المرحلة الأخيرة في سوريا شهدت نوعا من التقارب والتنسيق التركي-الأميركي ضد روسيا.
قبل هذه المرحلة الأخيرة كان ثَـمَّ تعاون تركي-روسي ضد أميركا.
أنا أظن أن مرحلة التقارب التركي-الأميركي الحالية توشك على النهاية. الأتراك سوف يعودون مجددا للتعاون مع روسيا ضد أميركا.
هذه التقلبات في السياسة التركية هي طبعا ليست مبدئية. الأتراك هم ضد أميركا وروسيا معا. تقلباتهم هي مجرد تكتيك.
الأتراك ينحازون لبعض الوقت إلى روسيا بهدف ضرب أميركا وإضعافها، ثم بعد ذلك ينحازون إلى أميركا بهدف ضرب روسيا وإضعافها، ثم ينحازون مجددا إلى روسيا بهدف ضرب أميركا وإضعافها، وهكذا.
هم مثل من يتحرك داخل منزل ويخبط جدرانه بهدف إسقاط السقف. تارة يخبطون الجدار الشمالي، وتارة الجدار الجنوبي، وتارة الجدار الشرقي، وتارة الجدار الغربي. كل الجدران هي سواسية بالنسبة لهم.
السبب الذي جعلهم ينحازون قليلا إلى أميركا في الفترة الأخيرة هو أن روسيا هي في حالة ضعف واضح، وهم أرادوا أن يستثمروا ذلك لانتزاع بعض المكاسب من روسيا.
ولكنني أعتقد أنهم الآن سوف ينحازون مجددا إلى روسيا، لأن أميركا تظل بالنسبة لهم الخطر الأكبر، وهم لا يريدون أن تستفيد أميركا من الضعف الروسي لكي تقوي نفوذها في سوريا.
روسيا وبشار هم الآن في حالة تراجع وضعف واضحة، وهناك احتمال لأن تضطر روسيا للخروج من سوريا قريبا، وهذا طبعا هو خطر كبير بالنسبة للأتراك، لأن خروج روسيا في هذا الوقت يعني أن أميركا ستملأ الفراغ.
إذا خرجت روسيا من سوريا (أو إذا ضعفت كثيرا واستسلمت للأميركان) فمن المرجح أن يتمدد الأميركان وحلفاؤهم نحو الضفة الغربية لنهر الفرات، وهذا التمدد لن يكون سوى بداية. في النهاية أميركا وحلفاؤها سيسيطرون على كل سوريا وسيؤسسون حكومة ديمقراطية شرعية لسوريا، وهذا بالنسبة للأتراك هو أخطر سيناريو على الإطلاق.
هناك عدة أمور يمكن للأتراك أن يفعلوها الآن مع الروس بهدف إضعاف موقف أميركا. هي عموما لا تختلف عن أمور صنعوها سابقا.
من الممكن أن يقوموا بتنشيط ما يسمونه بمسار الحل السياسي واللجنة الدستورية، ومن الممكن هذه المرة أن يمضوا أبعد وأن يؤسسوا حكومة مشتركة بينهم. بهذا العمل هم يظنون أنهم سيوجدون سلاحا دبلوماسيا يمكن أن يستخدموه لعزل أميركا وإحراجها دوليا.
طبعا هذا هو ما يظنونه أو ما يريدونه، ولكنه ليس ما سيحصل فعلا. أية حكومة سيؤسسونها فيما بينهم دون تلبية الشروط الأميركية سوف تنتهي في سلة القمامة الدولية.
من الممكن أيضا أن يقوموا بعمل عسكري جديد ضد أكراد اليبگ.
إن قام الأتراك بعمل عسكري جديد ضد أكراد اليبگ فالمفترض منطقيا هو أن يزيد ذلك من حاجة اليبگ للدعم الأميركي، ولكن ما رأيناه سابقا هو العكس. عندما دخل الأتراك إلى بلدة تل أبيض طلب أكراد اليبگ من أميركا أن تنسحب من سوريا لكي يأتي الروس وبشار ويحلوا محل أميركا (كما نشرت ذلك شبكة CNN في حينه). من الممكن أن الأتراك والروس سيعملون الآن لتكرار نفس السيناريو مجددا. هم قد يهاجمون بلدة كردية (مثلا كوباني) متوقعين أن أكراد اليبگ سوف يطلبون من أميركا أن تنسحب من سوريا كرد فعل على الهجوم التركي. هذا الحديث يبدو وكأنه سيناريو جنوني خال من المنطق، ولكنه حصل سابقا.
الأتراك استفادوا كثيرا وما زالوا يستفيدون من جهود نظام أبو ظبي (وتوابعه) التي تتلاقى مع جهودهم.
محمد بن زايد كافح لمنع قيام حكومة ديمقراطية في سوريا، وفي هذه النقطة هو يتفق مع الأتراك الذين يعارضون أيضا قيام حكومة ديمقراطية في سوريا ويحاربون ذلك بكل ما يستطيعون.
أنا أظن أن جهود محمد بن زايد قد تكون السبب الأساسي الذي جعل روسيا تبقى في سوريا إلى اليوم. الاحتلال الروسي الموجود الآن في سوريا لا يستند إلى أي منطق ولا يمكن إيجاد تفسير عقلاني له. هو لا يحقق أي شيء. سوريا تحت ظل هذا الاحتلال صارت أرض مجاعات. أنا لا أعلم شيئا واحدا صنعه الروس في سوريا يمكن اعتباره نجاحا أو إنجازا. كل ما صنعوه هو كوارث لها أول وليس لها آخر.
بالنسبة لي فإن التفسير المنطقي الوحيد لاستمرار الاحتلال الروسي في سوريا هو أنه استجابة لرغبات محمد بن زايد (ومعه السيسي إلخ). هؤلاء كانوا يطلبون من روسيا أن تبقى في سوريا وألا تنسحب، وكانوا يعدونها بالمؤازرة. هم وعدوها بأنهم سيدخلون بشار إلى جامعة الدول العربية، وبأنهم سيفتحون طرق التجارة مع بشار ويدعمونه بالأموال، وقرأنا حتى أن ابن زايد وعد الروس بأنه سيأتي بالدعم الأميركي لبشار. هذه الوعود هي على الأرجح السبب الذي أبقى الروس في سوريا حتى يومنا هذا، وليس من المستبعد أن هناك أمورا أخرى لا نعرفها أغرى ابن زايد بها الروس لكي يستمروا في احتلالهم الفاشل لسوريا.
الأتراك وابن زايد يتفقون على معارضة دور أميركا في سوريا، لأن دور أميركا يدفع نحو تأسيس حكومة ديمقراطية شرعية للبلاد، وهذا ما لا يريدونه.
الأتراك وابن زايد يتفقون أيضا على أن السبيل لوأد الدور الأميركي ومشروع الديمقراطية هو عبر ما يسمونه بالحل السياسي الذي ترعاه روسيا، ولكن مكمن الخلاف بين الجانبين (على ما يبدو) يتعلق بتفاصيل ما يسمونه بالحل السياسي. لست أعلم ما الذي يختلفون حوله، ولكن بالاستناد على تجارب سابقة يمكننا أن نتخيل أن ابن زايد يريد صناعة “حفتر” سوري، وأما أردوغان فهو يؤيد الإسلاميين. الإسلاميون الذين يفضلهم أردوغان هم طبعا ليسوا المعتدلين. الإسلاميون المعتدلون يمكن أن يجنحوا نحو الديمقراطية وأن يتعاونوا مع أميركا، وهذا هو آخر ما يرغب فيه أردوغان. التجارب السابقة علمتنا أن الإسلاميين الذين يفضلهم أردوغان ويدعمهم هم الذين لا يصلحون للديمقراطية ولا يصلحون للتعاون مع أميركا.
أردوغان ليست له مصلحة في قيام حكومة حقيقية في أي مكان من سوريا. الحل السياسي الذي سيبحث عنه أردوغان مع الروس هو مجرد زعبرة. أردوغان باختصار سيسعى لتأسيس حكومة فاشلة سلفا لا يمكنها أن تسيطر على شيء ولا يمكن للأميركان أو غيرهم أن يتعاونوا معها.
أية حكومة تُشكل دون قبول أميركي وبنيّة تحدي أميركا هي فاشلة سلفا، خاصة في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا. أردوغان يعرف ذلك، ولكنه لا يهتم، لأن هدفه ليس تشكيل حكومة حقيقية. هدفه هو الزعبرة. هو يريد فقط أن يخترع قصة جديدة للصدام مع أميركا، مثلما اخترع سابقا قصة صواريخ الـ S-400، وقبل ذلك قصة أكراد اليبگـ، وغير ذلك الكثير. هذا الرجل اعتاد على اختراع مثل هذه القصص وهو الآن سيعمل على اختراع واحدة جديدة.
أتفق بأنهم قد يفتحوا جبهة مه الأكراد…
وعندي تصوّر أن تركيا ستلجأ لدعم التطرّف بشكل أكبر في المنطقة بشكل عام، وقد نشهد قيام د – ا – ع – ش (2) بإشراف تركي…
لم ينتبه العديد من المراقبين لتصريح للرئيس الباكستاني منذ عدة أيام وصف فيه زعيم القاعدة بالـ(شهيد)…
من ينظر إلى دور الباكستان في دعم التنظيمات الإرهابية سيفهم بالضبط ما هو دور تركيا في المنطقة…
تركيا قد تلعب دور باكستان في المنطقة..