في الإعلام الدولي هناك حديث مستمر عن انقسام العراق.
إيران
إيران هزمت نفسها بنفسها
ما حصل في العراق مؤخرا هو هزيمة كبيرة لإيران. هذا ليس رأيي ولكنه النتيجة التي نستخلصها من كلام الإيرانيين.
الإيرانيون قالوا أن رحيل نوري المالكي عن منصبه هو هزيمة لهم وانتصار لأميركا وإسرائيل وآل سعود.
الإنسان العاقل لا يمكنه أن يقبل هذا الكلام، وذلك لسبب بسيط يتعلق بطبيعة النظام السياسي في العراق.
النظام السياسي في العراق هو ديمقراطية برلمانية. في هكذا نظام تبدل الرؤساء هو أمر حتمي.
الأمر العادي والمتوقع في العراق هو أن يرحل نوري المالكي عن منصبه، وأما التصاقه بمنصبه فهو أمر غير عادي وغير مقبول من وجهة نظر النظام السياسي المطبق في العراق.
رحيل المالكي عن منصبه هو جزء من دورة العملية السياسية في العراق. هذا الأمر هو مجرد تغير روتيني طبيعي. مثل هذا الأمر لا يمكن أن يكون انتصارا لأحد أو هزيمة له في داخل العراق، ناهيك عن أن يكون انتصارا أو هزيمة لأحد خارج العراق.
الموقف الإيراني من العراق كان موقفا عجيبا. أنا بصراحة مذهول من هذا الموقف. كلمة “الحماقة” لا تكفي لإيفاء هذا الموقف حقه.
الموقف الإيراني من العراق يعبر عن غباء سياسي منقطع النظير.
موقف إيران من العراق كان عبارة عن وضع للعصي في دواليب العملية السياسية. إيران كانت تحاول أن تعطل العملية السياسية العراقية وتفسدها وتخرج عن إطارها الديمقراطي.
الأسوأ من ذلك هو أن إيران كانت مستعدة لخوض حرب طائفية في العراق دفاعا عن هذا الموقف السافل المنحط.
الموقف الإيراني من العراق كان موقفا سيئا جدا إلى درجة أنه أجبر شيعة العراق على التمرد.
ليس من المعقول في الظرف الحالي أن يتمرد الشيعة على إيران (التي هي نظريا أقرب حليف إليهم ضد الهجمة الوهابية)، ولكن سفالة الموقف الإيراني أجبرت العراقيين الشيعة على رفض هذا الموقف والتمرد عليه.
الإخوة الإيرانيون لا يعترفون بشيء اسمه ديمقراطية، وهم أيضا يؤمنون بالطائفية السياسية. هذه القناعات السيئة الموجودة لديهم هي التي جعلتهم في صدام مع العراقيين، وقبل ذلك مع السوريين واللبنانيين.
أنا لست من أنصار التحالف مع أميركا، وشيعة العراق هم أيضا ليسوا من أنصار التحالف مع أميركا، ولكن إيران (بسبب سياساتها السيئة) لم تترك خيارا لشعوب المنطقة سوى الالتجاء لأميركا.
سياسة إيران تؤدي إلى عزلها عن شعوب المنطقة. حتى الشيعة لن يقبلوا بهذه السياسات.
في العراق هناك نظام ديمقراطي. رئيس الحكومة يجب أن يتغير. إيران يجب أن تفهم ذلك ويجب ألا تسعى لعرقلته.
إيران لم تكتف بعدم فهم هذه الحقيقة البسيطة، ولكن الأمر وصل بها إلى حد الزعم بأن رحيل نوري المالكي هو هزيمة لها وانتصار لأميركا وإسرائيل وآل سعود.
هنيئا لإيران بهذه الهزيمة. هي هزمت نفسها بنفسها ودون أي مبرر أو سبب.
خامنئي ينكر المحرقة اليهودية… ومستشاره يدعو لتوحيد المشرق العربي مع إيران
هذا الكلام للخامنئي يوحي بأن القضية الفلسطينية ما تزال نقطة عالقة بين أميركا وإيران:
طهران – لندن: «الشرق الأوسط»
أعرب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي أمس عن شكوكه حول وجود وحجم محرقة اليهود، منددا بـ«الخطوط الحمر» التي يفرضها الغرب على حرية التعبير.وقال خامنئي في خطاب بمناسبة رأس السنة الإيرانية (نوروز) إن «الدول التي تدعي الحرية تفرض خطوطا حمرا وتتشدد في الدفاع عنها. في الدول الأوروبية لا أحد يتجرأ أن يتحدث عن محرقة اليهود التي لا نعلم إذا كانت حقيقية أم لا، وكيف حصلت في حال كانت حقيقية».
وأدلى خامنئي بخطابه في مدينة مشهد، ودعا إلى «الصمود» إزاء «الغزو الثقافي» للغرب خصوصا في ما يتعلق بمبدأ حرية التعبير. وقال إن «التشكيك في محرقة اليهود يعد خطأ جسيما يمنعون حصوله ويوقفون المسؤول ويلاحقونه أمام القضاء ويدّعون الحرية». وأضاف «وينتظرون منّا عدم الدفاع عن خطوطنا الحمر لجهة عقائد وقيم الثورة!».
ولا تعترف إيران بإسرائيل ويدعو بعض المسؤولين الإيرانيين إلى زوالها. إلا أن الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني ندد بـ«مجزرة اليهود بأيدي النازيين»، خلافا لسلفه محمود أحمدي نجاد الذي عد أن محرقة اليهود «خرافة».
وفي فبراير (شباط) أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن إبادة اليهود بأيدي النظام النازي «كانت مأساة وحشية يجب ألا تتكرر أبدا».
من جهة أخرى، دعا خامنئي لإبداء مقاومة أكبر لمواجهة العقوبات الغربية من دون انتظار أن يجري رفعها، وقال خامنئي في خطاب أمام آلاف المصلين في مدينة مشهد «على الأمة أن تكون أكثر قوة. وإذا لم يكن الشعب قويا فإن القوى (الغربية) التي تبتز الدول الأخرى ستفرض عليه آراءها وتدوسه وتعتدي عليه وتهينه». وأضاف «يجب ألا ننتظر أن يرفع الأعداء العقوبات. فليذهبوا إلى الجحيم. علينا أن نرى ما يمكننا أن نقوم به من جانبنا».
هذا الكلام يدل على أن الخامنئي لا يريد أن يتخلى عن الموقف الإيراني التقليدي المتعلق بفلسطين.
بالتالي الحديث عن صفقة إيرانية-أميركية حول سورية هو في رأيي كلام بعيد عن الواقع.
لا يمكن أن تكون هناك صفقة حول سورية دون حسم مسألة حزب الله في لبنان.
مستشار الخامنئي يدعو مجددا لتوحيد المشرق العربي مع إيران
http://www.iraqhurr.org/content/article/25288029.html
أكد وزير خارجية إيران الاسبق علي أكبر ولايتي ان الوحدة بين العراق وإيران وربطها بسوريا ولبنان ستكون بناءة ومصيرية في المنطقة.
جاء ذلك في كلمة له امام منتدى حول العلاقات الايرانية العراقية نظم في طهران الأسبوع الجاري بإشراف مركز الدراسات الاستراتيجية في مجمع تشخيص النظام الذي يترأسه، كاشفا عن نية بلاده انشاء مثل هذا المحور المثير للجدل لطبيعته المذهبي، وتوقيته في ظل ظروف إقليمية تتمثل في الانشقاق الحاصل في مجلس التعاون الخليجي، وظروف دولية متأزمة تتمثل في ازمة أوكرانيا ونذر الحرب.
وقد تحدث لإذاعة العراق الحر عن طبيعة المنتدى الذي تناول العلاقات الايرانية -العراقية محمد صالح صدقيان مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية مشيرا الى ان اللقاء استهدف التعاون الأمني والسياسي.
[…]
ويفسر المحلل السياسي محمد صالح صدقيان الوحدة الرباعية بانها وحدة وجهات النظر حول الكثير من التطورات التي تشهدها المنطقة، وان الدول الأربعة إيران والعراق وسوريا ولبنان يمكن ان تكون نموذجا لتحالف او وحدة.
في حين نفى النائب عن دولة القانون علي الشلاه نية بلاده او رغبته في دخول أي محور ضد اخر، وانه يحرص على العلاقات المتميزة مع ايران والولايات والمتحدة وجميع الأطراف وعلى أساس الدفاع عن مصالح البلاد العليا.
كما حذر النائب عن التحالف الكردستاني عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية روز خوشناو من أي تحالف على أساس طائفي نظرا لطبيعة المجتمع العراقي المتنوعة. وحول توقيت علي أكبر ولايتي وزير خارجية إيران الأسبق ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في مجمع تشخيص النظام
اعلان رغبة بلاده في إقامة وحدة رباعية بين إيران والعراق وسوريا ولبنان مع تطورات المنطقة المتمثل في الشرخ الذي حصل في جدار دول مجلس التعاون الخليجية من قرار المملكة العربية السعودية والبحرين ودولة الامارات العربية المتحدة سحب سفرائها من قطر، ومن تطور دولي ينذر بحرب عالمية ثالثة في الازمة التي تشهدها أوكرانيا، قال مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان ان من المبكر التنبؤ بما سيحصل في المنطقة، مبديا تفاؤله بحل الازمة قريبا.
هذا ومن المقرر ان يتوجه وفد نيابي عراقي الى طهران لبحث مشروع الوحدة السياسية والاقتصادية بين العراق وإيران على ان تلتحق بهما لاحقا سوريا ولبنان لإحالته فيما بعد الى القيادات السياسية تمهيدا لإعلانها بعد توفير مستلزمات هذه الوحدة على الصعيدين القانوني والسياسي، لكن النائب عن القائمة العراقية محمد اقبال أكد ان مجلس النواب العراقي لا علم له بمثل هذه الفعالية وأن مناقشة الوحدة يجب ان يطرح على اعلى المستويات سواء في مجلس النواب والحكومة.
لكن مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان يؤكد ان هناك اجتماعا نيابيا رباعيا سيعقد الاثنين المقبل في طهران لتوحيد وجهات النظر إزاء الإرهاب وتدخل البلدان الأجنبية في الشؤون الداخلية لها، بناء على دعوة من رئيس لجنة الشئون الخارجية والأمن القومي التابعة لمجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجوردي عقب زيارته لكل من سوريا ولبنان، استنادا الى مقررات اتحاد البرلمانات الإسلامية الصادرة عن اجتماعه في طهران قبل ثلاثة أسابيع في مواجهة الإرهاب والحركات التكفيرية في المنطقة.
وحول ما إذا كانت الوحدة الرباعية بين إيران والعراق وسوريا ولبنان ممكنة، لاسيما في الوقت الحاضر والتي دعا لها علي أكبر ولايتي وزير خارجية إيران الأسبق ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في مجمع تشخيص النظام، أعرب مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان عن اعتقاده بان هذه الدعوة تصور مستقبلي، لكنها لا تملك الان الأرضية المهيأة لتحقيقها.
أهم جملة في المقال هي التالية:
هذا ومن المقرر ان يتوجه وفد نيابي عراقي الى طهران لبحث مشروع الوحدة السياسية والاقتصادية بين العراق وإيران على ان تلتحق بهما لاحقا سوريا ولبنان
الأولوية هي لتوحيد العراق مع إيران، وأما سورية ولبنان فيمكن تأجيلهما إلى وقت لاحق.
ضم العراق إلى إيران هو حلم إيراني قديم ومعروف. إيران كانت طوال تاريخها تسعى للسيطرة على العراق.
العراق هو مهم جدا. هو في الحقيقة أهم دولة عربية. هذا هو السبب الذي جعل الأميركان يدمرونه قبل غيره.
العراق فيه احتياطات هائلة من النفط، وفيه نهران كبيران، وفيه حوالي 40 مليونا من البشر، وهو مهد الحضارات البشرية. هذه ليست دولة بسيطة.
لو حصلت إيران على العراق فهي ستصبح قوة عظمى.
كان المفترض بالعرب أن يأخذوا العراق لأنفسهم. هذا الكلام ينطبق خاصة على الكيان السوري التافه الذي لا يساوي شيئا. ولكن هل هناك أصلا شيء اسمه الكيان السوري؟ أنا بصراحة لست مقتنعا بأن هناك شيئا في التاريخ اسمه الكيان السوري. الكيان السوري يجب النظر إليه على أنه مجرد منطقة عازلة أقامتها المخابرات البريطانية والأميركية بهدف حماية إسرائيل.
لا توجد دولة اسمها الكيان السوري. هذه الدولة هي مرسومة فقط على الخرائط ولكنها غير موجودة فعلا.
ضم العراق إلى إيران سيكون مربحا تاريخيا كبيرا لإيران، ولكن تحقيق هذا الحلم ما زال في رأيي بعيد المنال.
بعد إدخال إيران في “لجنة القدس”… هل يتم إدخالها في مفاوضات التسوية الفلسطينية؟
زار جبريل الرجوب إيران مؤخرا بهدف التمهيد لزيارة لمحمود عباس إلى إيران:
فلسطين اليوم – طهران : قال اللواء جبريل رجّوب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ان حركته مستعدة لبرنامج مقاومة اذا فشلت المفاوضات.
وأضاف الرجوب في حوارٍ أجرته معه صحيفة “الوفاق” لدي زيارته لايران “نحن نهنئ الشعب الايراني بالذکري الـ35 لانتصار الثورة الاسلامية بقيادة الإمام الخميني والذي کنّا نحن الفلسطينيين نُحبّه ومازلنا نُحبّه”.
وقال: نقلت للقيادة الايرانية رسالة تقدير وتشجيع من الرئيس محمود عباس علي الحکمة غير المسبوقة والقرار الجريء للرئيس الإيراني بإدارة ملف المشروع النووي الذي حاول البعض إستخدامه لتدمير قدرات ايران العسکرية والاقتصادية، وهذا هو جوهر رسالتنا للقيادة الايرانية وللشعب الايراني، ونحن معنيّون أن تصل هذه الرسالة لکل إيراني لأننا نُريد أن نُعيد فلسطين إلي مکانها الطبيعي في قلوب الايرانيين.
وردّاً علي سؤال بشأن انتشار أنباء لزيارة مُرتقبة للرئيس عباس إلي ايران قال: نحن تحدّثنا وننتظر دعوة رسمية للأخ أبو مازن لزيارة ايران، واننا جاهزون لتطوير علاقة ثنائية علي خارطة مصالح وطنية فلسطينية مع الجمهورية الاسلامية الايرانية مشددا على القول “نحن جاهزون لتطوير العلاقات بما في ذلك زيارة رسمية للرئيس أبو مازن لإيران وعقد إتفاقيات وآليات للتعاون لتوفير کل أسباب الصمود لشعبنا في فلسطين”.
لا أدري إن كان هذا التحرك الفلسطيني تجاه إيران عملا فلسطينيا بحتا أم أن الأميركان يقفون وراءه، ولكن فلسفة هذا التحرك هي نفس الفلسفة التي جعلت المغرب يوجه دعوة لإيران لكي تنضم إلى “لجنة القدس”.
موقع دبكا الإسرائيلي أقر بأن الدعوة التي وجهها المغرب إلى إيران للانضمام إلى لجنة القدس كانت بإيعاز أميركي.
لن أستغرب إن تبين يوما ما أن التقارب الفلسطيني المستجد مع إيران هو أيضا بإيعاز أميركي.
إيران تاريخيا كانت بعيدة عن مفاوضات التسوية الفلسطينية، ولكننا في الآونة الأخيرة نرى محاولات لجر إيران إلى هذه المفاوضات، ويبدو أن الأميركان هم من يقف وراء ذلك.
السبب واضح. أكبر مشكلة بين أميركا وإيران هي القضية الفلسطينية. الأميركان يحاولون إقناع إيران بالتخلي عن موقفها من القضية الفلسطينية عبر جرها إلى مفاوضات التسوية.
الأميركان وضعوا إيران أمام خيارات صعبة جدا. من جهة هم دمروا سورية وحولوها إلى بالوعة تستنزف الأموال الإيرانية، ومن جهة ثانية هم يعرضون على إيران أن تدخل في التسوية الفلسطينية وأن تصبح إحدى الدول الراعية للقدس.
الأميركان أرادوا بذلك تيئيس الإيرانيين من الاستمرار في معاداة إسرائيل. الأميركان يقولون للإيرانيين أن معاداة إسرائيل تستنزف أموالكم في سورية وتجعل المسلمين السنة يأخذون موقفا معاديا لكم. لو غيرتم موقفكم من إسرائيل فستنتهي المشكلة السورية وسينفتح المسلمون السنة عليكم.
السبب الوحيد للحرب التي يشنها آل سعود على إيران هو موقف إيران من إسرائيل. لو تغير موقف إيران من إسرائيل فسوف يتغير موقف آل سعود 180 درجة.
هناك إغراءات وضغوط ضخمة على إيران لكي تغير موقفها من القضية الفلسطينية.
لو قبلت إيران بتغيير موقفها فهذا لن يكون أمرا معيبا بل سيكون تصرفا حصيفا. لو كنت مكان الإيرانيين لكنت غيرت موقفي وانفتحت على إسرائيل.
معاداة إسرائيل سببت لإيران الكثير جدا من الخسائر. إيران الآن لا تواجه فقط الصهاينة والغربيين ولكنها تواجه أيضا حلفاء الصهاينة من المسلمين السنة والوهابيين.
مشكلة إسرائيل لم تعد لدى الأميركان ولكنها للأسف أصبحت مشكلة سنية-وهابية. في السابق كان الغطاء الذي يحمي إسرائيل هو الغطاء الأميركي، ولكن في عصرنا الحالي من يحمي إسرائيل هم المسلمون السنة قبل الأميركان، وبالتالي معاداة إسرائيل صارت مكلفة جدا لأي بلد.
التصعيد الأميركي هدفه خلق البلبلة داخل النظام الإيراني
طبعا لا شك أنكم لاحظتم أن التصعيد الذي قام به المحور الأميركي ضد سورية أتى متزامنا مع الانتخابات الإيرانية.
الأميركان يستعدون منذ فترة لمرحلة الانتخابات الرئاسية في إيران، لأنهم يظنون أن هذه المرحلة هي مناسبة لمحاولة خلق فتنة داخلية في إيران.
أميركا قررت تسليح الإرهابيين عشية الانتخابات الإيرانية، وفي يوم الانتخابات الإيرانية ألقى كل من ملك الأردن ومحمد مرسي خطابات نارية ضد سورية فيها تهديد بإقامة منطقة عازلة.
أميركا تريد أن تضغط على الرئيس الإيراني الجديد في بداية ولايته لكي تدفعه لأخذ موقف متخاذل في القضايا الإقليمية.
الأميركان يريدون من هذا الرئيس أن يصطدم مع الحرس الثوري والمرشد الأعلى. هم يريدون خلق بلبلة داخل النظام الإيراني تؤدي لضعف الأداء الإيراني في المنطقة.
النظام الإيراني استبق هذا المخطط بأن أقصى المرشحين القريبين للغرب عن الانتخابات.
بالنسبة لروحاني فلا أدري ما هي توجهاته، ولكنني لا أظن أنه من الإصلاحيين (الذين يشبه بعضهم 14 آذار في لبنان وغورباتشوف في الاتحاد السوفييتي سابقا، ولكنني لن أشبههم بالمعارضة السورية لأنه لا توجد معارضة في العالم تشبه المعارضة السورية).
لا أظن أن روحاني سيقرر الاستسلام للأميركان، ولا أظن أن الأميركان ينتظرون منه الاستسلام، ولكن ما يريدونه تحديدا هو الفتنة والبلبلة داخل صفوف النظام الإيراني.
هم كانوا يريدون إشعال ثورة شعبية، ولكنهم فوجئوا بأن الثورة اشتعلت في تركيا وليس إيران. المعارضون في إيران خرجوا للرقص والاحتفال بعد انتخاب روحاني.
بالتالي لم يبق الآن سوى الرهان على الخلافات داخل صفوف القيادة الإيرانية.
هدف الأميركان هو محاصرة المرشد الأعلى وعزله. هم يريدون استمالة روحاني وتخويفه لكي يأخذ موقفا مناوئا لموقف المرشد في القضية السورية والفلسطينية. هم يريدون أن يستفيدوا من الزخم الشعبي الذي أتى به روحاني لكي يخلقوا انطباعا بأن الشعب الإيراني انتفض ضد المرشد الأعلى.
هل يتعلم النظام السوري من النظام الإيراني؟
صحيح أن النظام السوري هو حليف لإيران وروسيا والصين، إلا أن هذا النظام في الحقيقة بعيد كل البعد عن هذه الدول.
هذه الدول هي دول مؤسسات، وهي دول وطنية قوية وليست مجرد أنظمة هشة كالنظام السوري.
الانتخابات الرئاسية في إيران لن تؤدي لتخلي إيران عن مصالحها الاستراتيجية، لأن النظام الإيراني مبني بطريقة تمنع على الأميركان اختراقه. الأميركان يعرفون هذا الأمر، ولكنهم كانوا يراهنون على أن تتسبب الانتخابات الرئاسية في اندلاع ثورة شعبية كما حصل في الانتخابات السابقة.
الهدف المعلن من تشديد العقوبات على إيران هو هذا الأمر. الأميركان يقولون في إعلامهم أن سبب العقوبات على إيران هو تحريض الشعب الإيراني ضد النظام (ولكن طبعا الهدف الحقيقي من العقوبات لا علاقة له بهذا الأمر، لأن الحصار الاقتصادي كما بينت من قبل هو سلاح قديم جدا يعود إلى القرون الوسطى وما قبلها، وهو سلاح غير أخلاقي يسبب ضررا يفوق ضرر أسلحة الدمار الشامل، ولكن الأميركان رغم ذلك يفرطون في استعماله).
النظام الإيراني تعامل مع مسألة الانتخابات بحكمة. هو منع المرشحين الميالين للغرب ولكنه في نفس الوقت سمح لمرشح معتدل بأن يربح الانتخابات.
بهذه الطريقة امتص النظام الإيراني النقمة الشعبية الناجمة عن العقوبات بدون أن يقدم أية تنازلات لأميركا.
الآن المعارضون في إيران بدلا من أن يثوروا ضد النظام هم يحتفلون ويرقصون.
أي أن المشهد الذي أرادته أميركا لم يحدث. هي كانت تريد أن تصبح شوارع إيران مثل شوارع سورية، ولكن ما نراه الآن هو أن الإيرانيين يرقصون ويحتفلون في الشوارع، خاصة المعارضون الذين كان ينتظر منهم أن يثوروا.
هذه المناورة التي قام بها النظام الإيراني هي ذاتها الديمقراطية التي يطبقها النظام الأميركي. في أميركا الرؤساء يتغيرون ولكن الاستراتيجيات تظل ثابتة. نفس الأمر يحصل أيضا في إيران.
كثير من المعارضين السوريين الذين تمردوا على الرئيس السوري كان يمكن إرضاؤهم بمناورة كهذه. لو أن النظام السوري قام بإجراء تبديلات في الأشخاص وسمح بترشح شخص جديد للرئاسة كل بضعة سنوات لما كانت الثورة السورية وقعت، ولكان النظام السوري ظل يحكم سورية للأبد.
الطريقة التي حكم بها النظام السوري سورية هي طريقة لا علاقة لها بالعلم والمنطق. النظام السوري هو الذي دمر سورية وليس أية جهة أخرى.
لماذا نستغرب هذا الكلام… هل النظام السوري يفهم شيئا في الاقتصاد؟ انظروا إلى سجله الاقتصادي. هل هو يفهم شيئا في التعليم؟ انظروا إلى سجله التعليمي.
النظام السوري للأسف لا يكاد يفهم شيئا في أي مجال، وهذا هو سبب تراجع سورية على كل المستويات، وهذا هو سبب الأزمة الوجودية التي تعيشها سورية حاليا.
الأزمة الحالية تهدد وجود سورية. لو نجح المخطط الأميركي في سورية فسيزول الكيان السوري. كيف يمكن لشيء كبير كهذا أن يحصل؟ التفسير الوحيد هو أن النظام الذي كان يحكم سورية هو من أسوأ الأنظمة في العالم على الإطلاق.
النظام السوري هو نظام يقدس الشعارات النظرية ويتحاشى التفكير العلمي. هذا هو سبب انهيار الدولة السورية. لا يمكن لدولة محكومة بهكذا عقل خرافي جاهل أن تستمر في الوجود.
حتى الأنظمة الإسلامية التي نتهمها بالجهل والتخلف هي ليست محكومة هكذا. الأنظمة الإسلامية تطبق الأساليب العلمية في معالجة المشكلات، وهذا هو سبب بقائها.
النظام الذي يعادي العقل والمنطق لا يمكن أن ينتهي إلا كما انتهى النظام السوري.
مبادرة لحل قضية الجزر الإماراتية المحتلة
لدى مقترح لحل قضية الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران. هذا المقترح هو مستوحى من فكرة “تبادل الأراضي” التي أدخلها شيخ قطر مؤخرا إلى “مبادرة السلام العربية”.
الفكرة باختصار هي أن تنسحب إيران من الجزر الإماراتية المحتلة وفي مقابل ذلك تحصل على قطر.
ما رأيكم بهذا المقترح؟ أظن أن كثيرا من العرب سيؤيدونني فيه.
عن الفرق بين إيران وروسيا وأميركا
يسألني بعض المعلقين عن الفرق بين أميركا من جهة وبين روسيا وإيران من جهة. هم يقولون أن اتهامي لجهات معينة بالتبعية لأميركا هو أمر لا قيمة له طالما أنني أدعو للتبعية لروسيا وإيران.
من يطرحون هذه الطروحات -مع احترامي لهم- ينطبق عليهم وصف الجهل بالتاريخ والسياسة. هم على ما أعتقد ضحية للدعاية الأميركية والسعودية التي غسلت عقولهم وأنستهم أبسط الأمور المتعلقة ببلدانهم.
الفرق بين أميركا وروسيا وإيران هو ببساطة أن أميركا هي حليف تاريخي لإسرائيل وعدو تاريخي لسورية والعرب، أما روسيا وإيران فهما حليفتان تاريخيتان لسورية، وإيران هي عدو لدود لإسرائيل منذ عام 1979. هذا هو الفرق لمن لا يدري ما هو الفرق، ومن المعيب أن أضطر لأن أخبر أحدا عن هذا الفرق.
أميركا كانت على الدوام تسلح إسرائيل بأحدث صنوف الأسلحة وترفض إجراء أي تسوية للقضية الفلسطينية إلا على قاعدة أن يأتي العرب إلى إسرائيل صاغرين وأن يقبلوا بالتنازل عن حق عودة الفلسطينيين وعن معظم مساحة فلسطين وعن الكثير من الحقوق العربية الأخرى. أميركا في حياتها لم تقدم رصاصة واحدة لأية دولة عربية إلا مقابل أن تتعهد هذه الدولة بعدم معاداة إسرائيل، أما روسيا فهي التي سلحت العرب منذ الخمسينات وقدمت لهم الدعم التقني والاقتصادي.
بدون الاتحاد السوفيتيي العرب ما كانوا استطاعوا أن يخوضوا معركة واحدة ضد إسرائيل. كل سلاح القوى المقاومة لإسرائيل هو من روسيا أو الدول القريبة منها.
أميركا هي التي حاصرت عبد الناصر وسورية والعراق وليبيا والسودان وهي التي دمرت العراق وسورية. أميركا عملت دائما على تسليط عملائها من مشايخ الخليج وأمثالهم على أية قوة مناوئة لإسرائيل. الاتحاد السوفييتي في حياته لم يقم بشيء كهذا بل على العكس هو كان على الدوام يدعم العرب ويشجع حلفاءه على دعمهم.
أما إيران فهي عدو إسرائيل الأول ولا حاجة لي لكي أصف عداوتها لإسرائيل.
الهيمنة الإيرانية على المنطقة مهما كانت سيئة فهي حتما ستكون أفضل بكثير من الهيمنة الأميركية والغربية. ما الذي حققته الهيمنة الأميركية على المنطقة؟
ترسيخ المشروع الصهيوني ونشر الإرهاب والفكر الوهابي وتدمير الدول العربية القومية والتقدمية. هذه هي إنجازات الهيمنة الأميركية.
أميركا تقارب المنطقة من زاويتين:
- تقوية إسرائيل وإضعاف العرب والمسلمين
- سرقة عائدات النفط الخليجي واستخدامها لدعم إسرائيل وضرب العرب والمسلمين
هذه هي مبادئ الهيمنة الأميركية على المنطقة. أما الهيمنة الإيرانية لو حصلت فهي ستقوم حتما على أسس مختلفة. مثلما كان الحال في زمن الهيمنة العثمانية.
الهيمنة العثمانية كانت هيمنة تركية على العرب، ولكنها رغم ذلك كانت أرحم بألف مرة من الهيمنة الغربية والأميركية. الأتراك لم يكونوا حاقدين على العرب ولم يكن هدفهم تقسيم الشعوب العربية ونهب ثرواتها. هم كان لديهم بعض التعصب والتخلف، ولكن هذه مسألة بسيطة مقارنة بالاستعمار الغربي وشروره.
الهيمنة الإيرانية مهما كانت سيئة فهي ستكون أرحم بمليون مرة من الهمينة الأميركية. نحن نعرف سلفا ما هو موقف إيران من القضية الفلسطينية، ونعلم أن إيران هي دولة ذات جذور عميقة في المنطقة وفي الحضارة الإسلامية. هي ليست مجرد مستعمر لص جاء من أقاصي الدنيا.
من يشبه إيران بأميركا هو بصراحة شخص بعيد عن الإسلام ولا يمكن أن يكون إلا كذلك. كيف يمكن لشخص يدعي الإسلام أن يتجاهل دور إيران في الحضارة الإسلامية؟
- أول كتاب في النحو العربي ألفه سيبويه الإيراني.
- أول كتاب في تفسير القرآن ألفه الطبري الإيراني.
- أول سيرة للرسول وأول تاريخ للإسلام كتبه الطبري الإيراني.
- كتب “الأحاديث الصحاح” ألفها البخاري ومسلم الإيرانيان.
- الإمام أبو حنيفة الإيراني أسس الفقه السني.
وغير هؤلاء الكثير من علماء الأدب والعلوم الطبيعية كالرياضيات والفيزياء وغيرها. من لا يعرف دور الإيرانيين في الحضارة الإسلامية والعربية هو جاهل جهلا مطبقا.
إيران هي ركن أساسي من أركان المنطقة وتاريخها. من يشبه إيران بأميركا هو شخص لا تعني له الحضارة والتاريخ والثقافة شيئا.
آل سعود لم تكن لهم علاقة بالحضارة قبل القرن العشرين. هم أخذوا كل حضارتهم من الأميركان. لهذا السبب أميركا بالنسبة لهم هي كل شيء وإيران وغيرها هي لا شيء. هذا الكلام لا يجوز أن ينطبق على بقية شعوب المنطقة، اللهم إلا إذا كانت هذه الشعوب تريد أن تتجرد من حضارتها وتاريخها وتتحول إلى أعراب لدى أميركا وإسرائيل كآل سعود.
الاستراتيجية التي اتبعها المحور الأميركي-الإسرائيلي-السعودي لتنفير الناس من إيران هي التركيز على الخلاف الطائفي. هذه استراتيجية استعمارية قديمة لطالما اتبعها الاستعمار في أماكن مختلفة من العالم، وهي تسمى “فرق تسد”. الاستعمار الغربي سبق أن اتبع هذه الاستراتيجية في بداية القرن العشرين لتنفير العرب من الأتراك عبر التركيز على قضية الخلاف الإثني والقومي والمبالغة فيها. وقتها ذهب الإنكليز إلى أشراف الحجاز ودفعوا لهم المال وحرضوهم على إعلان ثورة عربية ضد الأتراك. ما يحدث الآن هو نفس الأمر تماما، ولكن الفرق هو أن الأميركان والإسرائيليين حرضوا آل سعود على إعلان ثورة وهابية ضد الإيرانيين الشيعة.
الخلاف الطائفي بين السنة والشيعة موجود، ولكن ما هي أهمية هذا الخلاف؟ هو خلاف قديم غابر، والشيعة والسنة كانوا يعيشون سوية بسلام منذ بداية القرن العشرين ولم تحدث أي مشاكل بين الجانبين إلى أن أثار آل سعود وعملاؤهم الفتنة مؤخرا.
آل سعود يسعون عن عمد لإثارة الفتنة الطائفية. هم ينبشون في الكتب الشيعية ويخرجون منها الأمور المسيئة للمذهب السني بهدف إثارة الفتنة فقط لا غير. الأمور المسيئة للصحابة موجودة في كتب الشيعة منذ قرون وهي تعود إلى العصر الأموي والعباسي، والشيعة لا يتحدثون فيها في العلن أبدا (سوى شخص واحد مقيم في لندن كما قال حسن نصر الله). ما هي الحكمة من نبش هذه الأمور وعرضها على الإعلام بهدف تحريض الناس ؟ من الواضح أن آل سعود يسعون بشكل منهجي لإثارة الفتنة.
مثير الفتنة يجب قطع رأسه. جرائم آل سعود لا تعد ولا تحصى، ولكن إثارة الفتنة الطائفية التي تؤدي لهلاك ملايين الناس وتدمير الأمة وتمكين أعدائها منها هي لوحدها جريمة كبرى لا تغتفر. لو كان في الأمة ذرة من مروءة لكانت قتلت آل سعود بسبب هذه الجريمة الكبرى.
الفتنة الطائفية التي أثارها آل سعود دمرت العراق وسورية ولبنان وقتلت مئات آلاف الناس. هل هذه أمور بسيطة؟ هل الأمة تقبل بهذا؟ إذا كانت الأمة تقبل بهذا فهي ليست أمة وإنما مجموعة من القبائل البربرية على شاكلة آل سعود.
هيمنة إيران على المنطقة
ما الذي سيحدث لو هيمنت إيران على المنطقة بدلا من أميركا؟
طبعا هذا مجرد تساؤل نظري لأن إيران لا يمكنها أن تهيمن على المنطقة بمفردها، ولكنني أطرح السيناريو الأسوأ.
آل سعود وعملاؤهم يحاولون إثارة العامة عبر الترويج لفكرة “التشييع”. هم يقولون أن إيران تسعى لإدخال الناس في المذهب الشيعي. قبل اندلاع الثورة السورية كان عملاء آل سعود يروجون لهذه المقولة في سورية بهدف تحريض الناس ضد فكرة الحلف السوري-الإيراني ضد إسرائيل.
لاحقا تبين أن هذا الكلام هو مجرد خرافات لا أساس لها. إيران لم تقم بأية حملات لتشييع الناس في سورية. كل ما حصل هو أن إيران دعمت الشيعة بالمال وقامت بتعمير بعض المراكز الدينية والأضرحة لهم، ولكن لم تكن هناك حملات تشييع للسنة ولا توجد في سورية مناطق سنية تشيعت كما روج عملاء آل سعود الكذابون.
الهيمنة الإيرانية -لو حدثت- لا تعني أن تفرض إيران نظامها الديني على سورية. النظام السوري ليس دينيا، والعلويون في سورية هم أكثر ناس يمقتون التزمت الديني. العلويون السوريون بالمناسبة هم كفار حسب المذهب الشيعي الجعفري الذي تتبعه إيران. العلويون لم يقاوموا هيمنة الإخوان المسلمين لكي يقبلوا بهيمنة الإخوان الإيرانيين. لا أحد في سورية يقبل بالهمينة الدينية الإيرانية، وبالتالي كل الحديث الذي يثيره آل سعود وعملاؤهم حول هذا الموضوع هو مجرد خزعبلات لا أساس لها في الواقع. آل سعود يروجون لفكرة أن التحالف السوري-الإيراني هو تحالف ذو طابع ديني شيعي بهدف تهييج العامة، ولكن هذا التحالف في الحقيقة لا دخل له بالدين. إذا كانت إيران تنظر له من منظور ديني فسورية لا تنظر له كذلك.
إيران هي دولة دينية ومن الطبيعي أنها تسعى لدعم الشيعة وتقويتهم، ولكن ما هو هذا الأمر العظيم؟ الشيعة في المنطقة هم أقلية صغيرة. ما الذي سيحصل لو أنهم انتعشوا قليلا وصار لهم دور وحضور أكبر؟ هل هذا أخطر أم المشروع الصهيوني-السعودي؟
أسوأ ما سيحصل لو أن إيران هيمنت على المنطقة هو أن الشيعة في المنطقة سيتحررون من الاضطهاد وسيزداد نفوذهم وحضورهم. هذا هو أقصى ما سيحدث. أما فرض المذهب الشيعي على السنة فهو كلام خرافي لا إمكانية لحدوثه على أرض الواقع. هو مجرد خرافة تروجها المخابرات السعودية والإسرائيلية بهدف تدمير العالم العربي والإسلامي.
المشروع الإيراني يريد تقوية الشيعة في المنطقة، ولكنه في المقابل يريد إزالة إسرائيل وعملائها من المنطقة وبناء قوة إسلامية على مستوى العالم. أما المشروع الأميركي فهو يريد إضعاف العرب وتقوية إسرائيل وتقوية كل القوى الإرهابية المتخلفة في المنطقة من صهاينة ووهابيين وكل أنواع التيارات المتخلفة العميلة.
أميركا تدفع مئات ملايين الدولارات لبناء تيارات سياسية وفكرية موالية لها في المنطقة. هي تدفع هذه الأموال بشكل مباشر وتستغل أيضا حلفاءها النفطيين الخليجيين لكي تدفع أموالا طائلة بشكل غير مباشر بهدف شراء شعوب المنطقة وغسل عقولها. هل هذا أخطر أم حملات التشييع المزعومة التي تقوم بها إيران؟
التشيع يعني الخروج في يوم الحسين واللطم والنواح، أما العمالة لأميركا فتعني تدمير الأوطان وقتل الشعوب. العمالة لأميركا هي أخطر بمليون مرة من التشيع.
أميركا في حياتها لم تقدم أية تقنيات حديثها لعملائها العرب. حتى عندما تبيعهم الأسلحة هي تحرص على نزع التقنيات منها بحيث تظل الأسلحة الإسرائيلية متفوقة دائما على أسلحتهم. أميركا لا تقدم التقنية الحديثة سوى لإسرائيل فقط. في المقابل إيران قدمت لسورية الكثير من التقنيات التي تهدد أمن إسرائيل، وهذا هو سبب المؤامرة الشرسة على سورية في السنتين الأخيرتين.
إيران لم تبخل على العرب بالتقنيات. هي تعتبر نفسها جزءا من الأمة الإسلامية وتقول أن تقنياتها هي لخدمة كل شعوب المنطقة، وهذا أمر واضح من المشاريع الإيرانية في سورية ولبنان وغزة والسودان. إيران تعلم العرب كيف يصنعوا السلاح، أما أميركا فهي تبذل كل ما بوسعها لمنع العرب من امتلاك السلاح. إيران بنت في سورية والسودان وغزة مصانع للسلاح، وأميركا تسعى على الدوام لتدمير مصانع السلاح. هذا لوحده فرق جذري بين إيران وأميركا.
السؤال عن الفرق بين أميركا وإيران هو سؤال ينبع من خواء فكري وثقافي وقيمي وروحي. من يسألون هذا السؤال لا هدف لهم في الحياة وهم لا يحملون في داخل نفوسهم أي شيء سوى التبعية العمياء لأميركا وآل سعود.
كل مشكلة آل سعود مع إيران هي أنهم لا يريدون منح الشيعة حقوقهم الثقافية والسياسية، لأن منح الشيعة حقوقهم يعني فتح باب الإصلاح في السعودية، وهذا الباب لا يريد آل سعود فتحه أبدا. هم ما زالوا إلى الآن يفتون بأن المظاهرات حرام والانتخابات بدعة والديمقراطية كفر. لا يوجد لدى عصابة آل سعود تفكير في الإصلاح لا الآن ولا مستقبلا. هم يعتمدون بشكل كامل وتام على الغطاء الأميركي. هم يدفعون رشاوى مالية طائلة لأميركا تحت عناوين صفقات السلاح والاستثمارات والودائع بهدف تثبيت الغطاء الأميركي لنظامهم الفاسد.
ضعف الهيمنة الأميركية على المنطقة يعني ضعف نظام آل سعود، لأن هذا النظام لا يستند على شيء سوى الغطاء الأميركي. هو لا يملك أي مشروعية شعبية ولا يعترف أصلا بالمشروعية الشعبية ويعتبرها كفرا وشركا بالله. هذا النظام هو أفسد وأسوأ نظام رأيته في حياتي. هو لا يريد الإصلاح ويريد تدمير الأمة الإسلامية لكي لا يضطر للقيام بالإصلاح.
نظام آل سعود يعتاش على الفتن. في البداية هم حاصروا عبد الناصر وتآمروا عليه مع أميركا، ثم تآمروا على العراق ودمروه، والآن يتآمرون على سورية وإيران ويثيرون الفتن الطائفية بهدف تدمير المنطقة. هذا النظام هو مجرم بكل معنى الكلمة. لا يوجد نظام أشد إجراما في تاريخ الإسلام من هذا النظام.
لا يمكن أن تقوم للعرب والمسلمين قائمة بدون تدمير نظام آل سعود. من لا يفهم هذه الحقيقة فهو لم يفهم شيئا من تجارب القرن العشرين ولم يفهم شيئا مما يجري حاليا في المنطقة.
مصلحة العرب والمسلمين حاليا هي في تهدئة الصراع مع إسرائيل والعمل على إسقاط نظام آل سعود. إسرائيل لديها قدرة محدودة على الإضرار بالعرب لأنها لا تملك الكثير من المال ولا تتحكم بالحرمين الشريفين، أما آل سعود فضررهم أكبر وأخطر، ومن لم يتعظ مما حل بسورية والعراق وغيرهما فهو لم يفهم شيئا مما حدث.
أية دولة تخرج على أميركا وإسرائيل سوف يدمرها آل سعود. من يفكر بالخروج على أميركا وإسرائيل عليه أن يسعى أولا لإسقاط نظام آل سعود وإلا فإن مصيره سيكون الطعن في الظهر.
إعلان العداء ضد أميركا وإسرائيل قبل تدمير نظام آل سعود هو في رأيي عته سياسي.
هياج الإعلام الغربي
أنا بصراحة لم أعد أتابع كثيرا الإعلام الغربي والخليجي في الآونة الأخيرة، ولكن ما يبدو لي هو أن هذا الإعلام دخل في مرحلة غير مسبوقة من الهياج الدعائي. مستوى الدعاية (البروباغندا) في الإعلام الغربي وصل إلى حد لم يعد من الممكن بعده الاعتماد على هذا الإعلام كمصدر لأي معلومة. كل ما يرد في هذا الإعلام حول سورية حاليا هو مطعون فيه ولا مصداقية له إلى أن يثبت العكس.
لفتني في الإعلام الغربي مؤخرا التركيز على الطائرات والسفن الروسية القادمة إلى سورية. موقع دبكا قال قبل يومين أن الطائرات الروسية المدنية التي تحط في المطارات السورية تنقل أسلحة وذخائر، وأن السفن الروسية التي تتوقف في الموانئ لسورية تفرغ أسلحة وذخائر. موقع دبكا يرى أن السفن الروسية أوصلت إلى سورية صواريخ إسكندر الهجومية المتطورة لكي يزودها بشار الأسد برؤوس كيماوية ويطلقها على الدول المجاورة، وهناك وسائل إعلام غربية لها رأي آخر حيث أنها ترى أن السفن الروسية تنقل إلى سورية دبابات حديثة.
هذا الهياج غير الطبيعي في الإعلام الغربي هو مؤشر إيجابي. هناك حالة إحباط ومرارة واضحة لدى الغربيين المعادين لسورية. حتى جوشوا لانديز تغيرت لهجته وصار في الآونة الأخيرة يتهجم على العلويين وكأنه وهابي. قبل أيام نشر مقالا لشخص ما يشتم فيه العلويين ويتهجم عليهم طائفيا، وبالأمس كتب هو مقالا يتهم فيه العلويين بأنهم يسعون عمدا لتدمير “المدن السنية” بهدف إضعاف السنة، ثم كتب لاحقا عن مدينة اللاذقية وكيف أن العلويين سيضطرون لتهجير السنة منها عند إقامة دولتهم.
هذا الهياج الديني ضد العلويين هو مؤشر إيجابي. تاريخيا كل من كان يهزم أمام النظام السوري كان يلجأ للتحريض الطائفي ضد العلويين. في الستينات خصوم النظام السوري كانوا يستخدمون خطاب التحريض الطائفي ضد العلويين، وأيضا الإخوان المسلمون في الثمانينات. خطاب التحريض الطائفي يشتد عادة عندما تفلس الخيارات الأخرى.
لو كان وضع الغربيين الميداني جيدا لما كانوا صعدوا الحملة الدعائية على هذا النحو المسعور. أنا أنصح كل شخص بعدم تصديق أي خبر يرد في الإعلام الغربي والخليجي قبل التأكد منه من مصادر أخرى.
بالأمس كان هناك حديث عن حماة ونجاحات للمتمردين فيها. ما الذي حصل لدمشق التي كانت على وشك السقوط؟ قبل أيام كانوا يقولون أن دمشق ساقطة والآن عادوا مجددا إلى حماة. لو كانت دمشق ساقطة لكان الأحرى بهم أن يركزوا عليها بدلا من أن يعيدوا فتح جبهات هامشية كجبهة حماة. ما هي أهمية السيطرة على حواجز في ريف حماة طالما أن دمشق على وشك السقوط؟
كانوا يقولون أن دمشق ساقطة وحلب ساقطة، والآن عدنا مجددا إلى حماة، وعاد الفيلم إلى بدايته. هذا الفيلم لن ينتهي أبدا قبل مرور أشهر وسنوات، ويجب ألا يتوقع أحد إنتهاءه قريبا.
هم لا ينوون التوقف قبل أن تتحول سورية بكاملها إلى ركام، وهذا هو معنى كلام جوشوا لانديز عندما قال أن العلويين يهدمون مدن السنة.
نظرية التحول التكفيري
من النظريات الغريبة التي يرددها الإعلام الغربي حاليا نظرية التحول التكفيري. الغربيون يبررون وجود تنظيم القاعدة في سورية بأنه نتيجة لقمع النظام السوري.
أنا بصراحة لا أدري ما هو الأساس العلمي لهذه النظرية. هناك تاريخيا الكثير من الشيوعيين الذين تعرضوا لبطش النظام السوري، ولكن حسب علمي لا أحد منهم انتمى إلى تنظيم القاعدة بعد خروجه من سجون النظام.
لو أن كل مسلم تعرض للظلم سيتحول إلى إرهابي من القاعدة فهذا يعني أن كل المسلمين يجب أن يكونوا الآن من القاعدة. لا يوجد مسلم إلا وتعرض لشكل ما من الظلم.
هل تعرض الإنسان للظلم يبرر له الإرهاب والتفجير وقطع الرؤوس؟
هل بطش النظام السوري هو سبب إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ريف حلب؟
الغريب هو أن الغربيين في السابق كانوا يرفضون رفضا قاطعا تطبيق نظرية التحول التكفيري على منفذي الهجمات ضدهم. عندما كان أحد ما يقول أن سبب الهجمات الإرهابية ضد أميركا هو الظلم الأميركي كان الأميركان يغضبون ويقولون أن هذا الكلام هو تبرير للإرهاب. في كل الدراسات الأميركية التي أجريت حول الإرهاب “الإسلامي” لا أذكر أن هناك أية دراسة قبلت مبدأ التحول التكفيري. هم كانوا يرفضون ربط إرهاب القاعدة بالممارسات الأميركية الظالمة.
النفاق الغربي وصل حدا غير مسبوق في تاريخ الحضارة الغربية. يبدو أن هذه الحضارة بدأت بالسقوط بالفعل.
النظام السوري يستعد لاستقبال مقاتلين أجانب؟
يعتزم موقع “عربي برس” نشر مقالين جديدين لـ “خضر عواركة” (والشاطر يفهم). ما يلي دعاية المقالين:
لماذا قال السيد حسن نصرالله امين عام حزب الله ان مقاتليه لم يبدأوا القتال في سورية بعد؟
هل يحترم حزب الله حدود سايكس بيكو؟
اذا كانت حماس واربع وستون تشكيلا من الاخوان المسلمين في العالم ومعظم التنظيمات السلفية الجهادية قد ارسلت كوادرها ومقاتليها ذوي الخبرة للقتال تحت الراية الاميركية في سورية فلماذا لا يشارك اعداء اميركا في لبنان والعراق وايران وكل العالم العربي في القتال ضدهم والى جانب النظام ؟؟
ما علاقة محاولة المرتزقة السيطرة على مطار دمشق بعودة المتدربين على حرب الشوارع من روسيا وايران ؟
من هم اعضاء الجيش الشعبي الثلاثمئة الف المتكل عليهم من قبل النظام للانتصار؟
وما علاقتهم تنظيميا بالجيش السوري؟
أولا هناك ملاحظة تاريخية وهي أن الحدود بين سورية ولبنان لا دخل لها باتفاقية سايكس-بيكو. اتفاقية سايكس-بيكو رسمت الحدود بين سورية والعراق وبين سورية وفلسطين والأردن، أما الحدود بين سورية ولبنان فتم رسمها في مرسوم صادر عن المفوض السامي هنري غورو في 1 أيلول 1920، وبعد ذلك تمت المصادقة على هذه الحدود في عصبة الأمم. اتفاقية سايكس-بيكو لم ترسم أي حدود بين سورية ولبنان.
بالنسبة لبقية ما ورد فيبدو أن النظام السوري يريد استقبال مقاتلين من لبنان والعراق لكي يقاتلوا إلى جانبه في سورية. هذا مطلب بديهي بعدما أرسلت أميركا كل إرهابيي العالم لكي يقاتلوا في سورية، إلى درجة أن هناك عصابة إرهابية من السويد جاءت مؤخرا لكي تقاتل في سورية، وقبلها كانت هناك عصابات من أوزبكستان ومن شين جيانغ في الصين. الوضع في سورية أصبح مهزلة حقيقية ومن الطبيعي للنظام السوري أن يطلب مقاتلين من لبنان والعراق وإيران وغيرها.
بالنسبة للثلاثمئة ألف مقاتل فلا أدري مصدرهم بالضبط ولكنني أعتقد أن النظام يستطيع بسهولة أن يجند ثلاثمئة ألف مقاتل من محافظات كحلب والرقة ودير الزور ونحو ذلك. هناك في هذه المحافظات الكثير من الناس المؤهلين للتجنيد، خاصة من أبناء العشائر والأقليات. القول بأن النظام السوري لا يملك سوى العلويين لكي يقاتلوا إلى جانبه هو وهم كبير ومجرد خرافة إعلامية-سياسية.
محافظات جديدة في سورية
http://www.alwatan.sy/dindex.php?idn=131176
بحضور وزير المالية محمد جليلاتي استكمل مجلس الشعب أمس مناقشة تقرير لجنة الموازنة والحسابات حول مشروع القانون المتضمن «الموازنة العامة للدولة للسنة المالية لعام 2013»، قبل الانتقال إلى إقرار أبواب القانون.
وتم خلال جلسة استعراض ملف مضاف إلى تقرير اللجنة المذكور مبني على مقترحات أعضاء المجلس ويتضمن توصيات بضرورة إيلاء المتقاعدين الأهمية الخاصة في سبيل رفع مستوى معيشتهم ومنحهم رواتب تقاعدية مجزية، وإقامة مشاريع تنموية حيوية في ريف محافظة حلب الشمالي الشرقي للحد من البطالة، ومعاملة الشهداء المدنيين الذين اغتالتهم عصابات القتل معاملة الشهداء العسكريين، والتأكيد على توصية لجنة الموازنة والحسابات الواردة في مجال الإدارة المحلية بخصوص إحداث محافظة في ريف حلب على أن تكون منبج، وثانية تحت اسم القامشلي لأن مقومات إنشاؤها متوافرة وتشغل أكثر من 60-70 بالمئة من مساحة محافظة الحسكة وذات كثافة سكانية عالية وأن جميع البنى التحتية متوفرة، وثالثة تحت اسم البادية وذلك لتخديم مناطق تدمر والمناطق المحيطة بها والتابعة حالياً لحمص.
إحداث محافظة في ريف حلب هو مطلب مزمن. ريف حلب هو أكثر المناطق تهميشا في سورية. وجود الفكر القاعدي والتكفيري في ريف حلب هو نتيجة طبيعية للتهميش والإهمال.
ولكن الخبر غير واضح ولم نفهم إن كانت المحافظة ستكون على غرار محافظة ريف دمشق أم أنها ستكون في القسم الشرقي من محافظة حلب. أظن أن المقصود هو إقامة محافظة في شرق حلب (في أقضية منبج وعين العرب) تحت مسمى “محافظة منبج”.
هذه المناطق يسكنها الكثير من العشائريين الفقراء وهم عموما غير معارضين للنظام، بخلاف ما هو عليه الحال في المناطق التي تقع مباشرة إلى الشمال من حلب (قضاء أعزاز). محافظة منبج من حيث التركيبة السكانية والمزاج السياسي ستكون شبيهة بمحافظة الرقة، ولكن مع فارق وجود كثافة كردية في عين العرب.
هي عموما ستكون من المحافظات الهادئة وليست من المحافظات المتمردة.
بالنسبة لمحافظة القامشلي فلا أعلم عنها الكثير ولكنني أظن أن معظم سكانها سيكونون من الأكراد، وأما محافظة الحسكة فستضم العرب. هذا يعني أن محافظة القامشلي ستكون هادئة أما محافظة الحسكة فستشهد بعض الاضطرابات بسبب التآمر التركي والسعودي والأميركي.
بالنسبة لمحافظة البادية فهي كان يجب أن تقام منذ زمن بعيد، ويجب ألا تضم بادية حمص فقط وإنما كل بوادي المحافظات.
البادية السورية قابلة جدا للتنمية لأن فيها الكثير من المعادن ومصادر الطاقة، وبالنسبة للماء فهناك نهر الفرات، وبالنسبة للسكان فالبادية السورية ليست خالية من السكان وإنما على العكس هي كانت على الدوام مصدرا للهجرات السكانية نحو الغرب.
لو أن الدولة السورية اهتمت بتنمية البادية لكان ذلك حقق الكثير من الفوائد للاقتصاد السوري:
- أولا الكلفة المالية لتنمية البادية هي أقل من كلفة تنمية المحافظات الأخرى. مثلا لتنمية محافظة ريف دمشق النظام السوري كان يجر المياه والمعادن والنفط والغاز عبر البادية لكي يوصلها إلى ريف دمشق، وعملية الجر هي مكلفة اقتصاديا. الأوفر ماليا هو إبقاء الثروات في البادية والاستثمار هناك.
- ثانيا الاستثمار والتوسع السكاني في المحافظات الغربية أدى إلى القضاء على الكثير من الأراضي الزراعية ومصادر المياه، وهذه خسارة للاقتصاد الوطني وللأمن الغذائي.
- ثالثا موقع البادية في وسط البلاد هو موقع استراتيجي للتجارة والتصدير في مختلف الاتجاهات. كلفة نقل البضائع المصنعة من دمشق إلى المحافظات الأخرى هي كلفة عالية لأن دمشق تقع في طرف سورية، أما البادية فهي تقع في الوسط وبالتالي كلفة النقل منها أقل.
هذه بعض المزايا النسبية للبادية. أنا بصراحة أؤيد حتى أن تكون عاصمة سورية في البادية بسبب موقعها الوسطي.
الغريب في الخبر هو أن تسمية المحافظة ستكون “محافظة البادية” وليس “محافظة تدمر”، أي أنها ستكون شاذة من بين كل المحافظات الأخرى. في سورية المحافظات تسمى على اسم عاصمتها. لا أدري لماذا الشذوذ. الأفضل هو المحافظة على نسق واحد لكل أسامي المحافظات.
تدمر هي مدينة تاريخية مهمة وهي كانت عاصمة لمملكة كبيرة في فترة من الفترات. مكانة تدمر قبل الإسلام كانت لا تقل عن مكانة دمشق بل ربما تفوقها. تدمر تستحق أن تكون هناك محافظة باسمها. اسم “محافظة تدمر” له معنى تاريخي وثقافي أهم بكثير من اسم “محافظة البادية”. من يسمع اسم “محافظة البادية” يظن أنها منطقة هامشية نائية، أما من يسمع اسم “محافظة تدمر” فهو يتذكر المدينة التاريخية والحضارة المهمة.
بداية التاريخ: أنظمة الكتابة القديمة (2)
هذا الموضوع يتعلق بالتاريخ القديم وهو موضوع تاريخي بحت لا علاقة له بالسياسة.
لرؤية الرموز الأجنبية المستخدمة في هذا المقال وبقية المقالات حمل ونصب هذا الخط. لمعرفة أصوات الرموز انظر هذا المقال.
تحدثت في مقال سابق عن تاريخ منطقة سومر، التي هي جنوب العراق حاليا، وتحدثت في نفس المقال عن تاريخ منطقتين كانتا تقعان إلى الجنوب من سومر هما أرض البحر وتلمون، وتحدثت في مقال آخر عن الكتابة السومرية وتاريخها. في هذا المقال سوف أتحدث بإيجاز عن تاريخ مناطق أخرى محيطة بسومر وعن أنظمة الكتابة التي استخدمت في تلك المناطق.
عيلام
منطقة سومر هي الجزء الجنوبي من أرض ما بين النهرين Mesopotamia، وأرض ما بين النهرين هي الأرض المحصورة بين نهري دجلة والفرات.
ذكرت في مقال سابق أن حدود الخليج العربي قديما كانت تختلف عن الحدود الحالية، وأن منطقة شط العرب والبصرة كانت على الأغلب مغمورة بالماء في الألفية الثالثة قبل الميلاد. الخليج العربي (“بحر شروق الشمس” عند السومريين) كان يحد سومر من جهة الجنوب الشرقي، وساحل الخليج في ذلك الوقت (الذي يعادل الأهوار حاليا) كان يسمى عند السومريين والأكديين باسم “َضفة البحر” أو “أرض البحر” (بالأكدية: kišād tâmtim أو māt tâmtim)، وبادية العراق المتمادية مع أرض البحر كانت تسمى عندهم باسم “السهل” (بالسومرية: EDIN)، وطرحت في ذلك المقال فكرة أن “أرض البحر” عند الأكديين هي نفسها “البحرين” عند العرب، وطرحت فكرة أن الشعب المعروف تاريخيا باسم الكلدان كان يسكن في الأصل هذه المنطقة وأن كلمة “كلدان” مأخوذة من كلمة kišād الأكدية التي تعني “ضفة”، وأن الكلدان سكان أرض البحر هم نفسهم Aḫlamû الذين ورد ذكرهم في رسائل حاكم تلمون البابلي التي تعود للقرن 14 قبل الميلاد، وقلت أن هذا دليل غير مباشر على وجود الآراميين في منطقة بادية العراق في منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد.
الآن سوف أتحدث باختصار عن حدود سومر من جهة الشرق. المنطقة التي تمتد شرق نهر دجلة هي منطقة سهلية تنتهي عند سفوح جبال زاغروس. حاليا جبال زاغروس تعتبر موئلا لمتحدثي اللغات الإيرانية، وتحديدا اللغات الإيرانية الغربية. الإيرانيون وصلوا إلى جبال زاغروس في حدود عام 1500 قبل الميلاد، وقبل ذلك هم كانوا يعيشون على الأغلب في منطقة آسيا الوسطى. قبل مجيء الإيرانيين إلى إيران كانت هناك مجموعة أخرى من الشعوب تعيش فيها، وهذه الشعوب وردت بعض المعلومات عنها في كتابات ما بين النهرين القديمة.

الأكديون كانوا يطلقون على جبال زاغروس مسمى Elammatum (لاحقا Elamtu)، أما السومريون فكانوا يسمونها NIMki التي تعني “الأرض العالية،” ولاحقا صاروا يسمونها أيضا Elammaki. الباحثون ربطوا بين كلمة Elamtu وكلمة עֵילָם (ʕêlām) التي وردت في التوراة كاسم لمملكة وشعب، وهذه الكلمة التوراتية هي مصدر كلمة “عيلام” العربية.
المنطقة السهلية الممتدة بين سومر وجبال زاغروس هي المنطقة التي تسمى الآن الأهواز أو خوزستان. هذه المنطقة تقع جغرافيا خارج بلاد ما بين النهرين (لأنها تقع شرق دجلة)، ولكنها تاريخيا وحضاريا كانت على صلة وثيقة ببلاد ما بين النهرين. طبيعة هذه المنطقة تشبه طبيعة سومر حيث أنها منطقة سهلية تخترقها أنهار نابعة من جبال زاغروس (أهم هذه الأنهار القارون والكرخة). الحضارة في هذه المنطقة بدأت قديما، وفي هذه المنطقة تم اكتشاف ألواح مسمارية بدائية من نمط proto–writing تعود لعصر جمدة نصر السومري (3100–2900 قبل الميلاد). لغة هذه الألواح مجهولة (مثلما أن لغة الألواح السومرية البدائية مجهولة أيضا، رغم أن الباحثين يفترضون أنها سومرية). الباحثون يسمون نظام الكتابة المستخدم في هذه الألواح باسم العيلامية البدائية Proto–Elamite، وهي تسمية مبنية على أساس جغرافي، نظرا لأن هناك كتابات مماثلة لهذه الكتابة تم العثور عليها في جبال زاغروس، ونظرا لأن منطقة الأهواز كان يسكنها في العصور اللاحقة شعب يتحدث لغة تعرف بالعيلامية.
الألواح العيلامية البدائية تشبه في أسلوبها الألواح السومرية البدائية ولكن نظام الكتابة المستخدم فيها ليس هو نفسه النظام السومري، مما يدل على أن مخترعي هذا النظام تأثروا بالسومريين (أو العكس). بعض الباحثين يرون أن نظام الكتابة العيلامي البدائي أقدم من النظام السومري البدائي، ولكن تاريخ الألواح السومرية البدائية هو أقدم من تاريخ الألواح العيلامية البدائية.
الخلاصة هي أن الكتابة المسمارية البدائية proto–cuneiform ظهرت في كل من سومر والأهواز في نفس الوقت تقريبا، ولكن النظام المستخدم في كلتا المنطقتين كان مختلفا. النظام الأهوازي (Proto–Elamite) انقرض في حدود عام 2900 قبل الميلاد، أما النظام السومري فتطور وتحول إلى الكتابة المسمارية التقليدية التي اقتبسها الأكديون وغيرهم (والتي وصفتها في مقال سابق)، حتى سكان الأهواز اقتبسوا النظام السومري المطور وصاروا يكتبون به لغتهم، ومن دراسة هذه اللغة (التي تسمى العيلامية Elamite) تبين للباحثين أنها ليست سومرية ولا سامية وإنما هي لغة خاصة يعتقد الباحثون أن أصلها يعود إلى جبال زاغروس.
اللغة العيلامية هي لغة لصقية agglutinative كاللغة السومرية والكثير من اللغات الآسيوية الأخرى. الباحثون يرون أن سكان إيران القدماء قبل وصول العرق الإيراني كانوا يتحدثون مجموعة من اللغات اللصقية الشبيهة باللغة العيلامية. هذه اللغات كانت موجودة بكثرة في جبال زاغروس، وفي الكتابات الأكدية وردت أسماء الكثير من الشعوب التي كانت تسكن جبال زاغروس قديما. هذه الشعوب كانت طوال التاريخ القديم تنزل من الجبال نحو السهول التي تقع شرق دجلة. هم نزلوا وسكنوا منطقة الأهواز في عصر باكر، وكثير من الباحثين يرجحون أن الألواح العيلامية البدائية هي من صنع هذه الشعوب، وهذا يفسر استخدامهم لنظام كتابة مختلف عن النظام السومري البدائي (رغم أنه شبيه به).
السومريون والأكديون في الألفية الثالثة قبل الميلاد كانوا يشيرون للأهواز وجبال زاغروس باسم Elammatum أو Elamtu، أما متحدثو اللغة العيلامية أنفسهم فهم في البداية لم يستخدموا هذه الكلمة في كتاباتهم ولكنهم في القرن 18 قبل الميلاد صاروا يشيرون لبلادهم باسم Hatamti، ومن غير المعروف ما إذا كانت هذه الكلمة مشتقة من كلمة Elammatum الأكدية أم العكس. هناك نظرية ترى أن أصل كلمة Elammatum هو من عبارة alā’itum mātum التي تعني بالأكدية “الأرض العالية”، ومن هذه الكلمة أتت كلمة Hatamti العيلامية، وهناك نظرية أخرى ترى أن أصل كلمة Hatamti هو من كلمة عيلامية مفترضة هي *Haltamti التي تعني “أرض النبلاء” (مركبة بطريقة اللصق من hal “أرض” و tamt “سيد نبيل”)، ومن هذه الكلمة جاءت كلمة Elammatum الأكدية.
خلاصة ما سبق هي أن منطقة جبال زاغروس كانت مسكونة قديما بشعوب تتحدث لغات لصقية غير سومرية، وهذه الشعوب سكنت منطقة الأهواز منذ بداية التاريخ وكانت على صلة وثيقة بالسومريين، وهي كانت تستخدم نظام الكتابة المسماري منذ بداية ظهوره ومن قبل أن يكتمل تطوره.
أهم مدن العيلاميين في الأهواز كانت مدينة سوس التي تقع على نهر الكرخة (حاليا تسمى شوش، واسمها اليوناني Sousa). في هذه المدينة عثر على معظم الألواح العيلامية البدائية. منطقة الأهواز في التاريخ القديم كانت تنسب إلى هذه المدينة فتسمى في الكتابات المسمارية باسم Šušan وفي الكتابات اليونانية لاحقا Sousiana. من مناطق العيلاميين الأخرى منطقة Anšan، وهي ربما نفس منطقة فارس الإيرانية، وعاصمتها اكتشفت حديثا وهي تقع شمال غرب شيراز. ملوك العيلاميين كانوا يطلق على أنفسهم لقب “ملك سوس و Anšan“. من مناطق العيلاميين أيضا منطقتا Awan و Šimaški، وهاتان المنطقتان كانتا تقعان في الجبال المحيطة بالأهواز من الشمال والشمال الشرقي، وهناك أيضا منطقة Ḫamazi التي كانت ربما تشكل النهاية الشمالية لعيلام قبل المرتفعات التي يسكنها حاليا الأكراد.
Aratta
منطقة Aratta هي منطقة ذات أهمية في التراث السومري. هذه المنطقة ورد ذكرها في عدد من القصص السومرية المتعلقة بملوك مدينة Uruk الأوائل، وتحديدا الملك Enmerkar (باني مدينة Uruk) وخلفه Lugalbanda. القصص السومرية تقول أن Enmerkar أراد السيطرة على منطقة بعيدة تسمى Aratta لكي يحصل منها على الأحجار الثمينة والذهب والفضة واللازورد، وذلك لكي يستخدم هذه المواد في تزيين معبد Enki في مدينة Eridu ومعبدInanna في مدينة Uruk. إحدى القصص تقول أن الإلهة Inanna طلبت من Enmerkar أن يرسل رسولا إلى Aratta يطلب من ملكها الخضوع وتقديم الجواهر والمعادن، وهذا الرسول لكي يصل إلى Aratta البعيدة كان عليه أن يصعد وينزل جبال Zubi وأن يعبر سوس و Anšan وسبع جبال أخرى قبل أن يصل إلى Aratta.
الباحثون حاروا في تحديد موقع Aratta. في البداية ربط البعض بين كلمة Aratta وبين اسم جبل أراراط في الهضبة الأرمنية، وبناء على هذا الربط وعلى بعض التفسيرات المغلوطة للنصوص السومرية طرح هؤلاء نظرية تقول أن Aratta تقع في أرمينيا، وهذه النظرية لاقت رواجا عند أصحاب النزعة الشمالية الذين رأوا فيها رابطا بين السومريين وبين الشمال. هؤلاء يعتبرون أن السومريين كانوا أصلا يسكنون الأناضول أو سفوح جبال طوروس رغم أنهم لا يملكون أي دليل على هذه النظرية (كل ما لديهم هو مجرد فرضيات وكلام نظري حسب ما أعلم)، وبالنسبة لهم قصص Aratta الواردة في التراث السومري هي دليل على وجود علاقات قديمة مهمة بين السومريين وبين أرمينيا، وهذا يعزز الفكرة القائلة بأن السومريين كانوا يسكنون شمالا.
فيما بعد تم اكتشاف آثار مدينة Anšan بالقرب من شيراز في إيران، وتبين وقتها أن Aratta لا يمكن أن تكون في أرمينيا. القصة السومرية تقول أن الطريق من Uruk إلى Aratta يمر عبر سوس (الأهواز) ثم Anšan (فارس في إيران) ثم مجموعة من الجبال وصولا إلى Aratta. إذن Aratta المقصودة تقع شرق فارس إلى الجنوب الشرقي من سومر.
بعض الباحثين رأوا أن قصة Aratta تشير إلى طريق الحرير القديم الذي كان يمتد عبر شمال إيران إلى خراسان ومنها إلى مرتفعات الهيمالايا. هذا الطريق كان يستخدم في تجارة الأحجار الثمينة وبالتالي ربما يكون هو المقصود من القصة، ولكن أنا لدي رأي آخر وهو أن المقصود من قصة Aratta هو ربما طريق بري قديم كان يربط بين سومر وحضارة وادي السند.
حضارة وادي السند (تسمى أيضا حضارة Harappa نسبة إلى موقع Harappa الأثري في البنجاب في باكستان) هي إحدى الحضارات المهمة في العالم القديم إلى جانب حضارة ما بين النهرين والحضارة المصرية. هذه الحضارة كانت تملك نظاما للكتابة يطلق عليه Indus script أو Harappan script. هذا النظام يعتمد على رموز صورية شبيهة نوعا ما بالرموز الهيروغليفية المصرية، ولكن رغم مرور أكثر من 130 سنة على بدء اكتشاف كتابات وادي السند إلا الباحثين لم يتمكنوا حتى الآن من قراءتها، وهذا ما دفع بعض الباحثين للتشكيك في كونها تمثل كتابة حقيقية. غالبية الباحثين يرون أنها تمثل كتابة حقيقية، وهم يرون من تحليل بنية النصوص أنها تمثل لغة لصقية.
لغات الهند الأصلية قبل الغزو الآري في عام 1500 قبل الميلاد كانت لغات لصقية يطلق عليها اسم اللغات الدرافيدية Dravidian. بقايا هذه اللغات ما زالت موجودة حتى اليوم في جنوب الهند وسريلانكا، وكثير من الباحثين يرون أن لغة وادي السند القديمة هي مرتبطة بهذه اللغات.

السومريون كانت لديهم علاقات تجارية مع حضارة وادي السند (التي كانوا يسمونها Meluḫḫa)، وهذا الأمر مثبت بالأدلة الأثرية. الطريق التجاري بين سومر ووادي السند (باكستان) كان يمر عبر تلمون و Makan (عمان). من الممكن أنه كان هناك أيضا طريق بري يمر من الأهواز إلى فارس ومنها إلى وادي السند. أنا لم أقرأ حول هذا الموضوع ولكنني أذكر أنني قرأت نظرية تقول أن السومريين هاجروا من وادي السند إلى سومر عبر طريق بري يمتد على الساحل الشمالي للخليج العربي. هذا الطريق هو ربما نفسه المقصود في قصة Aratta، رغم أنني لا أظن أن السومريين هاجروا عبره إلى سومر لأن التراث السومري يدل على أن السومريين كانوا يعيشون قبل مجيئهم إلى سومر في شرق الجزيرة العربية.
قصة Aratta تدل في كل الأحوال على وجود روابط بين السومريين القدماء وبين حضارة أخرى تقع في جهة الشرق، وأهم حضارة إلى الشرق من سومر في العالم القديم هي حضارة وادي السند. الروابط التجارية بين السومريين ووادي السند معروفة، وهناك أيضا روابط لغوية محتملة.
هناك عدد من الباحثين الذين يعتقدون بوجود أصل مشترك بين اللغة العيلامية واللغات الدرافيدية، وهم يقترحون وجود عائلة لغوية يسمونها Elamo–Dravidian تضم اللغة العيلامية ولغات الهند الدرافيدية. هذه النظرية ترى أن سكان شبه القارة الهندية والهضبة الإيرانية كانوا قديما يتحدثون لغات لصقية ذات أصل واحد. عندما ظهرت الحضارة والكتابة في سومر انتقلت شرقا نحو العيلاميين ومنهم نحو وادي السند.
هذه النظرية تعجبني وأنا أضفت إليها في المرة السابقة ما يلي: السومريون في الأصل كانوا ينتمون لهذه العائلة، ولكنهم انفصلوا عنها باكرا ووصلوا عن طريق عمان إلى شرق الجزيرة العربية (تلمون)، وعاشوا هناك كصيادي سمك وآكلي تمور. أثناء معيشتهم في تلك المنطقة ظهرت في منطقة سومر الحضارة العبيدية (التي هي أول حضارة إنسانية) والسومريون تأثروا بهذه الحضارة وتبادلوا معها البضائع والمنتجات، ثم بدؤوا يستوطنون في المدن السومرية ويعملون في الزراعة، واستمر هذا الأمر إلى أن أصبحت منطقة سومر سومرية اللغة، وذلك قبل اختراع الكتابة في عام 3500 قبل الميلاد، وفي الألفية الثالثة قبل الميلاد بدأ الساميون يصلون من جهة الغرب وحلوا تدريجيا محل السومريين في شرق الجزيرة العربية.
طبعا سيقول قائل كيف تمكن السومريون القادمون من بيئة فقيرة من الهيمنة على بيئة العبيديين الغنية؟ هذا السؤال يطرحه المستشرقون دوما، والرد عليه هو كما يلي: كيف تمكن الآراميون القادمون من الصحراء من الهيمنة على بلاد ما بين النهرين الغنية؟ وكيف تمكن العرب القادمون من الصحراء من الهمينة على بلاد ما بين النهرين الغنية؟
منطقة سومر صغيرة المساحة، أما مساحة الجزيرة العربية فهي كبيرة جدا وسواحلها طويلة، وسكانها يستطيعون الهيمنة على سومر كما هيمن العرب على العراق وقبل العرب الآراميين. الآراميون الكلدان الذين دخلوا إلى العراق في نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد أتوا من سواحل الخليج العربي وبادية العراق، وهذه هي نفس المناطق التي أقول أن السومريين أتوا منها.
مدينة السومريين الأولى هي مدينة Eridu التي تقع على أطرف بادية العراق. هذه المدينة كانت تقع على ساحل الخليج وسكانها الأوائل كانوا صيادي سمك. هذه المدينة كانت مستوطنة للسومريين على أطراف الحضارة العبيدية. هي تشبه مدينة البصرة العربية التي كانت مستوطنة للعرب على أطراف العراق، وتشبه أرض البحر التي كانت مستوطنة للكلدان على أطراف بلاد بابل.
الخليج العربي في رأيي كانت تحيط به عائلة تسمى Sumero–Elamo–Dravidian (هذا المصطلح اختراع من عندي). هذه العائلة كانت تحيط بالخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب، وهي كانت تتحدث مجموعة من اللغات اللصقية. فيما بعد السومريون سكنوا سومر واخترعوا الكتابة، ومنهم انتقل هذا الاختراع إلى العيلاميين ومن العيلاميين إلى وادي السند.
العيلاميون كانوا يسكنون جبال زاغروس من جنوبها (Anšan = فارس) وصولا إلى حدود المنطقة الكردية حاليا، أي نفس المنطقة التي سكنها فيما بعد الإيرانيون الفرس واللوريون. العيلاميون كانوا مجموعة من الشعوب التي تتحدث عددا من اللهجات أو اللغات المتقاربة، ولكنهم كانوا يملكون لغة رسمية موحدة هي اللغة المسماة بالعيلامية، وأصل هذه اللغة يعود ربما إلى سوس في الأهواز.
إلى الشمال من عيلام تقع المرتفعات الكردية حاليا، التي هي استمرار لجبال زاغروس نحو الشمال والغرب باتجاه القسم الجنوبي من الهضبة الأرمنية. المرتفعات الكردية في الألفية الثالثة قبل الميلاد كانت تضم منطقة تسمى في الكتابات المسمارية باسم Gutium. هذه المنطقة كانت تقع ربما إلى الشمال مباشرة من عيلام، أي ربما في المحافظة الإيرانية المسماة حاليا كردستان وبعض المناطق إلى الجنوب من بحيرة أرميا. هذه المنطقة تعتبر في الكتابات المسمارية منطقة مستقلة عن عيلام، ولغتها كذلك تعتبر مستقلة عن اللغة العيلامية واللغة الخُرِّية المحكية شمالا في المرتفعات الأرمنية. سكان هذه المنطقة (يسمون Guti) اجتاحوا بلاد ما بين النهرين في القرن 22 قبل الميلاد وتسببوا في انهيار الإمبراطورية الأكدية، وتسببوا كذلك في إفساد الزراعة والحياة العامة، وهم يوصفون في الكتابات المسمارية بانهم همج وبرابرة. هم لم يخلفوا أي كتابات ولكن الكتاب الأكديين ذكروا أسماء ملوكهم الذين حكموا ما بين النهرين لبعض الوقت، وهذه الأسماء تؤكد أن لغتهم كانت تختلف عن العيلامية والخرّية.
إلى الشرق من Guti كان يعيش شعب آخر يدعى Marḫaši. هذا الشعب ورد اسمه في كتابات سومرية تعدد المناطق التي فتحها أحد ملوك مدينة Adab السومرية. كلمة Marḫaši وردت في التعداد بين عيلام وGutium، وهذا يعني أنها كانت تقع ربما إلى الشرق من عيلام و Gutium. أما إلى الغرب من Gutium فكانت تقع Lullubum، وهي منطقة تعادل ربما محافظة السليمانية في العراق حاليا. هذه المنطقة ضمها الأكديون إلى إمبراطوريتهم، وهناك نصب أكدي شهير يجسد انتصار الملك الأكدي Narām–Sîn على Lullubum.

الأكديون والسومريون كانوا يستخدمون على ما يبدو مصطلح “جبال Lullubi” في الإشارة إلى المرتفعات الكردية المطلة على آشور، وفي العصور المتأخرة صاروا يشيرون إلى هذه المنطقة باسم Zamua، وهذه الكلمة ربما تكون مرتبطة بكلمة “جبال Zubi” التي وردت في إحدى الأساطير السومرية الباكرة.
خلاصة ما سبق هي أن القسم الجنوبي من جبال زاغروس (الذي يسكنه حاليا فرس ولوريون) كان يسمى عند السومريين والأكديين باسم عيلام، وسكان عيلام نزلوا منذ زمن باكر إلى الأهواز واستوطنوها، أما الامتداد الشمالي لجبال زاغروس (الذي يسكنه حاليا أكراد) فكان يحوي Guti و Lullubi، وهؤلاء كانوا يتحدثون لغات تختلف عن العيلامية ولكنها كانت ربما على صلة قرابة باللغة الخُرِّية المحكية شمالا.
الـ Guti اجتاحوا ما بين النهرين في القرن 22 قبل الميلاد وأسقطوا الإمبراطورية الأكدية، ولكن حكمهم لم يدم إلا لعقود قليلة، وبعد ذلك قامت في سومر المملكة السومرية المسماة مملكة Ur الثالثة. هذه المملكة سقطت في حدود عام 2000 قبل الميلاد على يد العيلاميين الذين اجتاحوا سومر لأول مرة منطلقين من مدينة سوس، ولكن وجودهم في سومر لم يدم إلا لسنوات قليلة، وبعد ذلك حكمت سومر الممالك الأمورية التي توحدت في القرن 18 قبل الميلاد تحت قيادة حمورابي ملك بابل وكونت الإمبراطورية البابلية القديمة. هذه الإمبراطورية انتهت في القرن 16 قبل الميلاد على يد المملكة الحتية الأناضولية، وبعد أن دمر الحتيون بابل نزل شعب جديد من الجبال وحكم جنوب العراق هو الشعب المعروف باسم الكَسِّيين Kassû. الكسّيون حكموا بابل لأربعة قرون ولكن فترة حكمهم كانت راكدة ولم يخلفوا إلا القليل من الكتابات، وبالنسبة للغتهم فالمعروف عنها قليل ولكنها لم تكن عيلامية وإنما أقرب للغة الخُرِّية الشمالية، ونهاية حكمهم كانت على يد العيلاميين الذين غزوا بابل في القرن 12 قبل الميلاد وأنهوا حكم الكسيين، وبعد ذلك عاشت بابل مرحلة من الفوضى استمرت لقرنين من الزمان قبل أن تقع تحت حكم الإمبراطورية الآشورية الحديثة في نهاية القرن العاشر قبل الميلاد.
مما سبق يتبين دور شعوب إيران القديمة في تاريخ ما بين النهرين والمنطقة. هو عموما كان دورا سلبيا وتخريبيا. إيران قديما كانت مسكونة بمجموعة كبيرة من الشعوب التي تتحدث لغات لصقية. القسم الجنوبي من هذه الشعوب (المعروف بالعيلاميين) كان متحضرا. هذا القسم كان على علاقة لغوية بحضارة وادي السند في باكستان وكان يسكن الأهواز والجبال المحيطة بها وفارس وربما أيضا منطقة سيستان في جنوب شرق إيران. إلى جانب هذا القسم العيلامي كانت هناك مجموعة أخرى من الشعوب تسكن في شمال غرب إيران وربما أيضا في الشمال وفي القسم المسمى بالمركزي (المثلث الممتد بين طهران وأصفهان وهمدان). هذه الشعوب كانت “بربرية” وكانت على علاقة لغوية ربما بالخُرِّيين سكان أرمينيا في ذلك الزمان.
في حدود عام 1500 قبل الميلاد بدأ العرق المسمى Indo–Aryan (أو Indo–Iranian) يقتحم الهضبة الإيرانية من جهة آسيا الوسطى في الشمال الشرقي. هذا العرق هو فرع من أمة أكبر تسمى Indo–Europeans (أو Indo–Germans). الموطن الأصلي لهذه الأمة غير معروف ولكن كثيرا من الباحثين حاليا يرون أنه سهل البحر الأسود (المنطقة الفسيحة الممتدة بين شمال البحر الأسود وشمال بحر قزوين)، ومن هذه المنطقة يعتقد أن الهندوآريين اتجهوا شرقا نحو سهول آسيا الوسطى التي أصبحت موطنا لهم، وفي منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد اندفع قسم منهم نحو الهضبة الإيرانية وقسم آخر نحو السند والهند. كلمة “إيران” هي تحريف لـ Aryan، والإيرانيون بالمناسبة يسمون دولتهم بهذا الاسم منذ القدم وأما كلمة “فارس” كتسمية لإيران فهي يونانية الأصل والإيرانيون لم يستخدموها أبدا في تاريخهم.

الإيرانيون (الآريون) الذين دخلوا إلى الهضبة الإيرانية انتشروا في البداية في القسم الشمالي (غير العيلامي)، ومن غير المعروف ما الذي حل بالسكان الأصليين ولكن من الوارد أنهم خضعوا لسلطة القبائل الإيرانية، وبعضهم ربما تم تهجيره. القبائل الإيرانية ظهرت في الكتابات الآشورية لأول مرة في القرن التاسع قبل الميلاد. في ذلك الوقت كان هناك تحالف قبلي إيراني في شمال غرب إيران تحت مسمى Māda (هكذا ورد الاسم في الكتابات المسمارية والعبرية والآرامية والعربية القديمة، بما في ذلك الكتابات الفارسية القديمة). هذا التحالف خضع لسلطة الآشوريين وأصبح الآشوريين يستخدمون الماديين في حروبهم ضد البابليين والعيلاميين، وفيما بعد عندما ضعف الآشوريون في القرن السابع قبل الميلاد استغل الإيرانيون ذلك فتحالفوا مع البابليين وانقضوا على آشور ودمروها، وهكذا قامت الدولة الإيرانية المادية (Median Empire) التي هي أول دولة إيرانية في التاريخ، وحاكمها الأول اسمه Cyaxarēs باليونانية. هذه الدولة تمددت في كل أنحاء الهضبة الإيرانية من أفغانستان إلى أذربيجان (باستثناء بلوشستان في الجنوب الشرقي) وسيطرت على كل مناطق عيلام باستثناء الأهواز (التي هي لا تقع في الهضبة الإيرانية جغرافيا).

الكتاب اليونانيون كتبوا اسم الماديين على الشكل التالي Mēdoi، ومن هذه الكلمة جاءت كلمة Medes الأوروبية، ومن الكلمة الأوروبية جاءت كلمة “ميديين” التي يستخدمها الكتاب العرب حاليا، ولكن اسم الميديين في كل الكتابات القديمة (بما في ذلك العربية) هو ماديين (Mād-). سبب الكتابة اليونانية لا أعرفه ولكن هيرودوت قال في كتابه أن اسم الماديين أصلا كان Arioi (آريين) وأنهم غيروا اسمهم إلى Mēdoi لأن ميديا الكولخيدية (Mēdeiēs tēs Kolchidos) جاءت إليهم من أثينا وغيرت لهم اسمهم هم والفرس، وزعم أن هذه الرواية يرويها الماديون أنفسهم. طبعا هذه الرواية الخرافية ليست هي أصل كلمة Mēdoi.
الدولة المادية كانت كبيرة جدا في المساحة (تشمل الهضبة الإيرانية والهضبة الأرمنية) ولكنها كانت دولة متخلفة على ما يبدو لأنها لم تترك أي كتابات. كل المعلومات المتوفرة عن الماديين وتاريخهم ولغتهم وديانتهم مأخوذة من مصادر أجنبية، وأحد هذه المصادر هو كتاب هيرودوت.
في ظل حكم الماديين انتقل الإيرانيون الفرس إلى منطقة Anšan في جنوب غرب إيران، وكانوا قبل ذلك يعيشون في شمال غرب إيران كما يظهر من الكتابات الآشورية. بعد أن سكن الفرس هذه المنطقة صارت تعرف باسمهم (بالفارسية القديمة: Pārsa، باليونانية: Persís، بالعربية: فارس). في عام 553 قبل الميلاد تمرد رجل فارسي اسمه قورش (Cyrus the Great) على الملك المادي وخلعه وأسس الدولة الفارسية الأخمينية التي هي أول دولة فارسية في التاريخ وثاني دولة إيرانية.
الدولة الأخمينية كانت تختلف عن الدولة المادية من نواح عديدة. هي أولا كانت أفضل حضاريا لأنها نشأت في منطقة عيلام التاريخية، وهذا انعكس على طباع حكامها الذين خلفوا كتابات مسمارية مكتوبة بثلاث لغات: الفارسية والعيلامية والبابلية. أيضا هم أنشؤوا دواوين وجهازا إداريا متطورا للدولة، ونجحوا بفضل حنكتهم السياسية والإدارية في إنشاء أكبر إمبراطورية في التاريخ حتى ذلك الوقت. هذه الإمبراطورية كانت تمتد من أفغانستان ووادي السند إلى مصر والأناضول. سر نجاحهم في حكم كل هذه الشعوب هو أنهم كانوا يعتمدون بشكل كبير على اللامركزية الإدارية.
الكتابات المسمارية التي خلفتها هذه الدولة كانت تهدف إلى التباهي والمحافظة على التقاليد العيلامية والبابلية، ولكن على أرض الواقع سكان هذه الدولة كانوا يستخدمون اللغة الآرامية في كل تعاملاتهم، وحتى الأجهزة الرسمية لهذه الدولة كانت تستخدم اللغة الآرامية. اللغة الآرامية في ذلك الوقت كانت اللغة الرسمية من أفغانستان وباكستان حتى مصر، أي في معظم العالم. اللغة الآرامية التي كانت الدولة الأخمينية تستخدمها في المعاملات الإدارية تسمى الآرامية الرسمية Official Aramaic أو الآرامية الإمبراطورية Imperial Aramaic، وهناك الكثير من الكتابات الموجودة بهذه اللغة.
الدولة الأخمينية انهارت على يد الإسكندر المقدوني في القرن الرابع قبل الميلاد. الإسكندر احتل كل الإمبراطورية الأخمينية بلا استثناء، وبعد وفاته تقسمت هذه الإمبراطورية إلى مجموعة من الدويلات الهيلينية (اليونانية)، وإيران كانت من ضمن الدولة السلوقية التي مركزها سورية. في القرن الرابع قبل الميلاد تمرد الفارثيون أو الأرشكيون في غرب خراسان في شرق إيران وأسسوا الدولة الفارثية أو الأرشكية أو الفهلوية، وهذه هي الدولة الإيرانية الثالثة، وهي كانت دولة ضعيفة نسبيا مقارنة بسابقتها ولاحقتها. هذه الدولة استمرت حتى القرن الثالث الميلادي إلى أن تمرد عليها رجل فارسي اسمه أردشير وأسس الإمبراطورية الفارسية الساسانية التي استمرت إلى أن أطاح بها العرب في القرن السابع.

الدولة الفارثية والساسانية كلتاهما كانتا تستخدمان نظام كتابة يسمى الخط الفهلوي (Pahlavi)، وهو مشتق من الكتابة الآرامية التي كانت مستخدمة في إيران وغيرها منذ زمن الآشوريين. أيضا الخط الهندي البراهمي مشتق من الخط الآرامي، وكذلك الخط العبري والخط العربي المستخدم حاليا.
الفرس بعد أن سكنوا عيلام تمايزت لغتهم إلى قسمين، قسم جنوبي هو المعروف اليوم بالفارسية، وقسم شمالي يسمى اليوم باللورية. أما الأهواز فهي ظلت محافظة على لغة خاصة بها حتى العصر العباسي كما تدل على ذلك كتابات الكتاب المسلمين الذين ذكروا وجود لغة في خوزستان تسمى بالخوزية لا يفهمها أحد سوى سكان خوزستان، ومن غير المعروف ما إذا كانت هذه اللغة إيرانية أم أنها من بقايا اللغات العيلامية القديمة. حاليا حسب علمي لم يعد هناك أي أثر للغات اللصقية القديمة في إيران وكل الهضبة الإيرانية تتحدث لغات إيرانية، واللغات الإيرانية امتدت خارج حدود الهضبة الإيرانية إلى الهضبة الأرمنية وشمال سورية (اللغة الكردية).

مصادر
- D. T. Potts, The Archaeology of Elam: Formation and Transformation of an Ancient Iranian State
- The Cambridge Ancient History
- The Cambridge Encyclopedia of the World’s Ancient Languages
- Rebecca Hasselbach, Sargonic Akkadian: A Historical and Comparative Study of the Syllabic Texts
- Daniel A. Foxvog, Introduction to Sumerian Grammar
- Encyclopaedia of Islam
- Geoffrey W. Bromiley, International Standard Bible Encyclopedia
- Wikipedia, the free encyclopedia
- Encyclopædia Britannica
- Microsoft Encarta