البيان المارق الذي أصدره محمد بن سلمان أعاد السعودية إلى الورطة مجددا


الأميركان كانوا في طريقهم لطي صفحة قضية جمال خاشقجي بسبب استحالة ثبوت تهمة قتله على السعودية.

عندما نقول “طي ملف القضية” فإن المقصود بذلك هو ليس منح السعودية شهادة تقدير. السعودية ارتكبت جريمة نكراء ولا يمكن لأميركا والعالم أن يتجاهلوا ذلك وإلا فإنه سيتكرر مجددا من السعودية وغيرها. المقصود بطي ملف القضية هو الاكتفاء بتوبيخ السعودية كلاميا دون التحرك لفرض عقوبات جدية بحجة عدم ثبوت التهمة.

ولكن أمرا عجيبا حصل بالأمس: السعودية أصدرت بيانا بلغة تحد ومكابرة على غرار البيانات التي كان بشار يصدرها بعد ارتكابه للمجازر والجرائم. أيضا “تركي الدخيل” مدير قناة العربية كتب مقالا وجه فيه تهديدات لأميركا على غرار التهديدات الإيرانية التي كانت ترد في مقالات جريدة الأخبار وقناة المنار ونحو ذلك من المنافذ الإعلامية الإيرانية.

هذا السلوك “المارق” من السعودية دق جرس الإنذار لدى الأميركان. السعودية تقول للعالم أنها ليست نادمة على الجريمة النكراء التي اقترفتها في إسطنبول.

بما أن هذا الموقف السعودي هو تهديد خطير للأمن والسلم الدوليين فإن الأميركان اضطروا لتسخين الملف مجددا بعدما كانوا يتجهون نحو طيه.

ترمب اتصل اليوم بالملك السعودي وناقشه حول القضية، وأرسل أيضا وزير خارجيته إلى الرياض. لا أدري ما الذي سيحصل بالضبط، ولكن يبدو من الكلام الذي قاله ترمب بعد مكالمة الملك السعودي أن الأميركان لم يعودوا يريدون “تقييد القضية ضد مجهول” كما كان موقفهم بالأمس. هم الآن يريدون تحميل المسؤولية للنظام السعودي مع تبرئة قيادات النظام العليا. هذا ما ظهر لي مبدئيا من كلام ترمب.

أغلب الناس لن تدرك ذلك ولكن الحقيقة هي أن الموقف الأميركي تغير فعلا خلال يوم وليلة. الكلام الذي قاله ترمب بالأمس أثناء لقائه مع القس المحرر كان كلاما يخلو من الجدية. هو قال أنه سيعاقب السعودية “عقابا شديدا” severe punishment في حال ثبت أنها قتلت خاشقجي. هذا كلام إنشائي ليس له معنى عملي (ما هو معنى “العقاب الشديد”؟ وهل أميركا تستطيع أصلا أن تعاقب السعودية “عقابا شديدا”؟) وهو معلق على أمر مستحيل الحصول (ثبوت قتل السعودية لخاشقجي). ترمب قال في نفس تلك الجلسة أن “خاشقجي هو ميت على ما يبدو”، وبعد قوله ذلك التفت نحو وزير خارجيته وجون بولتون وطلب منهما التأكيد، ولكن وزير الخارجية لم يؤكد وإنما قال “أن هناك الكثير لا نعلمه”. المعنى هو أن الإدارة الأميركية لم تكن تؤكد مقتل خاشقجي، وإذا لم يتأكد مقتله فإن السعودية ما كانت ستلاقي شيئا من أميركا. هذا كان موقف أميركا قبل البيان المارق الذي أصدره محمد بن سلمان. بعد صدور البيان المارق شاهدنا ردة فعل فورية على قناة CNN (المقربة من أجهزة المخابرات والدفاع الأميركية). القناة كانت مستاءة، وهي محقة في استيائها. محمد بن سلمان هو ليس نادما ومن الوارد أنه سيكرر نفس الفعل مجددا.

السفارة السعودية في واشنطن حاولت أن تخفف من وطأة البيان المارق، ولكن ذلك لم يجد نفعا.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s