الأميركيون يحاولون تغيير موقف تركيا من بشار… فهل ينجح ذلك هذه المرة؟

عودة الأميركيين إلى التعاون مع تركيا في سوريا هي ليست أمرا غريبا من حيث المبدأ.

إذا لم يتعاون الأميركيون مع تركيا فمع من سيتعاونون؟ تركيا هي الدولة الوحيدة التي أظهرت رغبة بالتعاون مع أميركا في سوريا.

في الماضي عقدنا آمالا على الدول العربية وشجعناها على التدخل في سوريا، ولكن تلك الدول لم تتدخل. هم تركوا أميركا لوحدها في سوريا وكأن حل القضية السورية هو مسؤولية أميركا وليس مسؤوليتهم.

بدلا من أن تتدخل الدول العربية في سوريا لمساعدة أميركا رأينا هذه الدول تتودد إلى بشار وأسياده وتتمسح بهم. هذه الدول أضعفت موقف أميركا بدلا من أن تساعدها.

نفس الأمر ينطبق على الأكراد. في الماضي عقدنا آمالا على الأكراد لحل الأزمة السورية، ولكننا خلال العام الماضي رأينا هؤلاء الأكراد يتمسحون ببشار ويعلنون رغبتهم في الانضمام إلى ميليشياته الإجرامية. هم ظلوا متعلقين ببشار وأسياده الروس حتى بعد ما حصل في عفرين والذي يفترض أنه كان درسا لهم. علاقة أميركا مع هؤلاء الأكراد هي من الأساس أمر محرج لأميركا بسبب صلاتهم بحزب عمال كردستان وبسبب الموقف التركي المعادي لهذه العلاقة. موقفهم الداعم لبشار والروس زاد من حرج أميركا وجعل من استمرار “التحالف” بينهم وبين أميركا أمرا غير واقعي.

العرب والأكراد كانوا يوصفون بأنهم حلفاء أو داعمون لأميركا، ولكنهم في الواقع لم يكونوا يفعلون شيئا سوى التمسح ببشار وأسياده. أميركا كانت متروكة لوحدها في سوريا لكي تقاوم بشار وداعميه وأيضا لكي تتحمل الأذى من تركيا. الأذى المباشر لأميركا كان يأتى أيضا من أغبياء العرب والأكراد الذين كانوا يتهمون أميركا بأنها تدعم انفصال الأكراد وبأنها طامعة فيما يسمونه بـ”الثروات” الموجودة في مناطق الأكراد.

وضع أميركا في سوريا لم يكن وضعا منطقيا وهو ما كان سيدوم إلى الأبد. نحن قلنا هذا الكلام قبل الزوبعة الأخيرة التي أثارها ترمب.

حل الأزمة السورية هو ليس مسؤولية أميركا. من يجب أن يتحمل هذه المسؤولية هم السوريون أولا والعرب ثانيا. إذا تقاعس السوريون والعرب فمن الطبيعي أن أميركا لن تقبل بأن تتحمل هذه المسؤولية لوحدها.

تركيا (بخلاف الدول العربية وبخلاف الأكراد) دأبت لفترة طويلة على إظهار نفسها بمظهر الدولة المناوئة لبشار والراغبة في التدخل في سوريا بهدف حل الأزمة السورية، ولكن المشكلة هي أن تركيا لم تكن يوما صادقة أو جادة فيما تدعيه، والأميركيون هم أكثر من يعرف ذلك بسبب تجاربهم الماضية السيئة مع تركيا.

ظاهريا موقف تركيا هو أفضل بكثير من موقف الأكراد الأوجلانيين. تركيا وأتباعها السوريون يظهرون المعارضة والرفض لبشار، وأما الأكراد الأوجلانيون فهم لا يدينون جرائم بشار بل يعلنون رغبتهم بالمشاركة فيها. ولكن تجارب السنوات الماضية علمتنا أن موقف تركيا المعلن هو موقف كاذب مخادع. موقف تركيا الحقيقي هو موقف إجرامي أسوأ حتى من موقف الأكراد الأوجلانيين. إدارة أوباما اكتشفت هذه الحقيقة باكرا ونفضت يدها من التعاون مع تركيا في سوريا.

على ما يبدو فإن هدف الأميركيين الأساسي مما يفعلونه الآن هو محاولة خلق مشكلة بين تركيا من جهة وبين بشار والروس من جهة ثانية. في السابق كتبنا أن الخروج الأميركي من سوريا من شأنه أن ينهي شهر العسل بين تركيا وبشار، وهذا على ما يبدو هو الهدف الذي تراهن عليه بعض الأوساط في واشنطن. الأميركان يعتقدون أنهم إذا جعلوا تركيا تتعاون معهم (وإن كان التعاون ظاهريا وغير نافع) فإن ذلك من شأنه تخريب “أستانة” وما يشبهها من الاتفاقات بين تركيا وبشار. إن حصل ذلك فإن أميركا ستكون قد نجحت في جر دولة أخرى إلى مواجهة بشار، وذلك يعني أن أميركا لن تبقى معزولة في سوريا.

الفكرة هي ليست أن الأميركيين سيورطون تركيا وسيهربون. الأميركان سيبقون حاضرين في القضية السورية، ولكنهم يرغبون في إدخال تركيا إلى جانبهم لكي لا يبقوا لوحدهم. تركيا حتى يومنا هذا لم تكن جادة في معارضة بشار. التدخلات التركية في سوريا صبت كلها في مصلحة بشار. الأميركان يحاولون الآن أن يغيروا الموقف التركي.

الأميركان سيحاولون أن يرضوا تركيا على حساب الأكراد الأوجلانيين، والمتوقع بعد ذلك هو أن تغير تركيا موقفها من بشار.

لسنا ندري إن كان الأميركان سينجحون فيما يصبون إليه. قبل أيام سمعنا تصريحات تركية جديدة من نوعها مفادها أن تركيا ترفض دخول بشار إلى منبج. تركيا في السابق لم تكن ترفض دخول بشار إلى منبج بل هي أعلنت أكثر من مرة تأييدها لدخول بشار إلى منبج. تركيا ساعدت بشار بشكل علني أو شبه علني على احتلال حلب ودير الزور، وأيضا هي عملت بشكل حثيث لتمكين بشار من احتلال الطبقة والرقة ولكن تلك المساعي فشلت. الدعم التركي لبشار كان السبب الجوهري الذي مكنه من احتلال حلب ودير الزور. عندما تقول تركيا الآن أنها ترفض دخول بشار إلى منبج فإن ذلك يعتبر تغيرا نوعيا في الموقف التركي، ولكننا لسنا ندري إن كان هذا الكلام جادا أم أنه مجرد خداع. هذا الكلام أتى قبيل زيارة لندسي غراهام الأخيرة لأنقرة وفي ظل مفاوضات بين الأتراك والأميركيين لتأسيس “منطقة آمنة”. الكلام المناوئ لبشار الذي يصدر من تركيا في هذه الأيام قد يكون مجرد خداع.

تركيا دأبت لسنوات على الجعجعة والبعبعة والصريخ والزعيق ضد بشار، ولكن كل ما كان يصدر عن تركيا بهذا الصدد كان مجرد كلام فارغ لا يساوي شيئا من الناحية العملية. المواقف التي كانت تركيا تعلنها ضد بشار لم تكن تؤذي بشار ولا داعميه وإنما كانت تؤذي أميركا. الأتراك كانوا يطالبون أميركا بأمور تعجيزية يعلمون أن أميركا لا تستطيع أن تفعلها، والهدف من ذلك هو إحراج أميركا ودفعها لتغيير موقفها من بشار. عندما كان الأميركان يطرحون على تركيا دعم أمور عملية ممكنة التطبيق (مثل دعم المعارضة السورية وتنظيمها) لم يكن الأتراك يتعاونون وإنما كانوا يفشلون المساعي الأميركية.

لا ندري كيف ستسير الأمور، ولكننا لا نعتقد أن الأميركان سيسمحون لبشار وأسياده بأن يخرجوا رابحين مهما حصل. الأميركان يقومون الآن بمحاولة لتغيير الموقف التركي. إن فشلت المحاولة فإن ذلك لا يعني أن أميركا ستتخلى عن القضية السورية. أميركا ستبقى موجودة في هذه القضية سواء تغير الموقف التركي أم لم يتغير.

التصعيد الإسرائيلي في هذه الأيام يحظى على الأغلب بغطاء أميركي. إسرائيل لن تجرؤ على تصعيد كبير مثل هذا دون غطاء أميركي (لو فرضنا أن الإيرانيين والروس ردوا على إسرائيل بهجوم كبير فإن إسرائيل ستحتاج دعما أميركيا، ولهذا فإن إسرائيل لا تستطيع أن تتورط في مغامرة كهذه دون تنسيق مسبق مع الأميركيين). توقيت هذا التصعيد هو على ما يبدو مرتبط بالترتيبات الجارية مع تركيا. الأميركان يقولون للروس والإيرانيين أن عليهم أن يبتعدوا عن شمال سوريا وألا يتدخلوا فيما سيجري هناك.

3 آراء حول “الأميركيون يحاولون تغيير موقف تركيا من بشار… فهل ينجح ذلك هذه المرة؟

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s