عن العشائر في محافظة حلب وسورية

كثير من العائلات في مدينة حلب هي من أصل عشائري.

إقرأ المزيد

تطور الإنسان (7)

في المقال الأخير تحدثت عن الطفرة الثقافية التي حصلت مع بداية العصر الباليوليثي الأعلى قبل حوالي 50,000 عام، وذكرت اختلاف الباحثين حول تفسير هذه الطفرة.

إقرأ المزيد

تطور الإنسان (6)

رسم من عام 1920 يظهر مجموعة من النياندرثال، وأحدهم يحمل رمحا موسترية Mousterian

تحدثت في الأجزاء السابقة من هذا الموضوع عن الأجيال البشرية الأولى. من الممكن أن نلخص هذه الأجيال كما يلي:

إقرأ المزيد

مجددا عن الهيمنة الذكورية وأصل الزواج الأحادي

في مقال سابق تحدثت عن موضوع البطريركية (حكم الذكور) وذكرت النظرية التي تربط ظهور البطريركية بظهور مفهوم الأبوة قبل بضعة آلاف من السنين.

هيمنة الذكور على الإناث هي موجودة لدى الكثير من الحيوانات، بما في ذلك الرئيسيات (هي موجودة لدى كل القرود الكبيرة great apes).

هل ظهور الهيمنة الذكورية لدى القرود هو مرتبط باكتشاف الأبوة؟

لا أظن ذلك. هذا الكلام ليس له معنى.

على ما يبدو فإن الهيمنة الذكورية في عالم الحيوان هي فرع من ظاهرة أعم هي ظاهرة الطبقية dominance hierarchy.

المجتمعات الحيوانية عموما لا تقوم على مبدأ المساواة بين الأفراد egalitarianism، ولكنها تقوم على الطبقية.

إذا كانت هناك عدة طبقات في المجتمع فهذا يسمى linear dominance hierarchy، وإذا كان هناك فرد واحد يتحكم بكل المجتمع فهذا يسمى despotism.

القرود لا تعرف شيئا اسمه المساواة. هناك دائما تفاوت طبقي في مجتمعات القرود.

ما يحدد طبقة القرد هو خصائصه الجسمانية (حجمه وقوته إلخ). القرد الأقوى يتحكم بالقرد الأضعف.

القرد الأقوى يحصل على حصة أكبر من الغذاء، ويحصل على فرص أكبر للتزاوج مع الإناث.

هيمنة الذكور على الإناث في مجتمع القرود هي مرتبطة ربما بثنائية الشكل الجنسية sexual dimorphism. القرود الذكور هم أقوى بدنيا من الإناث، وهذا ربما هو سبب هيمنتهم على الإناث.

الباحثون يرون أن ثنائية الشكل الجنسية تنشأ في مجتمع لا يطبق الزواج الأحادي monogamy.

معنى الزواج الأحادي هو أن يتزوج الذكر من أنثى واحدة فقط. في حال عدم تطبيق الزواج الأحادي فإن الذكر يسعى للتواصل جنسيا مع عدد كبير من الإناث.

الإناث في أغلب أنواع الحيوانات هن أكثر انتقائية من الذكور في موضوع التزاوج، بمعنى أن الأنثى تضع معايير عالية نسبيا للذكر الذي يمكن أن تقبل بالتزاوج الجنسي معه. هذه الظاهرة تسمى mate choice.

السؤال هو لماذا تضع الإناث معايير أعلى من معايير الذكور للتزاوج الجنسي؟

الجواب هو نظرية تسمى parental investment. هذه النظرية تقول أن الإناث ينفقن من الوقت والجهد في موضوع التكاثر أكثر مما ينفقه الذكر، وبالتالي الأنثى يجب أن تكون أكثر حذرا من الذكر في اختيار شريكها الجنسي لأن هناك كما أكبر من المخاطرة في عملية التكاثر بالنسبة لها.

تشارلز داروين ميز بين ظاهرتين تتحكمان في عملية التطور:

  • الانتخاب الطبيعي natural selection
  • الانتخاب الجنسي sexual selection

معنى الانتخاب الطبيعي هو أن التطور evolution يفضل الخصائص التي تناسب بقاء النوع survival of species. مثلا التطور يفضل زيادة الذكاء عند البشر لأن الذكاء يناسب بقاء البشر. أيضا التطور يفضل البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية لأن البكتيريا التي لا تقاوم المضادات الحيوية هي عرضة للفناء. التطور يفضل الحشرات المقاومة للمبيدات الحشرية لأن الحشرات التي لا تقاوم المبيدات الحشرية ستفنى، وهكذا.

الانتخاب الجنسي يتعلق بمعدل تكاثر الفرد reproductive success. التطور يفضل الأفراد القادرين على التكاثر بشكل أكبر من غيرهم.

الفرد الذي ينجب أكثر من غيره هو “أنسب” في منظور الانتخاب الجنسي. مفهوم المناسبة fitness هو جوهري في نظرية التطور (شعار نظرية التطور هو “البقاء للأنسب” survival of the fittest). أي شيء إيجابي من منظور الانتخاب الطبيعي أو الانتخاب الجنسي يجعل الفرد أنسب من غيره.

الذكر الأنسب في منظور الانتخاب الجنسي هو الذكر الأقدر على إنجاب الأبناء. لهذا السبب ذكور الحيوانات يسعون للتزاوج مع أكبر عدد ممكن من الإناث، لأن هذا يزيد من تكاثرهم وبالتالي “مناسبتهم”.

الأمور التي تجعل الذكر أنسب يمكن أن تجعل الأنثى أقل مناسبة. مثلا التزاوج المكثف يجعل الذكر أنسب لأنه يزيد من احتمالات تكاثره، ولكن التزاوج المكثف يمكن أن يضر بالأنثى، وبالتالي لدينا هنا تضارب في المناسبة بين الذكر والأنثى. مثل هذه الحالة تسمى sexual conflict أو sexual antagonism.

التزاوج المكثف هو من حيث المبدأ يفيد الأنثى كما الذكر، لأن مصلحة الأنثى هي إنجاب أكبر عدد ممكن من الأبناء، ولكن الإنجاب بالنسبة للأنثى هو مسألة عالية المخاطرة لأنه يتضمن عدة مراحل طويلة (حمل وولادة وإرضاع). لو فرضنا أن الأنثى خسرت طفلها أثناء الولادة فهذا يعني أنها أضاعت شهور الحمل التسعة دون أن تستفيد منها شيئا (ناهيك عن الأضرار البدنية والصحية). الذكر خلال تسعة شهور يمكنه نظريا أن يتزاوج مع آلاف الإناث (وبالتالي ينجب آلاف الأبناء) دون أن يخسر شيئا يذكر من الناحية البدنية والصحية، أما الأنثى فهي تعطل نفسها لمدة تسعة شهور على أمل إنجاب طفل واحد فقط، أي أن هناك فرقا كبيرا في نسبة المخاطرة.

هذا هو معنى نظرية الاستثمار الوالدي parental investment. فرص التكاثر بالنسبة للأنثى هي محدودة مقارنة مع الذكر، وبالتالي الأنثى يجب أن تكون أكثر حرصا في استثمار الفرص. لو تزاوجت الأنثى مع ذكر مريض أو ضعيف فهذا يزيد من احتمالات موت الطفل أو فشله تكاثريا، وبذلك تكون الأنثى قد خسرت مناسبتها (فشل الأنثى في التكاثر يعني أنها غير مناسبة).

بما أن الإناث هن أكثر انتقائية من الذكور فهذا يؤدي إلى ظهور التنافس بين الذكور على الإناث. التنافس بين الذكور هو محفز تطوري من شأنه تغيير أشكال الذكور نحو أشكال تساعد على كسب الإناث، وهذا هو سبب ظهور ثنائية الشكل الجنسية.

ما يلي من ويكيبيديا:

The sexual selection concept arises from the observation that many animals evolve features whose function is not to help individuals survive, but help them to maximize their reproductive success. This can be realized in two different ways:

  • by making themselves attractive to the opposite sex (intersexual selection, between the sexes); or
  • by intimidating, deterring or defeating same-sex rivals (intrasexual selection, within a given sex).

Thus, sexual selection takes two major forms: intersexual selection (also known as ‘mate choice’ or ‘female choice’) in which males compete with each other to be chosen by females; and intrasexual selection (also known as ‘male–male competition’) in which members of the less limited sex (typically males) compete aggressively among themselves for access to the limiting sex. The limiting sex is the sex which has the higher parental investment, which therefore faces the most pressure to make a good mate decision.

الصراع بين الذكور للوصول إلى الإناث يتجسد بشكلين، شكل سلمي يقوم على مبدأ السعي لكسب إعجاب الإناث (هذا الشكل يسمى intersexual selection)، وشكل آخر غير سلمي يقوم على مبدأ إقصاء المنافسين بالقوة (هذا الشكل يسمى intrasexual selection).

طاووس ذكر يستعرض جماله أمام أنثى بهدف إغرائها جنسيا. مثال الطاووس هو من الأمثلة التي طرحها داروين في كتابه The Descent of Man and Selection in Relation to Sex الذي شرح فيه مفهوم الانتخاب الجنسي. ريش الطاووس المزركش ليست له فائدة في موضوع بقاء النوع بل على العكس هو يعيق بقاء النوع بسبب حجمه الكبير وصعوبة التصرف به، بالتالي داروين رأى أن هذا الريش لا يمكن تفسيره وفق مبدأ الانتخاب الطبيعي. داروين رأى أن هذا الريش هو مثال على الانتخاب الجنسي لأن وظيفته في الأصل هي إغراء الإناث بهدف إقناعهن بالتزاوج مع هذا الذكر دون غيره.
الذكر على اليمين والأنثى على الشمال. هذه الصورة تبين ثنائية الشكل الجنسية لدى الطائر المسمى Common Pheasant

الصراع السلمي لكسب إعجاب الإناث يؤدي في المحصلة إلى “تحلية” الذكور وجعلهم أكثر جاذبية للإناث، أما الصراع غير السلمي فيؤدي إلى تنمية القوة البدنية للذكور وجعلهم أكثر قدرة على القتال والعراك. النوع الثاني تحديدا هو الذي أدى إلى هيمنة الذكور على الإناث، لأن الصراع البدني المستمر بين الذكور جعلهم أقوى بدنيا من الإناث، وفي عالم الحيوان الأقوى بدنيا يتحكم بالأضعف.

ما سبق هو نظرية تقليدية تفسر ظهور الهيمنة الذكورية على الإناث. هناك نظريات أخرى غير هذه النظرية، ولكن الآن أنا لن أتطرق سوى لهذه النظرية.

الزواج الأحادي

الزواج الأحادي monogamy هو ظاهرة نادرة نسبيا في عالم الحيوان. من مميزات الكائنات التي تمارس الزواج الأحادي أنها لا تبدي قدرا كبيرا من ثنائية الشكل الجنسية. بعض الباحثين يقولون أن ثنائية الشكل الجنسية قلت تدريجيا في مستحاثات الجنس البشري منذ زمن القرود الجنوبية وحتى يومنا هذا، ما يدل على أن الزواج الأحادي ليس ميزة أصلية في عائلة القرود الكبيرة ولكنه بدعة ظهرت لدى الجنس البشري.

أنا في السابق ورطت نفسي وذكرت نظرية تتعلق بسبب ظهور الزواج الأحادي لدى البشر. هذا الموضوع ما كان يجب أن أخوض فيه لأنه موضوع جدلي وفيه كلام كثير.

النظرية التي ذكرتها سابقا حول سبب ظهور الزواج الأحادي هي نظرية تقليدية شائعة، ولكنها ليست محل إجماع. هناك باحثون يرفضون هذه النظرية ويطرحون نظريات أخرى.

بعض الباحثين يرون أن هناك علاقة بين نمط ترحال الإناث female ranging patterns وبين ظهور الزواج الأحادي. في رأي هؤلاء أن الزواج الأحادي يظهر عندما يعجز الذكر عن مجاراة ترحال الإناث وتنقلاتهن، خاصة وأن هناك ذكورا آخرين ينافسونه عليهن. عندما يكون انتشار الإناث واسعا فإن المحافظة عليهن تصبح صعبة والأسهل هو الاكتفاء بأنثى واحدة (وفقا لمنطق هذه النظرية).

هناك باحثون يرون أن السبب الرئيسي لظهور الزواج الأحادي هو حماية الأطفال الرضع من القتل:

http://www.pnas.org/content/early/2013/07/24/1307903110

Although common in birds, social monogamy, or pair-living, is rare among mammals because internal gestation and lactation in mammals makes it advantageous for males to seek additional mating opportunities. A number of hypotheses have been proposed to explain the evolution of social monogamy among mammals: as a male mate-guarding strategy, because of the benefits of biparental care, or as a defense against infanticidal males. However, comparative analyses have been unable to resolve the root causes of monogamy. Primates are unusual among mammals because monogamy has evolved independently in all of the major clades. Here we combine trait data across 230 primate species with a Bayesian likelihood framework to test for correlated evolution between monogamy and a range of traits to evaluate the competing hypotheses. We find evidence of correlated evolution between social monogamy and both female ranging patterns and biparental care, but the most compelling explanation for the appearance of monogamy is male infanticide. It is only the presence of infanticide that reliably increases the probability of a shift to social monogamy, whereas monogamy allows the secondary adoption of paternal care and is associated with a shift to discrete ranges. The origin of social monogamy in primates is best explained by long lactation periods caused by altriciality, making primate infants particularly vulnerable to infanticidal males. We show that biparental care shortens relative lactation length, thereby reducing infanticide risk and increasing reproductive rates. These phylogenetic analyses support a key role for infanticide in the social evolution of primates, and potentially, humans.

ظاهرة قتل الأطفال الرضع infanticide هي شائعة في عالم الحيوان (راجع مقالات ويكيبيديا). هذه الظاهرة كانت شائعة أيضا لدى البشر إلى وقت قريب. الباحثون يرون أن هناك أكثر من سبب وراء هذه الظاهرة. أحد الأسباب هو الخوف من الإملاق (الفقر).

في كثير من المجتمعات البشرية كان يتم تقديم الأطفال كقرابين وأضاحي للآلهة. هذه الممارسة كانت شائعة لدى الكنعانيين في سورية الكبرى والمغرب العربي. اليونانيون والرومان كان يرفضون التضحية بالأطفال ويعتبرون هذا عملا بربريا، ولكن رغم ذلك فإن ظاهرة رمي الأطفال الرضع على قارعة الطريق كانت شائعة نسبيا في اليونان وإيطاليا. السبب وراء هذه الظاهرة هو في الأساس سبب اقتصادي. إذا كان الإنسان لا يحتمل كلفة تربية طفل فإنه كان يلقيه على قارعة الطريق (إذا كان الطفل محظوظا فإن الآلهة تنقذه وتهيء له شخصا يربيه كما ورد كثيرا في القصص اليونانية القديمة).

المصريون القدماء كانوا لا يقبلون قتل الأطفال الرضع وكانوا يلتقطون الأطفال المرميين في الشوارع والمزابل ويربونهم. الكاتب اليوناني إسطرابون قال أن من خصائص المصريين أنهم يربون جميع الأطفال بلا استثناء. حسب معلوماتي فإن مصر القديمة كانت ربما أغنى بلد في العالم بالغذاء، وهذا ربما يكون السبب الذي جعل المصريين يهتمون بحياة الأطفال.

قتل الأطفال الرضع كان موجودا لدى عرب الجاهلية، بدليل الآية القرآنية التي تقول {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}. من المعروف أيضا أن العرب كانوا يئدون البنات الرضع لسبب مركب اقتصادي-اجتماعي. بما أن عرب الجاهلية كانوا في الغالب فقراء فمن المتوقع أنهم كانوا يمارسون قتل الأطفال بكثرة نسبية.

قتل الأطفال لسبب اقتصادي هو موجود أيضا في عالم الحيوان. إناث القرود من الممكن أن يقتلن أطفالهن عندما لا يكون هناك غذاء كاف (ومن الممكن حتى للأم أن تأكل طفلها)، ولكن هذا نادر.

قتل الأطفال الرضع في عالم الحيوان يحدث في الغالب لسبب جنسي. الذكور في الغالب هم الذين يقتلون أطفال الإناث، لأن الأنثى في فترة الإرضاع لا تكون قادرة على التزاوج.

إناث غالبية الثدييات لا تمتلك الرغبة الجنسية سوى في فترة محددة من الدورة الشهرية هي الفترة يبلغ فيها إفراز الإستروجين ذروته قبيل الإباضة ovulation. هذه الفترة تسمى فترة النزو أو الشبق estrus. خلال هذه الفترة الأنثى تكون خصبة (مهيئة للحمل والإنجاب).

طبعا الدورة الشهرية لدى إناث غالبية الثدييات لا تأتي في كل شهر. بعض الثدييات تأتيها الدورة مرة واحدة في العام، وهناك ثدييات تأتيها الدورة مرتين أو بضعة مرات في العام. هذه الدورات لا تنتهي بالضرورة بالنزف الطمثي الذي يحوي بطانة الرحم الساقطة (كما هو الحال لدى البشر) ولكنها في الغالب تنتهي دون نزف طمثي. النزف لو حصل فهو يكون خلال فترة الشبق وهو لا يحوي بطانة الرحم (سقوط بطانة الرحم يحصل عند الرئيسيات وبعض أنواع الوطاويط والفيلة). الدورات التي تنتهي بسقوط بطانة الرحم تسمى دورات شهرية menstrual cycles، والدورات التي لا تنتهي بسقوط بطانة الرحم تسمى دورات شبقية estrus cycles. غالبية الثدييات تملك دورات شبقية وليس دورات شهرية. (المعلومة التقليدية التي يعرفها جميع الناس هي أن إناث البشر لا يمتلكن فترات شبق، ولكن في الآونة الأخيرة ظهرت عدة دراسات تقول أن الرغبة الجنسية لدى إناث البشر تزداد قبيل الإباضة، ما يعني أن فترة الشبق هي موجودة لدى البشر ولو بشكل أثري vestigial).

خلاصة ما سبق هي أن الرغبة الجنسية لدى إناث غالبية الثدييات لا تظهر سوى في فترات محدودة من العام. طبعا الشبق لا يمكن أن يحصل لدى الإناث المرضعات. لهذا السبب الذكور كثيرا ما يقتلون الأطفال الرضع بهدف تسريع ظهور الشبق لدى أمهاتهم.

حسب الدراسة التي أشرت إليها في الأعلى فإن طول فترة الرضاعة لدى الرئيسيات أدى إلى زيادة ظاهرة قتل الأطفال الرضع، وهذا بدوره أدى إلى ظهور الزواج الأحادي بهدف التقليل من ظاهرة قتل الأطفال الرضع.

هذه الفكرة لا تتعارض مع النظرية التي طرحتها سابقا. أنا قلت أن هدف الزواج الأحادي هو توفير المساعدة للمرأة خلال الحمل والولادة والإرضاع. حماية طفل المرأة من القتل هو شكل من أشكال المساعدة (هو في الحقيقة أهم أشكال المساعدة لأن المرأة احتاجت للمساعدة أصلا بسبب هذا الطفل).

إنجاب الطفل البشري هو مسألة صعبة من عدة نواح. المرأة لكي تنجب الطفل تحتاج للغذاء والراحة لمدة طويلة، وهي تحتاج لحمايتها وحماية طفلها. ظاهرة قتل الأطفال (سواء لسبب جنسي أم بسبب الإملاق) هي ظاهرة شائعة في تاريخ البشر كما تدل على ذلك الآثار والكتابات التاريخية (بما في ذلك الكتاب اليهودي والقرآن). هذا يدل أكثر على أن إنجاب الأطفال البشريين وتربيتهم لم يكن مسألة سهلة. بالتالي الزواج الأحادي كان ضرورة لحفظ النوع البشري.

البشر عندما انتقلوا إلى الزواج الأحادي خسروا ثنائية الشكل الجنسية، والمتوقع هو أن هيمنة الذكور على الإناث خفت أيضا. المجتمعات البشرية القديمة كانت قريبة من مبدأ المساواة egalitarianism، ولكن التمييز والطبقية وهيمنة الذكور على الإناث هي أمور عادت من جديد بعد ظهور المجتمعات الزراعية قبل بضعة آلاف من السنين. ما هو سبب عودة هذه الأمور؟ أظن أن السبب هو اقتصادي. اكتشاف الزراعة وقيام المجتمعات الإقطاعية أدى إلى زيادة الثروة لدى بعض الأشخاص. هؤلاء الأشخاص صاروا يسعون للتحكم في غيرهم، ومن هنا نشأت الطبقية.

الطبقية تنشئ عندما يكون بعض الناس أقوى من غيرهم. من يمتلك الأراضي الزراعية هو أقوى من الذين لا يملكون شيئا.

بالنسبة للأبوية أو هيمنة الذكور على النساء فهي ظهرت بعد ظهور الإقطاع كما يقول بعض الباحثين. من الممكن أن سبب ظهورها هو اكتشاف فكرة الأبوة. هناك دلائل على أن البشر قديما لم يكونوا يفهمون أن كل طفل له أب وحيد. هم كانوا يظنون أن الطفل الواحد يمكن أن يكون له أكثر من أب (أو ليس له أب مطلقا). عندما فهموا أن الطفل الواحد له أب وحيد تغيرت مقاربتهم لقضايا النساء والزواج.

والله أعلم،

تطور الإنسان (4) (ملحق)

جميع الرئيسيات primates (القرود) تنمو بسرعة بعد الولادة، وجميعها تستمر في النمو لزمن طويل نسبيا بعد الولادة، ولكن الإنسان يستمر في النمو لزمن أطول من جميع الرئيسيات الأخرى.

إقرأ المزيد

عن الزواج والبطريركية

تحدثت عن أصل الزواج في موضوع بعنوان أصل ظاهرة الكبت الجنسي عند العرب (1). هذا الموضوع هو من المواضيع التي ندمت بعد كتابتها لأنني كتبته دون تحضير جيد ولهذا السبب كان فيه بعض الخلط والتشويش.

هناك قضيتان لم أميز بينهما جيدا في ذلك الموضوع، القضية الأولى هي الزواج (باليونانية (gámos) γάμος) والقضية الثانية هي البطريركية.

البطريركية patriarchy أو النظام الأبوي هي ظاهرة متأخرة ظهرت قبل بضعة آلاف من السنين. مفاهيم العذرية والتقييد الجنسي هي مرتبطة بظهور البطريركية. أنا تحدثت عن الأصل المحتمل للبطريركية في المقال المسمى أصل ظاهرة الكبت الجنسي عند العرب (2).

الزواج هو أقدم بكثير من البطريركية. في المقال المسمى تطور الإنسان (2) أنا أشرت إلى نظرية تفسر تطور الزواج لدى البشر، ولكن هذه النظرية هي ليست محل إجماع وهناك بعض الجدل حولها.

أصل الزواج لدى البشر هو مسألة غامضة وخلافية. هناك أولا جدل حول نوعية الزواج البشري الأصلي. هل هو الزواج الأحادي monogamy (زوجة واحدة لكل رجل) أم الزواج المتعدد polygamy (أكثر من زوجة للرجل الواحد)؟

تشارلز داروين رأى أن الزواج المتعدد هو الحالة الأقدم لدى البشر (من ويكيبيديا):

In his 1871 book The Descent of Man, Darwin stated that “Judging from the social habits of man as he now exists, and from most savages being polygamists, the most probable view is that primeval man aboriginally lived in small communities, each with as many wives as he could support and obtain, whom he would have jealously guarded against all other men.”

هناك باحثون معاصرون يدعمون هذا الرأي (من ويكيبيديا):

Scientists discuss the evolution of monogamy in humans as if it is the prevailing mating strategy among Homo sapiens, although only approximately 17.8% (100) of 563 societies sampled in Murdock’s Atlas of World Cultures has any form of monogamy […] Therefore, “genetic monogamy appears to be extremely rare in humans,” and “social monogamy is not common” […] This means that monogamy is not the predominant mating system among the hominid lineage and probably never was.

المقصود بـ social monogamy أو marital monogamy هو الزواج الأحادي بغض النظر عن التقييد الجنسي، والمقصود بـ sexual monogamy أو genetic monogamy هو التقييد الجنسي للمتزوجين بحيث لا يحق مثلا للزوجة أن تمارس العلاقة الجنسية مع شخص آخر غير زوجها (أو العكس).

الزواج الأحادي هو نادر لدى الحيوانات (من ويكيبيديا):

Socially monogamous species are scattered throughout the animal kingdom: A few insects, a few fish, about nine-tenths of birds, and a few mammals are socially monogamous.

…………………………

The amount of social monogamy in animals varies across taxa, with over 90% of birds engaging in social monogamy while only 3% of mammals are known to do the same.

الزواج الأحادي نادر لدى الحيوانات عموما ولدى الثدييات خصوصا، وهو نادر طبعا لدى الرئيسيات Primates (القرود).

الإنسان هو من الرئيسيات، وبالتالي المفترض نظريا هو أن يكون الزواج الأحادي نادرا لدى البشر. الإحصاءات تبين أن الزواج الأحادي هو النمط الأشيع لدى البشر وإن كانت غالبية الشعوب تقر الزواج المتعدد (من ويكيبيديا):

According to the Ethnographic Atlas, of 1,231 societies from around the world noted, 186 were monogamous; 453 had occasional polygyny; 588 had more frequent polygyny; and 4 had polyandry. However, this does not take into account the relative population of each of the societies studied, and the actual practice of polygamy in a tolerant society may actually be low, with the majority of aspirant polygamists practicing monogamous marriage.

صحيح أن عدد الشعوب التي تسمح بالزواج المتعدد هو كبير، ولكن غالبية البشر يمارسون الزواج الأحادي. نسبة الأشخاص الذي يتزوجون أحاديا هي أكبر حتى في المجتمعات التي تسمح بالزواج المتعدد.

بالنسبة للمستحاثات البشرية القديمة فهناك جدل حولها. بعض الدراسات تقول أن مستحاثات القرود الجنوبية تبدي قدرا كبيرا من ثنائية الشكل الجنسية sexual dimorphism، وهذه الظاهرة انخفضت بشكل ملحوظ لدى الإنسان المنتصب والإنسان العامل. هذا دليل على أن التنافس الذكوري على الإناث انخفض مع تطور البشر. في المقابل هناك باحثون ينكرون هذا الكلام ويقولون أن ثنائية الشكل الجنسية في مستحاثات القرود الجنوبية لا تزيد عما هو مشاهد لدى البشر المعاصرين.

هناك إذن جدل حول أصل الزواج عند البشر، ولكن في رأيي أن النظرية التي ذكرتها في مقال “تطور الإنسان (2)” هي النظرية الأرجح والأكثر منطقية.

تعدد الزوجات لم يكن في مصلحة البشر الباكرين لأكثر من اعتبار:

  • الجنس البشري هو من الأصل جنس معتّر وفقير. البشر الأوائل كانوا يعملون في نبش القمامة. هذا الشعب الفقير لا يمكنه أن يمارس تعدد الزوجات، لأن إعالة المرأة البشرية هي أمر مكلف وشاق.
  • البشر (خاصة منذ زمن الإنسان المنتصب/العامل) كانوا يميلون للتعاون والتشارك في الصيد. التقاتل والتنازع على الإناث هو ليس في مصلحتهم.

هذه الاعتبارات هي ربما التي جعلت البشر الأوائل يبتعدون عن تعدد الزوجات.

هذه الاعتبارات ما زالت قائمة حتى الآن. كثير من ذكور البشر المعاصرين يودون أن يمارسوا التعدد ولكنهم لا يفعلون ذلك بسبب الكلفة العالية وخوفا من العواقب الاجتماعية. هذه العوامل هي ربما نفس العوامل التي كانت موجودة عند ظهور الجنس البشري قبل 2,5 مليون عام.

تعدد الزوجات لا يناسب طبيعة حياة البشر لأن الزواج من الأنثى البشرية يختلف عن الزواج من إناث الكائنات الأخرى، ولأن طبيعة العلاقات الاجتماعية البشرية تختلف عن طبيعة العلاقات الاجتماعية لدى الكائنات الأخرى. الذكر البشري يحتاج دائما لمساعدة البشر الآخرين وهو لا يستطيع أن يخرب علاقاته مع بقية البشر فقط لكي يستولي على النساء.

طبعا أنا أتكلم عن النمط العام وليس عن الاستثناءات. هناك بعض الذكور الذين يستطعيون إعالة عدد كبير من النساء والذين لا يخشون من العواقب الاجتماعية في حال مارسوا التعدد. هذا الأمر هو استثناء وليس القاعدة.

ملاحظة: أنا عندما أقول أن “كلفة إعالة المرأة البشرية عالية” أقصد أن الكلفة عالية بالمقارنة مع عالم الحيوان، لأنني أتحدث في سياق نظرية التطور التي هي فرع من البيولوجيا. لو كنا نتحدث في سياق آخر غير هذا السياق فأنا ما كنت لأقول أن كلفة إعالة الزوج لزوجته هي عالية.