عجز الدول العربية عن التدخل الإيجابي في سوريا وليبيا أخلى الساحة لتركيا في البلدين


لو قال لنا شخص ما قبل 10 سنوات أن تركيا ستتدخل في ليبيا عسكريا بمفردها فماذا كنا سنظن؟

في ذلك الوقت ما كنا سنأخذ ذلك الكلام على محمل الجد. إن كانت هناك حاجة لتدخل عسكري خارجي في ليبيا فإن المنطق يقول أن دولا أخرى ستتدخل غير تركيا.

ولكن الشيء الذي كان سيعتبر خيالا جامحا قبل 10 سنوات (أو حتى قبل 5 سنوات) حصل بالفعل في زماننا هذا.

التدخل العسكري التركي في ليبيا أو في أي بلد آخر يحتاج لضوء أخضر من المجتمع الدولي، والحصول على الضوء الأخضر من المجتمع الدولي يتطلب مبررا للتدخل العسكري. المجتمع الدولي لن يمنح ضوءا أخضر للتدخل العسكري التركي إن لم تكن هناك حاجة له.

هذه مسألة قد تخفى على بعض من يستقون معلوماتهم من الإعلام العربي. هم ربما يتخيلون أن التدخل العسكري التركي في ليبيا هو غزو على طريقة الغزو العثماني، وبناء على هذا الخيال هم إما يكرهون تركيا أو يعجبون بها ويهللون لها، ولكن المسألة هي ليست كذلك. الدول التي ما زالت تمارس الغزو التوسعي هي قليلة جدا في زماننا. هذه الدول توصم بالمارقة وتنبذ دوليا. أبرز مثال عليها في وقتنا الحاضر هو روسيا، التي هي دولة منبوذة دوليا ومحاصرة، رغم أن هذا يخفى على من يستقون معلوماتهم من الإعلام العربي.

تركيا هي ليست من الدول المارقة. تركيا هي دولة حذرة جدا في سياساتها الخارجية، وهي لا تخطو أية خطوة خارج حدودها إلا بعد حصولها على ضوء أخضر من حلفائها في الناتو، خاصة الأميركان.

التدخل التركي في ليبيا حصل لسبب وجيه وحاجة حقيقية. قبل التدخل التركي كان يوجد في ليبيا وضع خطير هو أن المدعو “خليفة حفتر” كان يسعى (بدعم من بعض الأنظمة العربية) لهدم كل ما تحقق في ليبيا بعد ثورة الربيع العربي. هو كان يريد مسح آثار ثورة الليبيين على القذافي وكان يريد أيضا مسح العمل الذي قام به حلف الناتو في ليبيا، ولكي يزيد الطين بلة هو كان ينسق مع عصابة موسكو ويسعى لمنحها نفوذا في ليبيا.

الأميركان وغيرهم كانوا يحتاجون التدخل التركي في ليبيا. تركيا بتدخلها العسكري في ليبيا خدمت المجتمع الدولي، لأنها منعت حفتر من استكمال مشروعه.

تحقيق الاستقرار في ليبيا هو مسؤولية حلف الناتو الذي سبق له أن شن عملية عسكرية أسقطت سلطة القذافي وأدخلت البلاد في الفوضى. دول الناتو هربت من مسؤوليتها في ليبيا لأنها لم ترد أن تتحمل كلفة تدخل طويل إلى أجل غير مسمى (خاصة في ظل التجربة السيئة في أفغانستان). تركيا بتدخلها في ليبيا حملت العبء عن حلف الناتو بأكمله. دول الناتو هي مدينة لتركيا بسبب هذا التدخل.

الأولى بالتدخل في ليبيا نظريا هو الدول العربية المجاورة لليبيا، ولكن الواقع منذ عام 2011 إلى اليوم هو أن الدول العربية لا تملك شيئا جيدا تقدمه لليبيا. أغلب الدول العربية هي ملتهية بنفسها وبأوضاعها الداخلية ولا تملك القدرة على التدخل في ليبيا أو غيرها. هذا ينطبق حاليا حتى على دولة مثل السعودية، التي هي غارقة في أزمة كبيرة في اليمن إلى جانب مشاكل أخرى داخلية تلهيها عن التدخل في القضايا الإقليمية.

الأميركان هم ليسوا ضد التدخل العربي في ليبيا وسوريا. في الماضي تحدثنا كثيرا عن قضية التدخل العربي في سوريا وكيف أن أميركا طلبت من الدول العربية عشرات المرات أن يتدخلوا في سوريا بهدف المساعدة على تحقيق الاستقرار هناك، ولكن الدول العربية تهربت من التدخل، وذلك أخلى الساحة لتركيا التي باتت الحليف الوحيد لأميركا في سوريا.

أغلب الدول العربية تهربت من التدخل في سوريا وليبيا لأنها لم تر نفسها قادرة على التدخل، أو لظنها بأن التدخل سيحملها أكلافا لا تريد دفعها. هناك على الأقل استثناء واحد هو إمارة أبو ظبي. هذه الإمارة هي متدخلة في كل من سوريا وليبيا، ولكن تدخلها هو تدخل سيء هدام. تدخل أبو ظبي في سوريا وليبيا هو في الحقيقة من الأسباب الرئيسية التي فاقمت عدم الاستقرار في هذين البلدين وولدت الحاجة الماسة لدى أميركا والمجتمع الدولي للتدخل التركي. هذه نقطة مهمة يجب إدراكها، وهي أن جهود أبو ظبي الهدامة في سوريا وليبيا كانت سببا أوصلنا إلى أن نحتاج التدخل التركي في البلدين.

نظام أبو ظبي يدعي أنه يحارب “الإخوان المسلمين” في أنحاء العالم، ولكنه في الحقيقة يحارب الديمقراطية، وهو بلا شك ينظر إلى الولايات المتحدة بوصفها عدوا وتهديدا له، رغم إظهاره الصداقة لها. هو قدم دعما مهما جدا للاحتلال الروسي البربري لسوريا، وعمل لإدخال الاحتلال الروسي إلى ليبيا أيضا. هو سخر وسائل إعلامه (وأيضا وسائل الإعلام السعودية التي سيطر عليها في الأعوام الأخيرة) للترويج للاحتلال الروسي للدول العربية، إلى جانب ترويجه لبشار وحفتر. هذا النظام اخترق إدارة ترمب في العامين الأولين من عمرها ووجه هذه الإدارة لارتكاب تصرفات سيئة في سوريا خدمت مخططات الروس وبشار، ولكن هذا الاختراق بات من الماضي الآن. الأميركان بشكل عام باتوا يفهمون حقيقة هذا النظام وما الذي يسعى له، ولا أظن أن هناك أحدا في واشنطن ما يزال ينخدع به.

4 آراء حول “عجز الدول العربية عن التدخل الإيجابي في سوريا وليبيا أخلى الساحة لتركيا في البلدين

  1. هذا الكاتب يحاول أن يكتب بتحليل منطقي… ولكن المتابع له يستطيع أن يكتشف بكل سهولة أنه مروّج لتركيا وأردوغان…

    طبعاً هو لا يعترف بذلك لأنه يعتبر نفسه محلل يفهم بالشرق الأوسط، وأنه فقط يحلل بشكل متوازن…

    على أي حال،
    المشكلة الحقيقية التي لا يريد أن يراها هذا (المحلل الفذ) أن انتصارات تركيا الحالية سواء في الساحة السورية أو الليبية هي أزمة حقيقة، وهي ستجر الوبال على سكان هذه المناطق..
    والسبب برأيي أن تركيا يوماً بعد يوم تتحول إلى باكستان الشرق الأوسط، فدعمها الواضح للتيارات الداعشية والمتطرفة واضح للعيان ولا داعي للتفصيل فيه..
    إن تجول تركيا للعب دور باكستان في الشرق الأوسط يعني بالضرورة أن تتحول بعض المناطق لتصبح أفعانستان طالبان..
    دعونا نفكر قليلاً، أي من المناطق المرشحة لهذه المهمة، لا داعي للتفكير كثيراً، فكل المناطق التي تحتلها تركيا اليوم مرشحة للعب هذا الدور…

    باختصار:
    الترويج لتركيا وأردوغان هو الترويج للدواعش والتطرف، حتى لو لم تكن متطرف…
    وهذا الشخص أيضاً يروّج لفكرة أخرى تخدم فكرة إنشاء أفغانستان في الشرق الأوسط… سنتحدث بها في وقتها..

    • أنا اليوم مروج لتركيا. وبالأمس كنت مروجا لأكراد الـ YPG. وقبل ذلك كنت مروجا لداعش. وقبل ذلك كنت مروجا لإيران وبشار.
      هكذا يظن من يقرأ المقالات لكي يصنف كاتبها ضمن قطيع معين.
      أنا دعوت لدعم داعش في مرحلة معينة لأنني رأيت أن دعم داعش قي تلك المرحلة كان أفضل ما يحقق مصلحة الناس. ولنفس السبب دعوت لدعم أكراد الـ YPG في مرحلة أخرى. وقبل ذلك (في بداية أحداث الثورة السورية) كنت قد دعوت لدعم بشار، ليس لأنني كنت معجبا ببشار آنذاك وإنما لأنني أردت تجنيب الناس ويلات القتل والدمار.
      الظروف تتغير، وموقفنا يتغير بتغير الظروف، لأننا حياديون لا نتبع لأحد. الشيء المحمود والمطلوب هو الثبات على المبادئ الأخلاقية، وأما السير مع قطيع معين والتأييد الأعمي لذلك القطيع فهو ليس شيئا محمودا وإنما بالعكس.
      نحن نتمسك دائما بنفس المبادئ الأخلاقية، ولكن موقفنا من الأطراف المتصارعة يتغير بتغير الظروف، لأن كل تلك الأطراف المتصارعة هي سيئة. عندما نؤيد طرفا من تلك الأطراف فإننا نفعل ذلك لأسباب ظرفية وليس لأسباب مبدئية.
      من المضحك أن تقول عني أني مروج لتركيا وأنا في الحقيقة أكثر شخص في العالم هاجم تركيا بسبب ما فعلته في سوريا. مقالاتي التي تهاجم تركيا ما تزال موجودة.
      نحن اليوم ندعم تركيا لأسباب ظرفية وليس لأننا معجبون بتركيا. المصلحة الآن هي في دعم تركيا. لا يوجد خيار بديل.
      في الغد سوف تجدنا نعارض تركيا مجددا، لأن الظروف في الغد لن تكون مثل اليوم.

      • أولاً- ليس مطلوب منك أن تروج لأحد…

        ثانياً- أنت لم تكن تروج لدعم لبشار…. كل تحليلاتك يومها كانت تحليلات منطيقية… أنا شخصياً لم أجدها تروج لأحد.. بل كانت تتحدث عن الأحداث بنظرة جيوسياسية رزينة… أما اليوم فأنت لست أنت..

        ثالثاً- إن الإدعاء بالتمسك بـ”المبادئ والأخلاق” هو الحجة الأكثر لوءماً أسمعها منك على مرّ التجربة…
        الأطراف المتصارعة ليست كلها بنفس السوية…
        هناك ما يسمى بالـ”القوى العظمى”… وتعال نتحدث قليلاً عن “أخلاق ومبادئ” القوى العظمى والتي تجلس في رخاء يحرقون بلدنا و بنشرون بيننا القتل والدمار وتنظر إلينا نحن الدول الصغيرة على أننا دمى للتسلية… ثم يعودوا ويجتمعوا مع بعضهم وكأن شيئاً لم يكن…
        ممكن نفهم أين هي “أخلاقك ومبادئك” من تحويل بلدك لساحة لتصفية حسابات الدول العظمى؟
        ممكن نفهم أين هي “أخلاقك ومبادئك” عندما يتم تغيير العملة بالعملة التركية… وعلى أساس أن العملة التركية قوية… بس للتذكرة فقط من كم سنة قامت تركيا بحذف 3 أصفار… ومن لما وعيت إلى الآن يمكن حدفت تركيا يا 9 يا أكثر من الأصفار… فأرجوك لا تعود إلى الحجة أن بشار يطبع العملة..
        كانت هذه الحجة قد تنطلي علينا لو أنهم استخدموا الدولار مثلاً.. أو اليورو..

        رابعاً- تركيا تريد قطعة من الأرض… وقسد تريد قطعة من الأرض… وأنت تعلم ذلك.. وأنت تروّج لذلك…

  2. كلامك عن العملة التركية صحيح. أنا لست سعيدا باستخدام العملة التركية في سوريا ورأيي أنه يجب استخدام الدولار الأميركي.
    ولكن في غياب الدولار الأميركي فإن العملة التركية هي أرحم للناس من عملة بشار.
    أنا كتبت في العام الماضي مقالا عن سعر عملة بشار وذكرت آنذاك أن السعر غير واقعي وسوف يأتي يوم تنهار فيه هذه العملة انهيارا عظيما. ذلك الانهيار العظيم سوف يحصل الآن. الناس يظنون أن عملة بشار قد انهارت، ولكنني أعتقد أن الانهيار الحقيقي لم يحصل بعد. الانهيار الحقيقي سوف يأتي في الأسابيع والأشهر المقبلة. سببه الأساسي هو ليس قانون قيصر وإنما استبدال عملة بشار بالعملة التركية. هذا الاستبدال سوف يسري في سوريا كالنار في الهشيم ولن ينحصر في مناطق الاحتلال التركي. نتيجته سوف تكون فرط التضخم الذي ذكرته في مقال العام الماضي.

    صحيح قولك بأن الأتراك لهم مطامع، ونحن ضد تلك المطامع. ولكنني ذكرت سابقا أن قضية المطامع التركية هي في الوقت الحالي ليست أخطر مشكلة تواجه السوريين. حل مشكلة المطامع التركية سوف يأتي بعد حل المشاكل الأخطر. ليس من الممكن أصلا في الوقت الحالي أن نحل مشكلة المطامع التركية. كيف يمكن لبلد دون حكومة ودون سيادة ودون أي شيء أن يواجه تركيا؟

    القول بأن الدول العظمى تتحكم بنا وأننا مجرد دمى هو كلام فارغ وغير صحيح. الدول العظمى تدعم جهات وأطراف موجودة داخل سوريا. اللاعبون الأساسيون في سوريا هم القوى الداخلية. رمي مسؤولية ما يحصل في سوريا على الجهات الخارجية هو عبارة عن تفكير غوغائي تعلمه السوريون من اللبنانيين، ونحن كنا حذرنا في الماضي من هذا التفكير الغوغائي. رمي مسؤولية أفعالنا على القوى العظمى هو مثل رمي المسؤولية على الآلهة أو الجن والشياطين. هو جهل وغباء. وأنا لا أقصدك تحديدا وإنما أتحدث عن هذه الطريقة الشائعة في التفكير.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s