هذا المقال يشير إلى محاولة الرياض بناء مركز مالي دولي ومنافسة مدينة دبي.

مشروع بناء مركز مالي دولي في الرياض يعود إلى عهد الملك السابق عبد الله. حال هذا المشروع لا تختلف عن حال كثير من المشاريع الأخرى التي تعود إلى عهد ذلك الملك، هو متعثر ويواجه الفشل.

سبب الفشل هو أن المشروع أقر دونما تخطيط جيد. من أقر المشروع ظن أن تأسيس مركز مالي دولي لا يتطلب شيئا سوى تعمير الأبنية، ولكن هذا طبعا لا يكفي. هناك مشاكل في القوانين السعودية وفي ثقافة المجتمع السعودي وفي ظروف السعودية عموما تجعل المستثمرين يتخوفون من القدوم للسعودية ويفضلون الذهاب للبديل المضمون ألا وهو دبي.

الرياض حاليا هي بعيدة عن منافسة دبي كمركز مالي دولي وكوجهة سياحية دولية، ولكن المتوقع هو أن الأمور ستتغير في المستقبل وأن الرياض ستنجح في النهاية في منافسة دبي. هذه المنافسة لن تكون شيئا سيئا.

في كتابات سابقة انتقدنا التنافس الاقتصادي الهدام بين السعودية والإمارات. في تلك الكتابات ضربنا أمثلة توضح ما قصدناه. التنافس الذي نتحدث عنه في هذا المقال هو شيء مختلف. عندما تتنافس مدينتان في اجتذاب الاستثمارات والسكان والسياح فإن ذلك ليس بتنافس هدام وإنما هو أمر محفز لنمو الاقتصاد عموما. مثل هذا التنافس البناء هو موجود داخل أميركا. المدن الأميركية كانت وما زالت تتنافس فيما بينها في اجتذاب الاستثمارات والسكان والسياح. هذا التنافس البناء هو من الأسباب التي تحفز نمو الاقتصاد الأميركي وتجعله أكبر بكثير من أي اقتصاد آخر في العالم.

التنافس المحتدم بين المدن الأميركية يجعل أحجام هذه المدن متغيرة وليست ثابتة. نيويورك هي دائما المدينة الكبرى في أميركا. في السابق كانت شيكاغو المدينة الثانية في أميركا، ولكن مدينة لوس أنجيليس فاقتها في عام 1984. مدينة هيوستن في تكساس تنمو بمعدل سريع وهي ربما ستكون المدينة الأميركية الثالثة في المستقبل القريب.

هذه المدن الأميركية التي ذكرناها هي عملاقة في اقتصادها وليس فقط في عدد قاطنيها. حجم اقتصاد مدينة نيويورك هو 1.21 ترليون دولار، وحجم اقتصاد لوس أنجيليس هو 789.7 بليون دولار، وحجم اقتصاد شيكاغو هو 524.6 بليون دولار. للمقارنة فإن حجم اقتصاد تركيا بكاملها هو 863.39 بليون دولار، وحجم اقتصاد مصر هو 237.07 بليون دولار.

في الماضي تحدثنا عن أهمية اللامركزية ودورها في تحفيز نمو الاقتصاد عموما. عندما تكبل مدن بلادك وتجعلها محكومة من مدينة واحدة فإن نتيجة ذلك هي إعاقة نمو اقتصاد البلاد عموما. هذه القضية تشبه قضية الاشتراكية والاقتصاد المخطط من المركز. هذه المفاهيم هي مثبطة للنمو الاقتصادي. إذا كان ابن سلمان يريد تسريع وتيرة النمو فنحن ننصحه بأن يوكل مهمة تنمية كل منطقة من مناطق المملكة إلى أهل المنطقة أنفسهم وألا يتصور نفسه قادرا على إدارة اقتصاد كل مناطق البلاد.

الصورة المثالية للسعودية وللجزيرة العربية عموما هي مثل صورة أميركا: يجب أن تكون هناك لامركزية وتنافس اقتصادي بناء بين المدن والمناطق المختلفة. التنافس لا يجب أن ينحصر بين دبي والرياض وإنما يجب أن تدخل فيه كل المدن والمناطق.

مثل هذا التنافس هو شيء رائع. هو “تنافس في الخيرات”. هو يختلف عن التنافس التدميري الذي شاهدناه في مناطق محيطة بالجزيرة العربية. شيطان قطر الآفل حمد بن خليفة عمل لمدة عشرين سنة على خلق صراع مدمر داخل الجزيرة العربية، وهو نجح فعلا في إشعال هكذا صراع في اليمن. المأمول الآن هو أن السعوديين والإماراتيين باتوا يدركون خطورته وسيعملون بجدية لوضع حد له.

بالنسبة للكيان السوري البائد فإن مشكلة المركزية التي كانت موجودة في ذلك الكيان هي شيء مختلف عن مشكلة المركزية الموجودة في السعودية وغيرها من البلاد العربية. الوضع الموجود في سورية لم يكن مركزية إدارية وحكومية وإنما وصفه الصحيح هو أنه كان إمبراطورية استعمارية مقرها مدينة دمشق. تلك الإمبراطورية الدمشقية انهارت والمطلوب الآن هو تأسيس دولة جديدة في سورية.