الاتفاقية الجديدة بين الاحتلالين التركي والروسي تضمنت تأسيس منطقة منزوعة السلاح حول محافظة إدلب.
شكري القوتلي
من المسؤول عن تقسيم المشرق العربي وتأسيس إسرائيل؟
في هذه المدونة لمت أميركا كثيرا وحملتها مسؤولية الكثير من المصائب التي ألمت بسورية والعالم العربي.
تجربة حافظ الأسد في تسليم الجولان لإسرائيل هي تكرار لتجربة شكري القوتلي في تسليم فلسطين لإسرائيل
هذا فيلم طائفي جديد يعبر عن وجهة النظر المعارضة السورية بخصوص تسليم حافظ الأسد الجولان لإسرائيل:
هل كان شكري القوتلي رئيسا منتخبا بشكل ديمقراطي؟
كلام منقول من موقع سوري معارض:
قال قيادي سوري معارض، اليوم الأربعاء، إن سوريا لم تُقم فيها انتخابات رئاسية منذ نهاية عهد شكري القوتلي عام 1958، مشيراً إلى أن أعضاء البرلمان السوري “بصمجية” (يقصد يوافقون بلا مناقشة) وسيمررون مشروع قانون الانتخابات العامة الذي يتضمن شروط الترشح للانتخابات الرئاسية بشكل يضمن تفرّد بشار الأسد الذي تنتهي ولايته في تموز المقبل، بحسب تقرير لوكالة أنباء الأناضول.
وفي تصريح للوكالة عبر الهاتف، أوضح وائل الحافظ المفوض السياسي للحركة الشعبية للتغيير، إحدى أطياف المعارضة السورية، أن شكري القوتلي الذي حكم البلاد لفترتين ما بين 1943و 1949 ثمّ 1955و 1958 كان آخر رئيس سوري منتخب بشكل ديمقراطي، قبل أن تتوالى الانقلابات على حكم سوريا بعد مرحلة الوحدة مع مصر (ما بين 1958و1961).
وأضاف الحافظ أن الانقلابات على سوريا بعد تلك المرحلة مروراً بـ”انقلاب” 8 آذار 1963 الذي تولى فيه حزب البعث الحكم وتفرّد به وأصبح كما تقول منطلقاته “قائداً للدولة والمجتمع”، وتوجت تلك الانقلابات بانقلاب عام 1970 الذي أوصل حافظ الأسد إلى الحكم.
أنا حاولت قبل عدة سنوات أن أكتب في موقع ويكيبيديا العربي، ولكنني عدلت عن ذلك بعدما تبين لي أن الموقع ميؤوس منه ولا أمل لجعله شبيها بنظيره الإنكليزي. ولكنني في الآونة الأخيرة لاحظت أن هناك مقالات جيدة في الموقع العربي. مثلا المقال المتعلق بشكري القوتلي هو مقال مقبول لأنه يعتمد على مصادر واضحة وهو مكتوب بأسلوب نقدي يختلف عن الأسلوب المعتاد في الأدبيات السورية.
مقدمة المقال تشير إلى بعض الأمور التي تحدثت عنها في المدونة:
اعتبر القوتلي ذو شعبية، وعرف بقدراته على جمع توافق معظم القوى السياسية حول شخصه، وبينما تركزت شعبيته في دمشق، كانت معارضته القوية في حلب؛ كما عرف عن كراهية رجال الجيش له؛ إضافة لكونه أول من عدل الدستور لأجله. اتهم بتقويض النظام الديموقراطي في سوريا، من خلال قبوله بتعديل الدستور ليتمكن من الترشح لولاية ثانية عام 1948
ليس من المعتاد في الأدبيات السورية (وحتى غير السورية) الإشارة إلى دور حلب في معارضة القوتلي ونظامه، رغم أن هذه المسألة هي حقيقة تاريخية مذكورة في الكثير من المصادر. لا أدري إن كان كاتب هذا الكلام قد قرأه في أحد المصادر أم أنه تأثر بالكلام الذي كتبته بنفسي في بعض المواقع (مثلا بعض صفحات ويكيبيديا الإنكليزية). عموما من الجيد أن الناس بدؤوا ينتبهون إلى هذه القضية التاريخية الهامة.
بالنسبة لديكتاتورية القوتلي فهي أمر معروف ومذكور في كل المصادر الغربية (الغربيون عموما يركزون على موضوع الديمقراطية). ما يلي منقول من صفحة ويكيبيديا العربية نفسها:
تعتبر الانتخابات النيابية التي جرت في يوليو 1947 هامة في التاريخ السوري؛ فللمرة الأولى اتجه الناخبون على أساس مطالب اجتماعية – اقتصادية وليس على أساس سياسي متمثل بمقارعة الانتداب. كما أنها أول انتخابات تجري على أساس نظام الدرجة الواجدة بدلاً من نظام الدرجتين، تحت ضغط الشارع، إذ كانت الكتلة الوطنية والتي تزايدت الانشقاقات عنها، تسعى للحفاظ على نظام الدرجتين.
خسر القوتلي والحزب الوطني في حلب وحماه ونصف حمص، في حين فاز في دمشق – رغم قوّة التحالف المقام ضدّه والمتمثل باتحاد علماء الشام وحزب الشعب والقوى العمالية والاشتراكية – ودرعا والسويداء. النتيجة العامة كانت خسارة الكتلة الوطنية الأغلبية النيابيّة لكنها مكثت الحزب المتصدر بأربعة وعشرين نائبًا يليها حزب الشعب بعشرين نائبًا. وعلى الرغم من المصاعب التي واجهها في التأليف، فإن جميل مردم استطاع تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات في 12 أكتوبر 1946 جمعت أعضاءً من حزب الشعب والحزب الوطني.
بعد الانتخابات النيابية، بحث تعديل الدستور بهدف انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة بدلاً من المجلس النيابي، غير أن المشروع قد أجهض. خلال الدورة الاستثنائية ذاتها وافق 89 نائبا على تعديل المادة 68 من الدستور التي تحدد ولاية الرئيس بدورة واحدة على أن يعود له الحق بالترشح بعد مضي ولاية كاملة أخرى. وأقرّ التعديل رسميًا في 30 مارس 1948. التبرير جاء، بأنه مع تصاعد قضية فلسطين فإنه يجب تجنب رئيس وإدارة جديدة لتتمكن البلاد من التفرغ لموجهة الخطر المحدق بفلسطين [ملاحظة من مدونة هاني: هناك أدلة على أن شكري القوتلي كان متفقا مع الصهاينة على تسليمهم فلسطين. هذا هو ربما المقصود بالتفرغ لمواجهة الخطر المحدق بفلسطين]؛ ومن جهة ثانية دافع بعض النواب بأن القوتلي هو الشخص الأجدر لقيادة تلك المرحلة؛ في حين وجد البعض أن القوتلي استطاع رسم علاقات جيدة مع جميع الدول العربية [ملاحظة من مدونة هاني: هو رسم علاقات ممتازة مع ابن سعود وانعزاليي لبنان والأميركان والصهاينة، إلى درجة أنه كان يريد السماح لشركة أميركية بأن تمد أنبوبا لنقل النفط من أراضي ابن سعود إلى لبنان لتصديره من هناك، وهذا الأنبوب كان سيمر في هضبة الجولان بالقرب من الجبهة المزعومة مع إسرائيل!]، في حين أن انتخاب رئيس جديد، قد يسبب انقسامات بين محوري السعودية – مصر من جهة والعراق – الأردن من جهة ثانية، ما ينعكس سلبًا على الوضع الداخلي [ملاحظة من مدونة هاني: المقصود بهذا الكلام هو أن انتخاب رئيس جديد كان سيؤدي لتوحيد سورية مع العراق والأردن، وهذا كان سيهدد إسرائيل وابن سعود، وبالتالي هو كان سيفسد العلاقات العربية الممتازة التي رسمها القوتلي]. رجح هذا الرأي، مدعومًا بوفاة سعد الله الجابري كبير معارضي تعديل الدستور لترشح القوتلي وأكثر رجال الكتلة شعبية في حلب [ملاحظة من مدونة هاني: سعد الله الجابري كان الواجهة الحلبية لنظام القوتلي]، وانتخب القوتلي في 18 أبريل 1948 على أن تبدأ ولايته الثانية في 17 أغسطس 1948. وبرأي باتريك سيل، فإن التعديل الدستوري الذي أجراه القوتلي لتمديد حكمه، أعاق حركة الإصلاح حين كان ذلك ممكنًا، وأسهم في انهيار النظام البرلماني السوري – بانقلاب الزعيم – بعد أربعة أشهر شهرًا.
هذا الكلام جيد. أنا سعيد لأن مستوى مقالات ويكيبيديا العربية تحسن.
لا أدري كيف يجرؤ أي شخص على وصف شكري القوتلي بأنه رئيس منتخب ديمقراطيا. هذا الرجل كان شبيها بحسني مبارك ونحوه من الطغاة المدعومين من الغرب بهدف حماية إسرائيل.
مسرحية تعديل الدستور التي نفذتها عائلة الأسد في عام 2000 لم تكن سابقة في تاريخ الكيان السوري. نفس المسرحية حصلت سابقا في عام 1948. شكري القوتلي عدل الدستور لكي يبقى في السلطة بعد انتهاء ولايته الدستورية. المصيبة هي أن هناك دوافع استعمارية كبرى كانت تقف خلف المهزلة التي قام بها القوتلي. الدول الغربية الاستعمارية (خاصة بريطانيا) كانت تخشى انهيار منظومة سايكس-بيكو في حال رحل القوتلي عن السلطة وجاء رئيس آخر. انهيار منظومة سايكس-بيكو يعني بالضرورة انهيار المشروع الصهيوني في فلسطين. لهذا السبب كان من الضروري تثبيت القوتلي في منصبه لمنع انهيار حدود سايكس-بيكو التي أبدى القوتلي تمسكا كبيرا بها (بسبب دوافع انعزالية مريضة شرحتها مرارا من قبل).
عندما وجدت الدول الغربية أن نظام القوتلي يترنح أمام الضغوط الشعبية وأنه لا يؤدي المهام المطلوبة منه (من قبيل التصديق على اتفاقية التابلاين واتفاقية الهدنة مع الصهاينة) قررت هذه الدول أن تتخلى عنه ودعمت انقلاب حسني الزعيم. أهم ما قام به حسني الزعيم هو تصديق اتفاقية التابلاين واتفاقية الهدنة مع الصهاينة، بالإضافة طبعا إلى استمراره في النهج الانعزالي الذي أرساه القوتلي والذي يقوم على التمسك بحدود سايكس-بيكو وافتعال الأزمات مع الدول الهاشمية وبث الدعايات المسيئة لهذه الدول (من قبيل الترويج لمقولة أن الهاشميين هم عملاء لبريطانيا، وكأن القوتلي ونظامه كانوا مستقلين عن بريطانيا).
المصيبة هي أن المعارضين السوريين ما زالوا مصرين على وصف القوتلي بأنه ديمقراطي، والأسوأ من ذلك هو وصفه بأنه وطني.
إذا كان نظام القوتلي ديمقراطيا فهذا يعني أن عائلة الأسد هي أيضا ديمقراطية، وإذا كان نظام القوتلي وطنيا فهذا يعني أن عائلة الأسد هي قمة في الوطنية.
طروحات المعارضة السورية هي متناقضة وغير منطقية.
هل هناك أي شيء منطقي في المعارضة السورية؟
هذه المعارضة هي أسوأ معارضة في العالم.
هذه المعارضة تعتبر أن العلويين هم سبب كل المشاكل في التاريخ السوري، وحل المشكلة السورية من وجهة نظر هذه المعارضة هي بالعودة إلى نظام القوتلي الديمقراطي الوطني.
هذه المعارضة لا تسعى بالفعل للديمقراطية ولكنها مجرد معارضة طائفية تسعى للانتقام من العلويين لأسباب طائفية محضة.
لهذا السبب أنا كنت وما زلت أرفض هذه المعارضة بقدر رفضي لعائلة الأسد.
أنا بصراحة صرت أرفض الكيان السوري من جذوره، لأن هذا الكيان المصطنع بني على مجموعة من الأكاذيب التافهة التي تسببت في إشقاء شعبه.
الحل الوحيد في سورية هو بإعادة بناء كيان جديد على أسس جديدة.
الأسس الجديدة يجب أن تكون أسسا واقعية، بمعنى أننا يجب أن نتخلى عن الأكاذيب والترهات.
أنا لا أرى حتى الآن بوادر بناء كيان جديد في سورية. الجهة الوحيدة التي تحركت في هذا الاتجاه هم الإخوة الأكراد.
الأكراد أخذوا موقفا في غاية الوطنية. هم رفضوا الانحياز لأي من الأطراف الطائفية المتقاتلة في سورية. هذا الموقف هو موقف وطني عقلاني. لا يوجد سبب يدفع الأكراد لكي ينحازوا لمصلحة طائفة ضد طائفة أخرى، خاصة وأن كل هذه الطوائف تتبني فكرا فاشيا معاديا للديمقراطية.
يجب على الإخوة الأكراد أن يتحلوا بالصبر. القضية السورية ربما تستمر لفترة طويلة، ولكن النهاية ستكون لمصلحة الأكراد وغيرهم من الديمقراطيين والوطنيين. أنا لا أظن أن النظام السوري سيتمكن من إعادة بناء نفسه، ولا أظن أن المعارضة السورية ستتمكن من إعادة بناء نظام القوتلي. هذا العجز عن إعادة بناء الأنظمة الفاشية هو أمر إيجابي يصب في مصلحة القضية الكردية وفي مصلحة القضية الديمقراطية بشكل عام.
علاقة شكري القوتلي بالمشروع الصهيوني
عندما تحدثت عن شكري القوتلي كنت أظن أنني أقول كلاما جديدا، ولكنني بحثت على الإنترنت ووجدت مقالا قيما يتعلق بشكري القوتلي يعود إلى عام 2006. المقال منشور في موقع فلسطيني وكاتبه هو “محمد الوليدي”.
عن مؤامرة المخابرات البريطانية لتوحيد سورية مع العراق
نشرت مدونة Syria Comment مؤخرا مقالا نشر في صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية في عام 2012. كاتب المقال هو باحث في جامعة بئر السبع اسمه Meir Zamir. المقال يتحدث عن سورية في أربعينات القرن العشرين بعد الانتداب الفرنسي وعن المؤامرات التي جرت حينذاك.
المقال مفيد من الناحية التاريخية ولكنه بصراحة يحوي أمورا مضحكة.
المقال يستند على “وثائق سرية” مصدرها ما يسمى بوزارة الخارجية السورية. ما يلي وصف لمشروع الوحدة السورية-العراقية بناء على ما ورد في الوثائق:
[… an] elaborate plan devised by British intelligence agents with the tacit agreement of Foreign Secretary Ernest Bevin. Its first step was implemented in November and December 1946 and entailed the removal of the anti-Hashemite and anti-Turkish Syrian prime minister, Sa’adallah al-Jabiri, and his replacement with Jamil Mardam, who was secretly collaborating with the British agents and Nuri al-Said. Its more ambitious goal was to solve the conflict between the Hashemite and Saudi royal families by forming two large monarchies – one under the Hashemites in the Fertile Crescent in the north, and a Saudi monarchy that would extend over most of the Arabian Peninsula in the south, including Yemen. Bevin informally proposed such a plan to Prince Faisal, Ibn Saud’s son, in January 1947, but the Saudi king turned it down.
حسب هذا الباحث الإسرائيلي الذي يستند على وثائق ما يسمى بوزارة الخارجية السورية فإن عملاء المخابرات البريطانية كانوا يريدون توحيد منطقة الهلال الخصيب تحت حكم الهاشميين، وهم حاولوا إقناع ابن سعود بدعم الفكرة وعرضوا عليه في مقابل ذلك توحيد الجزيرة العربية تحت حكمه، ولكن ابن سعود رفض. الهاشميون اتصلوا مع تركيا وعرضوا التنازل عن لواء إسكندرون في مقابل أن تدعم تركيا سيطرتهم على سورية.
ما يلي نص البرقية التي يعترف فيها الأتراك بسيادة الهاشميين على سورية:
“Top secret
His Hashemite Majesty King Abdallah Ibn Hussein
The Government of the Republic of Turkey, for the greatest good of all, will ensure its protection of the legal regime of the Arab Hashemite kingdom. And I remind you, in the name of the Government of the Republic of Turkey, that we are the first to speedily recognize you as the legal king of Syria, as soon as the moment comes. You also know that we hope for your entry into Damascus soon, God willing.
[n.d. December 1946] Signature
Delivered by the Russian Legation Ismet Inonu
في مقابل هذا الاعتراف كانت للأتراك مطالب. هم لم يكتفوا بلواء إسكندرون بل أرادوا أيضا حلب والقامشلي. الهاشميون أبدوا موافقة مبدئية على تعديل الحدود:
Top secret
His Excellency President Ismet Inonu
I am aware of your noble letter in which you inform me that you recognize in me a legal king for Syria and I thank you for the deep sincerity of your noble statements.
I recognize in particular the border as it exists between Syria and Turkey, and that the question of the current borders must be accepted with no turning back to the past. If the need to modify the Turkish-Syrian borders becomes apparent, this will have to be done on the basis of a perfect understanding.
[n.d. December 1946] Signature
Delivered by the Russian Legation Abdallah
هذه برقية أرسلها نوري السعيد إلى الأتراك يعبر فيها عن استعداد الهاشميين للتنازل عن القامشلي، ولكنه يتحفظ في موضوع حلب:
Top secret
His Excellency President Ismet Inonu
The Iraqi government must, for the moment, despite its desire to see a royal Syrian government established and facing the possibility of seeing the problem of the government of the Syrian Republic in its current state resolved, study with a degree of reserve all the proposals you have made to it regarding the question of the Turkish-Syrian borders and particularly as far as the regions of Aleppo and Kameshli are concerned.
The greatest difficulty really rests with this claim you have made and which is the annexation of Aleppo to Turkey. But I can assure you, with authority and from now that your claim regarding the border at Kameshli can be accepted, so long as it does not exceed in depth the adjustments imposed on the borders from 70 [probably 1870], as regards fortified land in relation to the current borders.
So I must also now obtain an assurance that the lands for which you accept cession to Syria are the equivalent of lands you are demanding. And you will indicate the detail of the matter to me.
[n.d. December 1946] Signature: Nuri al- Said
من أين حصلت “وزارة الخارجية السورية” على هذه المراسلات السرية؟ الاتحاد السوفييتي في ذلك الزمن كان يسعى لتخريب العلاقات بين تركيا وبين النظام الحاكم في دمشق بسبب عضوية تركيا في حلف الناتو، ولهذا السبب زودت المخابرات السوفييتية نظام دمشق بفحوى المراسلات السرية بين تركيا والهاشميين.
ما سبق هو في رأيي أهم ما جاء في مقال الباحث الإسرائيلي. بقية الأمور هي معروفة وموجودة في الكتب. ربما الشيء الوحيد اللافت فيها هو العرض الذي تقدمت به بريطانيا لتسوية قضية لواء إسكندرون. حسب الوثائق فإن بريطانيا عرضت حلا لقضية لواء إسكندرون يقوم على أساس تحويل اللواء إلى دولة مستقلة تحت الهيمنة البريطانية والسورية، وفي مقابل ذلك تحصل تركيا على منطقة القامشلي (التي كانت مهمة للأتراك بسبب وجود الأكراد فيها وتأثيرهم على الأكراد في تركيا). هذا العرض يشبه النظام الذي طبقته فرنسا قبل تسليم لواء إسكندرون إلى تركيا: قبل ضم اللواء إلى تركيا حولته فرنسا أولا إلى دولة مستقلة تحت الهيمنة الفرنسية-التركية المشتركة، وبعد ذلك دخل الجيش التركي إلى اللواء ثم ضم اللواء إلى تركيا بحجة أن سكانه اختاروا ذلك وفق استفتاء شعبي. طبعا كل تلك العملية كانت غير قانونية لمخالفتها لصك الانتداب الفرنسي الصادر عن عصبة الأمم، ولو عرضت هذه القضية أمام محكمة دولية فستحكم المحكمة بإبطال السيادة التركية على لواء إسكندرون.
المضحك في مقال الباحث الإسرائيلي هو وصفه لمشروع الوحدة السورية-العراقية بأنه “خطة محكمة ابتدعها عملاء المخابرات البريطانية”.
[an] elaborate plan devised by British intelligence agents
إذا كانت المخابرات البريطانية خططت لتوحيد سورية والعراق فنحن نشكرها على ذلك، ولكن هذا الكلام طبعا هو تفاهة. مصدر هذا الكلام هو وثائق “الخارجية السورية”، ونحن نعلم ما هي هذه “الخارجية السورية” وما هو موقفها من الوحدة مع العراق.
نحن لسنا بلهاء. أي إنسان ولو كان ضعيف القدرات العقلية يعلم أن توحيد سورية والعراق هو ضربة جيوسياسية شنيعة لتقسيمات الاستعمار الغربي ولمشروع تأسيس إسرائيل. القول بأن المخابرات البريطانية خططت لهذا المشروع هو نكتة. ما حدث في ذلك الوقت هو أن الهاشميين كانوا يطالبون بالسيطرة على سورية لأنهم كانوا يعتبرونها حقا لهم. الفرنسيون خلعوا الملك فيصل من دمشق في عام 1920، وبعد زوال الانتداب الفرنسي صار الهاشميون يطالبون البريطانيين بإعادة سورية إليهم. لو أن بريطانيا كانت تريد إعادة سورية للهاشميين فهي كانت تستطيع ذلك بسهولة ودون “خطة مخابراتية محكمة”. بريطانيا هي التي نصبت شكري القوتلي رئيسا على سورية، وهي التي أخرجت الفرنسيين من سورية. نظام شكري القوتلي في عام 1946 كان لا يقوى على أن يقول لا للبريطانيين. هو لم يكن يساوي شيئا دون البريطانيين. حتى الجيش السوري هو من صنيعة البريطانيين، لأن بريطانيا هي التي أجبرت فرنسا على إعادة “القوات الخاصة” إلى سورية لكي تُحوّل إلى الجيش السوري. نظام شكري القوتلي بكامله كان من هندسة البريطانيين، وبريطانيا هي التي صنعت لهذا النظام أرجلا لكي يقف عليها. من المضحك القول أن بريطانيا كانت تسعى لتوحيد سورية مع العراق وأن شكري القوتلي كان يقاوم هذا المشروع لأنه مشروع بريطاني.
بريطانيا هي التي أنشأت إسرائيل وفق وعد بلفور، وبريطانيا هي التي أنشأت دولة ابن سعود، وبريطانيا هي التي أنشأت الجامعة العربية في الإسكندرية. بريطانيا هي التي أنشأت كل شيء في هذه المنطقة. بريطانيا لم تكن تريد توحيد سورية مع العراق لأن هذا تهديد استراتيجي واضح لإسرائيل ولدولة ابن سعود ولكل المنظومة التي أقامتها بريطانيا في المنطقة. بريطانيا أدخلت مصر إلى المشرق العربي لأنها كانت تريد خلق توازن في مقابل الهاشميين. فكرة الجامعة العربية من أساسها كانت تهدف لإحباط الوحدة السورية-العراقية، والجامعة العربية هي مشروع بريطاني.
أنا أتمنى من الإخوة القراء أن يشغلوا عقولهم وأن يخرجوا من التفاهات التي روجها نظام دمشق الخائن. مصلحة العرب واضحة ونحن لسنا بلهاء حتى نصدق وثائق شكري القوتلي. مصلحة العرب هي الوحدة العربية. لا أحد يستفيد جيوسياسيا من توحيد سورية والعراق سوى العرب حصرا. الدول الاستعمارية والأنظمة التابعة للدول الاستعمارية لا تستفيد شيئا من ذلك.
النظام القابع في دمشق هو نظام نصبته بريطانيا لكي يمنع الوحدة العربية ويحمي إسرائيل. هذه هي وظيفة الكيان الدمشقي التاريخية. شكري القوتلي كان مجرد عميل للبريطانيين، وأديب الشيشكلي كان عميلا أيضا. كل حكام الكيان الدمشقي كانت لهم وظيفة واحدة هي منع الوحدة العربية وبالتالي حماية إسرائيل.
الفلسفة الطائفية في تفسير التاريخ السوري
هذا الكلام من جريدة الشرق الأوسط يعبر عن نظرة أحد المتعصبين الطائفيين للتاريخ السوري:
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=724378&issueno=12554
… ولننتبه إلى أن الانقلاب على الوحدة مع مصر عام 1961، تلته مباشرة محاولة من جانب «القوميين السوريين» في لبنان، نصرة لفكرة الانفصال عن «العروبة» بالخلفيات الثقافية والإثنية المفترضة في الجغرافيا والتاريخ، شأن الكيان الصهيوني. وبدأ العمل بوعي للانفصال عن «العروبة الإسلامية» بعد انقلاب 8 مارس (آذار) عام 1963، الذي سيطر فيه البعثيون العروبيون، المعادون بالدرجة الأولى لعروبة جمال عبد الناصر، أي لعروبة الأكثرية العربية السنية.
وبعد تعملات اتخذت صبغة راديكالية، استقر الوعي للانفصال عن عروبة الأكثرية، بهزيمة مصر وانحسار امتداداتها عام 1967، ثم وفاة جمال عبد الناصر 1970.
وهكذا صار الشرط الخفي لاستمرار وحدة سوريا أن يحكمها رئيس غير سني، وأن يتولى وظائف في الإقليم معادية للمشروع الوحدوي بالمنطقة، فيصبح الأسد مسؤولا عن قضية الأكثرية العربية (تحرير فلسطين)، وعن حماية الأقليات وإعزازها وتسكينها (ومن العلويين إلى المسيحيين فإلى الأكراد والشيعة)! وقد بدا ذلك واضحا في استماتة الأسد للسيطرة على المقاومة الفلسطينية بحجة أنه يملك استراتيجية أفضل للتحرير، واستماتته في مصارعة صدام حسين في العراق بحجة أنه الأولى بحماية الفكرة العربية بعد انكفاء مصر نهائيا بالصلح مع إسرائيل. فبعد عام 1973 ما سعى الأسد أبدا لتحرير الجولان، كما لم يسع ابنه بشار بعد وفاة الأب عام 2000. وخلال تلك المدة الطويلة أنجز مذابح ضد الأكثرية في سوريا ولبنان وفلسطين، ودخل في تحالفات مع إيران. وبما أنه قاتل عام 1990 مع الولايات المتحدة لتحرير الكويت، فإن الولايات المتحدة ورغم مناكفاتها معه ومع ابنه ما سعت إلا «لتغيير سلوكه» وليس لتغيير نظامه. كما أنه أو أنهما ظلا على تحالف مع روسيا في عهديها السوفياتي والاتحادي.
لتبرير فكرته هو قام بحرف الحقائق كليا. مثلا هو زعم أن انفصال سورية عن مصر في عام 1961 كان بسبب الأقليات، وأن الدافع وراء الانفصال كان “العداء لعروبة الأكثرية السنية”. أنا في حياتي لم أسمع مثل هذا الكلام من قبل. كل المصادر والكتب وكل من عايشوا تلك الفترة يقولون أن من نفذ الانفصال هم ضباط دمشقيون محافظون قريبون نوعا ما من فكر الإخوان المسلمين، وهناك كلام عن أنهم فعلوا ذلك بتحريض من آل سعود.
لا أدري من أين أتى هذا الكاتب بكلامه. هو ربما كان يتعاطى الحشيشة عندما كتب هذا المقال ولهذا اختلطت عليه الأمور على هذا النحو غير المعهود والذي لم يسبقه إليه أحد، أو ربما هي حشيشة الطائفية. التعصب الطائفي يصيب الإنسان بلوثة عقلية لا تختلف عن اللوثة الناجمة عن تعاطي الحشيشة.
أنا لا أريد أن أكون عنصريا ولكنني من متابعتي للإعلام لاحظت أن أكثر من يكذب ويفتري وبكل وقاحة هم بعض الإخوة اللبنانيين، وتحديدا من البيئة الموالية لسعد الحريري وآل سعود. مثلا قناة العربية كانت خلال الأزمة السورية تكذب على نحو غير طبيعي إلى درجة أنها أحرجت نفسها مرارا وتعرضت لانتقادات لاذعة من جهات غربية (حتى الصحف القطرية انتقدت قناة العربية في بعض الأحيان بسبب مبالغتها في الكذب والفبركة). أيضا من يشاهد قناة المستقبل اللبنانية يجد هياجا غير طبيعي في الكذب والفبركة. الكذب هو كذب فج على طريقة هذا الكذاب الذي غير التاريخ كليا. مثلا هم قالوا ذات مرة أن البوطي اعترض على مسلسل “ما ملكت أيمانكم” لأنه يسيء لعائلته. هذه الرواية لم أسمع بها من قبل. هي رواية اخترعها صحفي يعمل في الشرق الأوسط، ولدي شعور بأنه لبناني. في موقع “العربية نت” قرأت مرة وصف موقع دبكا بأنه موقع “أميركي”، رغم أن الموقع موجود في إسرائيل وهو موقع إسرائيلي بحت كما يقول هو عن نفسه. لماذا وصفه موقع العربية نت بأنه أميركي؟ ربما لأن العاملين في العربية نت يشعرون بالحرج لأن خطهم التحريري هو نفس خط موقع دبكا، ولذلك غيروا هوية الموقع إلى “أميركي”.
أي شخص يعرف شيئا في التاريخ السوري سيعرف أن كاتب المقال أعلاه هو كذاب أشر. الأنكى من الكذب هو الغاية التي يريد أن يصل إليها. لو أنه كان يكذب لهدف نبيل لربما كنا سكتنا، ولكنه يكذب لكي يبني نظرية طائفية مريضة. هو يريد أن يفسر التاريخ السوري بناء على صراع مزعوم بين الأقليات و”الأكثرية السنية”. هو يعتبر أن كل ما حدث في تاريخ سورية سببه هذا الصراع المزعوم، بينما أي قارئ للتاريخ يعلم أن الأقليات لم يكن لها دور مهم في السياسة السورية قبل الستينات، ووصول “الأقليات” إلى السلطة لم يكن نتيجة صراع تاريخي بين “الأكثرية والأقليات” وإنما هو في الحقيقة حدث بسبب انقسام الأكثرية على نفسها (لو أردنا أن نتحدث وفق هذا المنطق).
لا يوجد شيء في التاريخ السوري اسمه صراع بين الأكثرية والأقليات. ما حدث في الستينات كان مجرد مصادفة سببها سوء تربية الشعب السوري عموما. البعثيون عندما وصلوا إلى السلطة كانوا يعتبرون أنفسهم حزب علمانيا ضد الطائفية، ولكنهم عندما استلموا السلطة اختلفوا فيما بينهم وانقسموا إلى جماعات متصارعة. هذا أمر طبيعي يحصل في كل الجماعات والأحزاب. المفترض في هذه الحالة هو اللجوء للديمقراطية، ولكن تربية البعثيين والسوريين عموما لا تعرف شيئا اسمه الديمقراطية. لا يوجد في كل التاريخ السوري أحد مارس الديمقراطية. حكام سورية في الأربعينات لم تكن لهم علاقة بالديمقراطية بل هم استقتلوا لكي يبقوا في السلطة بأي ثمن ولجؤوا إلى كل الأساليب القذرة لكي يبقوا في السلطة. هم استخدموا العنف ضد معارضيهم واغتالوا خصومهم السياسيين وتحالفوا مع قوى خارجية (بما في ذلك القوى الغربية المعادية لسورية) وعدلوا الدستور لكي يمددوا لشكري القوتلي في السلطة بشكل غير شرعي، وعندما خسروا السلطة بعد انقلاب سامي الحناوي قرروا اللجوء إلى سياسة الحكم العسكري الديكتاتوري فدعموا أديب الشيشكلي وطبلوا وزمروا له.
الديمقراطية هي غير موجودة في التاريخ السوري. التاريخ السوري كله صراعات ومؤامرات من بدايته إلى نهايته. الاستعمار الغربي ربما كان له دور في خلق هذا الواقع، لأن الاستعمار الغربي أتى إلى سورية منذ البداية بعقلية تآمرية. أول مؤامرة غربية كانت اتفاقية سايكس-بيكو، وتلاها وعد بلفور، ثم ممارسات الانتداب الفرنسي، ثم تسليم لواء إسكندرون إلى تركيا، ثم تقسيم فلسطين، وغير ذلك من المؤامرات. الاستعمار الغربي نفذ مؤامرات متتالية ضد سورية في بداية القرن العشرين، وكل مؤامرة كانت أشد هولا من سابقاتها. هذا بلا شك أثر في نفسية السوريين. صحيح أنني أنتقد السوريين في الأربعينات والخمسينات، ولكننا يجب ألا ننسى المناخ الذي عاش فيه هؤلاء. هؤلاء شاهدوا الأهوال من الاستعمار الغربي، ولذلك هم فقدوا الثقة في الشعارات الغربية عن الحرية وحقوق الشعوب ونحو ذلك.
السوريون في الأربعينات والخمسينات لم يكونوا يؤمنون بالديمقراطية، وهذا هو سبب المشاكل في تاريخ سورية. في الأربعينات الدمشقيون لم يكونوا يريدون ترك السلطة وكانوا يريدون خلق إمبراطورية دمشقية في سورية، وهذه كانت بداية المشاكل. بعد ذلك ظهرت مشاكل أخرى طبقية وطائفية، ولكن لم يكن هناك في التاريخ السوري شيء مهم اسمه “صراع بين الأكثرية والأقليات”. الصراع الأساسي في ذلك الزمن كان داخل الأكثرية السنية نفسها. ليس هناك في سورية تاريخيا شيء اسمه أكثرية سنية. لا يوجد مرة في التاريخ السوري تكتل فيها العرب السنة مع بعضهم. العرب السنة في سورية هم دائما منقسمون، لأنه لا يوجد شيء أصلا اسمه كتلة سنية في سورية. هذه الكتلة هي عبارة عن حلم موجود لدى الإخوان المسلمين ولدى القوميين الدمشقيين الذين حاولوا دائما تأسيس عصبية عربية سنية تساعدهم على تحقيق مشروعهم.
أساس المشكلة في سورية هو غياب ثقافة تداول السلطة والثقة بالآخر. لو أن البعثيين في الستينات اتفقوا فيما بينهم على تداول السلطة بشكل حضاري لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه. نظام حافظ الأسد لم ينشأ بسبب مؤامرة علوية تاريخية. هذا النظام أتى بالصدفة المحضة. من المستبعد أن العلويين في سورية كانوا يخططون للاستيلاء على السلطة قبل نظام حافظ الأسد. هذا كلام خرافي لا علاقة له بالواقع.
الضباط العلويون كانوا في البداية جزءا من النظام البعثي. عندما انقسم البعثيون تكتل العلويون مع الدروز وغيرهم من الأقليات ضد الفريق اليميني. بعد ذلك اختلف العلويون مع الدروز، ثم اختلف العلويون فيما بين أنفسهم (فريق مع حافظ أسد وفريق مع صلاح جديد). العملية كانت عملية عشوائية وفق نظرية “صراع البقاء” التي وصفها داروين. هي لم تكن نتيجة تخطيط مسبق. في ذلك الزمن كان هناك صراع دارويني بين القوى والتيارات السياسة السورية وكان هم كل طرف هو القضاء على الآخرين قبل أن يقضوا عليه. الصدفة شاءت أن الضباط العلويين وحافظ الأسد هم الذين ربحوا في صراع البقاء هذا. هم ربحوا لأنهم كانوا من الأصل أقوياء في الجيش.
الديمقراطية في سورية صعبة جدا لأن لا أحد يثق بالآخرين. الضباط العلويون يعتقدون أنهم لو تخلوا عن السلطة فإن السنة المتعصبين سيتسللون إلى الدولة وسينتقمون من العلويين. للأسف الشديد أحداث الثورة السورية رسخت هذا الاعتقاد لديهم. أحداث الثورة السورية بينت بالفعل أن هناك كثير من السنة المتعصبين في سورية الذين لا يريدون التفاهم والتسوية وإنما يعملون وفق “نظرية أنا أو لا أحد”. ليس هذا فقط بل هم أثبتوا أنهم مستعدون للتحالف مع الشيطان وفعل كل شيء ممكن لكي يصلوا إلى السلطة، حتى لو دمروا سورية بكاملها.
كيف نتوقع من ضباط النظام السوري أن يتخلوا عن السلطة لأمثال هؤلاء؟ هذا طلب مستحيل.
المشكلة هي أن القضية حاليا في سورية ليست قضية رئاسة. لو كانت المشكلة تنحصر في الرئيس الأسد لكانت مسألة بسيطة، ولكن المشكلة هي أن قسما من السوريين هو مشحون على أساس طائفي. هؤلاء لن يكتفوا بتغيير الرئيس الأسد ولا بأية تسوية مع النظام الحالي. هؤلاء يريدون إزالة النظام الحالي بالكامل لأسباب طائفية محضة (حتى لو تحدثوا بكلام آخر عن الجرائم ونحو ذلك). هم لا يؤمنون أصلا بمنطق التسوية والشراكة كما بينت الأحداث.
المصيبة الكبيرة هي أن هؤلاء عموما ليست لهم قيادات محلية سورية يمكن التفاوض معها. هم في الغالب عبارة عن غوغاء غير منظمين. من يتحكم بهم هو المخابرات التركية والقطرية والسعودية ونحو ذلك. كل ما نشاهده على الإعلام من مجالس وهيئات هو مجرد ديكور ليس أكثر. أنا لا أظن أن أحدا من معارضي الخارج يستطيع أن يؤثر بشيء على الغوغاء الذين ينشطون في الداخل السوري. هؤلاء لا يمكن لأحد أن يتحكم بهم سوى أجهزة المخابرات التي تمسك أميركا بخيوطها.
لو فرضنا أن أحدا من المعارضين الخارجيين قرر التفاوض مع النظام فإن المخابرات الأميركية ستعمل على إقصائه وإزاحته. القرار الحقيقي لما يسمى الثوار هو ليس عند معارضي الخارج وإنما عند الدول التي نصبت هؤلاء المعارضين.
النظام السوري حاول جاهدا أن يتفاوض مع الجماعات المسلحة في سورية ولكنه فشل في ذلك. هذه الجماعات تنقسم إلى قسمين، قسم موال للقاعدة يرفض الحوار من حيث المبدأ (سواء مع النظام السوري أو غيره)، وقسم آخر موال للمخابرات الأجنبية لا يمكن التحاور معه إلا إن أعطت أميركا الضوء الأخضر لذلك.
المخابرات الأجنبية تحرك الثوار الموالين لها لكي يشنوا هجمات متواصلة على المدن السورية والجيش السوري. هذه الهجمات ليس لها هدف معين. هي فقط تهدف للاستنزاف. هم يشنون حرب استنزاف ضد الدولة السورية بهدف إيصالها إلى مرحلة التحلل والزوال، والشعار هو إسقاط النظام. كلمة “إسقاط النظام” هي كلمة لا يمكن لأحد أن يفهم ماذا تعني. حتى الثوار لا يفهمون ما هو معناها. معنى هذه الكلمة لدى الثوار هو تقريبا كما يلي:
شن هجمات وأعمال تخريب متواصلة حتى يأتي يوم يتبخر فيه العلويون من سورية
هذا هو ما فهمته من متابعتي لكلام الثوار. أنا أحاول جاهدا منذ بداية الثورة أن أفهم ما الذي يقصدونه بكلمة “إسقاط النظام”، ولكنني لم أفهم شيئا أكثر من هذا السطر (الذي هو كلام بلا معنى). هم يقولون أنهم يريدون إزاحة العلويين عن السلطة (حسب قولهم)، ولكنني لا أدري كيف سيصلون إلى هذا الهدف عبر أعمالهم، ولا أدري أصلا ما هو معنى عبارة إزاحة العلويين بالتطبيق العملي، ولا أدري كيف ستصبح الأمور أفضل بعد تحقيق هذا الشعار الغامض.
أنا أخشى أن كثيرا من هؤلاء الثوار هم ربما مشحونون بأفكار دينية معينة تؤثر على تفكيرهم وتجعلهم يفكرون بشكل خرافي. هم ربما يتصورون أنهم إن استمروا في شن الهجمات وأعمال التخريب فسيأتي يوم ينصرهم فيه الله عبر إنزال ملائكة تؤثر في قلوب العلويين وتدفعهم للهرب (مثلا)، على أساس أن الله لا بد أن يستجيب في النهاية وينصر المجاهدين. أنا أخشى بالفعل أن يكون الثوار يفكرون بمثل هذه الطريقة، لأنني حتى الآن لا أفهم ما هو الهدف من سلوكهم ولا أفهم ما هو الهدف الذي يريدون تحقيقه بالضبط من شن الهجمات وأعمال التخريب.