مستقبل القضية السورية مرتبط بنجاح ترمب أو فشله في تغيير السياسة الأميركية

قبل فترة نقلت وسائل إعلام عن جون بولتون تصريحا قال فيه أن “الإدارة الأميركية لا تناقش حاليا مسألة الاعتراف بضم الجولان لإسرائيل.”

ذلك التصريح لا يغير شيئا في تحليلنا لسياسة ترمب. نحن نعلم أنه لن يعترف بضم الجولان لإسرائيل في الوقت الحالي لأن الظروف هي غير مهيأة لذلك، ولكن من الواضح أن سياسته في منطقة الشرق الأوسط هي مملاة من نتنياهو، ونحن نعلم أن قضية الجولان هي أهم شيء في سورية بالنسبة لنتنياهو.

الإعلام الأميركي ركز كثيرا على علاقة ترمب بالروس، ولكن ما يظهر الآن هو أن سياسة ترمب في الشرق الأوسط هي نابعة بالكامل من توجيهات وطلبات أتته من نتنياهو ومن شخصيات أميركية على صلة بنتنياهو.

سياسة ترمب تجاه الفلسطينيين وإيران هي بسبب تعليمات أتته من نتنياهو، ونفس الأمر ينطبق أيضا على سياسته تجاه سورية.

ترمب يريد ثلاثة أمور في سورية:

  1. إخراج أميركا من سورية.
  2. الاعتراف بضم الجولان لإسرائيل.
  3. شن حملة عدوانية لا نهاية لها ضد سورية بحجة التواجد الإيراني (وغدا بحجج أخرى).

هذه السياسة هي ليست من عند روسيا وإنما من عند نتنياهو وأمثاله من اليهود المتطرفين.

ترمب لم ينجح في تطبيق هذه السياسة بسبب معارضة وزارة الدفاع لها، ولكنه ما زال يحاول أن يطبقها ولن يكل أو يمل من ذلك.

قبل مجيء ترمب للسلطة كانت السياسة الأميركية تحقق نجاحات مهمة في سورية. تأسيس “قسد” وتحرير مساحات شاسعة من الأراضي السورية هي إنجازات تحققت بسبب سياسات تعود إلى إدارة أوباما. ترمب يحاول منذ وصل إلى البيت الأبيض أن يهدم كل تلك الإنجازات. هو يريد الانسحاب من الأراضي المحررة في سورية تمهيدا لتنفيذ بقية الأمور التي ذكرناها في الأعلى.

تركيا كانت أكبر سبب للمصائب في سورية خلال عهد أوباما، ولكن المصيبة الكبرى حاليا هي ترمب وسيده نتنياهو.

بعض المتحدثين باسم السعودية يحاولون أن يوهموا الناس بأن للسعودية دورا في صنع سياسة ترمب السورية أو أن تلك السياسة تخدم مصالح السعودية. هذا الكلام هو مجرد تفاخر فارغ ليس له أساس حقيقي. السعودية ليس لها رأي في القضية السورية. هي تنفذ ما يمليه ترمب فحسب.

سياسة ترمب تجاه إيران وسورية هي بسبب توجيهات إسرائيلية محضة ولا دخل لها مطلقا بمواقف السعودية.

ترمب يكن احتقارا كبيرا للسعوديين وهو لا يرى فيهم سوى عبيد يجب أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرين. هو لا يهتم بمصالحهم ولا يأخذ برأيهم وإنما يستذلهم ويستغلهم. السعوديون طبعا لن يعترفوا بهذه الحقيقة لأن ذلك لا يفيدهم. هم يصورون ابتزاز ترمب لهم على أنه “صفقات” عقدوها معه.

ملخص “الصفقات” بين السعودية وترمب هو أن ترمب أرغم السعودية على إظهار التأييد أو عدم الممانعة لسياساته الإسرائيلية المتعلقة بفلسطين وسورية، وفي مقابل ذلك هو سمح للسعودية بمقاومة الخطر الأكبر الذي يتهددها ألا وهو الخطر الإيراني المتمثل بالحوثيين في اليمن وبنظام حمد بن خليفة في قطر.

السعوديون يرون أن “الصفقات” التي عقدوها مع ترمب هي صفقات رابحة لأنها تسمح لهم بحل قضيتي اليمن وقطر، وحل هاتين القضيتين يعني إزالة أقرب مخلبين من مخالب إيران إلى جسم السعودية. أيضا السعوديون يرحبون بالعداء الإسرائيلي لإيران ويرون أنه يخدمهم.

أنا لا أوافق على وصف ما جرى بين السعودية وترمب بالصفقات. هم قدموا تنازلات لترمب في مقابل أن يسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم. الدفاع عن النفس لا يحتاج إذنا من أحد ولا يحتاج لعقد صفقات. ما حصل بين السعودية وترمب هو ليس صفقات وإنما بلطجة وابتزاز. قولي لهذا الكلام لا يعني أنني ضد السياسة السعودية. عالمنا هو ليس مثاليا والدول العربية هي دائما مستضعفة. أنا أرى أن السياسة الواقعية التي اتبعها حكام السعودية هي أفضل من العنتريات الفارغة التي تنتهي بالدمار.

مستقبل القضية السورية يعتمد أساسا على ما سيحصل في واشنطن. إذا نجح ترمب في إخراج أميركا من سورية فهذا سيعني دخول سورية في حالة لم تشهدها أية دولة من قبل. سورية ستكون في وضع يشبه وضع الصومال ولكن مع فارق مهم وهو أن إسرائيل وأميركا ستعملان لتأبيد الصوملة ولمنع خروج سورية من عصرها الحجري الذي أعادها إليه بشار.

إذا فشلت مساعي ترمب فإن القضية السورية يمكن أن تتجه نحو الحل بعد رحيل ترمب عن السلطة.

القضية السورية هي قضية مركبة. هناك في الواقع قضيتان اثنتان:

  • الاحتلال الإيراني المدعوم من روسيا.
  • الاحتلال التركي.

التخلص من الاحتلال الإيراني هو أسهل من التخلص من الاحتلال التركي، لأن إيران هي دولة منبوذة دوليا وتأثيرها الشعبي في سورية والعالم العربي هو محدود جدا. تركيا في المقابل هي ذات نفوذ دولي كبير وتحظى بجماهيرية واسعة. أنا لا أقول هذا الكلام لأنني مناصر لتركيا وإنما لأنه واقع. في المواجهة الأخيرة بين تركيا وروسيا حول إدلب شاهدنا كيف أن الدول الأوروبية هبت لمناصرة تركيا وهددت بتدخل عسكري. حتى ألمانيا هددت بأنها ستتدخل عسكريا. هذه الهبة الأوروبية أظهرت نفوذ تركيا الكبير في أوروبا. تركيا أيضا لها نفوذ مهم في أميركا. النفوذ التركي في أوروبا وأميركا لا ينحصر في التأثير السياسي ولكن تركيا أظهرت خلال السنوات الماضية قدرتها على التأثير في وسائل الإعلام الغربية وتغيير روايتها للأحداث. في بداية الأحداث السورية كانت وسائل الإعلام الغربية والقطرية تزعم أن نظام بشار يوشك على الانهيار رغم أن النظام لم يكن يواجه خطر الانهيار، وبعد التدخل الأميركي في سورية في عام 2014 وتغير السياسة التركية صارت وسائل الإعلام الغربية والقطرية تزعم أن نظام بشار انتصر وربح الحرب رغم أن النظام في الواقع وصل إلى أسوأ حالاته وبات يخسر الأراضي بشكل جدي لأول مرة منذ بداية الحرب. أيضا وسائل الإعلام الغربية والقطرية ظلت لزمن طويل تصر على وصف مناطق سيطرة “قسد” بأنها “مناطق كردية” في محاولة لتقليل أهمية خسارة بشار لتلك المناطق. أنا أعتقد أن المخابرات التركية لعبت دورا في صناعة الرواية الإعلامية الغربية للأحداث السورية. أحد أسباب قوة المخابرات التركية في هذا المجال هو استفادتها من شبكة الدعاية الإعلامية القطرية الضخمة التي هي مكرسة بالكامل لخدمة أهداف المخابرات التركية. الدعاية الروسية أيضا كان لها تأثير مهم على وسائل الإعلام الغربية.

حل قضية الاحتلال الإيراني هو أمر سهل لو فرضنا أن هذا الاحتلال هو معزول عن الاحتلال التركي، ولكن الواقع الذي شاهدناه طوال السنوات الماضية هو أن الاحتلالين الإيراني والتركي يؤازران بعضهما. تركيا لا ترغب في نهاية الاحتلال الإيراني لأنها تعتقد أن ذلك سيفتح الباب أمام إنهاء الاحتلال التركي، ونفس الأمر ينطبق على موقف إيران من الاحتلال التركي. الواقع القائم بين الاحتلالين يمكن أن يوصف بالمصطلح البيولوجي mutualistic symbiosis. هناك تقاطع مصالح ومنافع متبادلة. هذه العلاقة بين تركيا وإيران هي موجودة في قضايا أخرى غير القضية السورية. العلاقة بين تركيا وإيران لم تكن يوما علاقة سيئة. هي كانت سيئة فقط في دعايات الإعلام القطري الكاذبة. تركيا وإيران هما دائما في حالة من الصداقة أو التحالف، وهذا بالمناسبة هو السبب الذي يجعل قطر تتعامل مع إيران على أنها صديق أو حليف. لو كانت تركيا على خلاف مع إيران لكان موقف قطر من إيران مختلفا.

لو فرضنا نظريا أن تركيا توقفت عن دعم الاحتلال الإيراني فإن إنهاء الاحتلال الإيراني سوف يكون مسألة سهلة للغاية. كثير من الدول تعترف ببشار على أنه الحكومة السورية بسبب الموقف التركي الذي يعارض بشراسة وبضراوة أي مسعى لنزع الشرعية عن بشار (إلى جانب الموقف الإسرائيلي الذي يعارض أيضا نزع الشرعية عن بشار). لولا ذلك الموقف التركي لكان من السهل تأسيس حكومة شرعية لسورية في مدينة الرقة. تأسيس الحكومة الشرعية هو المدخل لحل الأزمة السورية وإنهاء الاحتلال الأجنبي. الأتراك يفهمون ذلك ولهذا السبب هم يتعاملون مع تأسيس الحكومة السورية وكأنه إعلان حرب ضدهم.

الحكومة الشرعية المنشودة لا يجب أن تكون على شاكلة “هيئة التفاوض” ونحو ذلك من المهازل وإنما يجب أن تكون ذات تمثيل واسع وذات مصداقية. هي يجب أن تضم شخصيات كردية وعلوية ودرزية ومسيحية إلى جانب الشخصيات العربية السنية، وأعضاؤها يجب أن يستقروا في سورية وليس في تركيا أو قطر. أعضاء الحكومة يجب أن يكونوا أناسا رزينين يسعون لتوحيد البلاد وليس مهرجين طائفيين على شاكلة الشخصيات التي دعمتها أنقرة وقطر. إذا تحققت هذه الشروط في الحكومة فإن ذلك سيسهل حصولها على اعتراف كثير من دول العالم.

لو فرضنا أن الحكومة تأسست ونالت الاعتراف الدولي فإن الخطوة التالية ستكون إزاحة بشار الجعفري عن مقعد سورية في الأمم المتحدة. هذا يمكن أن يحصل باستصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة على غرار القرار رقم 2758 لعام 1971 الذي أزاح حكومة تايوان عن مقعد الصين وأحل بدلا منها الحكومة الشيوعية في بيجينغ. ذلك القرار صدر رغم معارضة أميركا له. الرسم التالي يوضح تصويت الدول على ذلك القرار.

معارضة روسيا وتركيا وقطر وإيران للقرار لن تعيق صدوره. إذا صدر القرار فإن بشار الجعفري سيحمل حقائبه ويعود إلى دمشق، والحكومة الشرعية ستمثل سورية في الأمم المتحدة.

بعد ذلك سوف تكون الحكومة السورية الشرعية قادرة على استهداف الاحتلال الإيراني بطرق كثيرة. أول شيء يجب فعله هو إحالة ملف جرائم الحرب في سورية إلى محكمة دولية. هذا الملف بالمناسبة يمكن أن يستخدم في الضغط على الاحتلال التركي إلى جانب الاحتلال الإيراني، لأن العصابات التابعة لأنقرة هي متورطة بجرائم وانتهاكات ضد الأقليات (الشيعة والدروز والأكراد) وضد كثير من الناس الذين اتهموا بالكفر ونحو ذلك، ناهيك عن مساعدة هذه العصابات لبشار في تدمير مدينة حلب القديمة ذات القيمة التراثية.

ترمب لن يدعم تأسيس حكومة سورية لأن إسرائيل تعارض ذلك، ولكن بعد رحيل ترمب من الممكن أن تقوم أميركا والسعودية (إلى جانب دول أخرى) بتحدي تركيا وتأسيس حكومة شرعية لسورية.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s