عن التوسع التركي في سوريا وورطة الروس التي لا مخرج مشرف منها

تحليلات الإعلام العربي للوضع في سوريا غالبا ما تصور الروس على أنهم القوة المهيمنة المسيطرة التي بيدها كل شيء وترسم كل شيء، وبنفس الطريقة تلك التحليلات تصور الهجوم الروسي في إدلب حاليا على أنه نابع من تخطيط روسي استراتيجي يهدف لتحقيق مصالح وأهداف روسية عميقة.

تلك التحليلات هي إما نابعة من سوء فهم أو أنها مجرد دعاية وبروباغندا، وكثير من تلك الدعاية والبروباغندا مصدره النظام الحاكم في إمارة أبو ظبي الذي يجعل من نفسه آلة دعاية للروس ولبشار ولحفتر ولكل من يراه النظام عدوا للديمقراطية.

الحقيقة هي أن بوتن لا يدري ما الذي يفعله في سوريا. هو أوقع نفسه في مأزق ومصيبة كبيرة، وبسبب إدراكه لفداحة مصيبته هو فقد عقله وصار يتخبط ويقوم بتصرفات عشوائية لا تحقق شيئا سوى تعميق مصيبته، بما في ذلك المهزلة التي نشاهدها الآن في إدلب.

الروس خسروا كل شيء في القضية السورية. هم لم يتمكنوا من شرعنة نظام بشار دوليا ولا حتى إقليميا. هم بذلوا جهودا جبارة بهدف شرعنة بشار في الجامعة العربية ولدى تركيا وأوروبا، ولكن جهودهم أسفرت عن صفر مكعب. لا الجامعة العربية شرعنت بشار، ولا تركيا شرعنت بشار بشكل حقيقي وجدي، ولا أوروبا شرعنت بشار. لا أحد يشرعن بشار الآن سوى الأطراف والجهات التي كانت تشرعنه منذ ما قبل التدخل الروسي، وهي قليلة جدا.

اليأس بلغ من الروس مبلغا إلى درجة أنهم أعطوا مليار دولار لعمر البشير في مقابل زيارته لبشار في نهاية عام 2018. هذه القصة لوحدها تدل على عمق أزمة الروس في سوريا.

قرأنا في صحيفة “الأخبار” قبل أيام (ما معناه) أن الروس يعرضون الآن مبلغ مليار دولار على لبنان في مقابل زيارة لميشيل عون إلى بشار، وأن ميشيل عون هو موافق على ذلك (إن صدق المقال فيبدو أن ميشيل عون لا يأخذ العظة من قصة عمر البشير الذي سبقه إلى القبول بمثل هذا العرض الروسي المشؤوم).

إقرار قانون قيصر في الكونغرس الأميركي مؤخرا أتى كضربة قاصمة للجهود الروسية لشرعنة بشار. لا أحد من الدول العربية أو الأوروبية يمكنه أن يتجاهل هذا الموقف الأميركي الصارم ويشرعن بشار ويدعمه كما يريد الروس.

بعيدا عن قضية شرعنة بشار، التي هي الهدف الأساسي للروس في القضية السورية، هناك قضية “السيطرة العسكرية” التي تخلب عقول كثير من الناس وتخدعهم. كثير من الناس يتوهمون أن الروس وبشار ومن معهم باتوا يسيطرون عسكريا على سوريا، ولكن هذا الكلام هو مجرد وهم وضلال كبير. معظم المناطق التي ادعى الروس السيطرة عليها بعد “استعادتها من الإرهابيين” هي الآن ليست تحت سيطرتهم فعليا ولا تحت سيطرة بشار. هذا يشمل الصحراء السورية ودرعا وريف دمشق. في كل هذه المناطق يوجد الآن تمرد وعمليات مسلحة ضد مقاتلي بشار وإيران والروس. هم يتكبدون خسائر فادحة في تلك المناطق التي يدعون السيطرة عليها.

الروس أوقعوا أنفسهم في حفرة لا مخرج منها عندما وضعوا لأنفسهم هدفا غير واقعي مستحيل التحقيق. هم الآن يبحثون عن أي مخرج من الحفرة ولكنهم لا يجدون مخرجا مشرفا. في اعتقادنا أن الخروج الروسي من سوريا لن يكون بطريقة مشرفة، لأن الروس تمادوا كثيرا في الخطأ ولم يعد يمكن لأحد أن ينقذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه.

3 آراء حول “عن التوسع التركي في سوريا وورطة الروس التي لا مخرج مشرف منها

  1. يعطيك العافية…
    نرحّب بك مرة جديدة..
    المقال لم يتحدث عن طرف مهم وهو المعارضة السورية بشقيها السياسي والمسلّح…
    سأبدأ بالشق المسلّح:
    هناك إشارة استفهام حول القدرات العسكرية التي كانت المعارضة تتحدث عنها في إدلب، وكان أحد الاعلاميين المعروفين يتحدث عن 150 ألف مقاتل.. واتضح أن هذه الأرقام ليست إلا كلام للإلهاء العامة..
    حتى الأتراك يتسائلون: كيف لهذه القوى المسلحة أن تنهزم بهذه السرعة من القرى والمدن رغم تواجدها منذ 6 سنوات فيها..
    لا نسمع اليوم إلا مقولة ((أروغان باعنا)..
    بالنسبة للشق السياسي:
    هنالك شبه سكوت من الأطراف السياسية المعارضة بعد التخلي الواضح من أردغان عنهم ونقله المقاتلين إلى ليبيا ليتحولوا إلى مرتزقة ثمن الواحد منهم ألفا دولار.. وهذا بحد ذاته نقل ما كان تعاطفاً من قبل بعض الأطراف إلى استغراب وقد ينتهي بإسقاط آخر قناع عن وجه المعارضة السورية التي أثبتت خلال السوات الماضية أنها لم تستطيع حتى إدارة مدرسة إبتدائية..

    بالنسبة للأكراد:
    واضح الأثر الدبلوماسي الروسي للتقارب بين الدولة والأكراد، وهذا سيزيد الضغط على أردوغان والذي همه الأساسي عدم خسارة أي شيء أكثر من سوتشي وأستانا. وبالتالي ملف الجزيرة سيكون له تأثير إيجابي على دمشق..

    بالنسبة لتركيا:
    ١- هناك صدمة من استهداف نقطة تفتناز مرة أخرى، والذي أوصل رسالة عن جدية الدولة في ملف إدلب..
    ٢- الأصوات في الداخل المنددة بالسياسات التركية الخاطئة وزج الجيش في حرب عبثية ترتفع يوما بعد يوم، ما يخيف اردوغان من اتخاذ قرار حرب واسعة قد تكلفه خسارة سياسية داخليا في وقت يعاني الاقتصاد التركي من ركود غير مسبوق. في هذا الشهر وعلى طريقة البو عزيزي أقدم مواطن تركي على حرق نفسه أمام مقر ولاية أنطاكية تنديداً بالظروف المعيشية صارخاً “م أعد استطيع اطعام أولادي”. والليرة التركية تهبط لأدنى قيمة متجاوزة 6 ليرات للدولار. لا ننسى انخفاض المشاريع الخارجية لتركيا في بعض الدول وتراجع الاستثمارات الخليجية في تركيا. وأيضاً شبهات الفساد والمشاكل التي تلاحق أردوغان داخلياً..
    ٣- اردوغان بعد سماعه حديثا مزعجا من الروس بات يعول على دعم غربي لتحركه العسكري وينتظر الموافقة الأمريكية لتنفيذ ضربات محدودة تجبر الجيش السوري على الانسحاب من سراقب.

    أعتقد أن المفاوضات الحالية هي “أين سيتم نقل الناس؟”… تركيا تريد نقلهم إلى الشمال كي لا يدخلون إليها ولأسباب ديمغرافية أخرى..

    • أنا عندما أحلل الوضع فإنني لا أركز على ما يحصل في هذه الأسابيع والأشهر وإنما أنظر إلى ما سيحصل في السنوات القادمة. كل شيء هو مظلم تماما بالنسبة للروس ولبشار. حتى تركيا التي هي في رأينا من نفخهم وأوصلهم إلى حجمهم الحالي في سوريا بدأت الآن تنقلب ضدهم بشكل كامل وسوف تعمل على إخراجهم من سوريا. تركيا فيها ملايين السوريين ولها حدود طويلة جدا مع سوريا. الروس لا يستطيعون أبدا أن ينهوا التأثير التركي في سوريا.

      الروس يستطيعون أن يفعلوا شيئا واحدا في سوريا وهو أن يشنوا 100 غارة جوية في اليوم ضد منطقة صغيرة لإحراقها وتفريغها من سكانها، وأن يرسلوا إليها بعد ذلك مرتزقة فاغنر والميليشيات الإيرانية والسورية لكي يلتقطوا فيها الصور ويرسلوا تقريرا عما فعلوه لرامي عبد الرحمن لكي ينشره ويخلب عقول الناس به. هذا هو كل ما يملكه الروس. هذا لا يصنع شيئا من الناحية الاستراتيجية.

      خلال السنوات القادمة سوف يستمر الخراب والانهيار في المناطق التي يحتلها بشار وسوف تتفاقم العمليات المسلحة التي سوف يكون كثير منها مدعوما من تركيا.

      تركيا الآن صارت تزود المسلحين بأسلحة مضادة للطائرات، والخير لقدام. هم أصلا يستخدمون طائرات مسيرة تلحق أضرارا فادحة جدا ببشار والروس. ما يحصل الآن في إدلب (وما قد يحصل في غيرها) من حرق وتدمير وتهجير لن يوقف هذه الهجمات والعمليات المدعومة من تركيا، مثلما أنه في السابق لم يوقف عمليات داعش، ولم يوقف العمليات في درعا ودمشق.

      • لا أزال أذكر أحد (تحليلاتك) والتي أقتعتني يومها، وكنت تقول أنه لا يمكن للدولة السورية استعادة آلاف القرى السورية المتنشرة…
        وكنت (ولا زلت) أسأل نفسي هذا السؤال: كيف لجيشنا أن يستعيد هذا الكم الهائل من القرى..
        ليجيب علينا الجيش العربي السوري البطل بأنه قادر على استعادة آلاف القرى والمدن الصغيرة والمنتشرة على مساحة بلدنا العزيز…
        صدقني، ليس كل ما تحلل به صحيح… هناك عامل آخر في المعادلة، آلا وهو عامل الزمن..
        أتفق معك أن النظام التركي خبير وله باع كبير في المناورة واللف والدوران، ولكن أيضاُ بالصبر (والأهم الإيمان بقضيتنا) يمكن أن ننتصر..
        أنا أشاهد وأتابع الكثير ممن يصفون أنفسهم بالمحللين والذين أنفقوا أعمارهم بالقراءة والتعلم، وأغلبهم يضعون المعادلات بطريقة واحد زائد واحد، ليخرجوا علينا بأنه علينا اتباغ امريكا لأنها قدر…
        كذلك اليوم تنشر أنت وغيرك كلام عم ((توسع)) تركيا، هذا ليس توسعاً هذا يسمى احتلال..
        وليس غريباً عن تركيا احتلال البلدان، رغم أن الاحتلال انتهى في القرن الماضي، إلا أن تركيا كانت مصرة على احتلال قبرص ووضع نصفها تحت الوصاية التركية، لتكرر اليوم نفس العملية في سوريا…
        ما أريد أيصاله:
        أن تحليلاتك ليست قدرنا
        أمريكا ليست قدرنا
        تركيا ليست قدرنا…
        من يرسم التاريخ اليوم هو شجاعة وصمود الجندي السوري رغم مرور 8 سنوات كاملة على حرب طاحنة..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s