قرأت قبل فترة خبرا لافتا وهو أن هناك من طلب من الرئيس الجزائري السابق اليمين زروال تولي الرئاسة مجددا، ولكنه رفض بسبب كبر سنه.
هذا خبر عجيب. مثل هذه القصص تحدث عادة في الأنظمة الملكية عندما يكون الملك بلا نسل. بعد وفاة الملك يبدأ البحث عن وريث من خارج نسله، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى مشاكل وحروب أهلية كما كان يحدث كثيرا في أوروبا في العصور القديمة.
أنا لا أحب عادة أن أتطرق لمواضيع المغرب العربي لأن معلوماتي عن المغرب العربي قليلة وسطحية، ولكن حسب فهمي للنظام الجزائري فإن هذا النظام قائم على حكم “جبهة التحرير الوطني”، التي هي الفصيل الذي قاد الثورة ضد فرنسا. يبدو أن مناضلي الثورة كلهم قد ماتوا أو أصبحوا طاعنين في السن، وهذا هو سبب أزمة الخلافة التي تواجهها الجزائر حاليا.
لو صح هذا الكلام فهو يعني أن الجزائر ربما تكون على أعتاب مرحلة انتقالية، لأن الرئيس القادم ربما يكون من خارج فريق “جبهة التحرير الوطني”. طبعا هذا الكلام هو مجرد خيال وافتراض وأنا ليست لدي أية فكرة عما يجري حاليا في موضوع الخلافة في الجزائر.
أنا أتساءل عن الموقف الأميركي من الجزائر وعما تخطط له أميركا. لو أن هناك من يتابع تغطية قناة الجزيرة للشأن الجزائري فيمكنه على ما أظن أن يكون فكرة عن الموقف الأميركي. أنا للأسف غير متابع.
النظام الجزائري يشبه ظاهريا النظام السوري، ولكنه في الجوهر أفضل بكثير من النظام السوري. هو أيضا أفضل من النظام التونسي السابق، وأفضل طبعا من النظام المغربي.
الجزائر تتعرض للكثير من النقد في الإعلام، ولكن أنا أرى أن هذه الدولة هي في وضع جيد نسبيا. قليل من الدول العربية هي في مستوى الجزائر.
الدول العربية مبتلاة بعدة آفات:
- بعضها فقيرة وتنقصها الموارد (مصر هي أبرز مثال)
- بعضها مجرد مستعمرات تابعة للدول الاستعمارية (آل سعود هم أبرز مثال)
- بعضها (أو كثير منها) تعاني من فساد الحكم والإدارة
- بعضها تعاني من الانهيار الاجتماعي الشامل (لبنان هو أبرز مثال)
- بعضها تعاني من التآمر الخارجي وسوء استجابة نظام الحكم لهذا التآمر (سورية هي أبرز مثال، وأيضا العراق في السابق)
- بعضها محتلة ومشطوبة عن الخارطة (فلسطين)
الجزائر هي ربما الدولة الوحيدة التي لا تعاني من أية مشكلة من هذه المشاكل (سوى ربما مشكلة واحدة).
من ناحية الموارد هم ليسوا فقراء. لديهم نفط وغاز.
من ناحية السيادة والاستقلال هناك دائما اتهامات للنظام الجزائري بأنه عميل لفرنسا وبأن من يحكمه هم جنرالات استئصاليون موالون لفرنسا، ولكنني بصراحة أشك في مصداقية هذه الاتهامات.
النظام الجزائري هو نابع من جبهة التحرير الوطني التي قادت الثورة ضد فرنسا. جنرالات الجيش الجزائري هم جنرالات جيش التحرير الوطني. كيف يمكن أن يكون هؤلاء عملاء لفرنسا؟
أنا لا أريد أن أطلق أحكاما عامة في مواضيع لا أعرف عنها إلا القليل، ولكن ما سأقوله هو مجرد انطباع شخصي (ربما يكون خاطئا). أنا لدي انطباع بأن هذه الاتهامات التي توجه للنظام الجزائري نابعة (في جزء منها على الأقل) من الصراع بين الإسلاميين والنظام الجزائري.
في زمن فرنسا الجزائر كانت تعتبر جزءا من فرنسا. في ذلك الوقت لم يكن هناك تعليم سوى في المدارس الفرنسية. كل المتعلمين الجزائريين في ذلك الوقت ارتادوا المدارس الفرنسية، وبالتالي من الطبيعي أنهم كانوا يحملون ثقافة ذات طابع فرنسي. ولكن هؤلاء الذين ارتادوا المدارس الفرنسية هم أنفسهم الذين حرضوا على الثورة ضد فرنسا وهم الذين قادوا الثورة الجزائرية.
الثقافة الفرنسية لا تعني بالضرورة العمالة لفرنسا. في زمن الاستعمار كل الناس المتعلمين كانوا يحملون ثقافة الدول الاستعمارية. هذا ينطبق على المشرق العربي أيضا. القوميون في المشرق العربي كانوا يحملون الثقافة الأوروبية وهم درسوا في المدارس والجامعات الأوروبية.
اتهام النظام الجزائري بالعمالة لفرنسا ربما يكون نابعا من الربط الذي يقوم به الإسلاميون بين العلمانية والدول الأوروبية.
الإسلاميون يعتبرون أن العلمانية والفكر الوطني هي أفكار دخيلة من الغرب. ربما يكون هذا هو المقصود من اتهام النظام الجزائري بأنه استئصالي.
الجزائر لديها جيش كبير هو ربما أقوى جيش في القارة الأفريقية. في الإعلام يقال دوما أن أقوى جيش في أفريقيا هو الجيش المصري، ولكن الجيش المصري حسب معلوماتي مكبل باتفاقيات مع أميركا تمنعه من استخدام سلاحه ضد إسرائيل أو ضد أية جهة حليفة لأميركا. هذا يعني أن سلاح الجيش المصري يشبه سلاح آل سعود. هو قابل للاستخدام ضد الدول العربية المناوئة لإسرائيل فقط، ولكنه ليس قابلا للاستخدام ضد إسرائيل أو حلفائها. هو حتى ليس قابلا للاستخدام ضد أثيوبيا، لأن هذه الدولة حاليا صارت تعتبر حجر الرحى للمحور الأميركي في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا. لو أرادت مصر محاربة أثيوبيا فهل تسمح لها أميركا بذلك؟ أنا بصراحة أشك في هذا الأمر.
أنا هدفي من هذا الكلام ليس الإساءة للجيش المصري، ولكنني أصف الواقع كما أراه بدون مجاملة.
الجيش الجزائري ليس مكبلا باتفاقات مع أميركا، لأن معظم تسليحه حسب علمي هو من روسيا. لهذا السبب كنا نقرأ دائما في الكتابات الإسرائيلية مخاوف من الجيش الجزائري. هم يخشون في حال اندلعت حرب بين سورية وإسرائيل أن تقوم الجزائر بإرسال قوات إلى سورية، وهذا أمر وارد لأن الجزائر سبق أن تدخلت في الحروب السابقة ضد إسرائيل.
النظام المغربي المجاور للجزائر يشبه نظام آل سعود. هو نظام ملكي يطغى عليه التخلف، وهو موال للولايات المتحدة وليس معروفا بالوطنية أو الاستقلال. ربما لهذه الأسباب نرى أن آل سعود يمضون فصل الصيف من كل عام في المغرب. هم يشعرون أن النظام المغربي يشبه نظامهم العفن.
حتى في الأزمة السورية (والليبية قبلها) نحن رأينا أن الجزائر أخذت موقفا شاذا عن موقف المحور الأميركي.
هذه الأمور هي كلها دلائل على أن الجزائر هي دولة مستقلة. تاريخ النظام الجزائري (الثورة ضد فرنسا) ونهجه الدفاعي (الجيش القوي المستقل) ونهجه في السياسة الخارجية (الموقف من غزو ليبيا وسورية) هي أدلة على أن هذا نظام مستقل نسبيا ولا يتأثر بشدة بالضغوط الأميركية (كما هو حال النظام المغربي المجاور مثلا).
بالنسبة للمجتمع الجزائري فهو حسب ما أعلم مجتمع متجانس نسبيا. لا يوجد حسب علمي مشكلة كبيرة بين العرب والبربر في الجزائر.
أنا غير ملم كثيرا بقضية البربر في المغرب العربي، ولكن ما أعرفه هو أن أساس هذه المشكلة يعود إلى دولة المغرب، أما في الجزائر فلم تكن هناك تاريخيا مشكلة مهمة بين العرب والبربر. أنا قرأت ملخصا لتاريخ الجزائر الحديث ولم أجد أن قضية البربر كانت مشكلة مهمة.
حسب علمي فإنه لم يحصل في التاريخ الحديث أن اندلعت حرب بين العرب والبربر في المغرب العربي. هذا يختلف عن وضع الأكراد في المشرق العربي. في العراق كانت هناك دائما حروب بين الأكراد والحكومة. أيضا في السودان النظام الإسلامي المتخلف أعلن الجهاد ضد الأفارقة غير المسلمين في الجنوب. مثل هذه الأمور لم تحصل في المغرب العربي حسب علمي.
طبعا في المغرب العربي لا توجد أقليات دينية مهمة، وهذه نعمة كبيرة. لو كانت هناك في الجزائر أقليات دينية لكان آل سعود والأميركان استغلوا ذلك لتدمير الجزائر.
في الجزائر هناك مشكلة واحدة هي الصراع بين النظام وبين الإسلاميين الإرهابيين.
إسلاميو الجزائر معروفون عالميا بالإرهاب، وهم بصراحة أصبحوا مضرب المثل في الإرهاب بسبب الثورة الدموية التي قاموا بها في التسعينات.
ثورة إسلاميي الجزائر في التسعينات تشبه الثورة التي قامت ضد حافظ الأسد في السبعينات والثمانينات، ولكن طريقة تعامل النظامين مع الثورة كانت مختلفة.
النظام الجزائري استخدم القوة لقمع الثورة الإرهابية، ولكنه رغم ذلك كان يجري انتخابات، وخلال سنوات الثورة وصل إلى حكم الجزائر أكثر من رئيس. قبل بوتفليقة كان هناك زروال، وقبل زروال كان هناك بوضياف.
في سورية الوضع مختلف. حافظ الأسد استخدم القوة لقمع الثورة، ولكنه لم يجر أية انتخابات. هو ظل رئيسا منذ عام 1970 وحتى وفاته، وبعد وفاته قام بتوريث الحكم لابنه.
تصرفات حافظ الأسد هذه هي السبب العميق للوضع الذي تعيشه سورية حاليا.
وضع الجزائر أفضل بكثير من الوضع السوري، لأن النظام هناك له طابع مؤسساتي. صحيح أنه معاد للإسلاميين، ولكنه على الأقل يقوم بتداول السلطة ويرفض فكرة التوريث من الأب للابن (التي هي بصراحة مهزلة).
لهذا السبب أنا أرى أن النظام الجزائري هو أكثر استقرارا بكثير من النظام السوري. النظام الجزائري ليس قائما على شخص أو عائلة. هو يستند على الجيش وعلى قطاعات شعبية مساندة، وأيضا هذا النظام يرتكز على تاريخ الثورة الجزائرية. هذه العوامل تعطي النظام مشروعية وطنية، وبالتالي هو نظام قابل للاستمرار والتطور.
أما في سورية فالصورة سوداوية. النظام السوري قائم على شخص واحد وعلى عائلة واحدة. مثل هذا النظام هو هش جدا ولا يمكنه أن يستمر طويلا. استمرار النظام حتى الآن هو مجرد مصادفة إذا أردنا أن نقيس الأمور بالمنظور الاستراتيجي. ما أبقى النظام السوري حتى الآن هو ظروف دولية وإقليمية أكثر من كونها ظروفا داخلية. الأحداث الأخيرة أثبتت أن الوضع الداخلي للنظام السوري هو هش جدا. النظام الجزائري هو ليس هكذا.
بسبب كل ما سبق أنا أرى أن الجزائر هي في وضع جيد نسبيا مقارنة ببقية الدول العربية. صحيح أن النظام ليس ديمقراطيا، ولكن الأفق ليس مسدودا. هذا النظام قابل للإصلاح والتطور، وهو حسب علمي يتطور.
لاحظوا أن الجزائر هي الدولة العربية الوحيدة التي لم يضربها الربيع العربي. أنا أفسر هذا الأمر على أنه دليل على النضج السياسي والاجتماعي. الشعب الجزائري مر بتجربة الربيع العربي منذ بداية التسعينات، وبالتالي هو لديه تجربة سياسية متقدمة مقارنة ببقية الشعوب العربية. من هذه الناحية وضع الجزائريين يشبه إلى حد ما وضع الأوروبيين. الجزائريون يدركون خطورة الحرب الداخلية وخطورة أن تنهار الدولة ويضيع الأمن والاستقرار. هذا الأمر مفقود تماما لدى السوريين المعارضين الذين تصرفوا على نحو يدل على أن ثقافتهم السياسية تشبه ثقافة القبائل الهمجية البدائية.