سورية للموجة وإقدامها على الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 وضعهم في موقف حرج. أميركا وأتباعها العرب يضغطون الآن على إسرائيل لكي تتنازل وتقبل بصفقة تنقذ الجميع من استحقاق الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولكن إسرائيل تبدو متصلبة وهي تناور بأشكال متعددة لتتفادى تقديم أي تنازل.

ورد اليوم في أحد المواقع الصهيونية التي تعبر عن المزاج السياسي الصهيوني على حقيقته وبدون تجميل (وهو موقع دبكا فايل) مقال يتحدث عن قرب امتداد “الثورة السورية” إلى الأردن، فهل هذه رسالة تهديد جديدة من إسرائيل لعرب أميركا؟

إن امتداد الفوضى الخلاقة إلى الأردن سيعطي إسرائيل فرصة ذهبية لكي تجهض مشروع الدولة الفلسطينية وتنجز مشروع الترانسفير كليا أو جزئيا. يخطئ كثيرا من يظن أن إسرائيل لا تفكر في طرد فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن. إن فكرة طرد الفلسطينيين إلى الأردن هي فكرة ما تزال راسخة في أعماق العقل الصهيوني وهي تمثل زبدة وجوهر المشروع الصهيوني. بالنسبة للصهاينة فإن فكرة طرد الفلسطينيين إلى الأردن هي الخيار الأول وأما فكرة دولة الأبارتهايد فهي الخيار الثاني الاضطراري (وفكرة الدولة على حدود عام 1967 هي ليست خيارا أصلا).

لو كنت مخططا صهيونيا لكنت سعيت جاهدا لإقامة “ثورة” في الأردن يقودها الإخوان المسلمون، وبعد ذلك كنت سأشعل حربا أظهر فيها نفسي بمظهر الضحية (ككل الحروب الإسرائيلية السابقة) وسأستغل هذه الحرب لطرد أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين إلى خارج الضفة الغربية، ثم أقوم بضم الضفة الغربية إلى إسرائيل وتنتهي القضية الفلسطينية على خير وسلام.

وهناك سيناريو أسهل من ذلك وهو إشعال ثورة في الأردن لكي أستغلها في الضغط على عرب أميركا، فإما أن يلغوا فكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة أو أن أقوم بدعم الإخوان المسلمين كما يحدث الآن في سورية. الإخوان المسلمون هم حصان طروادة أميركي بامتياز وأميركا تستغلهم لفرض تنازلات استراتيجية على الأنظمة العربية وإعادة تشكيل واقع المنطقة، ولا يستبعد أبدا أن تستغلهم أميركا لفرض تنازلات على عرب أميركا، وفي حال اندلعت ثورة في الأردن ووصل العرش الأردني إلى وضع حرج جدا وأوشك على السقوط فإنه ربما يضطر للقبول بمشروع نقل الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن مقابل أن تسمح أميركا لقوات الخليج بالتدخل لنصرته (وقوات الخليج على الأغلب لن تكفي وستضطر إسرائيل للتدخل بشكل مباشر لإنقاذه كما حدث في عام 1970، وعندها لا بد أن يكون الثمن كبيرا ولا أقل من قبول ملك الأردن بمشروع نقل الفلسطينيين أو الأبارتهايد على أقل تقدير).

بعد “الإنذار الأخير لحلب”… محاولة لاغتيال 500 مدني على قطار قادم من حلب

بعد أن حذر ناشطوا “الثورة” في الأسبوع الماضي مدينة حلب من أن يوم الجمعة هو “الفرصة الأخيرة” لها لكي تنضم للثورة، جاءت العقوبة اليوم بمحاولة قتل 500 مدني على قطار متجه من حلب إلى دمشق، وهي رسالة دموية للغاية نظرا لأن عدد 500 راكب هو عدد كبير ولو كانت العملية نجحت لكانت هذه مجزرة حقيقية.

يشكو الحلبييون منذ أسابيع من أنهم يتعرضون للمضايقات أثناء تنقلهم عبر المحافظات الأخرى (خاصة حمص)، وهناك بعض حوادث القتل التي طالت مسافرين حلبيين (خاصة من المسيحيين الذين هم الأكثر استهدافا في سورية بعد العلويين). إن رسالة الأسبوع الماضي كانت تقول للحلبيين أن يوم الجمعة هو الفرصة الأخيرة لكم قبل أن يصير حكمكم كحكم العلويين، والعملية السريعة اليوم (بعد يوم واحد فقط من جمعة الإنذار الأخير) هي رسالة قوية تقول للحلبيين بأن التعامل معهم سيكون أسوأ حتى من التعامل مع العلويين.

هذه الأحداث ليست جديدة حيث أنها تكررت سابقا في مناطق كثيرة من البلاد (في درعا وريف دمشق وحمص تم تخيير الناس بين “الانضمام للثورة” وبين أن يكون مصيريهم كمصير العلويين). “الثوار” عموما لا يقبلون الحياد وهم يعتبرون أن من لا يؤيدهم هو عميل للنظام أو شبيح أو ذيل للعلويين وغير ذلك من الألفاظ، وهذا لا يقتصر فقط على الطبقات الدنيا من الثوار بل هو يشمل حتى قيادييهم.

عملية القطار حسب ما فهمنا تم تنفيذها بشكل احترافي، مما يطرح احتمال تدخل جهات خارجية في تنفيذها، وهو احتمال وارد بقوة لأسباب عديدة أبسطها هو أن هناك سوابق في تاريخ سورية لذلك. في السبعينات والثمانينات كانت المخابرات المركزية الأميركية تشرف على تدريب مقاتلي الإخوان المسلمين في المخيمات الأردنية وكانت تزودهم بالأهداف (هناك خبير روسي اسمه ماتوزوف روى على قنوات فضائية أنه كان يرأس لجنة تحقيق رسمية سوفييتية في حوادث اغتيال الضباط الروس في سورية في ذلك الوقت، وقال أنه سمع من ملك الأردن الحسين شخصيا أن المخابرات الأميركية هي من كانت توجه مسلحي الإخوان لاغتيال الضباط الروس وأنه لم تكن له علاقة بما يجري).

سورية الآن هي محط صراع إقليمي (بل وحتى دولي) طاحن بين أميركا ومناوئيها (وعلى رأسهم إيران). أميركا دأبت منذ بداية الأحداث على اتهام إيران بالتدخل في الشأن السوري. أنا شخصيا أستبعد ألا تكون المخابرات الأميركية تدعم الثوار ميدانيا في سورية. إن عدم تدخل المخابرات الأميركية (مع مخابرات الدول الموالية لها طبعا) في مثل هذا الصراع سيكون جنونا من الولايات المتحدة.

المخابرات الأميركية لها تاريخ عريق ومعروف في التدخل في الشؤون الداخلية للدول ودعم الثورات بل وحتى إيجادها من العدم. هناك أنظمة كثيرة أسقطتها المخابرات الأميركية وهناك أنظمة أخرى جاءت بها المخابرات الأميركية. إن تدخل المخابرات السعودية والأردنية وغيرها في سورية هو أمر معروف منذ زمن (وعملية اغتيال عماد مغنية في دمشق كانت فضيحة كبيرة لسورية وإيران على هذا الصعيد). قبل بضعة سنوات فككت الأجهزة الأمنية السورية شبكة وهابية من صنع المخابرات السعودية (بندر بن سلطان) كانت تهدف لإثارة ثورة إسلامية في سورية، وتبع ذلك العصيان المعروف في سجن صيدنايا والذي كان يهدف أيضا إلى إثارة ثورة إسلامية في سورية. وكانت هناك أيضا عملية اغتيال المبحوح في دبي وعملية اغتيال العميد محمد سليمان وتفجير موقع دير الزور وغير ذلك الكثير مما ربما لم نسمع عنه. إن سورية هي ساحة صراع كبيرة لأجهزة المخابرات الدولية والإقليمية منذ زمن بعيد، ومن الطبيعي في مثل الظرف الحالي أن تكون أجهزة المخابرات تسرح وتمرح في سورية (كما كان الحال في لبنان في السبعينات والثمانينات) وتقوم بتأجيج “الثورة” وربما تدريب وتسليح بعض العصابات الوهابية الجهادية (وتوجيهها لاغتيال ضباط إيرانيين في سورية واستهداف مواقع تخزين أسلحة حزب الله، ولذلك ربما سمعنا مؤخرا عن أن حزب الله ينقل أسلحته من سورية إلى لبنان).

منذ بداية “الثورة” كانت هناك ملامح لعمليات من تنفيذ تنظيم القاعدة (تقطيع الجثث والتمثيل بها). عندما نعلم بأن المخابرات السعودية تسعى جاهدة منذ سنوات لإقامة ثورة وهابية سورية لا يمكننا إلا أن نفترض أن هذه المخابرات تسرح وتمرح الآن في سورية وتقوم بتوزيع الأموال وأجهزة الثريا وربما الأسلحة أيضا (وبرنامج عدنان العرعور لم يترك أسرارا مخفية فهو يقول كل شيء تقريبا على العلن).

زيارة السفير الأميركي الغريبة لحماة والحديث الأميركي المتكرر عن التدخل الإيراني في سورية (وحديث إيران عن اعتقال شبكة تجسس أميركية وحديث حزب الله عن اعتقال عملاء للمخابرات الأميركية وليس الموساد) هي مؤشرات تدل غالبا على أن المخابرات الأميركية بذاتها لا بد وأنها تعمل الآن بقوة في سورية.

في مثل هذا الجو لا يمكنني إلا أن أفترض أن عملية تفجير أنبوب النفط وعملية القطار اليوم هي من صنع أجهزة مخابرات أجنبية (غالبا السعودية أو الأردنية وربما حتى الأميركية بعد أن شاهدنا زيارة السفير الأميركي لحماة وحديثه عن “التواصل” مع المعارضة). الوهابيون الحماصنة ليست لديهم المعرفة الكافية لتنفيذ عمليات متقنة ولا بد أن هناك جهات خارجية تقوم بتوجيههم. لهذه الأسباب قلت سابقا أن ما يجري في سورية سيستمر لفترة طويلة وربما لن يتوقف حتى تنحل الدولة وتنهار أجهزتها كما حدث في لبنان في زمن الحرب، والسيناريو الوردي هو أن تظل الدولة متماسكة ولكن مع فوضى متصاعدة كما حصل في العراق بعد إسقاط صدام. إن منحى الأمور يوحي بالتصاعد وربما نسمع بعد فترة قريبة عن فرق موت وميليشات تستهدف المدنيين وتقتلهم كما حدث في العراق.

بيلاروسيا بعد روسيا تخصخص القطاع العام

http://ar.rian.ru/world_economy/20110721/369451396.html

أعلن رئيس اللجنة الحكومية الخاصة بأملاك بيلاروسيا غيورغي كوزنيتسوف في مؤتمر صحفي له أمس الأربعاء، أن بيلاروسيا تخطط لبيع 178 شركة حكومية بين عامي 2011 و2013.

وكانت روسيا أيضا أعلنت برنامجا كبيرا للخصخصة:

http://arabic.rt.com/news_all_news/news/560565

بيلاروسيا هي إحدى المعاقل الأخيرة للاشتراكية والقطاع العام في العالم، وهي دولة صديقة لسورية ولدينا معها اتفاقيات تعاون صناعي (بما في ذلك مشاريع مستقبلية لتصنيع الباصات والشاحنات في سورية). إن إقدام كل من روسيا وبيلاروسيا على خصخصة قطاعهما العام هو رسالة لمن لم يفهم بعد في سورية.

اعتقادي الشخصي هو أن الرئيس بشار الأسد من أنصار الخصخصة ولكنه لم يتمكن في السنوات الماضية من أن يعلن ذلك صراحة، ولذلك حاول التوصل إلى حل وسط مع مومياءات النظام وحزب البعث وهذا الحل الوسط يقوم على مبدأ تحويل “المؤسسات العامة” إلى شركات مساهمة عامة تعمل بأسلوب القطاع الخاص، وتم اختيار مؤسسة الاتصالات كبداية لتحقيق هذا الهدف:

http://www.syrianeconomic.com/?page=show_det&select_page=&id=3054

بدأت مؤسسة الاتصالات في بلورة ملامح تحولها إلى شركة مساهمة مملوكة بالكامل من قبل الدولة، حيث تم التعاقد مع إحدى المكاتب الاستشارية الألمانية بهدف وضع الإطار القانوني والأنظمة المتعلقة بالشركة من دون أن تكون منقولة عن الأنظمة الحالية وذلك انطلاقاً من معايير الاندماج والتكامل والعمل المؤسساتي.
مصادر مؤسسة الاتصالات أكدت بأن هذا الإطار الجديد للمؤسسة سيمنحها المرونة في العمل من خلال ما تنوي التركيز عليه في المرحلة القادمة والتي يأتي أولها الموارد البشرية والعناصر المنتجة والمبدعة، خاصة وأن هذه الخطوة تعتبر ذات خصوصية مميزة ومنفردة من حيث الخدمات التي ستضع أولى أولوياتها التوجه نحو زبون الاتصالات وكيفية المحافظة عليه من خلال الوصول المستهدف والمضي نحو تغيير عقلية الأداء ورفض من يعوق العمل أو غير القادر على أداء عمله بالشكل الأمثل.

الرئيس الأسد اهتم كثيرا بهذا الموضوع وكانت له زيارة في العام الماضي إلى مؤسسة الاتصالات:

http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=120762

دعا الرئيس بشار الأسد خلال زيارة له إلى مؤسسة الاتصالات يوم الأحد إلى بذل الجهود لإنجاح تحول المؤسسة إلى شركة بما يحفز باقي جهات القطاع العام لإتباع النهج نفسه

تحويل المؤسسات العامة إلى شركات مساهمة سيسهل على الدولة مستقبلا طرح جزء من أسهم هذه الشركات للاكتتاب العام أو حتى بيع الأسهم بالكامل، وهذا نهج سليم للخصخصة وبعيد عن الشبهات. المشكلة هي أن عملية تحويل المؤسسات إلى شركات مساهمة تسير ببطء وحاليا هذا النهج غير مطبق إلا على مؤسسة الاتصالات فقط حسب ما أعلم، مما يعني أن الرئيس الأسد ما زال يواجه صعوبة أمام المومياءات وهو يحاول أن يجعل من مؤسسة الاتصالات نموذجا ناجحا لكي يضغط به إعلاميا عليهم.

اهتزاز استراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة… وإسلاميوا سورية يعلنون الجهاد

العراق الأميركي… هل بدأ يخرج من يد أميركا؟

بخلاف ما يظن الكثيرون فإن المعركة الكبرى الجارية في المنطقة حاليا ليست في سورية ولا مصر وإنما هي في العراق. العراق هو بلا شك درة المنطقة وهو كنز جيوسياسي ثمين لمن يمسك به. العراق كان أول مناطق السلطنة العثمانية التي غزاها البريطانيون في عام 1914 وذلك لما يحويه من احتياطات هائلة من النفط السطحي سهل الاستخراج وبسبب موقعه الاستراتيجي بين فارس والخليج وسورية وتركيا.

في عهد عبد الكريم قاسم وعندما تصاعد نفوذ الشيوعيين في العراق دعمت المخابرات الأميركية وصول البعثيين إلى السلطة في عام 1963 وذلك لكونهم “أهون الشرين” مقارنة بالشيوعيين. وعندما ضاعت إيران من يد أميركا في عام 1979 حرصت أميركا على منع الخميني من الاستيلاء على العراق عبر دعم صدام في وجهه بالعتاد والمال (عبر حلفائها الخليجيين). بعد أن انتهت الحرب مع إيران (وانتهى دور صدام حسين) انتهزت الولايات المتحدة فرصة انهيار الاتحاد السوفييتي وتغير موازين القوى الدولية فشنت هي وحلفاؤها الخليجيون حربا تدميرية ضد العراق، ولكنها أحجمت عن إسقاط نظام صدام في اللحظة الأخيرة لخوفها من الثورة الشيعية التي اندلعت ضده والتي هددت بنشوء نظام إسلامي على غرار النظام الإيراني. بدلا من إسقاط صدام عملت الولايات المتحدة في عهد بيل كلينتون على عزل العراق وإضعافه إلى أقصى حد ممكن عبر تدمير اقتصاده وتدمير أسلحته وتدمير كل شيء فيه.

عندما أتى جورج بوش الابن إلى الحكم في عام 2001 كان موضوع غزو العراق على رأس أولوياته (وذلك بسبب هيمنة المحافظين الجدد على إدارته، والمحافظون الجدد كما هو معروف كانوا يرون أن بيل كلينتون والديمقراطيين لم يحسنوا استغلال سقوط الاتحاد السوفييتي لمد سيطرة أميركا في العالم). قام جورج بوش بغزو أفغانستان تحت ذريعة القاعدة (وذلك لتحقيق أهداف استراتيجية عديدة أهمها إيجاد موطئ قدم أميركي في منطقة استراتيجية مهمة تقع بين الصين وروسيا وإيران)، ثم قام جورج بوش بغزو العراق أيضا تحت ذريعة القاعدة وأسلحة الدمار الشامل. الهدف الأساسي لغزو العراق كان تثبيت الوجود الأميركي في الخليج ومحاصرة إيران (بالإضافة طبعا للسيطرة على النفط العراقي)، أما الهدف الثاني فكان فرض “السلام الإسرائيلي” على سورية والفلسطينيين. بيل كلينتون حاول جاهدا أن يفرض على حافظ الأسد وياسر عرفات القبول بتسوية مع إسرائيل لا تحقق الحد الأدنى من المطالب العربية (هو كان يراهن على أن تغير موازين القوى الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي سيرغم سورية والفلسطينيين على القبول بأي شيء يعرض عليهم)، ولكن حافظ الأسد وياسر عرفات رفضا الضغوط الأميركية. جورج بوش أوقف كليا عملية السلام الكلينتونية (التي أرادت فرض الاستسلام على سورية والفلسطينيين بشكل دبلوماسي) وانتقل إلى عملية سلام جديدة يتم فرضها بقوة الحديد والنار، وهذا كان أحد أهداف غزو العراق والهدف الأساسي لـ “ثورة الأرز” التي قامت في لبنان (والتي لم تكن إلا توطئة لحرب تموز 2006).

خطة المحافظين الجدد فشلت فشلا ذريعا. بعد مرور 10 سنوات على بدء حملة المحافظين الجدد للسيطرة على العالم نجد أنهم ما يزالون يعانون في بسط سلطتهم في أفغانستان ولم يتمكنوا من إسقاط النظام الإيراني رغم الجهود الهائلة التي بذلوها لذلك. وبالنسبة للسلام الإسرائيلي فهم فشلوا كليا في فرضه على سورية والمنطقة، بل وهم حتى خسروا حسني مبارك الذي كان يعد أبرز وأهم ركائز هذا السلام.

منذ بدء الأحداث الأخيرة في سورية تلقى الأميركيون عدة ضربات استراتيجية موجعة في المنطقة أهمها:

  • تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان وإقصاء سعد الحريري (رجل أميركا) عن السلطة كليا تمهيدا لإلغائه من الحياة السياسية. هذه الخسارة تعتبر خسارة جيوسياسية شنيعة للولايات المتحدة والغرب لأنهم فقدوا نفوذهم في لبنان بشكل شبه كامل، وهذا أمر يحدث لأول مرة منذ قرون (تقليديا كان المسيحيون الموارنة هم الضمانة لاستمرار النفوذ الغربي في لبنان، ولكن انتقال قسم كبير من الموارنة إلى كفة “الممانعة” ووجود هذا القسم بمفرده في السلطة هو سابقة خطيرة وقضاء شبه كامل على النفوذ الغربي في السلطة اللبنانية. حاليا يبقى السنة هم الأمل الوحيد للولايات المتحدة في لبنان، وهنا سيدور الصراع الأساسي في المرحلة المقبلة حيث أن سورية [ممثلة بنجيب ميقاتي] وأميركا [ممثلة بسعد الحريري] سيتصارعان على كسب التأييد السني. حتى لو فشلت سورية في كسب تأييد الغالبية السنية [وهو أمر متوقع] فإنها ستلجئ لعزل وإقصاء سنة الحريري كما فعلت مع موارنة عون في مرحلة التسعينات).
  • تجدد الثورة في مصر ضد نظام الحكم. الأميركان ضحوا بمبارك (رأس النظام) وأبقوا جسم النظام على أمل أن يكون هذا الجسم هو الضمانة لاستمرار نفوذهم (هم كانوا يأملون أن يبقى الحكم بيد العسكر مع وصول الإخوان المسلمين كواجهة جديدة تحل محل مبارك)، ولكن تجدد الثورة ضد المجلس العسكري هو مؤشر خطير ويدل على أن الخطة الأميركية المرسومة لمصر ربما لن تسير كما يأمل الأميركان. ضعف سلطة المجلس العسكري في مصر يعني ضعف القبضة الأميركية على هذا البلد (والقبضة الأميركية كانت أصلا قد ضعفت بعد إقصاء مبارك). على كل حال فإن القبضة الأميركية من المستبعد أن تزول كليا عن مصر كما حدث في لبنان (وإيران في عام 1979) لأن مصر ستظل محتاجة للأموال الأميركية (والخليجية) إلى وقت طويل، وهذه هي نقطة ضعف مصر الأساسية التي تمكنت أميركا من خلالها أن تسطير على هذا البلد منذ السبعينات وحتى الآن.
  • فشل أميركا وحلف الأطلسي في إسقاط القذافي. ليبيا تحولت إلى مستنقع جديد بالنسبة للغرب أسوأ من المستنقعين الأفغاني والعراقي لأنهم لم يفلحوا حتى في إسقاط النظام ناهيك عن أن يركبوا نظاما جديدا.
  • تأييد سورية لدولة فلسطينية على حدود عام 1967 يعتبر ضربة للولايات المتحدة وحلفائها الذين كانوا يمنون أنفسهم بأن سورية وإيران ستحبطان هذا المسعى ولن تسمحا بوصوله للأمم المتحدة (سورية وإيران قررتا تأييد هذا المسعى من باب إيذاء الولايات المتحدة وإسرائيل فقط وليس بدافع قناعة استراتيجية على ما أعتقد. إنها مجرد مناورة جديدة على شاكلة المفاوضات السورية-الإسرائيلية، وقد تحدثت عن هذا في تدوينة سابقة).
  • رغم الأساليب القمعية ورغم الغزو السعودي فإن نظام الحكم البحريني فشل في تثبيت وجوده وهو ما يزال مهتزا، وهذا يعتبر تهديدا كبيرا للولايات المتحدة لأن منطقة الخليج هي بالنسبة لأميركا المنطقة الحساسة (مثل كيس الصفن) والضربة فيها هي ضربة مؤذية جدا وتصيب المصلحة الأميركية في صميمها. الصحف الغربية تنقل عن الولايات المتحدة أنها بدأت تستعد لاحتمال نقل أسطولها الخامس من البحرين إلى الإمارات أو قطر، وهو تطور إن حدث فعلا فسيكون تطورا دراماتيكيا للغاية.
  • الوضع المضطرب في اليمن واكتساب القاعدة للنفوذ.

ولكن الضربة الكبرى أو الضربة القاصمة هي الضربة التي تلقتها الولايات المتحدة مؤخرا في العراق. الولايات المتحدة ضغطت بكل ثقلها على السياسيين العراقيين لكي تمدد وجودها العسكري في العراق بعد العام الحالي (والمتابع لقناة العربية وقناة الحرة ظن أن أميركا قد نجحت في فرض ذلك بالفعل)، ولكن المفاجأة هي أن السياسيين العراقيين (وعلى رأسهم المالكي) تملصوا من هذا الأمر رغم أن الضغط الأميركي عليهم وصل إلى حد أن وضعت أميركا لهم موعدا نهائيا لكي يطلبوا تمديد بقاء القوات الأميركية في العراق. من الواضح أن النفوذ الإيراني غلب النفوذ الأميركي في العراق، وحاليا تحاول الولايات المتحدة تمديد بقائها بأساليب أخرى التفافية بعد أن فشلت في فرض تعديل الاتفاقية الأمنية التي وقعت عام 2008.

إن موقف الساسة العراقيين (وخاصة المالكي) هو دلالة على أن إيران هي المؤثر الأقوى في العراق وأن الوجود الأميركي في هذا البلد يسير نحو الاضمحلال والزوال. زوال النفوذ الأميركي من العراق يعني كارثة جيوسياسية استراتيجية على الولايات المتحدة، حيث أنه سيسمح بنشوء محور “ممانع” يمتد من آسيا الوسطى إلى البحر الأبيض المتوسط. هذا المحور هو تهديد مباشر وقاتل لإسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة الخليجيين وهو تهديد للوجود الأميركي في أفغانستان وباكستان. إن مخططات أميركا الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط ومنطقة وسط آسيا ستنهار وتتداعى في حال قيام هذا المحور “الإسلامي” الذي ستتزعمه إيران.

جمعة “أحفاد خالد”

جمعة “أحفاد خالد”… بداية تحقيق حلم الإسلاميين بإحياء حروب القرون الوسطى؟

في إطار الوضع الأميركي المهتز ربما نفهم التصعيد في سورية. إن الضربات القاسية التي تتلقاها الولايات المتحدة في المنطقة ستدفعها بلا شك للانتقام من سورية كونها الحلقة الأضعف حاليا وسقوطها سيعني سقوط مشروع  الممانعة بأكمله. إن المعركة في سورية هي معركة شبه مصيرية بالنسبة للولايات المتحدة، وهذا أمر مؤسف لأنه يعني أن سورية ستدفع ثمن الصراع باهظا كما دفعه لبنان في السابق حينما كان هو ساحة الصراع. لا أتوقع أن ينتهي الصراع في سورية قريبا بل أرى حربا إقليمية ودولية مديدة ستستمر لأشهر وربما سنوات على الأراضي السورية حتى يصاب البلد بالانهاك ويتفكك وينهار كما حصل في لبنان في السبعينات والثمانينات، وكنت قد تحدثت عن هذا كثيرا في تدوينات سابقة. ما نشهده الآن ربما حتى يكون البداية لما سيعرف في التاريخ بـ “الحرب الأهلية السورية”.

من الواضح في الأسبوع الماضي أن هناك نية لتفجير الأوضاع طائفيا في سورية، وهو ما كنا ننتظره منذ البداية حيث أن جذور الحرب الطائفية قد تم بذرها في سورية منذ زمن طويل من خلال القنوات الفضائية الوهابية ومن خلال الاختراق السعودي الوهابي.

أسس الحرب الطائفية موجودة في سورية منذ سنوات. بندر بن سلطان وسعد الحريري عملوا على إشعال هذه الحرب في السابق، ولكن الحرب لم تنفجر إلا الآن بتأثر من “الربيع العربي” (والذي رغم أنه أصاب حلفاء أميركا في البداية إلا أن هدفه الأساسي هو النظامان السوري والإيراني، ونظريات المحافظين الجدد معروفة).

في درعا وحمص كان من الواضح منذ الأيام الأولى (منذ اللحظة التي تم فيها حرق أعلام حزب الله ورفع اللافتات باللغة الإنكليزية) أن هناك “سيناريو وهابي-أميركي” لهذه الثورة السورية شبيه بسيناريو ثورة الأرز في لبنان. الرائحة الوهابية العفنة كانت تفوح من درعا وحمص بالذات أكثر من غيرهما (وذلك على ما أعتقد لأن درعا قريبة من الأردن والسعودية وحمص قريبة من لبنان). ولذلك لا يستغرب أن الشرارات الأولى للحرب الطائفية الصريحة جاءت من هاتين المدينتين.

الحرب الطائفية في درعا تم احتوائها بدون ضجة كبيرة (لغياب وجود كثاقة سكانية علوية في تلك المنطقة)، ولكن في حمص فإن الحرب الطائفية انتشرت على نحو واسع وانتقلت لأول مرة من السر إلى العلن. الإسلاميون في حمص تركوا التقية وبدؤوا يهتفون بإبادة العلويين ويحملون تلك المقاطع على اليوتيوب (وهي مقاطع لم تبث على أي قناة)، وجاء اسم “جمعة أحفاد خالد” ليؤكد انتقال الثورة السورية إلى مرحلة جديدة هي مرحلة الجهاد المعلن ضد العلويين، لأن هذه التسمية لا يمكن تفسيرها بغير ذلك (“أحفاد خالد” تعني إسلاميي حمص السنة دون غيرهم من سكان المدينة).

 كان “الثوار” في البداية يهتفون ضد “الشبيحة”، والذين كانوا يقصدون بهم أي مؤيد للسلطة السورية حتى لو كان من المدنيين الذين يشاركون في المسيرات، وبالتالي فهم كانوا يبذرون بذور الحرب الأهلية منذ البداية. الآن انتقلنا إلى مرحلة “أبناء خالد” ضد “أبناء القرامطة” كما شرح لنا السيد علي الأحمد (من الإخوان المسلمين) على قناة العربية. هذه الحرب ضد القرامطة (أي العلويين مبدئيا، والإسماعيليين والدروز لاحقا) ستمتد وتنتشر ولن تبقى محصورة في حمص.

النظام السوري لا يملك الكثير من الخيارات في هذه المرحلة. عندما نصل إلى مرحلة “أحفاد خالد” فإن الجرس الأحمر قد قرع ولا يوجد أمام النظام أي حل سوى استخدام القوة المفرطة لعله يتمكن من إنهاء الموضوع كما حصل في عام 1982 (رغم أنني أشك في قدرته على ذلك). ما سنشهده في المرحلة القادمة هو مزيد من التوترات والصدامات الطائفية (وربما مزيدا من أيام الجمعة التي ستحمل أسماء من قبيل “أحفاد عمر” و “أحفاد ابن تيمية” إلخ)…

يقول البعض أن النظام استنفر كل قوته العسكرية لمواجهة مرحلة أحفاد خالد، وهناك كلام عن إلغاء صلاة التراويح لهذا العام. كل في هذا في رأيي لن ينهي التمرد. التمرد سيستمر لفترة طويلة لأن استمراره مصلحة أميركية وسعودية (وربما حتى تركية) كبرى. لهذا السبب يحرص النظام السوري على التأقلم، ومن هنا جاء خفض أسعار الفائدة مثلا، لأن الأزمة ستستمر طويلا ولا حكمة من إيقاء أسعار الفائدة مرتفعة لأن ذلك يكبل الاستثمار ويكلف الدولة أعباء مالية. أيضا النظام السوري يحاول مؤخرا التصالح مع قطر لأنه يعلم أنه سيحتاج لأموالها عما قريب. ببساطة النظام السوري يعد نفسه لحرب طويلة الأمد ضد أحفاد خالد، وهو يملك مقومات ربحها حتى الآن لأننا لم نر أية تشققات أو تصدعات أو علامات ضعف جدية في النظام. على العكس نحن نرى أن الوضع الإقليمي يتغير لصالح سورية (الحكومة الجديدة في لبنان، عدم تمديد وجود القوات الأميركية في العراق، اهتزاز الوضع الأميركي في البحرين ومصر وليبيا واليمن، إلخ).

السياسة المالية السورية… للوراء در

الثروة النفطية السورية والعربية وفرت أموالا طائلة لسورية منذ السبعينات حتى الآن ولكن هذه الأموال ضاعت هدرا

 

كان من المقرر في موازنة عام 2011 التي قدمت العام الماضي أن يكون الإنفاق الإجمالي للحكومة السورية ما قيمته 17.5 مليار دولار (مقارنة مع  15 مليار دولار في عام 2010). الحكومة كانت تقول أن حوالي 60-70% من هذا المبلغ سيأتي من الضرائب، والباقي كان سيأتي من عائدات النفط وقطاع الاتصالات والدين.

الوضع المثالي لأية دولة هو أن تكون عائدات الضرائب تغطي الإنفاق العام، ولكن في سورية فإن الضرائب تغطي نصف الإنفاق فقط، مما يدل على فشل كبير للدولة وأجهزتها.

المشكلة المالية في سورية مركبة من شقين: ضعف جباية الضرائب والهدر الكبير في الإنفاق.

رغم أن الحكومة السابقة حاولت أن تحسن من جباية الضرائب إلا أن النظام الضريبي في سورية ما يزال سيئا للغاية. معظم الضرائب التي تجبيها الدولة تأتي من موظفي الدولة ومن رسم الاستهلاك (الذي يفرض بشكل عشوائي على الأغنياء والفقراء وبدون مراعاة فوارق الدخل). الأغنياء ومتوسطوا الدخل في سورية لا يدفعون إلا جزءا يسيرا من الضرائب التي يجب أن يدفعوها (بسبب استشراء ثقافة التهرب الضريبي والاحتيال على القوانين والفساد والمحسوبية)، أما الفقراء فهم أبرز دافعي الضرائب. وهكذا فإن النظام الضريبي غير كفء ماليا وغير متوازن من الناحية الاجتماعية.

الحكومة السورية كانت تخطط لمتابعة إصلاح النظام الضريبي وفرض ضريبة القيمة المضافة، ولكن الأحداث الحالية أعاقت هذه الخطط. حاليا تقوم الحكومة بتخفيض وإلغاء الكثير من الضرائب (لسبب سياسي هو إرضاء الناس) ولا تقوم بأي جهد جدي لتعزيز جباية الضرائب، مما يعني أن عائدات الدولة من الضرائب في هذا العام ستقل بدلا من أن تزيد.

الشق الثاني من الأزمة المالية السورية هو الهدر الكبير في الإنفاق. بعيدا عن زيادة الرواتب وهبّة التوظيف التي ضربت الحكومة مؤخرا فإن الحكومة السورية تهدر حوالي نصف مواردها المالية (تقريبا 8 مليارات دولار) على ما يسمى بدعم المحروقات وبعض المواد الغذائية.

المصيبة في نظام الدعم السوري هي أنه نظام بدائي وفاشل جدا ولا يحقق أهدافه. الغاية التي تقوم الدولة بإنفاق كل هذا المال من أجلها هي دعم الفقراء، ولكن على أرض الواقع فإن ما يصل إلى الفقراء من هذا الدعم هو قليل، حيث يذهب قسم كبير من أموال الدعم إلى السارقين واللصوص والمهربين والناس الذين ليسوا بحاجة للدعم، وفي المقابل فإن هذه الأموال الطائلة التي تهدر على الدعم المزعوم كان يمكن أن تنفق على تحسين التعليم والطبابة الحكومية وعلى تحسين بيئة الاستثمار الخاص، وذلك كان سيفيد الفقراء أكثر بكثير من خفض الأسعار.

نسمع منذ عدة سنوات كثيرا من المقترحات حول الطريقة الأمثل لإيصال الدعم الحكومي للمواد الأولية إلى مستحقيه الفعليين. الحكومة جربت عدة طرق فاشلة كالقسائم والشيكات، وحاليا هناك حديث عن البطاقات الذكية. وهناك طرح جديد ورد في هذا الموقع (ذو النزعة الإشتراكية المعادية للإصلاح الاقتصادي):

http://www.syriasteps.com/?d=126&id=71630&in_main_page=1

المشكلة في النقاش الدائر هي أنه يركز على جانب واحد فقط وهو منع الهدر الناجم عن التهريب والسرقة. معظم المواطنين البسطاء (والمحللين الاقتصاديين البسطاء أيضا) يظنون أن المشكلة الحالية هي في التهريب فقط، وهذا ناجم عن طبيعة الثقافة السائدة في المجتمع السوري والتي هي ثقافة اشتراكية لا تستوعب مبادئ ترشيد الاستهلاك والتمايز الطبقي.

الإنسان ذو الثقافة الاشتراكية يعتقد أن الدولة هي بقرة حلوب يجب عليه أن يحلبها إلى أقصى حد ممكن. هذا الفكر الذي يتناقض كليا مع ثقافة المواطنة والشعور بالمسؤولية الجماعية هو أحد أهم أسباب استشراء ثقافة الفساد والهدر في المجتمع السوري. مشكلة دعم الأسعار ليست فقط في وجود التهريب وإنما أيضا في وجود الهدر. المواطن الذي يشتري المازوت والخبز بأسعار رخيصة يسرف في استهلاك هذه المواد (وهو ما أثبتته الأرقام التي أظهرت تراجع استهلاك المازوت بشكل كبير بعد رفع أسعاره في السنوات الماضية). إن بيع المواد بسعر يغطي قيمتها الحقيقية سيخفف من هدر هذه المواد والإسراف في استهلاكها وسيرفع عن الدولة (والمجتمع) تحمل عبء من يسرفون فيها (ناهيك عن أنه يخفف من تلوث البيئة واستهلاك مواردها ويجبر الناس على اللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة وغير ذلك من الفوائد).

المشكلة الأخرى الكبيرة (والتي لا يلتفت إليها أحد حتى الآن) هي مسألة تفاوت الدخل. العقل السوري المتأثر بالاشتراكية ينظر إلى المجتمع بنظرة شيوعية مثالية لا وجود لها في الواقع. طبقات المجتمع تتفاوت في دخلها، وتقديم الدعم بشكل متساوي لكل المواطنين هو هدر للمال العام يجب إيقافه. إن تقديم الدعم في الحالة السليمة يجب أن يكون محصورا بالفقراء والعاطلين عن العمل دون غيرهم. ليس هناك أي معنى لتقديم التعليم المجاني والمازوت المخفض بشكل عشوائي لكل المواطنين. إن هذا الشكل من الدعم “الشيوعي” يظلم الفقراء قبل غيرهم لأن المجتمع السوري ليس شيوعيا وهناك تفاوت في الدخل.

المؤسف هو أن الدولة السورية ظلت طوال عقود تهدر المال العام وتظلم الفقراء وتدمر الاقتصاد دون أن تلتفت للإصلاح إلا في السنوات الأخيرة بعد أن بدأت التحذيرات تظهر بقرب نضوب النفط (إذا نضب النفط الذي يمثل جزءا كبيرا من الموارد المالية للدولة فهذا سيعني عجزا هائلا في الموازنة). طبيعة النظام السوري لا تسمح له بالقيام بأي إصلاح استشرافي جدي، ولذلك فإن إصلاحاته تأتي دائما على شكل تنفيس أزمات وبعد أن يكون البلد قد خسر الكثير جدا بسبب التأخر في الإصلاح. حتى لو قامت الدولة بإصلاح نظام الدعم في السنوات القادمة وحسنت جباية الضرائب فإن هذا لن يؤثر إيجابا على حياة المواطنين (بل سيؤثر سلبا) لأن النفط سينضب قريبا، وبالتالي فإن عائدات النفط (والتي تهدر حاليا بدون فائدة) لن تكون موجودة ولن تتمكن الدولة من زيادة الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية بشكل كبير. أي أننا ببساطة أهدرنا الثروة النفطية على مدار عقود ولم نفكر في الاستفادة منها واستثمارها إلا حينما شارفت على النضوب.

بالإضافة لثروة النفط المهدورة تمتلك الدولة السورية بعض المؤسسات المسماة بمؤسسات القطاع العام. هذه المؤسسات جميعها خاسرة أو غير رابحة (ما عدا مؤسسة الاتصالات) وهي عبارة عن مزارع للهدر والفساد والعمالة الوهمية. لو تم خصخصة هذه المؤسسات بشكل سليم (بتحويلها لشركات مساهمة مثلا وطرحها للاكتتاب العام) فإنها كانت من الممكن أن تنمو وتتحول لشركات منتجة ومولدة للوظائف والدخل (الذي تستفيد الدولة منه عن طريق الضرائب أو امتلاك حصة من أسهمها)، بالإضافة طبعا إلى المال الذي ستحصل الدولة عليه عند طرح الشركات للاكتتاب. ولكن الدولة –رغم مرور عقود من الزمن على ثبات فشل هذه الشركات- لا تزال حتى الآن لا تفكر بخصخصة هذه الشركات وتعتبر ذلك “خطا أحمر.”

الاقتصاد السوري يبنى على مصلحة النظام الحاكم وليس على مصلحة الشعب، ولهذا السبب فإن الإصلاح لا يأتي إلا بصعوبة بالغة وبعد أن تكون الغاية المرجوة منه قد ضاع معظمها. النظام الحاكم في سورية هو عبارة عن شبكة كبيرة من المصالح ولكنه لا يمثل كل الشعب، ولهذا السبب لا نستغرب أن القسم المهمش والمظلوم من الشعب (الذي لا تشمله شبكة المصالح) قد غضب وثار. ولكن للأسف هذه الثورة لن تحسن شيئا في حال الاقتصاد السوري بل هي ستزيد من الأزمة وتعمقها لأن الثورة أدت إلى تباطؤ الإصلاح وخسارة سورية لوقت وأموال ثمينة كانت بحاجة ماسة إليها.

في إثبات عملي لعدم وجود أزمة مالية: مجلس النقد والتسليف يخفض أسعار الفائدة على الودائع

رغم التهويل الغربي والعصيان المدني وحرق الفواتير، ميالة يقول أن الودائع زادت بنسبة 12%

في خطوة ذات دلالة واضحة صرح حاكم بنك سورية المركزي أديب ميالة لأحد المواقع الإلكترونية السورية بأن مجلس النقد والتسليف سوف يخفض أسعار الفائدة على الودائع المصرفية بالليرة السورية والقطع الأجنبي، وقال أيضا بأن الودائع في البنوك السورية زادت في الأشهر الأخيرة بنسبة 12%.

هذا الإجراء هو تكذيب عملي لكل خطاب الإعلام المعادي للنظام السوري الذي كان يروج لأن الحكومة السورية تعاني أزمة مالية وأنها على وشك الإفلاس. إن خفض أسعار الفائدة على الودائع (أو حتى مجرد الحديث عن ذلك) سوف يؤدي لتقليل تدفق الودائع نحو البنوك السورية، واتخاذ مثل هذا الإجراء يدل على أن الحكومة السورية هي في وضع مالي جيد.

ربما يكون سبب هذا الإعلان هو الدعم الإيراني، رغم أن الحكومة السورية نفت قبل يومين أن تكون تلقت أية مساعدات مالية أو نفطية من إيران، في خطوة يراد منها استعراض القوة المالية على ما يبدو.

الولايات المتحدة تعود إلى مسارها الأصلي

استكملت الولايات المتحدة استدارتها السياسية بأن تنصلت عبر صحيفة الواشنطن بوسط من تصريحات هيلاري كلينتون وحتى من زيارة السفير الأميركي إلى حماة. في نفس الوقت دفعت الولايات المتحدة مجددا بأتباعها الأوروبيين لكي يصدروا عقوبات جديدة ضد سورية في استمرار لنهجها السابق الذي أرادت الولايات المتحدة من خلاله تجنب المواجهة المباشرة مع سورية ووضع أتباعها الأوروبيين في الواجهة، وذلك لأسباب تحدثت عنها كثيرا في السابق.

سورية تعترف بالدولة الفلسطينية

في خطوة اعتبرها أعداء النظام السوري ذات دلالة كبيرة وأنها اعتراف من النظام بإسرائيل، أعلنت وزارة الخارجية السورية بالأمس اعتراف سورية بدولة فلسطين على حدود عام 1967 مع التمسك بالحقوق الفلسطينية.

أعداء النظام السوري حاولوا أن يصوروا هذا الاعتراف بأنه محاولة من النظام لاسترضاء أميركا، ولكن سياق الأحداث يقول بأن هذا الاعتراف جاء في إطار الحملة العربية لطرح موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية على الأمم المتحدة إحراجا لأميركا وإسرائيل. الدول العربية اتفقت على السير قدما بهذه الخطة وطلبت من سورية أن تعترف بالدولة الفلسطينية، وسورية استجابت.

طرح موضوع الاعتراف بفلسطين على حدود عام 1967 في الأمم المتحدة هو ضغط كبير على أميركا وإسرائيل كما هو واضح، ومن غير المستغرب أن تساهم سورية في هذا المسعى طالما أنه يؤذي أميركا وإسرائيل. اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين على حدود عام 1967 لن ينهي الصراع العربي-الإسرائيلي ولكنه سيحرج أميركا وإسرائيل دوليا وسيجعل من حدود عام 1967 مرجعية رسمية لرسم الحدود، مما يقوي الموقف السوري في قضية الجولان.

البيان السوري لم يتحدث عن حل الدولتين وإنما تحدث عن الاعتراف بفلسطين على حدود عام 1967 مع التمسك بالحقوق الفلسطينية (والتي من بينها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضي عام 1948). البيان السوري لم يذكر شيئا عن “إسرائيل” سوى أنه يطالب ضمنا بعودة اللاجئين الفلسطينيين إليها، وبالتالي أنا لا أجد أن هذا البيان يعترف بإسرائيل أو يخدمها بأي شكل بل هو يتجاهل المنطق الأميركي-الإسرائيلي الذي يطالب العرب بالاعتراف “بيهودية الدولة”. في رأيي أن هذا الاعتراف السوري بفلسطين على حدود عام 1967 هو مجرد إسهام في الضغط على أميركا وهو لا يعني أي شيء أكثر من ذلك. طالما أن البيان السوري لم يعترف بإسرائيل ولا بحل الدولتين ولا بيهودية إسرائيل فهو عمليا مجرد مطالبة لإسرائيل بالانسحاب إلى حدود عام 1967 ولا شيء أكثر من ذلك.

سفيان العلاو: ما يصل للفلاحين من دعم المازوت هو 7% فقط

العلاو يصب الماء البارد على رأس الشعار

في فضيحة من العيار الثقيل لمنظري التخريب الاقتصادي وهدر المال العام وسرقته، قال وزير النفط السوري سفيان العلاو في مقابلة على قناة الدنيا قبل بضعة أيام أن ما يصل إلى القطاع الزراعي مما يسمى بدعم المازوت هو 7% فقط، بينما يذهب 40% إلى قطاع النقل و40% إلى القطاع الصناعي (مع استثناء التهريب طبعا).

هذا التصريح هو سكب للماء البارد على رأس وزير الاقتصاد نضال الشعار وتنظيره التافه والغوغائي لتخفيض أسعار المازوت (عندما أتحفنا بحديثه عن الدورة الإنتاجية وغير ذلك من الكلام الفارغ). إن الغاية الأساسية من خفض أسعار المازوت كانت دعم الفلاحين كما قيل في وقته، وعندما نسمع أن الفلاحين يستفيدون من 7% فقط من هذا الخفض فهذا يدفعنا للتساؤل جديا عن الغاية الحقيقية من وراء هذا القرار؟

أظن أن هذا القرار جاء لهدف شعبوي بحت ولم تكن له علاقة حقيقية بالاقتصاد. الرئيس الأسد أراد من وراء هذا القرار امتصاص جزء من النقمة الشعبية حتى ولو أدى ذلك إلى هدر جزء كبير من المال العام. الوزير الشعار على ما أعتقد هو مجرد دمية وظيفتها ترداد كلام المواطنين والفلاحين وهو لا يعبر عن سياسة اقتصادية حقيقية. لقد استمعت إليه مرارا ولم أفهم منه أي شيء على الإطلاق. إنه لا يعبر عن سياسة اقتصادية وإنما هو مجرد دمية الهدف منها القول للمواطنين بأننا غيرنا الطاقم القديم وأتينا بطاقم جديد على كيفكم. سياسة الشعار الاقتصادية هي “نعم حاضر متل ما بدكن”.