شكر بعض السوريين لأنغيلا ميركل أثار استغراب الألمان

ما يلي ورد في مقال كتبته باحثة ألمانية:

إقرأ المزيد

حل الأزمة السورية مؤجل إلى العام القادم

من كان يتابعني منذ بداية الأزمة السورية يتذكر كلامي عن أن سورية أصبحت ملعبا لقوى دولية متصارعة وأن الأزمة السورية لا يمكن حلها إلا بصفقة بين هذه القوى. هذا الكلام أنا قلته منذ ما قبل رمضان الماضي، وأنا منذ البداية تنبأت بالعقوبات والمجازر والانهيار الاقتصادي وكل ما حصل تقريبا.

الصفقة المطلوبة لإنهاء الثورة السورية هي صفقة بين أميركا وبين المحور الدولي المناوئ لها والذي يتألف من روسيا والصين وإيران.

على ماذا ستتم الصفقة؟

 أنا منذ البداية طرحت رؤيتي للصفقة التي تريدها أميركا، والأيام أثبتت أن كلامي كان صحيحا. الصفقة التي تريدها أميركا هي باختصار “إيران مقابل سورية”. أميركا تقول للمحور المناوئ لها أننا لا نستهدف إيران ونحن مستعدون لتقبل نفوذ إيران في العراق والخليج ومستعدون حتى لتقبل البرنامج النووي الإيراني، ولكننا نريد شيئا واحدا هو نزع مخالب إيران التي تطال بها إسرائيل وتحويل المنطقة المحيطة بإسرائيل إلى أرض محايدة (no man’s land).

ما تطرحه أميركا هو التالي: دولة كبيرة ومهمة ومؤثرة هي إيران، ولا مانع من أن تكون هذه الدولة نووية وأن تكون الآمرة الناهية في العراق والخليج، ولكن بشرط أن تنتهي حدود النفوذ الإيراني عند بداية صحراء الأنبار العراقية.

أميركا تريد تحويل منطقة المشرق العربي إلى مجموعة من الدويلات الطائفية، وهو نفس المشروع الغربي القديم الذي بدأ بعد انهيار الدولة العثمانية. الهدف من هذا المشروع هو باختصار حماية إسرائيل. أميركا كما شرحت من قبل لا تعترف بوجود شيء اسمه أمة عربية أو حتى سورية. هي ترى أن منطقة المشرق العربي مكونة من اليهود (أي إسرائيل) ومجموعة من الطوائف الدينية الأخرى المحيطة بها. هذه هي نظرة أميركا والعقل الغربي للمشرق العربي. هي نظرة تضع إسرائيل في المركز وتفهم العرب على أنهم مجموعة من الأقوام والشعوب المحيطة بإسرائيل.

هذه النظرة هي الهدف الذي تريد أميركا الوصول إليه، ويجب أن نعترف أن أميركا نجحت خلال فترة قصيرة نسبيا في قطع نصف المسافة إلى هذا الهدف.

أميركا أعطت منذ سنوات الضوء الأخضر لصعود الإسلام السعودي أو الوهابي في المنطقة، وأنا شرحت مرارا ما هو معنى هذا الإسلام الأميركي. المعنى باختصار هو تقسيم المنطقة طائفيا ونشر العداوة بين كل الأديان الموجودة في المنطقة ما عدا الصهاينة حصرا الذين يحرص السعوديين دائما على إبقاء الود والصداقة معهم.

أميركا عندما جاءت إلى المنطقة في عام 2003 جاءت تحت عنوان استراتيجي هو الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد. أميركا عندما تدخلت في العراق كانت تفهم التكوين السكاني والديني للعراق جيدا جدا. الأميركان ليسوا جهلة وهم يفهمون كل دول العالم بشكل جيد جدا ولديهم خبراء ومختصون في شؤون كل الدول. أميركا كانت تعلم بوجود الشيعة والسنة في العراق وهي كانت تعلم أن تدخلها من شأنه إيصال “الشيعة” إلى الحكم وخلط أوراق المنطقة.

التدخل الأميركي في العراق تزامن مع بروز ظاهرتين هامتين:

  • الظاهرة الأولى هي ظاهرة المجازر الطائفية في العراق التي لعب تنظيم القاعدة دور البطولة فيها، وهي ظاهرة لم تكن معروفة سابقا في المنطقة حيث لم تكن هناك فصائل أو جماعات تنتهج القتل الطائفي كسياسة ممنهجة.
  • الظاهرة الثانية هي ظاهرة الخطاب الوهابي الطائفي التحريضي التي لعبت المخابرات السعودية والإعلام السعوي دور البطولة فيها.

تنظيم القاعدة هو مجرد فرع للإسلام السعودي الوهابي، وأنا لا أعتقد أن هذا التنظيم بعيد عن السعودية بحال من الأحوال بل هو مجرد أداة في يد السعودية وأميركا يحركونه بشكل غير مباشر. عندما أرادت السعودية استهداف شيعة العراق وجدنا تدفق القاعدة إلى العراق لقتل الشيعة، وعندما أرادت السعودية استهداف سورية نرى الآن تدفق القاعدة إلى سورية. التحكم بالقاعدة ليس مسألة صعبة بل هو مسألة سهلة جدا. يكفي أن توعز السعودية لإعلامها وشيوخها لكي يشنوا حملة تحريض وفتاوى ضد بلد ما حتى نجد أن المناخ الوهابي والقاعدي تحرك كله ضد هذا البلد. هذا ما رأيناه في العراق حيث أن المجازر الرهيبة التي ارتكبت ضد الشيعة في العراق كانت تترافق مع صدور الفتاوى بتكفير الشيعة من السعودية. القنوات الفضائية التابعة للمخابرات السعودية (صفا ووصال) كانت في زمن المذابح الطائفية في العراق تحرض على قتل الشيعة بشكل علني ومكشوف وصريح.

أنا لا أقتنع ببراءة أميركا من تصرفات السعودية. كيف يمكن أن تدعي أميركا أنها تحارب القاعدة في العراق بينما الإعلام السعودي كله مستنفر للتحريض الطائفي ضد الشيعة. هل هذا يعني أن السعودية تعمل ضد مصالح أميركا؟ هذا كلام مضحك.

منذ بدء الثورة السورية أوعزت أميركا لكل أبواقها وأتباعها بإيقاف الحملة ضد الشيعة، وهذا ما لاحظناه أيضا في قناتي صفا ووصال اللتين أوقفتا التحريض على قتل الشيعة. أنا لم أسمع على هاتين القناتين أي دعوات صريحة لقتل الشيعة منذ بدء الثورة السورية، ولا أعتقد أن هذه صدفة بل هي جزء من المناخ الأميركي العام الذي يسعى لعقد صفقة مع إيران. حتى محكمة الحريري أوقفوها ولم نعد نسمع شيئا عنها.

أميركا عندما دخلت العراق كانت تريد (بمعونة السعودية) استثارة الشيعة وجرهم إلى حرب طائفية، وهذا ما حدث بالفعل في عام 2006 حيث أن الميليشات الشيعية شنت في ذلك الوقت حملة قتل وخطف ضد المناطق السنية، ولكن الشيعة بسبب وعيهم (وربما بسبب النصح الإيراني لهم) لم ينجروا في الحرب الطائفية للنهاية وتمالكوا نفسهم ونجحوا في الحفاظ على وحدة العراق تحت حكمهم. هذا كان فشلا أميركيا كبيرا ونجاحا واضحا لإيران.

أميركا قبلت بهزيمتها في العراق بسبب الثورة السورية. أميركا حاولت في عام 2003 إشعال ثورة طائفية في سورية في نفس الوقت الذي دخلت فيه إلى العراق. القرار الدولي 1559 الذي صدر فجأة في ذلك الوقت جاء في هذا السياق، وجاك شيراك اعترف لاحقا بأن الهدف من القرار كان إسقاط النظام السوري. أميركا كانت تعتقد أن القرار 1559 وما تبعه من تطورات (أبرزها مقتل رفيق الحريري الرمز “السني”) هي أمور من شأنها إشعال ثورة سنية ضد النظام السوري، والثورة السنية اشتعلت بالفعل في لبنان ولكنها لم تمتد إلى سورية بشكل سريع كما كان التصور وقتها. في ذلك الوقت اشتعلت أيضا الثورة الكردية في سورية (التي جاءت بتحريض من جهة العراق) وبعد ذلك جاءت حرب تموز 2006 الإسرائيلية لتتوج الخطة المرسومة لإسقاط النظام السوري والتي وردت بشكل واضح في القرار 1559.

الثورة السورية التي اشتعلت في عام 2011 هي جزء من هذا السياق وتتويج له، وهذا هو ما قصده بشار الأسد حينما تحدث عن المؤامرة في خطابه الأول، رغم أن معظم مستمعيه لم يفهموا كلامه بما في ذلك السوريين (وكثير منهم ظنوا أنه يهذي على طريقة القذافي). سبب هذا الانفصال الكامل بين السلطة والشعب في سورية هو طبيعة نظام الحكم الذي هو نظام نخبوي أوليغارخي يتعامل مع الشعب لا على أنه مصدر السلطة بل على أنه مجرد رعايا وأتباع للسلطة. هذه العقلية متأصلة في فكر البعث وغيره من الأحزاب الشمولية بما في ذلك الأحزاب الإسلامية كحزب الإخوان المسلمين. الإخوان لديهم نفس العقلية بل وأسوأ منها بكثير لأنهم يعتقدون أنهم يحكمون باسم الله وأن مناوئيهم هم أعداء الله.

الثورة السورية حاولت طرح نفسها في البداية على أنها ثورة غير طائفية، رغم أن سياقها هو سياق طائفي بالكامل لأن من أشعلها هم الوهابيون ومن أبقى نارها مشتعلة هم أيضا الوهابيون، وكل سياق الثورة ومسارها هو سياق ومسار أميركي وهابي لا علاقة له بالوطنية. في بداية الثورة عندما قدم بشار الأسد التنازلات وجدنا أن القنوات الوهابية صارت تسخر منه وتبث مشاهد كهذا المشهد مثلا:

هذا المشهد ظهر كثيرا على القنوات الوهابية في البداية، وهو يصور استهزاء “الثوار” من تنازلات بشار الأسد. هناك مسار عام كان يسعى للتصعيد وعدم الرغبة بالحوار مع الأسد. كانت هناك رغبة لدى الوهابيين وأميركا من ورائهم باستنساخ السيناريو المصري في سورية، وهذا طبعا كلام مضحك لأن الوضع السوري لا يشبه الوضع المصري في شيء، لا من حيث بنية النظام السياسي ولا من حيث بنية المجتمع ولا من حيث الوضع الخارجي. حسني مبارك كان ينام في أحضان أميركا وإسرائيل أما بشار الأسد فهو يخوض منذ استلامه السلطة حربا وجودية ضد أميركا وإسرائيل. إهمال كل خصوصيات الوضع السوري ومحاولة “تمصير” سورية خلال يوم وليلة هو كان مسعى مفضوحا لإشعال حرب في سورية. أنا لا أتحدث هنا عن الثوار المساكين وإنما عمن يقف وراءهم ويحرضهم ويرسم لهم المسار، أي أميركا وأتباعها في المنطقة.

الآن نسمع كثيرا من التباكي على مجزرة الحولة في حمص، وخلال الأيام الماضية دخل الثوار إلى المدونة لكي يشتموني ويشتموا مؤيدي النظام بحجة أنهم خائنون لطائفتهم ومساهمون في المجزرة مع العلويين.

أنا أنزعج كثيرا من المجازر في سورية، ولكنني لا أدري ما هو المفاجئ في مجزرة الحولة. أنا كنت منذ أشهر أقول أن مسار الثورة السورية سوف يقودنا إلى مجازر وتطهير عرقي وتقسيم، وأنا تحدثت كثيرا عن سعي أميركا لتطبيق السيناريو اليوغوسلافي في سورية وعن رغبتها في إحداث مجازر كبيرة تقود إلى تحقيق رؤيتها لسورية والمنطقة. في الحقيقة المجازر التي تنبأت بها لم تحصل حتى الآن. مجزرة الحولة هي ليست مجزرة حقيقية وإنما مجرد مقبلات. المجازر التي في بالي هي مجازر أكبر بكثير من مجزرة الحولة.

أنا أنطلق في إدانتي للمجازر من عاطفة إنسانية، بمعنى أنني أرفض المجازر بحد ذاتها وبغض النظر عن دين القاتل والمقتول، وأغضب لمقتل العلوي والشيعي كما أغضب لمقتل السني، أما الإخوة المعارضون كالأخ علي سعيد والأخ “سوري حر” فهم يرفضون المجازر لأنها حسب رأيهم تستهدف السنة. هذه ليست عاطفة إنسانية وإنما عاطفة حيوانية. هي نفس غريزة القطيع التي تحكم سلوك الحيوانات. ما يزعج المعارضين ليس وقوع المجازر بحد ذاتها وإنما كون المجازر تستهدف السنة حسب قولهم، وهذه العاطفة تظهر بوضوح مثلا في تعليقات الأخ “سوري حر” التي حذفتها والتي تنبع من هذه الغريزة الحيوانية البدائية مع احترامي له ولإنسانيته.

الإنسان يجب أن يغضب للقتل والظلم بحد ذاته وبغض النظر عن هوية المقتول أو المظلوم، ولكننا للأسف لا نشاهد هذه العاطفة لدى الثوار ومن يقف وراءهم. بالنسبة لهم الثورة السورية هي حرب طائفية للاستيلاء على السلطة من يد طائفة أخرى. هم يقولون منذ البداية أنهم غير طائفيون ولكن تصرفاتهم وعواطفهم وأفعالهم تكذب كلامهم. هم من البداية رفضوا فكرة الحوار مع الطرف الآخر وسخروا منها، وهذا بحد ذاته إعلان حرب وهو ما أوصل إلى مجزرة الحولة وأمثالها.

مجزرة الحولة هي مجرد تفصيل صغير جدا في صورة كبيرة، وهذه الصورة تعمل أميركا على رسمها منذ العام 2003 على الأقل. حتى الوهابيون والسعوديون هم مجرد تفاصيل في هذه الصورة، وأنا منذ بداية تدويني كنت أركز دائما على الصورة الكبيرة وعلى دور أميركا لأن نسياننا لدور أميركا وانشغالنا بالحديث عن الوهابيين والمعارضين يعني اكتمال نجاح المشروع الأميركي. الهدف الأول من المشروع الأميركي هو إلهاء سكان المنطقة ببعضهم حتى ينسوا أميركا وإسرائيل.

المنطق الذي يتبناه الوهابيون (أي آل سعود) في معظم القضايا مطابق للمنطق الأميركي، حتى في تقييمهم للمجازر. أميركا تغضب جدا إذا وقعت مجزرة ضد أميركان أو إسرائيليين، ولكنها لا تعير اهتماما لموت ملايين العراقيين والسوريين. بالنسبة لأميركا العراقيون والسوريون هم حشرات، وهذا هو نفس المنطق الوهابي الذي ينظر للآخر على أنه حشرة لا قيمة لها. خلال سنوات حصد أرواح الشيعة في العراق لم نكن نسمع أي استنكار من الوهابيين بل على العكس كنا نرى القنوات التابعة لآل سعود تؤيد وتحرض وتبارك، والآن نفس السيناريو يتكرر مع سورية، وفي كلتا الحالتين المسؤول الحقيقي هو أميركا التي تستعين بآل سعود كذراع لتنفيذ المهام القذرة.

ما سبق هو الهدف الاستراتيجي الذي تريد أميركا تحقيقه من الثورة السورية. هي تريد خلق كتلتين كبيرتين متصارعتين في المنطقة: كتلة شيعية شرقية وكتلة سنية غربية، وبين الكتلتين يجب أن تكون هناك منطقة عازلة هي منطقة المشرق العربي التي سوف تتحول إلى شيء شبيه بألمانيا قبل الوحدة الألمانية.

دولتا ألمانيا وفرنسا الحاليتان تعود أصولهما إلى مملكة الإفرنج (Frankish Kingdom) التي كانت تحكم مساحات شاسعة من أوروبا الغربية والوسطى في العصور الوسطى الباكرة (الفترة التالية لانهيار الإمبراطورية الرومانية في الغرب). هذه المملكة أسسها الإفرنج (Franks)، وهم قبائل جرمانية (Germanic) تعود أصولها إلى شمال ألمانيا. هذه القبائل سكنت شمال فرنسا في القرون الميلادية الباكرة ضمن موجة من الهجرات الجرمانية التي شهدتها أوروبا في ذلك الوقت (والتي كانت من أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية). الإفرنج كانوا من أوائل الشعوب الجرمانية التي هاجرت جنوبا واحتكت بالرومان ولهذا السبب هم تحضروا باكرا واكتسبوا الكثير من طباع وعادات الرومان بما في ذلك اللغة (اللغة الفرنسية هي لغة رومانيقية Romance متفرعة من اللاتينية وليست لغة جرمانية)، ولاحقا أيضا الإفرنج أخذوا الدين المسيحي من الرومان.

مملكة الإفرنج وصلت إلى ذروة مجدها في عهد شارلمان Charlemagne في بداية القرن التاسع (في العصر العباسي عند المسلمين). شارلمان هذا شن حربا شعواء ضد السكسون Saxons استمرت لمدة ثلاثين عاما، والسكسون هم فصيل آخر من الجرمان كانوا يسكنون شمال ألمانيا في ذلك الوقت وكانوا يتميزون عن الفرنجة بمحافظتهم على لغتهم وتراثهم الجرماني وعلى دينهم القديم (الوثني). شارلمان غزا السكسون وخيرهم بين الدخول في المسيحية أو الموت بحد السيف، وبعد أن قتل الآلاف منهم نجح في فرض الديانة المسيحية عليهم وبهذا دخلت الديانة المسيحية إلى ألمانيا. ثم بعد ذلك توجه جنوبا نحو إيطاليا وقاتل اللومبارديين Lombards، وهم جرمان كانوا يسكنون شمال إيطاليا. بابا روما في ذلك الوقت كان يحكم وسط إيطاليا وعندما تمدد اللومبارديون نحو أراضيه طلب المساعدة من شارلمان الذي أنجده ووفر الحماية له حتى وفاته، ووفرها أيضا للبابا التالي له (ليون الثالث) الذي قام في يوم 1\1\800 (اليوم الأول من عام 800) بتنصيب شارلمان “إمبراطورا على الرومان”، بمعنى أن مملكة شارلمان كانت حسب وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية استمرارا للإمبراطورية الرومانية البائدة (مثلما أن الكنيسة الكاثوليكية كانت تعتبر نفسها كنيسة للدولة الرومانية البائدة وهي ما زالت تسمي نفسها حتى اليوم “الكنيسة الكاثوليكية الرومانية” Roman Catholic Church). الأوروبيون في القرون الوسطى لم يكونوا يعرفون أنهم يعيشون في القرون الوسطى بل كانوا يعتقدون أنهم يعيشون في العصر الحديث، والكنيسة الكاثوليكية لم تكن تعترف بسقوط الإمبراطورية الرومانية وظلت طوال القرون الوسطى تعتبر أن هذه الإمبراطورية ما زالت قائمة وكانت تمنح لقب إمبراطور الرومان مرة لهذا الملك ومرة لذاك حسب ولاء الملوك للكنيسة في روما العاصمة الافتراضية للرومان. مفهوم الدولة الرومانية عند الكنيسة الكاثوليكية كانت له أهمية دينية شبيهة بأهمية مفهوم الخلافة عند المسلمين ولذلك رفضت هذه الكنيسة فكرة زوال الدولة الرومانية وأصرت على بقائها.

الممالك الإفرنجية الثلاث التي نتجت عن تقسيم مملكة شارلمان في عام 843. المملكة الغربية تحولت في النهاية إلى دولة فرنسا والمملكة الشرقية تحولت في النهاية إلى دولة النمسا، أما المملكة الوسطى فتفتت إلى عدة دويلات واضمحلت

المملكة الفرنجية الهائلة في عهد شارلمان (التي كانت تضم أوروبا الوسطى والغربية ما عدا إسبانيا الإسلامية وبريطانيا) وزعت بعد وفاته على أولاده الثلاثة (حسب العرف السائد في القرون الوسطى)، فأضحت بعد وفاته ثلاث ممالك: غربية ووسطى وشرقية. المملكة الفرنجية الغربية تحولت لاحقا إلى المملكة الفرنسية (دولة فرنسا الحالية)، والمملكة الشرقية تحولت في القرن العاشر إلى “الإمبراطورية الرومانية المقدسة” (Holy Roman Empire)، وهذه الدولة هي دولة ألمانيا التاريخية (الرايخ الأول)، أما المملكة الوسطى فتقسمت بعد وفاة ملكها الأول إلى ثلاثة أقسام هي لوثرينغيا Lotharingia في الشمال وبورغنديا Burgundy في الوسط ولومبارديا في الجنوب Lombardy. هذه المناطق ضمت لاحقا إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة ثم في النهاية قسمت المنطقة الشمالية إلى أربعة أقسام: قسم جنوبي هو حاليا غرب سويسرا يعلوه قسم هو حاليا في فرنسا ثم قسم هو حاليا في ألمانيا ثم قسم أخير هو حاليا منطقة الأراضي الواطئة (هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ)، أما المنطقة الوسطى بورغنديا فهي حاليا في فرنسا، والمنطقة الجنوبية لومبارديا هي حاليا شمال إيطاليا.

الإمبراطورية الرومانية المقدسة (ألمانيا) كانت دولة كبرى في أوروبا في القرون الوسطى، وفي نهاية القرون الوسطى كانت العائلة الحاكمة لهذه الدولة هي عائلة الهابسبورغ Hapsburg الإقطاعية العريقة المتحدرة من النمسا. في بداية القرن السادس عشر (بداية “العصور الحديثة” حسب تقسيم التاريخ الأوروبي) ظهرت في شمال ألمانيا الفتنة البروتستانتية التي قادها رجل الدين المسيحي المتمرد مارتن لوثر، وهذه الفتنة تشبه في الكثير من جوانبها فتنة الوهابية في التاريخ الإسلامي. مارتن لوثر كان ينكر الكثير من مبادئ وتعاليم وعبادات الكنيسة الكاثوليكية لكونها حسب رأيه بدعا ظهرت في عصور لاحقة لظهور المسيحية. هو كان ينكر مفهوم الكنيسة الكاثوليكية من أساسه وكان ينكر بابوية البابا وينكر كرامات القديسين وتعاليمهم ولا يعترف بأي شيء إلا بالكتاب المقدس حصرا، وحتى هذا الكتاب هو لم يكن يعترف به بالكامل حيث أسقط منه بعض أسفار الكتاب اليهودي (“العهد القديم”) بحجة أنها إضافات متأخرة، وكان يفكر في حذف أسفار من الكتاب المسيحي أيضا ولكنه خشي ردة فعل الناس، ولقد نقل عنه أتباعه وصفه لبعض أسفار الكتاب المسيحي بأنها من تأليف يهود لا يفقهون شيئا في المسيحية.

البروتستانت ينكرون كرامات القديسين المسيحيين ويرفضون التشفع والتبرك بهم بحجة أن ذلك بدعة، وهم يرفضون وجود أي واسطة بين الإنسان والله ويصرون على الصلاة لله مباشرة وبدون وسيط، ويرفضون طقس الاعتراف في الكنيسة وينكرون دور رجال الدين في التشفع للخاطئين، ويرون أن أي إنسان مؤمن بتضحية المسيح هو ناج حتما ويرفضون فكرة المطهر purgatorium الذي تتطهر فيه الأرواح بعد الموت حسب المعتقدات الكاثوليكية. هم أيضا لديهم موقف سلبي من السيدة العذراء ويرفضون الصلاة لها والتشفع بها وينكرون بعض الأوصاف التي تطلق عليها بحجة أنها من الغلو، وهذا شبيه بموقف الوهابية من الرسول محمد. أيضا بعض غلاة البروتستانت يرفضون حتى تمثيل علامة الصليب على الجسد ويعتبرون ذلك بدعة، وهذا شبيه بموقف غلاة الوهابية الذين يرفضون الصلاة على النبي محمد بحجة أنها بدعة. البروتستانت يخالفون الكاثوليك أيضا في المظهر الخارجي فهم مثلا يرفضون الأيقونات والصور في كنائسهم، ولهذا يمكن تمييز كنائسهم بسهولة عن بقية الكنائس حيث أنها تكون خالية من الصور والزخارف وتتميز بالبساطة الشديدة، وهذا شبيه بمساجد الوهابية التي تكون في العادة خاوية على عروشها ولا تحوي أي زخارف أو زينة. أيضا رجال الدين البروتستانت لديهم لباس خاص بهم يختلف عن اللباس الكاثوليكي، وبعضهم يرتدي اللباس المدني العادي ويضع فقط طوقا أبيض على رقبته. هذا أيضا شبيه بالوهابية الذين لهم موديل خارجي خاص بهم ومن يراهم يعرف أنهم وهابيون من موديلهم.

مارتن لوثر بدأ فتنته في مدينة Wittenberg في ألمانيا الشرقية حاليا، وكان من الممكن وأد هذه الفتنة في مهدها ولكن ما حصل هو أن أمير سكسونيا المسمى Frederick III of Saxony حمى مارتن لوثر ورعاه ومنع سلطات الإمبراطور الروماني المقدس كارل الخامس من الوصول إليه، وهذا شبيه بموقف ابن سعود أمير الدرعية الذي تبنى محمد بن عبد الوهاب ورعاه. بسبب هذه الحماية والرعاية التي حظي بها مارتن لوثر فإن فتنته انتشرت وعمت شمال ألمانيا بأسره، والسبب الكامن وراء هذا الانتشار السريع هو رغبة حكام شمال ألمانيا في التخلص من سلطة الإمبراطور الروماني المقدس، وأفكار مارتن لوثر كانت تمثل بالنسبة لهم الفرصة الذهبية لذلك حيث أنها كانت تدعو للتحلل من سلطة الكنيسة الكاثوليكية التي يستمد منها الإمبراطور الروماني المقدس شرعيته.

بعد أن انتشرت فتنة مارتن لوثر في شمال ألمانيا وعظم أمرها أصبحت ألمانيا مقسمة فعليا إلى قسمين، قسم جنوبي محافظ على الدين الكاثوليكي والولاء للكنيسة الرومانية والإمبراطور الروماني المقدس، وقسم شمالي متمرد على الدين والكنيسة والإمبراطور، وهذا ما أدخل ألمانيا في وضع خطير للغاية وسلسلة لا تنتهي من الاضطرابات والقلاقل والحروب. أولى تجليات الفتنة اللوثرية كانت “حرب الفلاحين” (Peasants’ War) التي شهدها مارتن لوثر بنفسه، ثم تبع هذه الحرب سلسلة من القلاقل حاول خلالها الأباطرة الرومان المقدسون احتواء اللوثريين والتوصل معهم إلى حل سلمي، ولكن اللوثريين كانوا في قرارة أنفسهم عازمين على الحرب وغير راغبين بالحل السلمي بسبب التحريض الخارجي من الدول المحيطة بألمانيا والتي كانت ترغب في التخلص من الإمبراطورية الرومانية المقدسة وتقسيمها، وأبرز الدول المحرضة كانت فرنسا العدو التاريخي لألمانيا.

في بداية القرن 17 عقد الإمبراطور الروماني المقدس رودولف الثاني اتفاقا مع اللوثريين لحل الخلافات بين الجانبين سلميا، ولكن الدول المحرضة روجت لمقولة أن هذه الاتفاقية تعني عودة سلطة الكاثوليكية إلى شمال ألمانيا، وعلى رأس الدول المحرضة كانت فرنسا التي هي دولة كاثوليكية وكانت تقمع البروتستانت في أراضيها وترتكب بحقهم المجازر (من مجازر فرنسا الشهيرة ضد البروتستانت في القرن 16 مجزرة فاسي Massacre de Wassy ومجزرة القديس برتولماي Massacre de la Saint-Barthélemy). المفارقة الغريبة هي أن فرنسا ذات التاريخ الأسود مع البروتستانت كانت العقل المدبر وراء تمرد البروتستانت في ألمانيا وفشل الحلول السلمية، وهذا يذكرنا بآل سعود ودعوتهم إلى الحرية في سورية.

فشل الحلول السلمية أدى في النهاية إلى اندلاع الحرب الأهلية المدمرة في ألمانيا، وهي الحرب المعروفة باسم حرب الثلاثين عاما Thirty Years’ War (من 1618 إلى 1648). هذه الحرب كانت في الأصل حربا أهلية ألمانية بين السلطة الشرعية والمتمردين البروتستانت، ولكن الحرب سرعان ما تحولت إلى حرب أوروبية شاملة بسبب تدخل القوى الأوروبية في الصراع بشكل مباشر. المتمردون الألمان كانوا يريدون من فرنسا وإنكلترا التدخل في الصراع إلى جانبهم، ولكن هذه الدول شعرت بالحرج من التدخل عسكريا إلى جانب البروتستانت لأنها دول كاثوليكية تقمع البروتستانت في أراضيها وتقتلهم فكيف تتدخل لنصرتهم في ألمانيا؟ لتجاوز هذا الحرج أوعزت فرنسا إلى دول اسكندنافيا البروتستانتية (الدنمارك ثم السويد) لكي تتدخل في ألمانيا عسكريا تحت حجة نصرة البروتستانت، وفي النهاية وبعد أن استعر الصراع وتوسع وتحول إلى حرب أوروبية شاملة تدخلت فرنسا بنفسها وأرسلت قواتها إلى عمق ألمانيا لمحاربة السلطة الشرعية. الإمبراطور الروماني المقدس فيرديناند الثالث رفض في البداية الاستسلام رغم ضغط الجيوش السويدية والفرنسية ولكنه في النهاية اضطر للاستسلام بعد أن كادت الجيوش الغازية تطبق على العاصمة فيينا، وبعد استسلامه تم توقيع معاهدة وستفاليا (Peace of Westphalia) في عام 1648، وهي المعاهدة التي رسمت مصير أوروبا للقرون التالية.

حرب الثلاثين عاما قضت على الإمبراطورية الرومانية المقدسة وحولتها إلى مجرد كيان اسمي لا تتعدى سلطته الفعلية حدود النمسا، وأما بقية المناطق الألمانية فتحولت إلى دويلات مستقلة بلغ عددها في عام 1815 تسعا وثلاثين مملكة ودوقية وإمارة ومدينة مستقلة. ألمانيا بعد هذه الحرب انتهت فعليا من الوجود وحلت محلها فرنسا التي أصبحت القوة المهيمنة على أوروبا. معاهدة وستفاليا التي أنهت الحرب نصت أيضا على إنشاء عدد من الدويلات المستقلة في غربي ألمانيا كدولتي سويسرا وهولندا، وهذه الدويلات منذ ذلك الوقت وحتى الآن لم تعد مجددا إلى ألمانيا. هدف فرنسا من إنشاء هذه الدويلات كان خلق مناطق عازلة (buffer zones) بينها وبين ألمانيا.

أما على الصعيد الداخلي فنتائج الحرب كانت مدمرة للغاية وظلت محفورة في ذاكرة الألمان لقرون. ألمانيا فقدت خمس عدد سكانها الإجمالي في هذه الحرب وبعض المناطق الألمانية فقدت نصف عدد سكانها أو أكثر، والاقتصاد الألماني دمر بالكامل ولم يبق منه شيء.

كل هذه الخسائر الجسيمة للغاية بدأت بفتنة مارتن لوثر وأتباعه الذين اختاروا خط العمالة والخيانة بدلا من التفاهم مع السلطة الشرعية في بلادهم، والنتيجة كانت دمارا كاسحا ومحرقة للشعب الألماني لم يستفد منها أحد إلا فرنسا عدو ألمانيا اللدود.

الرايخ الألماني الموحد في عام 1871. اللون الأزرق هو مملكة بروسيا Preußen. اللون الأحمر هو مملكة سكسونيا Sachsen. اللون الأخضر هو مملكة بافاريا Bayern. اللون الأصفر هو ممكلة فورتمبرغ Württemberg. أما بقية الألوان فهي عبارة عن دوقيات وإمارات ومدن مستقلة. اللون البرتقالي هو دوقية بادن Baden، واللون البني هو دوقية هيسة Hesse، واللون الرمادي هو دوقية ميكلينبرغ شفيرين Mecklenburg-Schwerin. اللون الوردي هو أراضي الألزاس واللورين التي غنمتها بروسيا في الحرب الفرنسية-البروسية.

الدويلات الألمانية تحولت بعد حرب الثلاثين عاما إلى ملعب للقوى الأوروبية وساحة لتصفية الحسابات والصراعات، وما أعاد توحيد ألمانيا مجددا في القرن 19 هما عاملان:

  • بروز الشعور القومي لدى الألمان بعد التدخل الفرنسي في ألمانيا في نهاية القرن 18. في القرن 18 كانت هناك قوتان ألمانيتان كبيرتان: مملكة بروسيا (عاصمتها برلين) والإمبراطورية الرومانية المقدسة (النمسا). هاتان القوتان كانتا تتصارعان فيما بينهما على السلطة في ألمانيا ولكن عندما غزا نابوليون بونابرت ألمانيا في نهاية القرن 18 توحدت بروسيا والنمسا وكل الدويلات الألمانية في مواجهة الغزو الفرنسي، ولكن النتيجة كانت هزيمة الألمان، وهذا ما أدى إلى شعور كبير بالمرارة والدونية لدى الألمان الذين أدركوا أن سبب هزيمتهم أمام فرنسا هو كونهم مقسمين إلى دويلات. بعد الهزيمة أمام نابوليون أعلن الإمبراطور فرانسيس الثاني في عام 1806 حل الإمبراطورية الرومانية المقدسة واكتفى بلقب إمبراطور النمسا.
  • بروز مملكة بروسيا كقوة دافعة وحصان أسود للأمة الألمانية. مملكة بروسيا في القرن 19 كانت أكثر دول أوروبا تقدما من الناحية التكنولوجية والعسكرية وكانت دولة ناجحة تتوسع باستمرار وتربح الحروب، وعندما انتصرت بروسيا على فرنسا في عام 1871 (في الحرب الفرنسية-البروسية Franco-Prussian War) أدى هذا الانتصار إلى إلهاب الشعور القومي لدى الألمان وتحققت الوحدة الألمانية في نفس العام تحت مسمى “الإمبراطورية الألمانية” (Deutsches Reich). رئيس وزراء بروسيا بسمارك (Otto von Bismarck) كان صاحب الفضل في تحقيق هذه الوحدة وهو أصبح مستشار الدولة الجديدة. هذه الدولة ضمت كل الدويلات الألمانية ما عدا النمسا غريمة بروسيا التقليدية.

هذا باختصار هو تاريخ ألمانيا وكيف تم تقسيمها تحت ستار الحروب الدينية، وما يحصل الآن في المشرق العربي هو مشابه إلى حد كبير لهذا السيناريو. الوهابيون الآن هم ليسوا إلا ذريعة تستغلها أميركا لتقسيم المشرق العربي والقضاء على فكرة الأمة العربية، وكل ما يحصل في سورية الآن من مجازر يتم بتحريض واستثارة من أميركا وعملائها الذين يريدون استثمار هذه المجازر لتحقيق أهدافهم الجيوسياسية بعيدة المدى (أو بالأحرى متوسطة المدى في ظل المعطيات الحالية).

أميركا تريد تحويل المشرق العربي إلى مجموعة من الدويلات الطائفية لتحقيق عدة أهداف:

  • أولا: القضاء تماما على فكرة الوحدة العربية التي هي فكرة مدمرة للمصالح الأميركية في هذه المنطقة الحساسة.
  • ثانيا: ترسيخ وجود إسرائيل كدولة يهودية وتحويلها إلى القوة المهيمنة في المشرق العربي. حاليا هناك دولتان أكبر من إسرائيل في المشرق العربي هما سورية والعراق، وبعد تقسيم هاتين الدولتين ستصبح إسرائيل هي الدولة الأكبر والأهم في المشرق العربي.
  • ثالثا: خلق منطقة عازلة تفصل بين إيران ومن وراءها من القوى الآسيوية وبين الغرب.

هذه الأهداف هي ما تنطلق منه أميركا في مقاربتها الاستراتيجية للأزمة السورية، وكل ما تقوم به أميركا وتطرحه لا يرمي إلا لتحقيق هذه الأهداف.

أوباما كان يريد من إيران وروسيا أن تقبلا بتصوره هذا. هو عرض على إيران إعطاءها دورا هاما جدا على الصعيد الإقليمي والدولي مقابل أن تتخلى عن نفوذها العسكري في منطقة المشرق العربي. هو لا يمانع أن تحتفظ إيران بنفوذها في المنطقة ولكنه يريد تجريد هذا النفوذ من الطابع العسكري وتحويل المنطقة إلى منطقة عازلة منزوعة السلاح.

إيران طوال العام الماضي كانت ترفض هذه الصفقة الأميركية، وفي اجتماع بغداد الأخير فاجئت إيران الغرب بتمسكها بالرئيس السوري وبدعوتها له لحضور قمة دول عدم الانحياز في طهران.

رد الفعل الأميركي على الرفض الإيراني كان غاضبا، ومجزرة الحولة بالنسبة لي هي ليست إلا جزءا من رد الفعل الأميركي. أنا شاهدت قناة العربية ليلة المجزرة ولاحظت أن مذيعة القناة كانت متفاجئة أثناء حديثها مع المراسل في نيويورك من عدم انعقاد جلسة لمجلس الأمن في تلك الليلة. أتباع أميركا كانوا يظنون أن هناك جلسة لمجلس الأمن ستعقد في تلك الليلة، فهل هي مصادفة أن تقع المجزرة في نفس الليلة؟ وهل رد الفعل الغربي المنسق على المجزرة هو مصادفة؟ هل طرد سفراء سورية هو نتيجة للمجزرة أم سبب لها؟

أنا أعتقد أن قرار طرد سفراء سورية هو رد على الدعوة التي وجهتها إيران للأسد لحضور قمة عدم الانحياز، ومجزرة الحولة في رأيي كانت بتوصية وتخطيط وتدبير من أميركا وأتباعها لتبرير طرد السفراء وأشكال التصعيد الأخرى. التسبب بمجزرة الحولة أمر سهل ومن الممكن أن المتمردين تعمدوا نصب كمين للسلطة السورية لكي يورطوها في هذه المجزرة. أنا أراقب سلوك المتمردين السوريين منذ بداية الثورة وهم منذ البداية كانوا يستخدمون الأطفال كطعوم وأفخاخ سياسية. هم كانوا في البداية يدفعون بالأطفال إلى واجهة “المظاهرات” لكي يصطدموا مع رجال الأمن ويتعرضوا للإصابة، وأنا تحدثت عن قصة حمزة الخطيب وتساءلت وقتها من الذي دفع بهذا الطفل إلى مواجهة حاجز عسكري للجيش السوري ولماذا؟

من الممكن مثلا أن المتمردين تعمدوا مهاجمة الجيش السوري من منطقة آهلة بالنساء والأطفال لكي يرد الجيش السوري عليهم في تلك المنطقة ويصاب النساء والأطفال. هذا وارد جدا وهو يتفق مع عقلية المتمردين وأسلوبهم منذ بداية الثورة. العقيدة الوهابية أو “الإسلامية” التي يحملها المتمردون هي عقيدة ليس لها أية علاقة بالأخلاق والإنسانية وبالنسبة لهم مقتل 90 طفلا هو أمر بسيط في سبيل تحقيق أهدافهم. من يدرس سيرة هذه الجماعات في العراق وأفغاستان وغيرها يتبين له مدى رخص الحياة البشرية والأخلاق عند هؤلاء الناس، وحتى في تعاملنا معهم في الثورة السورية رأينا كيف أن ثورتهم قامت منذ البداية على أسس مناقضة للأخلاق والقيم الإنسانية (وحتى الدينية في مفهومي الشخصي، ولكن المشكلة هي أن كلمة “الدين” عند هؤلاء لها معنى الإرهاب والإجرام ولذلك أنا صرت أستحي من استخدام هذه الكلمة).

أميركا تريد الآن تجيير مهمة كوفي عنان لكي تفرض على الأسد التنحي. مجزرة الحولة وطرد السفراء جاءت في نفس توقيت زيارة عنان. مهمة كوفي عنان تتلخص الآن في في إقناع روسيا بالتخلي عن الأسد. كوفي عنان لا يحمل أي مبادرة حقيقية لحل الأزمة السورية بل هو يحمل فقط رسائل أميركية إلى روسيا ويحاول إقناعها بالتخلي عن الأسد والتوقف عن بيع السلاح لسورية.

قبل يومين أطلق النعل الأميركي بان كي مون تصريحا قال فيه أن على جميع الدول وقف تزويد “جميع الأطراف” في سورية بالسلاح. هذا التصريح ليس من بنات أفكار النعل بان كي مون بل هو تصريح أميركي بامتياز والهدف منه هو فرض معادلة على روسيا تقول أننا لن نوقف تزويد المتمردين بالسلاح إلا إذا أوقفتم تزويد سورية بالسلاح. طبعا إيقاف تزويد سورية بالسلاح هو مطلب أميركي-إسرائيلي قديم ومزمن يعود إلى أربعينات القربن العشرين وبداية الصراع السوري-الإسرائيلي. روسيا كانت منذ عام 1948 إلى اليوم تبيع السلاح لسورية رغما عن إرادة أميركا، وما يريده النعل بان كي مون الآن هو أن توقف روسيا تزويد سورية بالسلاح مقابل أن توقف أميركا تزويد المتمردين السوريين بالسلاح.

خلال الأيام القادمة سوف يبلغ التصعيد الأميركي مداه على أمل إقناع روسيا بتطبيق “النموذج اليمني” في سورية، وأنا بصراحة لا أرى إمكانية لتطبيق هذا النموذج في سورية لأن الوضع مختلف جذريا. النموذج اليمني لم يكن تسوية بين قوى دولية متصارعة وإنما كان شأنا أميركيا داخليا، لأن اليمن هو منطقة نفوذ أميركية، أما سورية فهي ليست منطقة أميركية وإنما منطقة عدوان وتدخل أميركي. تطبيق النموذج اليمني في سورية هو أمر عادي وطبيعي لو كانت أميركا بعيدة عن التدخل في الشأن السوري، ولكن ما يحدث الآن هو أن أميركا تريد تطبيق النموذج اليمني في سورية بينما هي تقحم نفسها بقوة في سورية، بمعنى أن هدفها ليس مجرد تغيير الرئيس الأسد وإنما هي تريد الحصول على حصة في سورية، وقضية حصول أميركا على حصة في سورية هي قضية شائكة لأنها تعني تفكيك النظام وتركيب نظام جديد، وهذا أمر معقد جدا وله تداعيات وحسابات خطيرة، خاصة ونحن نعلم أن أميركا تتحرك في الموضوع السوري بسوء نية ومن خلفية استراتيجية لها أبعاد ومرامي لا تنحصر في سورية نفسها.

إيران وروسيا رفضتا القبول بصفقة باراك أوباما التي تحدثت عنها (صفقة المنطقة العازلة) لسبب أساسي هو الانتخابات الأميركية المقبلة. إيران وروسيا تشعران حاليا بأن أوباما في موقف ضعيف وهو مقبل على انتخابات ولن يغامر بأي عمل كبير، وبالتالي هما تشعران بأنهما تملكان فترة سماح حتى العام القادم. أيضا هما لا تريدان الاتفاق مع أوباما لأن مصيره غير مؤكد ومن الممكن أن يرحل عن البيت الأبيض في نوفمبر، وبالتالي من الأفضل الانتظار للتفاوض مع الإدارة المقبلة بدلا منه.

أوباما الآن سيصعد إلى أقصى حد على أمل إقناع روسيا بمبادرة عنان (التي هي النموذج اليمني كما قلت)، ورسالة وزير الخارجية البريطاني كانت واضحة عندما قال أن الخيار في سورية هو بين مبادرة عنان والحرب الاهلية. هو نقل رسالة أميركية للروس مفادها أن بقاء الأسد يعني فشل مهمة عنان والحرب الأهلية.

من المستبعد أن تقبل روسيا بتبديل الأسد حاليا خاصة وأنه ما زال يحظى بالدعم الإيراني ووضعه داخل سورية ما زال جيدا، ولا يوجد لدى أوباما ما يغري بتقديم هكذا تنازل له. على ما يبدو فإن مهمة عنان شارفت على نهايتها، وهذا ربما هو سبب عودة الكلام السوري عن “الحسم” ضد المتمردين. النظام السوري يستشعر قرب نهاية الهدنة وهو يستعد على ما يبدو لمواصلة القتال ضد المتمردين.

الاتفاق الروسي-الأميركي لو تم الآن فهو سيكون مجرد اتفاق جديد للتهدئة وتقطيع الوقت، ولكنه لن يكون اتفاقا يحل المشكلة جذريا. الاتفاق الجذري غير ممكن قبل الانتخابات الأميركية، وهذا هو معنى أن يكون الوضع السوري معلقا على مصالح القوى الكبرى. سورية فقدت استقلالها فعليا منذ أشهر وتحولت إلى مجرد ملعب للقوى الدولة المتصارعة. لا يوجد أي سوري يمكن أن يتحكم بمصير سورية الآن. بشار الأسد لا يملك شيئا وهو مجرد طرف من أطراف الصراع. هو لا يستطيع أن يحل المشكلة مهما فعل. أنا لست من أنصار بقاء الأسد للأبد ولكن كما قلت من قبل مرارا فإن تنحي الأسد الآن لن يؤدي لشيء سوى تقريب أميركا خطوة إضافية إلى تحقيق مشروعها لتقسيم سورية.

أنا أشجع تداول السلطة في سورية إذا كان ذلك في إطار عملية سياسية وطنية داخلية، أما المطروح الآن فهو أن يتخلى الأسد عن السلطة ويسلمها أو قسما منها إلى أميركا، وهذا أمر مرفوض تماما بالنسبة لي. أنا أرفض تنحي الأسد إلا بعد أن تنتهي الثورة السورية وبعد أن تقطع يد أميركا الممدودة إلى الداخل السوري. في ذلك الوقت أنا أطالب بتداول السلطة في سورية ولكن ليس الآن.

الآن أميركا تضغط بقوة لتطبيق السيناريو اليمني في سورية، والمتوقع هو فشل هذه المساعي لأن التوازنات لا تسمح لأميركا بتحقيق هذا الأمر. مجزرة الحولة لم تغير شيئا والموقف الروسي كان واضحا من أن هذه المجزرة لن تؤثر شيئا على الموقف الروسي. وبالنسبة لخطف اللبنانيين للضغط على حزب الله فهذا أيضا لم يؤثر على موقف حزب الله. أمين عام حزب الله كان واضحا حينما قال أن الخطف لن يؤثر على موقفنا. بالنسبة للتهديد بإشعال لبنان فهذه المسألة توقفت بجهود المحور المناوئ لأميركا. من الواضح أن أميركا وأتباعها سعوا خلال الفترة الأخيرة لإشعال لبنان ويكفي فقط تتبع المواقف الخليجية والزيارات الأميركية المتكررة، ولكن حزب الله ومن معه نجحوا في امتصاص الضغط وأفشلوا مسعى إشعال لبنان. هذه السياسة هي سياسة حكيمة وهي نفس السياسة التي طبقها شيعة العراق وخرجوا في النهاية رابحين. يجب على العلويين في سورية أيضا الانتباه لهذه المسألة وتجنب الوقوع في فخ الحرب الطائفية مهما بلغت الاستفزازات الوهابية والأميركية. الشيعة في العراق كانوا يقتلون بالعشرات يوميا ولكنهم رغم ذلك تجنبوا الحرب الطائفية الشاملة التي سعت أميركا وآل سعود لإشعالها.

بعد فشل مهمة عنان سوف يقرر أوباما بين اللجوء للتهدئة بهدف تمرير الانتخابات وبين الاستمرار في التصعيد، والقرار هنا سيعتمد بالأساس على عوامل داخلية أميركية. هذه التهدئة لن تعني حل الأزمة بل ستكون مجرد تقطيع للوقت، وربما تفضل أميركا إبقاء المراقبين في سورية لمنع النظام السوري من تحقيق أي مكاسب ميدانية ضد المتمردين. وجود المراقبين في سورية يعدل ميزان القوى لمصلحة المتمردين ويتيح لأميركا فرصة كبيرة للتجسس على سورية. قرار طرد السفراء السوريين ربما يوحي بوجود نية أميركية للتمديد للمراقبين لأن سورية لو ردت بالمثل وطردت السفراء الغربيين فهذا سيحرم أميركا من كل عيونها داخل سورية، وبالتالي هي على ما يبدو تراهن على بقاء المراقبين.

 مصر والإخوان المسلمون

 

النظرية التي تعاملت أميركا بموجبها مع المنطقة منذ عام 2001 تقوم على فكرة إيصال الإسلاميين إلى السلطة بهدف تشجيع الصراعات الطائفية وخاصة بين العرب وإيران. لهذا السبب رأينا أن أميركا أزاحت مبارك ومهدت الطريق أمام الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة في مصر.

آل سعود غضبوا جدا من هذا الأمر كما هو معروف، وهم الآن يدعمون أحمد شفيق بقوة. المجلس العسكري يدعم أيضا أحمد شفيق كما هو واضح.

أنا تحدثت من قبل عن هذا السيناريو ولكنني افترضت أن مرشح السعودية والمجلس العسكري هو عمر سليمان، ولكن على ما يبدو فإن رد الفعل العنيف من جانب المصريين تجاه ترشيح عمر سليمان أدى إلى استبداله بأحمد شفيق كونه وجها ألطف من عمر سليمان.

دعم آل سعود والمجلس العسكري لأحمد شفيق هو أمر واضح ولا يمكن إخفاؤه. الإخوان المسلمون سنوا قانونا لمنع رموز النظام السابق من الترشح للرئاسة، والقانون في البداية تم تطبيقه على أحمد شفيق ولكن القضاء المصري ألغى القانون وأعاد ترشيح شفيق رغما عن إرادة الإخوان. أما عمر سليمان فتم إخراجه من السباق بطريقة غريبة تدل أيضا على تورط المجلس العسكري. هناك قرار من المجلس العسكري وآل سعود بترشيح أحمد شفيق بدلا من عمر سليمان ولذلك تم إخراج الثاني وإبقاء الأول. دخول الاثنين إلى السباق معا يضعف من حظوظهما ولا يفيد آل سعود.

طبعا ما يخيف آل سعود في الإخوان معروف وأنا شرحته من قبل. السعوديون لا يريدون إيران جديدة في مصر. هم كانوا طوال العقود الماضية يحاربون إيران بوصفها دولة شيعية رافضية مجوسية، أما مصر الإخوانية فهي ستكون بالنسبة لهم كالخازوق الذي يخرج من الحلق. أي شيء يقولونه عن الإخوان في مصر سوف يكون مضحكا ولن يقنع جماهيرهم المقموعة. هم كانوا يقولون عن عبد الناصر أنه علماني محارب للدين، ثم قالوا عن إيران أنها رافضية مجوسية، ولكن ماذا سيقولون عن الإخوان في مصر؟ لا يوجد شيء يقولونه، وهذه المسألة بالنسبة لهم هي كابوس حقيقي ومسألة حياة أو موت.

أميركا لا تمانع وصول الإخوان إلى السلطة في مصر لأنها ترى أن سقوط النظام السعودي ومجيء نظام إخواني سوف يضعف موقف إيران في الخليج. النظام السعودي الحالي هو ليس نظاما وطنيا بل عبارة عن عصابة. هو عبارة عن قبيلة تحكم بلدا غنيا جدا بأسلوب المافيا. هذا النظام الخاوي لا يخدم مصالح أميركا على المدى البعيد وهو في رأيي استنفذ أهدافه، ومن الوارد جدا أن أميركا تفضل وصول الإخوان إلى الحكم في السعودية بهدف تسعير الخلافات الطائفية في منطقة المشرق. أميركا تتصور أن وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر والجزيرة العربية سوف يقضي تماما على فكرة القومية العربية ويسهل خلق المنطقة العازلة في سورية والعراق.

ما يقوم به المجلس العسكري في مصر من دعم لفلول مبارك هو محاولة أميركية لإرضاء آل سعود، ولكنني لا أعتقد أن أميركا تريد بصدق عودة فلول مبارك إلى الحكم. هذا أصلا مطلب غير واقعي وغير عملي، ولكن أميركا تحاول مسايرة الغبي سعود الفيصل الذي لا يدرك المصير السيء الذي رسمه له أسياده، وأنا أستغرب كيف أنه لا يدرك هذا المصير رغم أن الخطط الأميركية كلها منشورة ومعلنة وليست سرية، ولكن شخصا بهذا الغباء والتبعية لا يستغرب منه أي شيء.

إيران تبدو متحمسة للإخوان المسلمين في مصر وهي تراهن على علاقات جيدة معهم. الإخوان المسلمون ليسوا بنفس سوء الوهابيين وهم لديهم قدر من الوطنية والاستقلالية، ولكن المشكلة الطائفية التي زرعتها أميركا في سورية والعراق هي عامل التفجير الذي سوف يفسد العلاقة بين إيران ومصر مستقبلا. إذا أرادت إيران التقارب مع مصر فهي ستضطر للتضحية بسورية وتسليمها إلى الإخوان المسلمين، وأنا لا أستبعد حصول ذلك ولكن إيران لن تتخلى عن سورية لمصر قبل أن تتأكد من أن مصر أصبحت دولة ممانعة بالفعل وليست ممانعة على الطريقة التركية. إذا أثبتت مصر أنها دولة ممانعة بالفعل وتسعى لمقاومة الغرب وإسرائيل بصدق فعندها لا أستبعد أن تتخلى إيران عن سورية لمصر في إطار صفقة بين الجانبين، ولكن إلى أن نصل إلى تلك المرحلة سوف يمر وقت طويل جدا. لا يمكن أن تنشأ علاقة وثيقة بين إيران ومصر إلى هذه الدرجة قبل مرور سنوات وقبل أن تتحلل مصر من التبعية لأميركا. هو مشوار طويل وصعب، وأميركا طبعا لن تظل متفرجة على هكذا مشروع وستسعى لإحباطه وستتدخل لإشعال الخلاف بين الجانبين.

كما قلت مرارا من قبل، المشروع القومي العربي هو مشروع ميت ولا مستقبل له. مستقبل المنطقة ينحصر بين النظرتين الأميركية والإيرانية، وكلتا النظرتين هما نظرتان دينيتان تتناقضان مع المشروع القومي العربي. المشروع القومي لا يمكن إحياؤه إلا بصدمة قوية، وأنا اقترحت في السابق فكرة الوحدة بين سورية والعراق كصدمة لإجهاض المشاريع الطائفية، ولكن تحقيق هذه الوحدة هو أمر متعذر وصعب بسبب النفوذ الإيراني في كل من العراق وسورية. لا يوجد في الحقيقة أي مستقبل للمشروع القومي العربي. هذا المشروع مات منذ أربعينات القرن العشرين عندما رفض حكام سورية الدمشقيون الوحدة مع العراق. من يرفض الوحدة ويدعم الانفصال تحت أي مبرر كان هو ليس قوميا بل انفصالي انعزالي، وطالما أن حكام سورية طوال القرن الماضي كانوا من الانفصاليين الانعزاليين فليس من الغريب إذن أننا نشهد الآن مراسم دفن المشروع القومي العربي. الشعب السوري كان يعيش طوال القرن الماضي في خدعة وكذبة كبيرة. هو كان يعيش تحت شعارات لا علاقة لها بالواقع. حكام سورية كانوا على الدوام يرفعون شعارات يكذبون بها على الشعب بهدف ترسيخ حكمهم ومصالحهم الضيقة، والنتيجة كانت انحدار سورية وتدهورها وصولا إلى المرحلة الحالية التي هي بداية نهاية سورية بشكلها المعروف سابقا. سورية لن تعود مجددا دولة مستقلة كما كانت. سورية القديمة انتهت.