قصة جمال خاشقجي ما كانت تمثل تهديدا حقيقيا لمستقبل محمد بن سلمان. هو كان قد تجاوز تلك القصة بالفعل قبل ثلاثة أيام عندما كتبنا أنها قد انتهت.
ولكن محمد بن سلمان أدخل نفسه في قصة أسوأ بألف مرة من قصة جمال خاشقجي عندما أصدر ذلك البيان المجنون قبل يومين.
أنا أرجح أن محمد بن سلمان كان تحت تأثير الكحول أو العقاقير المخدرة عندما أصدر ذلك البيان. لا أظن أن شخصا بكامل قواه العقلية يمكن أن ينتحر سياسيا بتلك الطريقة.
في ذلك البيان (وفي مقال تركي الدخيل الذي فسره) لم يكتف محمد بن سلمان بأنه وضع نفسه في مقام أميركا وهدد بأنه سيرد عليها بإجراءات أكبر من إجراءاتها. هو مضى أبعد من ذلك وهدد بأنه سيخرج أميركا من الشرق الأوسط وسيدمر اقتصادها. هو في الحقيقة هدد بتدمير اقتصاد العالم بأسره.
السؤال هو لماذا؟ ما هو السبب الذي جعله يصدر ذلك البيان؟ قصة جمال خاشقجي كانت منتهية. في اليوم السابق لصدور البيان كتبنا مقالا بعنوان “قصة جمال خاشقجي انتهت”. ولكننا في اليوم التالي فوجئنا بابن سلمان يهدد أميركا والعالم بتهديدات لا أظن أن أحدا من قبله قد أطلق مثلها.
البعض في أميركا يقولون أن مجرد الحديث عن فرض عقوبات على السعودية هو بالنسبة لابن سلمان جريمة كبرى تستوجب إعلان العداء لأميركا والتهديد بتدميرها. هذا مثال آخر على رد الفعل غير المتكافئ، مثلما حصل سابقا في قصة كندا. ابن سلمان أظهر في قصة كندا أنه مستعد لإعلان حرب ضد دولة بسبب تغريدة على تويتر. الآن هو يظهر للعالم أنه مستعد لتدمير اقتصاد أميركا والعالم لأن بعض الناس في أميركا جرحوا مشاعره عندما وبخوه على جريمته النكراء في إسطنبول وهددوا بفرض عقوبات عليه.
الطبقة السياسية في أميركا سوف تعتقد الآن أن محمد بن سلمان هو شخص مجنون وغير مؤهل عقليا لحكم السعودية.
محمد بن سلمان فعل كثيرا من الأمور الجيدة، وأنا ما زلت أعتقد أنه رجل ذكي، ولكن يبدو أن السلطة الكبيرة التي حصل عليها أصابته بجنون العظمة، مثلما حصل سابقا مع بشار. جنون بشار لم يدمر شيئا سوى سورية وشعبها، وأما جنون ابن سلمان فهو سوف يسبب أضرارا كبيرة لا يمكن حصرها داخل السعودية. لهذا السبب أميركا والعالم سوف يعتبرون وصوله إلى السلطة المطلقة في السعودية تهديدا.
في السابق حذرنا ابن سلمان من أن يصاب بجنون العظمة، ولكن التحذير لم يجد نفعا. حالته تفاقمت كثيرا وخرجت عن السيطرة.
لا نستطيع أن نتنبأ بما ستفعله الإدارة الأميركية في الفترة المقبلة، ولكن الواضح الآن هو أنهم ما عادوا يريدون تبرئته من جريمة قتل جمال خاشقجي (كما كانت سياستهم في بادئ الأمر). هم يريدون الآن إدانة السعودية بالجريمة. السؤال هو ما الذي سيحصل بعد ذلك؟ هل سوف يعتبرون أن إدانة السعودية ومعاقبتها هي أمور تكفي لتأديب محمد بن سلمان؟ أم أنهم سيسعون لإزاحة ابن سلمان عن السلطة بشكل كلي؟
هل الظروف الحالية تسمح لأميركا بالضغط لإزاحة محمد بن سلمان عن الحكم؟ أنا لا أظن ذلك. أميركا تحتاج الآن تعاون السعودية في قضايا المنطقة. أميركا تخوض في الشرق الأوسط حربا باردة ضد إيران وروسيا وتركيا وأهم حليف لها في هذه الحرب هو السعودية.
من الممكن أن الأميركان سيكتفون بمعاقبة ابن سلمان ولن يسعوا لإزاحته عن الحكم تجنبا لإشعال مشكلة يستفيد منها خصوم أميركا.
ولكن لا شك أن علاقة ابن سلمان مع المجتمع الأميركي قد تدمرت الآن. علاقته مع الإعلام والمثقفين لم تكن أصلا جيدة، ولكنه الآن سيخسر علاقاته مع السياسيين ورجال الأعمال.
هو ربما سيحاول أن يرمم صورته عبر حملات علاقات عامة، ولكنني لا أظن أن ذلك سينفعه. لو كانت حملات العلاقات العامة تنفع في مثل هذه الأمور لكانت نفعت بشار الأسد الذي استخدم في السنوات الماضية كل أنواع وفنون العلاقات العامة دون أن يستفيد شيئا. في السابق كتبنا أن بشار تحول منذ عام 2012 إلى مخرج سينمائي وأن همه الأساسي بات الترويج لنفسه دعائيا عبر إنتاج أنواع شتى من الأفلام السينمائية. داعموه الروس والأتراك (والقطريون) بذلوا الكثير لتلميع صورته وإظهاره بمظهر الحكومة المنتصرة، ولكن كل ذلك لم ينفعه في أميركا.
محمد بن سلمان يمكن أن يستعيد ثقة الناس إذا قرر بصدق أن يغير نهجه السيء، ولكن التجارب السابقة مع المصابين بجنون العظمة (مثل بشار وغيره) تعلمنا أن حالتهم ميؤوس منها وأنهم لن يتغيروا أبدا.