وزارة الخارجية الكندية غردت على تويتر بما يلي:
هذه التغريدة هي بسبب اعتقال السعودية لسمر بدوي شقيقة المعتقل رائف بدوي. زوجة رائف بدوي تقيم مع أطفالها في كندا وهي حصلت مؤخرا على الجنسية الكندية. عندما علمت وزيرة الخارجية الكندية باعتقال سمر بدوي فإنها اهتمت بذلك وأصدرت هذا البيان القصير. المفاجأة هي أن السعودية ردت على هذه التغريدة بإعلان النفير العام والحرب الشاملة ضد كندا.
حتى لو فرضنا أن نص التغريدة الكندية فيه عدم احترام للسعودية فإن رد الفعل السعودي هو غير متكافئ ويظهر وجود مشكلة لدى من يدير السياسة السعودية. هو يتعامل مع دول العالم مثلما يتعامل مع مواطنيه. هو يستخدم القسوة المفرطة ضد كندا لأنه يعتقد أنه بذلك سيرهب الدول الأخرى حتى لا تتجرأ تلك الدول على التفوه ضده ولو بكلمة. بمعنى آخر: هو يريد أن “يربّي” دول العالم من خلال كيفية تعامله مع كندا. هل هذا الأسلوب الإرهابي يصلح في السياسة الخارجية؟ طبعا هو لا يصلح. هو ينم عن عدم احترام للمجتمع الدولي، والدول الكبرى لن تقبل به. الدليل على ذلك هو أن أميركا تضامنت اليوم مع كندا بطلبها لاستيضاح من السعودية بشأن قضية المعتقلين وبمطالبتها للسعودية باحترام حقوقهم.
ما حدث أظهر أمرا غريبا آخر وهو أن السعودية تتعامل مع الدول كما لو أنها زبون في سوق يتعامل مع شركات. عندما يغضب الزبون من شركة فإنه قد يقاطع تلك الشركة ويستعيض عنها بشركة أخرى. هل هذا الأسلوب يصلح في السياسة الخارجية؟ طبعا هو لا يصلح. العالم هو ليس سوقا، السعودية هي ليست زبونا، وكندا هي ليست شركة. مقاطعة السعودية لكندا تضر السعودية مثلما أنها تضر كندا.
يبدو أن التغريدة الكندية أصابت وترا حساسا لدى ابن سلمان وسببت له حالة من الانفعال. أنا لا أدري ما هي قصة ابن سلمان مع الناشطات اللواتي يعتقلهن، ولكن يبدو أن هذه قضية حساسة بالنسبة له.
هذا المقال الذي قرأته اليوم يحاول أن يعطي القضية أبعادا أكبر تتعلق بحرب اليمن وقطر. سوف نسلم جدلا بأن محتوى المقال صحيح. السؤال هو: ألم يكن الأجدى بالسعودية أن تظهر بأسها ضد قطر (الأصيلة) بدلا من كندا (الوكيلة)؟ محتوى المقال ذكرني بكلام بشار عندما قال أنه يرد على إسرائيل بقتل السوريين لأنهم أتباع لإسرائيل.
وضع السعودية مع قطر حاليا هو عبارة عن مهزلة مخزية. حمد بن خليفة يناصر الحوثيين والإيرانيين في اليمن بشكل علني ويحرض الناس في اليمن على مقاتلة القوات السعودية بشكل علني ودونما وجل. هو لم يكتف باستدعاء الجيوش التركية والإيرانية ولكنه يعمل لأجل “ضم قطر لحلف الناتو”، بمعنى أنه يريد أن يأتي بجيوش الناتو إلى قطر لكي يخلق صداما عسكريا بين تلك الجيوش وبين السعودية (كما فعل سابقا في ليبيا عندما أتى إليها بحلف الناتو ودمرها). هل هذا هو سلوك شخص يبحث عن المصالحة والحل السلمي مع جيرانه؟ الأعمال التي يقوم بها حمد ضد السعودية هي أقصى وأسوأ درجات العدائية. بعض أعماله هي ذات طابع حربي، وبعضها الآخر هو عبارة عن تهديد استراتيجي وجودي.
أعمال حمد توجب على السعودية إعلان الحرب ضده لو كانت دولة تحترم نفسها، ولكن السعودية تتجاهله ولا ترد عليه بحجة الخوف من التداعيات الدولية. المفارقة هي أن الخوف من التداعيات الدولية لم يظهر في قضية كندا الحالية. السعودية تصرفت في قضية كندا كما لو أنها ستؤدب العالم بأسره. أين هو هذا الصلف والعنفوان في الرد على حمد؟
حال السعودية مع حمد هو كحال بشار سابقا مع إسرائيل. عندما كانت إسرائيل تضربه كان الناس ينتظرون منه أن يرد (بما في ذلك إسرائيل نفسها). لا أحد كان يتوقع أن يشن بشار حربا شاملة على إسرائيل ولكن الناس كانوا ينتظرون منه أي رد، حتى ولو مجرد رد رمزي. مثلا قذيفة مدفعية أو صاروخ أو حتى طلقة بندقية، ولكن بشار كان يفاجئ العالم بعدم الرد مطلقا. سلوكه لم يكن طبيعيا. هو كان يتذلل إلى إسرائيل على نحو قميء ومخز.
أنا لا أتوقع أن تغزو السعودية قطر وتقبض على حمد لأن هذا يبدو أمرا عسيرا جدا على السعوديين، ولكن الغريب هو أنهم لا يردون عليه مطلقا. ما الذي يمنعهم من فتح نيران المدفعية على حمد؟ إذا قصفوه لمرة واحدة بالمدفعية فإن هذا سيقلب حاله رأسا على عقب. أول شيء سيصيبه هو أن دول العالم سوف تتخلى عن إقامة كأس العالم في قطر.
إذا احتجت أميركا وأوروبا على قصف قطر فقل لهم أن حمد يدعم الحوثيين ويحرض الناس على مقاتلتنا في اليمن. هذا لوحده هو مبرر كاف للقصف (ولما هو أكثر من القصف). ناهيك عن الأمور الكثيرة الأخرى التي يقوم بها حمد والتي هي أسوأ بكثير مما فعلته كندا.
إذا ضغطوا عليك في حرب اليمن فيجب أن ترد بإعلان هدنة في اليمن. قضية اليمن هي أصلا ليست قضية ملحة. اليمن حاليا هو ليس بتهديد استراتيجي للسعودية. حرب اليمن هي محسومة عمليا ونهايتها هي مسألة وقت. الحوثيون لا يمكن أن يربحوا الحرب. سواء استمرت الحرب لعام آخر أو لعشرة أعوام فإن ذلك لن يغير نتيجتها. قصة حمد بن خليفة هي قصة مختلفة. التهديد الذي يمثله حمد هو تهديد متفاقم ومتصاعد. لا أحد يستطيع أن يتوقع كيف سيتطور هذا التهديد لأن حمد هو رجل مجنون.
ابن سلمان نفسه قال أنه ليس مستعجلا لإنهاء حرب اليمن وأنه لا يريد أن تكون هناك خسائر في قواته. حرب اليمن التي يخوضها ابن سلمان هي عمليا أشبه بحصار لليمن دون وجود معارك جدية. لو كانت السعودية جادة في حسم هذه الحرب لكانت فرضت التجنيد الإجباري وأرسلت كل ما لديها من قوات إلى جبهات القتال بهدف إنهاء الحرب في أسرع وقت، ولكن ابن سلمان قال أنه لا يريد ذلك. حرب اليمن كما نراها الآن لن تنتهي قبل سنوات. هل يعقل أن حمد سوف يستمر فيما يقوم فيه لسنوات أخرى؟ أنا أظن أن حمد سوف يبدأ في العام القادم بإرسال السلاح إلى الحوثيين في اليمن، وفي العام الذي بعده سوف يسمح لإيران والحوثيين بإطلاق الصواريخ من أراضيه على السعودية. هذا سوف يكون المسار الطبيعي للأمور في ظل ما نراه الآن.
حمد يهاب إيران لأنه يعلم أن إيران لا يمكن أن تترك أمثاله يعتدون عليها دون أن ترد عليهم، ولكنه يتعامل مع السعودية باستخفاف واحتقار لأنه يعتقد أن السعودية لن ترد عليه أبدا.