ما هو سبب “جزأرة” قناة الجزيرة؟

هذا المقطع من اليوتيوب يظهر المذيعين الجزائريين في القنوات العربية:

 

ما لفتني في هذا المقطع هو أن نسبة عالية من المذيعين الجزائريين هم موجودون في قناة الجزيرة القطرية.

ليس هذا فقط بل أنا علمت اليوم أنه تم تعيين مدير جزائري لقناة الجزيرة اسمه مصطفى سواق.

أنا ذكرت سابقا أن قناة الجزيرة صارت تهتم مؤخرا ببث الكثير من البرامج والمقابلات عن الجزائر.

هناك على ما يبدو عملية “جزأرة” لقناة الجزيرة.

هذا يذكرني بما قامت به الجزيرة في بداية عهدها مع الفلسطينيين.

قناة الجزيرة كانت تحرص كثيرا على توظيف الفلسطينيين، إلى درجة أن الفلسطينيين كانوا يشكلون القسم الأكبر من العاملين فيها.

وضاح خنفر مدير القناة السابق هو فلسطيني.

القناة بهذه السياسة كانت تحاول التقرب إلى الفلسطينيين ومؤيديهم، وهي نجحت في ذلك على ما أعتقد. حسب ما أعلم فإن قناة الجزيرة تحظى بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين (رغم أن الهدف الأساسي للقناة هو تصفية القضية الفلسطينية).

في الآونة الأخيرة نجحت قناة الجزيرة في تحقيق هدفها الأساسي المتعلق بفلسطين. هي نجحت في تدمير سورية وفي تحويل سورية إلى عدو للعرب بدلا من إسرائيل.

بعد هذا النجاح على الصعيد الفلسطيني يبدو أن المخابرات الأميركية بدأت تضع عينها على الجزائر.

ربما لهذا السبب تم تعيين مدير جزائري للقناة خلفا لوضاح خنفر الفلسطيني.

وربما لهذا السبب ازدادت نسبة الجزائريين العاملين في القناة.

يبدو أن الأميركان والإسرائيليين ينظرون للجزائر على أنها التهديد الأكبر لإسرائيل في المرحلة المقبلة.

هدف قناة الجزيرة ببساطة هو تعزيز وحماية أمن إسرائيل.

أكبر تهديد لإسرائيل تقليديا هما سورية والعراق. هذان البلدان تم تدميرهما بالفعل ولم تعد قناة الجزيرة تستطيع أن تفعل المزيد فيهما.

من هي الدولة العربية الأخطر على إسرائيل بعد سورية والعراق؟

حزب الله في لبنان هو ليس دولة، وأصلا لبنان الآن يسير على طريق التدمير للأسف.

نفس الأمر ينطبق على مصر التي يتم تدميرها.

لم تعد توجد في المشرق العربي أية دولة تشكل خطرا جديا على إسرائيل.

لهذا السبب بدأت أنظار الأميركان والإسرائيليين تتجه نحو المغرب العربي.

من هي الدولة الأخطر على إسرائيل في المغرب العربي؟

الجواب سابقا كان ليبيا، وليبيا تم تدميرها بالفعل.

لم يبق هناك سوى الجزائر. هذه هي الدولة العربية الوحيدة التي يمكن أن تشكل تهديدا لإسرائيل في المستقبل، وهي ما زالت مستقرة.

لهذا السبب يبدو أن جهد قناة الجزيرة سينصب مستقبلا على تدمير الجزائر.

شيخ قطر يعمل بشكل منهجي على تدمير القوى المعادية لإسرائيل من الأخطر إلى الأقل خطورة.

أنا ذكرت في السابق رأيي في هذا الشيخ.

هو ليس أكثر من واجهة لأجهزة المخابرات التي أتت به إلى السلطة.

في الحقيقة هو لديه اهتمام خاص ومبالغ به بحماية إسرائيل. لهذا السبب أنا شككت في السابق بأنه ربما يكون يهوديا.

على الأغلب أنه ليس يهوديا، ولكن يبدو أن من يديرونه هم يهود.

هناك كتاب صدر مؤخرا في فرنسا ورد فيه أن جماعة AIPAC اليهودية في أميركا هي التي أتت بشيخ قطر إلى السلطة.

أنا لدي شعور قوي بأن من يديرون شيخ قطر وقناة الجزيرة هم يهود.

ما سر اهتمام قناة الجزيرة بالجزائر؟

خلال الأشهر الأخيرة كان هناك اهتمام زائد لقنوات المحور الأميركي بالجزائر.

مثلا قناة الجزيرة بثت وما زالت تبث العديد من البرامج الوثائقية والمقابلات المتعلقة بالجزائر.

أظن أن الأمر متعلق بخلافة بوتفليقة.

المحور الأميركي يريد اجتذاب المشاهدين الجزائريين تمهيدا للتأثير عليهم وتوجيههم خلال الفترة القادمة التي هي فترة مهمة.

روحاني إصلاحي

 

الرئيس الإيراني الجديد هو ذو توجه إصلاحي (بالمعنى العام للكلمة وليس بالمعنى الإيراني):

نشرت صحيفة الغارديان تقريراً من طهران، أعده سعيد كمالي ديغان، وجوليان برغر، بعنوان “مؤشرات تغيير تبعث آمال ربيع إيراني”، أوضحا فيه أن “الصحافيين الزوجين الشابين، مسعود باستاني، وماسة عمرو-عبادي، كانا محتجزين بسبب كتاباتهما ولم يريا بعضهما في السنوات الأربع الأخيرة إلا لفترات وجيزة في فترات اطلاق سراحمها المحدودة”.

ويضيف المقال “أطلق سراح الزوجين هذا الشهر وأظهرت صور على الفيسبوك ابتهاجهما وفرحة اصدقائهما لالتئام شملهما”، لافتا الى ان “إطلاق سراح الزوجين واحد من المؤشرات الصغيرة على التغيير إثر انتخاب الرئيس الايراني حسن روحاني، وهو براغماتي وصاحب برنامج انتخابي اصلاحي طموح”.

وتتابع الصحيفة أنه “يجب التعامل مع مؤشرات التغيير هذه بحذر، حيث بدت مؤشرات أقوى على الإصلاح والتغيير أثناء حكم الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، ولكن المحافظين والاجهزة الأمنية قضوا عليها”.

وتوضح أن “من بين بوادر التغيير في إيران منذ تولي روحاني الرئاسة تتمثل في تخفيف الرقابة على الانترنت، حيث قال روحاني إن الرقابة على الانترنت ليست مجدية، وأضاف أن الفيسبوك ظاهرة تكنولوجية جيدة”، مشيرة الى ان “روحاني خفف من القيود المفروضة على ملابس النساء، حيث قال إنه ضد تدخل الشرطة سعيا لامتثال النساء لارتداء الزي الاسلامي”.

ومن مؤشرات التغيير ايضا، حسبما تقول الصحيفة، تحسين حقوق الحريات، حيث تعهد بأن يكون له مستشار لشؤون الأقليات.

كما ترى الصحيفة إن من مؤشرات التغيير أيضا زيادة الحريات المدنية، حيث قال روحاني إن الحكومة القوية ليست الحكومة التي تتدخل في شؤون الناس.

حبذا لو يفهم جلاوزة النظام السوري هذا الكلام، ولكنني بصراحة لا آمل الكثير منهم.

جلاوزة النظام السوري لا يمكنهم أبدا أن يفهموا هذه المبادئ العصرية. “التراخي” الأمني الموجود حاليا في سورية هو مجرد نفاق وأمر مؤقت.

لو أتيح المجال لهم فإن جلاوزة النظام السوري سيعودون مجددا لنفس سياساتهم القديمة. هم سيحجبون الفيسبوك واليوتيوب وربما حتى يلغون الإنترنت بالكامل هذه المرة، وسوف يستعينون هذه المرة بأجهزة إلكترونية أكثر تطورا لمراقبة الناس ومحاسبتهم على الكلمة والحرف.

هذه هي عقليتهم وهي لن تتغير أبدا. لا أظن أن هناك طريقة لإصلاحهم سوى بتغييرهم.

ولكن الآن تغييرهم صار أصعب بكثير بسبب الحرب على سورية وما تسببت به.

هذه هي المؤامرة الأميركية. الأميركان عندما أزموا الأوضاع على هذا النحو كانوا يريدون إيصال الشعب السوري إلى مرحلة يصاب فيها باليأس من إمكانية الإصلاح.

هم كانوا يريدون إيصال البلد إلى التقسيم. لهذا السبب عملوا بجهد بالغ على تأزيم الأوضاع وتصعيدها.

أنا خلال الأشهر الأولى للثورة السورية كنت أركز كثيرا على هذا الموضوع.

في ذلك الوقت كانت الإدارة الأميركية تصدر بيانا كل يوم خميس بهدف تحريض “المعارضين” على الخروج لـ”التظاهر” يوم الجمعة.

السفير الأميركي روبرت فورد ذهب إلى حماة ودوما والميدان ونحو ذلك من الأماكن التي يكثر فيها الإسلاميون المتعصبون، وهدفه كان تحريض وتصعيد “التظاهر”.

إعلام المحور الأميركي شن حملة هائلة من التضليل هدفها تحريض “المعارضين” على التصعيد.

كان وقتها يتم الترويج لأن النظام السوري سيسقط خلال أسابيع، وأن هناك تدخلا عسكريا تركيا، وأن هناك منطقة عازلة لحلف الناتو، وغير ذلك من الخزعبلات التي كان يراد منها تحريض “المعارضين” لكي يستمروا في التصعيد.

وقتها قلت كثيرا في المدونة أن هذا الكلام كذب وتضليل بهدف التحريض، وقلت أن الأميركان لا يتوقعون سقوط النظام السوري قريبا ولكنهم يخدعون “المعارضين”.

إعلام المحور الأميركي تحدث منذ البداية عما أسماه “حمل المعارضين للسلاح” وكأن هذا أمر طبيعي ومتوقع.

من أوائل من تحدثوا في هذا الأمر مدونة Syria Comment. هذه المدونة كانت تروج لحمل السلاح منذ الأسابيع الأولى وكأنه أمر عادي ومتوقع.

أنا أشك في براءة الكلام الذي ورد في هذه المدونة، وأظن أن كاتبها استقى بعض أفكاره من مسؤولين أميركيين. هو عموما لا ينكر أنه يتحدث مع مسؤولين في الإدارة الأميركية ويتبادل معهم الأفكار.

على الأغلب أن مسؤولين أميركيين هم الذين روجوا لفكرة “حمل المعارضة للسلاح”.

هم روجوا لهذه الفكرة في الإعلام الغربي لكي يقنعوا الرأي العام الدولي بأن الجماعات الإرهابية في سورية هي شيء مشروع وهي عبارة عن معارضين ديمقراطيين حملوا السلاح ضد النظام الديكتاتوري.

نحن لم ننكر يوما أن النظام السوري هو نظام مستبد ويستحق أن يسقط، ولكن هذا لا ينفي أن الثورة السورية هي عبارة عن عملية مخابراتية لم يسبق أن سمعت بمثلها من قبل.

لا أظن أن المخابرات الأميركية والأوروبية سبق أن تورطت في تاريخها في عملية بحجم الثورة السورية. هم تورطوا في هذه الثورة على نحو عجيب إلى درجة أنه لا يوجد شيء في هذه الثورة لم يتم بتخطيط وتدخل مباشر منهم.

أكثر ما كان يثير حنقي في الأشهر الأولى للثورة هو تدمير الاقتصاد السوري، لأن تدمير الاقتصاد السوري يهدف للقضاء على وجود سورية كدولة.

سورية ليس فيها نفط كالعراق وليبيا. تدمير الاقتصاد السوري يعني إغراق سورية في حفرة لا مخرج منها سوى بالتبعية للدول الأخرى.

الأميركان عندما دمروا الاقتصاد السوري ضمنوا أن سورية لن تعود مستقلة مرة أخرى، لأن سورية في المستقبل (أو الدويلات الناتجة عنها) سوف تكون بحاجة ماسة للمعونات الخارجية، والمعونات الخارجية هي اختصاص آل سعود العملاء.

تدمير الاقتصاد السوري يعني نشر الفقر والجهل، وهذا يعني زيادة الأحقاد والعصبيات. كل هذه الأمور تؤدي إلى تأبيد العنف والاقتتال، وهي تنهي وجود سورية كدولة.

كل هذا الكلام قلته في بداية الثورة لأنني أردت أن أوضح للقراء أنه أمر مخطط وليس مجرد مصادفة.

الأميركان ليسوا بلهاء. هم يفهمون العالم جيدا وسبق أن تدخلوا مئات المرات في دول كسورية.

أنا كنت أعرف ما يفكرون به، ولهذا السبب أردت أن أوضح للناس إلى أين يريدون أن يصلوا.

أنا قلت أنهم لاحقا سوف يتبرؤون من كل شيء وسوف يقولون أننا لم نكن نعلم وأن ما حصل هو بسبب آل سعود وشيخ قطر.

ما قلته حصل بالضبط. هم دمروا سورية والآن يريدون تحميل المسؤولية لآل سعود وشيخ قطر.

قيمة آل سعود لا تزيد عن قيمة حشرة. هم لا يساوون شيئا في المعادلات الدولية.

هل سيصل جيل جديد للحكم في الجزائر؟

قرأت قبل فترة خبرا لافتا وهو أن هناك من طلب من الرئيس الجزائري السابق اليمين زروال تولي الرئاسة مجددا، ولكنه رفض بسبب كبر سنه.

هذا خبر عجيب. مثل هذه القصص تحدث عادة في الأنظمة الملكية عندما يكون الملك بلا نسل. بعد وفاة الملك يبدأ البحث عن وريث من خارج نسله، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى مشاكل وحروب أهلية كما كان يحدث كثيرا في أوروبا في العصور القديمة.

أنا لا أحب عادة أن أتطرق لمواضيع المغرب العربي لأن معلوماتي عن المغرب العربي قليلة وسطحية، ولكن حسب فهمي للنظام الجزائري فإن هذا النظام قائم على حكم “جبهة التحرير الوطني”، التي هي الفصيل الذي قاد الثورة ضد فرنسا. يبدو أن مناضلي الثورة كلهم قد ماتوا أو أصبحوا طاعنين في السن، وهذا هو سبب أزمة الخلافة التي تواجهها الجزائر حاليا.

لو صح هذا الكلام فهو يعني أن الجزائر ربما تكون على أعتاب مرحلة انتقالية، لأن الرئيس القادم ربما يكون من خارج فريق “جبهة التحرير الوطني”. طبعا هذا الكلام هو مجرد خيال وافتراض وأنا ليست لدي أية فكرة عما يجري حاليا في موضوع الخلافة في الجزائر.

أنا أتساءل عن الموقف الأميركي من الجزائر وعما تخطط له أميركا. لو أن هناك من يتابع تغطية قناة الجزيرة للشأن الجزائري فيمكنه على ما أظن أن يكون فكرة عن الموقف الأميركي. أنا للأسف غير متابع.

النظام الجزائري يشبه ظاهريا النظام السوري، ولكنه في الجوهر أفضل بكثير من النظام السوري. هو أيضا أفضل من النظام التونسي السابق، وأفضل طبعا من النظام المغربي.

الجزائر تتعرض للكثير من النقد في الإعلام، ولكن أنا أرى أن هذه الدولة هي في وضع جيد نسبيا. قليل من الدول العربية هي في مستوى الجزائر.

الدول العربية مبتلاة بعدة آفات:

  • بعضها فقيرة وتنقصها الموارد (مصر هي أبرز مثال)
  • بعضها مجرد مستعمرات تابعة للدول الاستعمارية (آل سعود هم أبرز مثال)
  • بعضها (أو كثير منها) تعاني من فساد الحكم والإدارة
  • بعضها تعاني من الانهيار الاجتماعي الشامل (لبنان هو أبرز مثال)
  • بعضها تعاني من التآمر الخارجي وسوء استجابة نظام الحكم لهذا التآمر (سورية هي أبرز مثال، وأيضا العراق في السابق)
  • بعضها محتلة ومشطوبة عن الخارطة (فلسطين)

الجزائر هي ربما الدولة الوحيدة التي لا تعاني من أية مشكلة من هذه المشاكل (سوى ربما مشكلة واحدة).

من ناحية الموارد هم ليسوا فقراء. لديهم نفط وغاز.

من ناحية السيادة والاستقلال هناك دائما اتهامات للنظام الجزائري بأنه عميل لفرنسا وبأن من يحكمه هم جنرالات استئصاليون موالون لفرنسا، ولكنني بصراحة أشك في مصداقية هذه الاتهامات.

النظام الجزائري هو نابع من جبهة التحرير الوطني التي قادت الثورة ضد فرنسا. جنرالات الجيش الجزائري هم جنرالات جيش التحرير الوطني. كيف يمكن أن يكون هؤلاء عملاء لفرنسا؟

أنا لا أريد أن أطلق أحكاما عامة في مواضيع لا أعرف عنها إلا القليل، ولكن ما سأقوله هو مجرد انطباع شخصي (ربما يكون خاطئا). أنا لدي انطباع بأن هذه الاتهامات التي توجه للنظام الجزائري نابعة (في جزء منها على الأقل) من الصراع بين الإسلاميين والنظام الجزائري.

في زمن فرنسا الجزائر كانت تعتبر جزءا من فرنسا. في ذلك الوقت لم يكن هناك تعليم سوى في المدارس الفرنسية. كل المتعلمين الجزائريين في ذلك الوقت ارتادوا المدارس الفرنسية، وبالتالي من الطبيعي أنهم كانوا يحملون ثقافة ذات طابع فرنسي. ولكن هؤلاء الذين ارتادوا المدارس الفرنسية هم أنفسهم الذين حرضوا على الثورة ضد فرنسا وهم الذين قادوا الثورة الجزائرية.

الثقافة الفرنسية لا تعني بالضرورة العمالة لفرنسا. في زمن الاستعمار كل الناس المتعلمين كانوا يحملون ثقافة الدول الاستعمارية. هذا ينطبق على المشرق العربي أيضا. القوميون في المشرق العربي كانوا يحملون الثقافة الأوروبية وهم درسوا في المدارس والجامعات الأوروبية.

اتهام النظام الجزائري بالعمالة لفرنسا ربما يكون نابعا من الربط الذي يقوم به الإسلاميون بين العلمانية والدول الأوروبية.

الإسلاميون يعتبرون أن العلمانية والفكر الوطني هي أفكار دخيلة من الغرب. ربما يكون هذا هو المقصود من اتهام النظام الجزائري بأنه استئصالي.

الجزائر لديها جيش كبير هو ربما أقوى جيش في القارة الأفريقية. في الإعلام يقال دوما أن أقوى جيش في أفريقيا هو الجيش المصري، ولكن الجيش المصري حسب معلوماتي مكبل باتفاقيات مع أميركا تمنعه من استخدام سلاحه ضد إسرائيل أو ضد أية جهة حليفة لأميركا. هذا يعني أن سلاح الجيش المصري يشبه سلاح آل سعود. هو قابل للاستخدام ضد الدول العربية المناوئة لإسرائيل فقط، ولكنه ليس قابلا للاستخدام ضد إسرائيل أو حلفائها. هو حتى ليس قابلا للاستخدام ضد أثيوبيا، لأن هذه الدولة حاليا صارت تعتبر حجر الرحى للمحور الأميركي في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا. لو أرادت مصر محاربة أثيوبيا فهل تسمح لها أميركا بذلك؟ أنا بصراحة أشك في هذا الأمر.

أنا هدفي من هذا الكلام ليس الإساءة للجيش المصري، ولكنني أصف الواقع كما أراه بدون مجاملة.

الجيش الجزائري ليس مكبلا باتفاقات مع أميركا، لأن معظم تسليحه حسب علمي هو من روسيا. لهذا السبب كنا نقرأ دائما في الكتابات الإسرائيلية مخاوف من الجيش الجزائري. هم يخشون في حال اندلعت حرب بين سورية وإسرائيل أن تقوم الجزائر بإرسال قوات إلى سورية، وهذا أمر وارد لأن الجزائر سبق أن تدخلت في الحروب السابقة ضد إسرائيل.

النظام المغربي المجاور للجزائر يشبه نظام آل سعود. هو نظام ملكي يطغى عليه التخلف، وهو موال للولايات المتحدة وليس معروفا بالوطنية أو الاستقلال. ربما لهذه الأسباب نرى أن آل سعود يمضون فصل الصيف من كل عام في المغرب. هم يشعرون أن النظام المغربي يشبه نظامهم العفن.

حتى في الأزمة السورية (والليبية قبلها) نحن رأينا أن الجزائر أخذت موقفا شاذا عن موقف المحور الأميركي.

هذه الأمور هي كلها دلائل على أن الجزائر هي دولة مستقلة. تاريخ النظام الجزائري (الثورة ضد فرنسا) ونهجه الدفاعي (الجيش القوي المستقل) ونهجه في السياسة الخارجية (الموقف من غزو ليبيا وسورية) هي أدلة على أن هذا نظام مستقل نسبيا ولا يتأثر بشدة بالضغوط الأميركية (كما هو حال النظام المغربي المجاور مثلا).

بالنسبة للمجتمع الجزائري فهو حسب ما أعلم مجتمع متجانس نسبيا. لا يوجد حسب علمي مشكلة كبيرة بين العرب والبربر في الجزائر.

أنا غير ملم كثيرا بقضية البربر في المغرب العربي، ولكن ما أعرفه هو أن أساس هذه المشكلة يعود إلى دولة المغرب، أما في الجزائر فلم تكن هناك تاريخيا مشكلة مهمة بين العرب والبربر. أنا قرأت ملخصا لتاريخ الجزائر الحديث ولم أجد أن قضية البربر كانت مشكلة مهمة.

حسب علمي فإنه لم يحصل في التاريخ الحديث أن اندلعت حرب بين العرب والبربر في المغرب العربي. هذا يختلف عن وضع الأكراد في المشرق العربي. في العراق كانت هناك دائما حروب بين الأكراد والحكومة. أيضا في السودان النظام الإسلامي المتخلف أعلن الجهاد ضد الأفارقة غير المسلمين في الجنوب. مثل هذه الأمور لم تحصل في المغرب العربي حسب علمي.

طبعا في المغرب العربي لا توجد أقليات دينية مهمة، وهذه نعمة كبيرة. لو كانت هناك في الجزائر أقليات دينية لكان آل سعود والأميركان استغلوا ذلك لتدمير الجزائر.

في الجزائر هناك مشكلة واحدة هي الصراع بين النظام وبين الإسلاميين الإرهابيين.

إسلاميو الجزائر معروفون عالميا بالإرهاب، وهم بصراحة أصبحوا مضرب المثل في الإرهاب بسبب الثورة الدموية التي قاموا بها في التسعينات.

ثورة إسلاميي الجزائر في التسعينات تشبه الثورة التي قامت ضد حافظ الأسد في السبعينات والثمانينات، ولكن طريقة تعامل النظامين مع الثورة كانت مختلفة.

النظام الجزائري استخدم القوة لقمع الثورة الإرهابية، ولكنه رغم ذلك كان يجري انتخابات، وخلال سنوات الثورة وصل إلى حكم الجزائر أكثر من رئيس. قبل بوتفليقة كان هناك زروال، وقبل زروال كان هناك بوضياف.

في سورية الوضع مختلف. حافظ الأسد استخدم القوة لقمع الثورة، ولكنه لم يجر أية انتخابات. هو ظل رئيسا منذ عام 1970 وحتى وفاته، وبعد وفاته قام بتوريث الحكم لابنه.

تصرفات حافظ الأسد هذه هي السبب العميق للوضع الذي تعيشه سورية حاليا.

وضع الجزائر أفضل بكثير من الوضع السوري، لأن النظام هناك له طابع مؤسساتي. صحيح أنه معاد للإسلاميين، ولكنه على الأقل يقوم بتداول السلطة ويرفض فكرة التوريث من الأب للابن (التي هي بصراحة مهزلة).

لهذا السبب أنا أرى أن النظام الجزائري هو أكثر استقرارا بكثير من النظام السوري. النظام الجزائري ليس قائما على شخص أو عائلة. هو يستند على الجيش وعلى قطاعات شعبية مساندة، وأيضا هذا النظام يرتكز على تاريخ الثورة الجزائرية. هذه العوامل تعطي النظام مشروعية وطنية، وبالتالي هو نظام قابل للاستمرار والتطور.

أما في سورية فالصورة سوداوية. النظام السوري قائم على شخص واحد وعلى عائلة واحدة. مثل هذا النظام هو هش جدا ولا يمكنه أن يستمر طويلا. استمرار النظام حتى الآن هو مجرد مصادفة إذا أردنا أن نقيس الأمور بالمنظور الاستراتيجي. ما أبقى النظام السوري حتى الآن هو ظروف دولية وإقليمية أكثر من كونها ظروفا داخلية. الأحداث الأخيرة أثبتت أن الوضع الداخلي للنظام السوري هو هش جدا. النظام الجزائري هو ليس هكذا.

بسبب كل ما سبق أنا أرى أن الجزائر هي في وضع جيد نسبيا مقارنة ببقية الدول العربية. صحيح أن النظام ليس ديمقراطيا، ولكن الأفق ليس مسدودا. هذا النظام قابل للإصلاح والتطور، وهو حسب علمي يتطور.

لاحظوا أن الجزائر هي الدولة العربية الوحيدة التي لم يضربها الربيع العربي. أنا أفسر هذا الأمر على أنه دليل على النضج السياسي والاجتماعي. الشعب الجزائري مر بتجربة الربيع العربي منذ بداية التسعينات، وبالتالي هو لديه تجربة سياسية متقدمة مقارنة ببقية الشعوب العربية. من هذه الناحية وضع الجزائريين يشبه إلى حد ما وضع الأوروبيين. الجزائريون يدركون خطورة الحرب الداخلية وخطورة أن تنهار الدولة ويضيع الأمن والاستقرار. هذا الأمر مفقود تماما لدى السوريين المعارضين الذين تصرفوا على نحو يدل على أن ثقافتهم السياسية تشبه ثقافة القبائل الهمجية البدائية.