الأوجلانيون يحاولون استخدام بشار كسلاح ضد الاحتلال التركي… ولكن هذا السلاح لا يؤذي أحدا سواهم

اعتدنا في الآونة الأخيرة أن نسمع قياديين أوجلانيين في سورية يطلقون مواقف وتصريحات داعمة لبشار الأسد.

هذه التصريحات الأخيرة هي لمظلوم كوباني الذي وصف سابقا بأنه على علاقة جيدة مع الضباط الأميركان في التحالف الدولي. في هذه التصريحات هناك تركيز على قضية الاحتلال التركي لعفرين وعلى قضية منبج.

الأوجلانيون يطلقون التصريحات الداعمة لبشار بسبب غيظهم من التنازلات التي تقدمها أميركا لتركيا، وبسبب خوفهم من تنازلات أكبر في قادم الأيام.

مشاعر الأوجلانيين وهواجسهم هي محقة. من الواضح أن دونالد ترمب يتبنى سياسات داعمة للاحتلال التركي. هو أراد (وما زال يريد) سحب أميركا من المناطق المحررة في سورية، ونحن نعلم أن هذا هو مطلب تركي مثلما أنه مطلب روسي وإيراني. في الآونة الأخيرة شاهدنا أن إدارة دونالد ترمب عادت مجددا إلى المشاركة في مفاوضات جنيف مع الأسد، وهذا أيضا هو مطلب تركي قديم. الأتراك كانوا يتهجمون على إدارة أوباما بسبب امتناعها عن المشاركة الجدية في مفاوضات جنيف خلال الفترة بين عامي 2014 و2016. مشاركة أميركا في مفاوضات جنيف تعني اعترافا أميركيا ضمنيا بشرعية بشار الأسد كحكومة لسورية، وهذا بالنسبة للأتراك هو أمر مهم، لأن أكبر خشية لدى الأتراك هي أن تعترف أميركا بحكومة جديدة لسورية.

في السابق وضحنا أن منظومة الاحتلال التركي-الإيراني-الروسي القائمة في سورية تأخذ شرعيتها مما يسمى بحكومة بشار. إذا سقطت حكومة بشار فذلك يعني سقوط شرعية الاحتلال التركي. في الأوساط الشعبية هناك اعتقاد بأن الاحتلال التركي أخذ شرعيته من روسيا، ولكن هذا الاعتقاد هو خاطئ لأن روسيا هي غير مؤهلة قانونيا لمنح الشرعية للاحتلال التركي أو لغيره. الروس يطرحون أنفسهم كوكلاء لبشار في كل ما يفعلونه. كل الاتفاقات التي عقدها الروس مع الأتراك أخذت شرعيتها من بشار. الناس لا يدركون ذلك لأن الإعلام التابع لتركيا وبشار يخدعهم ويقول لهم أن بشار ليس له دور في تلك الاتفاقات.

الأتراك (والإسرائيليون أيضا) يريدون بقاء ما يسمى بحكومة بشار ويرفضون تأسيس حكومة جديدة. السبب هو أن حكومة بشار هي ليست حكومة حقيقية وإنما ورقة توت يستخدمونها لشرعنة أفعالهم واتفاقياتهم العدوانية التي عقدوها مع الروس.

إسرائيل لا ترى مشكلة في الاحتلال التركي لمناطق في شمال سورية. هذا الاحتلال يخدم مصلحة إسرائيل من طرق عديدة، أهمها هو أن هذا الاحتلال يقوض وجود الكيان السوري وبالتالي يسمح لإسرائيل بالاحتفاظ بالجولان.

إدارة ترمب هي مرتهنة لإسرائيل ولهذا السبب هي تدعم الاحتلال التركي بهدف تقويض سورية. هذه الإدارة تنفذ سياسات معادية جدا لسورية وفلسطين والسعودية والعرب عموما. الكلام حول أن إدارة ترمب تدعم السعودية هو مجرد محاولة من السعوديين لحفظ ماء وجههم ولكنه ليس حقيقة. إدارة ترمب تكبد السعودية خسائر طائلة سواء في المال أم في السياسة. ما يفعله ترمب ضد إيران هو بسبب تعهدات قطعها على نفسه في الحملة الانتخابية وبسبب تعهدات قطعها لشخصيات أميركية داعمة له على صلة بنتنياهو. السعودية ليس لها دخل مطلقا في هذا الموضوع. لو عارضت السعودية إلغاء الاتفاق النووي مع إيران فإن ترمب كان سيلغيه وما كان سيعير بالا لموقف السعودية. أحد أسباب شعبية ترمب لدى أنصاره هو أنه يطرح نفسه كمتشدد ضد السعودية ومن المضحك الاعتقاد بأن ترمب يحاول أن يرضي السعودية في سياساته. ترمب شتم السعوديين وأهانهم مرات كثيرة من على المنابر. هو لا يعطيهم أية قيمة مطلقا، وهم يعلمون ذلك ولكنهم محرجون منه.

السعودية ليست مدينة لترمب بسبب ما يفعله ضد إيران، ولو امتنعت السعودية عن زيادة إنتاج النفط فإن ذلك لن يؤثر بشيء على سياسة ترمب ضد إيران، حتى وإن وصل سعر برميل النفط إلى 140 دولارا. السبب الوحيد الذي يجعل السعودية تزيد من إنتاجها النفطي حاليا هو أنها تتعرض للتهديد والابتزاز من ترمب. نفس الأمر ينطبق على الكويت أيضا. ترمب يريد من السعودية والكويت إعادة تشغيل حقول النفط الحدودية بينهما والتي كانت متوقفة بسبب خلاف تحدث عنه “مجتهد” فيما مضى.

قبل فترة عقدت إدارة ترمب اتفاقا مع تركيا حول مدينة منبج. فحوى الاتفاق هي ليست واضحة ولكنه على ما يبدو تضمن تنازلات لتركيا. من يريد أن يفهم ما يجري الآن في منبج يجب أن يقرأ قصة لواء إسكندرون. الاحتلال التركي للواء إسكندرون لم يحصل في يوم وليلة وإنما على مدار عقدين وبعد عدة اتفاقات بين تركيا وفرنسا تضمنت تنازلات متدرجة لمصلحة تركيا. مخاوف الأوجلانيين في هذا الموضوع هي وجيهة ومحقة.

امتعاض الأوجلانيين ومخاوفهم هي أمور مبررة لأن إدارة ترمب هي داعمة للاحتلال التركي وترغب في نسف الكيان السوري لأن ذلك يمهد الطريق للاعتراف بتبعية الجولان لإسرائيل. ولكن الأمر العجيب هو أن مخاوف الأوجلانيين تدفعهم لإظهار الدعم لبشار.

دعم بشار هو تماما ما يريده الاحتلال التركي وإسرائيل. هم لا يريدون قيام حكومة سورية شرعية تطالبهم بالخروج من البلاد ويرغبون في بقاء بشار الذي يعارضهم بالصراخ ولكنه عمليا يشرعن ويسهل احتلالهم للأراضي السورية.

إلى جانب ذلك، دعم الأوجلانيين لبشار يدمر مصداقيتهم كبديل لبشار. السبب الوحيد الذي جعل أميركا تتعاون مع الأوجلانيين في عام 2014 هو أن أميركا لم ترغب في التعاون مع بشار، أي أن الأوجلانيين لعبوا دور البديل لبشار. الآن نحن نرى أن الأوجلانيين يدخلون أنفسهم في عباءة بشار، وهذا يعني أن تعاون أميركا معهم سوف يكون تعاونا غير مباشر مع بشار. هذا يقوض موقف الأميركيين المؤيدين للعلاقة بين أميركا والأوجلانيين ويضطرهم لتغيير موقفهم المؤيد لتلك العلاقة.

إدارة ترمب هي شيء مؤقت لن يظل موجودا للأبد. من الوارد أن هذه الإدارة ستخرج من السلطة بعد عامين. ولكن الضرر الذي يصيب مصداقية الأوجلانيين هو شيء دائم سوف يظل موجودا للأبد ولن يكون من السهل إصلاحه مستقبلا. هل الأوجلانيون يفهمون ذلك؟ أنا لا أظن أنهم يفهمونه.

الأوجلانيون يتحدثون عن رغبتهم في تسليم منبج لبشار لظنهم بأن ذلك الحديث يحرج الأميركان ويشوش على الاتفاقية الأميركية-التركية حول المدينة، ولكن الواقع هو ليس كذلك على الإطلاق. التهديد بجلب بشار إلى منبج لن يجعل الأميركيين يتراجعون عن تسليم المدينة لتركيا وإنما بالعكس: هذا الكلام يضعف حجة المعارضين لتسليم المدينة لتركيا.

أنا شخصيا أعارض الاحتلال التركي لمدينة منبج، ولكن إذا تبين أن بشار سوف يأتي إلى المدينة فإنني سوف أضطر لتأييد الاحتلال التركي كونه أهون الشرين. ما ينطبق عليّ ينطبق أيضا على الأميركان. الأوجلانيون ما زالوا إلى الآن يعجزون عن فهم هذه المسألة رغم أن أحداث إدلب الأخيرة كانت عبرة لهم. تلك الأحداث أظهرت أن المجتمع الدولي سوف يدعم الاحتلال التركي منعا للبديل الأسوأ ألا وهو بشار.

التلويح ببشار والتهديد بتسليم المناطق له لا يخدم الأوجلانيين مطلقا. هذا التكتيك لا يحقق شيئا سوى تدمير مصداقية الأوجلانيين وإضعاف التأييد الدولي لهم. هو ضرر محض دون أية منفعة.

الأوجلانيون يشعرون بالعجز أمام ما يفعله ترمب، وهذا الشعور بالعجز يجعلهم يستخدمون بشار كسلاح، ولكن هذا السلاح هو سلاح فاسد ملغوم. استخدام هذا السلاح لا يؤذي أميركا ولا تركيا ولكنه يؤذي الأوجلانيين فقط.

يجب على الأكراد وكل السوريين أن يقاوموا الاحتلال التركي، ولكن المقاومة يجب أن تكون بوسائل ناجعة وليس بأمور عبثية تضر السوريين وتخدم الاحتلال.

من يريد أن ينهي الاحتلال التركي يجب أن يضغط على أميركا وغيرها لسحب اعترافهم ببشار كحكومة لسورية ودعم حكومة سورية جديدة ذات مصداقية وتأييد دولي. لا يوجد طريق لحل الأزمة السورية سوى هذا الطريق. الوصول إلى هذا الهدف لن يحصل قريبا، لذلك يجب على السوريين التحلي بالصبر وانتظار رحيل ترمب عن البيت الأبيض.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s