السعودية تعرضت مؤخرا لهجمة دولية تشبه الهجمة التي تعرضت لها سوريا في عام 2011.
هناك تشابهات واضحة بين الأزمتين.
أولا، الأطراف التي هاجمت السعودية هي عينها الأطراف التي هاجمت سوريا. في كلتا الحالتين برز حمد بن خليفة كرأس حربة للهجوم، ولكن القوة الأساسية التي تدير الهجوم وتحرك حمد وغير حمد هي أنقرة. الأوروبيون والأميركان دخلوا بقوة كبيرة في الهجوم كما حصل في عام 2011 ضد سوريا.
ثانيا، أسلوب الهجمة هو ذاته في الحالتين. هم أخذوا قضية محقة وصنعوا منها “قميص عثمان”. في قصة قميص عثمان كان هدف الثائرين المعلن هو الثأر من قتلة عثمان ولكن هدفهم الحقيقي كان إسقاط علي بن أبي طالب. في قصة سوريا كان الهدف المعلن هو حماية المتظاهرين من القتل والإصلاح السياسي، ولكن الهدف الحقيقي بالنسبة للأتراك كان زعزعة سوريا ونشر الفوضى فيها تمهيدا لاحتلالها. في قصة السعودية الهدف المعلن هو الثأر لجمال خاشقجي، ولكن الهدف الحقيقي هو إسقاط محمد بن سلمان وإسقاط كل النهضة التي قادها منذ تولى أبوه السلطة.
الثأر لجمال خاشقجي هو قضية محقة، ولكن هذه القضية هي هدف ثانوي بالنسبة للأوباش الذين ثاروا على السعودية. هدفهم الأساسي هو إعادة المملكة السعودية إلى الوضع البائس الذي كانت عليه قبل نهضة محمد بن سلمان. هم يريدونها مجرد بقرة نفطية يحلبون منها الأموال ويتلاعبون بها ويستغلونها لتدمير الدول العربية وتدمير نفسها.
ما تريد أنقرة وحمد أن يصنعوه في السعودية هو نفس ما صنعوه في سوريا. هم يريدون زعزعة السعودية ونشر الفوضى فيها.
حمد بن خليفة يحلم بأن يكون واليا لتركيا أو لإيران على السعودية.
الهجمة على السعودية لن تحقق نفس النتيجة التي تحققت في سوريا. البعض سوف يعيدون ذلك إلى الثروة المالية التي بيد حكام السعودية والتي لم يملك بشار مثلها. هكذا كلام سوف يكون تبسيطيا وغير صحيح.
سبب سقوط سوريا لم يكن ضعفا في قدراتها أو أموالها. معظم الدمار والكوارث التي أصابت سوريا منذ عام 2011 إلى اليوم كانت بسبب قرارات اتخذها بشار.
بشار هو قليل الذكاء إلى درجة أنه لم يفهم إلى اليوم ما الذي حصل في عام 2011. الدليل على ذلك هو أنه لم يغير شيئا من الأمور التي أدت إلى تلك الأحداث. في الماضي لخصنا أسباب الثورة السورية بسببين عميقين، السبب الأول هو القومية الدمشقية والسبب الثاني هو الاشتراكية. كلتا هاتين الإديولوجيتين تحولتا في دولة عائلة الأسد إلى مبررات لنظام إقطاعي يحصل فيه العلويون على امتيازات تفوق بكثير حجمهم الواقعي في سوريا. لو فرضنا أن بشار يريد أن يصلح دولته (أو ما تبقى منها) فإن المفترض نظريا هو أن يعمل على إنهاء ذلك النظام الإقطاعي وركيزتيه الإديولوجيتين، ولكنني لم أر أي مؤشر على ذلك. أنا في الوقت الحالي لا أتابع أخبار بشار كثيرا ولكن الأمور التي أراها تدل على أن دولة بشار اليوم هي أسوأ حتى من دولته التي كانت قائمة في عام 2011. نفس النظام الإقطاعي القديم (الدمشقي-الاشتراكي-العلوي) ما زال قائما ولكنه الآن توحش أكثر وبات أكثر بدائية وهمجية.
حال دولة بشار هي تجسيد حقيقي لما يسمى بـ death spiral. هذه دولة تغوص وتغوص وتغوص، ومصيبتها الكبرى هي أن ربانها وراكبيها لا يفهمون أصلا أنهم يغوصون. هم يعتقدون أنهم رابحون ومنتصرون.
غباء بشار الآن لم يعد مصيبة للسوريين ولكنه مجرد مصيبة له ولشركائه ومؤيديه. بشار على ما أعتقد سبب كل ضرر ممكن للسوريين ولم يعد يقدر الآن على أن يسبب المزيد من الضرر. غباؤه الآن سوف يقتله لوحده وسوف يقتل معه شركاءه ومؤيديه، وهذا شيء جيد وليس سيئا. هذا أشبه بقانون طبيعي أو دورة طبيعية. الظواهر الكارثية مثل بشار لا يمكن أن تدوم طويلا وإلا فإن النتيجة سوف تكون دمار العالم والطبيعة بأسرها. الطبيعة سوف تئد هذه الكارثة وتنهيها. ذلك سوف يحصل عمليا بأن بشار سوف يئد نفسه بنفسه. هو وأد نفسه بالفعل والباقي الآن هو أن يلفظ رمقه الأخير.
هل مستوى ذكاء محمد بن سلمان هو نفس مستوى ذكاء بشار الأسد؟ هذا سؤال مهم، لأن السبب الأساسي الذي دمر سوريا لم يكن نقصا في المال وإنما نقصا في القدرات العقلية لبشار.
كيف نحكم على مستوى ذكاء شخص ما؟ الطريقة العلمية هي أن نجري له اختبار ذكاء. ولكن هناك مؤشرات تساعدنا في الحكم على ذكاء الإنسان دون أن نجري له اختبار ذكاء.
بعض الصفات التي تميز الإنسان الذكي هي ما يلي:
- يستمع أكثر مما يتكلم.
- لا يملك جوابا لكل الأمور التي يسأل عنها.
- لا يفترض نفسه أذكى من الآخرين.
- يصغي إلى ما يقال له.
- يغير مواقفه عندما يتبين له خطؤها.
الإنسان الذي يحقق هذه المعايير قد لا يكون بالضرورة خارق الذكاء ولكنه لن يكون إنسانا غبيا.
بشار الأسد لا يحقق شيئا من المعايير أعلاه. هو مثال صارخ على الإنسان الغبي.
الناس الذين تعاملوا مع بشار وصفوه بأنه عنيد. ما هو معنى كلمة عنيد؟ هل هناك فرق بين العناد والغباء؟
أنا أعتقد أن الشيء الذي يسميه الناس بالعناد يندرج ضمن مفهوم الغباء. كلمة “غبي” هي كلمة جارحة ولهذا السبب يتحاشى الناس استخدامها ويفضلون استخدام كلمات أخرى مخففة مثل كلمة عنيد.
العنيد هو شخص يصر على رأيه الخاطئ. لماذا يفعل المرء ذلك إن لم يكن غبيا؟
هل محمد بن سلمان هو عنيد مثل بشار؟ هذا سؤال مهم لأن ما دمر سوريا كان عناد بشار.
في بداية أزمة جمال خاشقجي لمسنا من ابن سلمان عنادا يشبه عناد بشار. ذلك تجسد بشكل واضح في البيان “البشّاري” (نسبة إلى بشار) الذي أصدره ابن سلمان وهدد فيه أميركا. تحدثنا في مقالات سابقة عن قصة ذلك البيان وما تسبب به.
ولكن بعد صدور ذلك البيان شاهدنا تحولا دراماتيكيا في السياسة السعودية بهدف تصحيح الخطأ.
السعودية غيرت موقفها من قضية جمال خاشقجي على نحو غير معهود في الدول النامية. الدول النامية تتشبث عادة بمواقفها ولا تعترف بأخطائها. مستوى المرونة الذي أظهرته السعودية خلال الفترة الأخيرة هو ملفت جدا. هم أولا اعترفوا بأن مخابراتهم قتلت جمال خاشقجي، وهذا بحد ذاته هو شيء كبير جدا. بعد ذلك رأينا منهم تنازلات متتابعة بهدف امتصاص الأزمة وإنهائها.
طبعا الاعتراف بقتل جمال خاشقجي لم يكن قرارا ذاتيا سعوديا وإنما كان بسبب ضغط أميركي. هذا الأمر كان مجرد عقوبة من أميركا للسعودية. هو لم يكن متعلقا بتركيا ولكنه كان متعلقا بالعلاقة الثنائية بين السعودية وأميركا. السعودية أخذت هذا الموقف لكي تعتذر لأميركا. هل أجدى هذا الاعتذار نفعا؟ الجواب هو نعم. لا أدري ما الذي كان سيحصل لو أن السعودية لم تقدم هذا الاعتذار المكلف، ولكن لا شك أن الاعتذار وما تبعه من مواقف وتوضيحات وتنازلات ساهمت في تهدئة الغضبة الأميركية.
الخطر الحقيقي الذي هدد السعودية لم يكن تركيا ولا صعلوكها حمد وإنما الغضبة الأميركية. السعودية أدركت ذلك سريعا وعملت على امتصاص الغضبة الأميركية بتقديم تنازلات مكلفة.
البعض قد يرون أن السعودية بالغت في التنازلات التي قدمتها. الاعتراف بقتل جمال خاشقجي كان خسارة غير ضرورية لأن الأتراك لا يملكون دليلا يثبت مقتله. ولكن بالنسبة لي الشيء الأهم في هذه القصة هو أن السعودية أظهرت قدرة على التعامل مع أزمة كبيرة بمرونة سياسية عالية. حتى لو فرضنا أن المرونة التي أبداها السعوديون هي زائدة فإن ذلك هو مشكلة أبسط بكثير من مشكلة التصلب والعناد على طريقة بشار.
النصائح الأميركية وغير الأميركية أتت إلى بشار، ولكن بشار لم يفهم شيئا من تلك النصائح ولم يطبق منها شيئا. قدرة النظام السياسي على الاستجابة السريعة للنصائح هي شيء مهم.
النظام السعودي نجح في رأيي في التعامل مع أزمة خطيرة، ولكن السؤال هو من الذي أدار النظام خلال الأزمة؟ يبدو أن الفضل في المرونة التي أظهرها النظام يعود للملك السعودي وليس ابنه.
ولكن الابن سار مع أبيه، ولعله تعلم من الدرس.
التنازلات الكبيرة التي قدمتها السعودية هي محرجة لمحمد بن سلمان وفيها كسر لغروره. هذا أمر جيد. إن كانت هناك مشكلة في محمد بن سلمان فهي أنه تصرف بغرور وجنون عظمة. لعل كسر غروره في هذه القصة يؤثر في سلوكه المستقبلي.