سورية بين الواقع وبين خيالات الإعلام العربي المضلل

الإعلام العربي يرسم صورة غير صحيحة للوضع السوري، لأن هذا الإعلام هو في معظمه تابع لتركيا (مثلا الإعلام القطري) ولإيران (مثلا إعلام حزب الله) ولحكومات أخرى تدعم بشار.

إعلام السعودية هو أفضل حالا، ولكن السعودية لا تعتبر القضية السورية أولوية وإعلامها يجامل الأتراك والروس في تغطيته للقضية السورية.

الإعلام العربي المضلل يوهم الناس بأن تركيا وإيران هما رابحتان في سورية وأن أوضاع بشار هي ممتازة، ولكن الحقيقة هي العكس. وضع هؤلاء ما زال يتدهور ويتردى وهو الآن أسوأ مما كان عليه في أي وقت مضى.

وجود تركيا وإيران في سورية هو مستند على الغطاء الذي يمنحه الاحتلال الإجرامي الروسي. دون غطاء الاحتلال الروسي فإن ثمن تركيا في سورية هو فرنك وثمن إيران هو نصف فرنك. الاحتلال الإجرامي الروسي وصل إلى مأزق استراتيجي. الروس تدخلوا عسكريا في سورية وقتلوا ودمروا واستخدموا غاز السارين ضد المدنيين لظنهم بأن تلك الأعمال الإجرامية سوف ترغم الأميركان على عقد اتفاق معهم، ولكن رغم كل ما فعلوه فإن النتيجة كانت صفرا. هم لم يتفقوا مع الأميركان على أي شيء ولم ينجزوا أي شيء. أميركا تجاهلتهم ورفضت أن تقدم لهم أي تنازل.

الروس فرحوا بدونالد ترمب وظنوا أنه سوف ينقذهم من الورطة، ولكن الحكومة الأميركية في واشنطن (سواء الديمقراطيين أم الجمهوريين) منعت دونالد ترمب من تقديم التنازلات التي وعد بتقديمها للروس في سورية. وضع دونالد ترمب في أميركا هو مأساوي وكارثي. تحقيق مولر التف حوله مثل أفعى الأناكوندا وهو يوشك أن يقضي عليه. هذا التحقيق تشعب وتعقد إلى درجة أن خروج ترمب منه بسلام يبدو أمرا مستبعدا. إن لم يؤد هذا التحقيق لخلعه من منصبه فإنه سوف يشله سياسيا. ترمب الآن هو مشلول بالفعل فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية مع روسيا. لقاؤه الأخير الفاشل مع بوتن أظهر بوضوح (كما قلنا سابقا) أنه عاجز عن تقديم أي شيء لبوتن في سورية. إن خسر ترمب الانتخابات النيابية المقبلة فهذا سيشله تماما.

بالأمس طرح أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي (جمهوريون وديمقراطيون) مشروعا لتشديد العقوبات الأميركية على روسيا. سبب العقوبات الجديدة حسب النص هو “التدخل الروسي المستمر في الانتخابات الأميركية، التأثير الخبيث في سورية، العدوان في القرم، ونشاطات أخرى.” من هذا النص يتبين أن القضية السورية هي أهم سبب للعقوبات بعد قضية التدخل في الانتخابات الأميركية. أحد بنود القانون يتحدث عن معاقبة روسيا بسبب عرقلتها للتحقيق الدولي في استخدام السلاح الكيماوي وبسبب إنتاجها واستخدامها للسلاح الكيماوي. المقصود بذلك هو قضية استخدام غاز السارين في سورية.

القضية السورية هي أهم قضية خلافية بين أميركا وروسيا بعد قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية. هذا أمر واضح ومعلن. الإعلام العربي المضلل يخفي هذه الحقيقة عن الجمهور العربي. هذا الإعلام المضلل يوهم العرب بأن الأمر استتب في سورية للمحتلين المجرمين، ولكن الواقع هو غير ذلك.

ما نراه الآن في القضية السورية يدل على أن الروس يئسوا عمليا من التوصل إلى اتفاق مع أميركا وجل همهم بات ينحصر في تأمين وضع بشار لكي لا ينهار تماما إذا انسحبوا من سورية، لأن ذلك سيكون فضيحة لهم. هم يريدون أن يخلقوا دويلة صغيرة لبشار وأن يحصلوا على دعم أوروبي وعربي لهذه الدويلة. هم حصلوا بالفعل على تأييد بعض حثالات العرب ويلهثون لإقناع الدول الأوروبية برفع العقوبات عن بشار بحجة “إعادة اللاجئين”. هم يأملون أن حصول بشار على دعم الدول الأوروبية إلى جانب تركيا وإيران وحثالات العرب سوف يكون كافيا لتأمين وضعه، ولكن كل هذا التصور هو غير واقعي ويائس.

روسيا هي مفلسة سياسيا مثلما أنها مفلسة اقتصاديا. الاقتصاد الروسي ما فتئ ينكمش منذ بداية الغزو الإجرامي لسورية (الآن يبدو أن الانكماش سيتوقف بسبب ارتفاع أسعار النفط، ولكن حال الاقتصاد الروسي سوف تظل سيئة جدا). لا يوجد أمل بتعافي الاقتصاد الروسي في ظل استمرار الحصار والعقوبات. ما نراه هو أن فرض العقوبات مستمر ويتصاعد. اليوم أميركا فرضت عقوبات جديدة على بنك روسي.

وضع إيران هو ليس أفضل. إيران الآن تعيش أسوأ أيامها. ونفس الأمر ينطبق على تركيا. في الأيام الماضية استهدف الأميركان تركيا لأول مرة بعقوبات رسمية معلنة.

هذه الدول المارقة تغرق في المستنقع السوري ولن تخرج منه بسلام. كلما تأخر خروجهم منه فإن خسارتهم ستكون أكبر. قلنا في الماضي أن خيار بوتن الوحيد في القضية السورية هو أن يحمل خفي حنين وأن يرجع بهما إلى موسكو. هو لن يرجع بشيء آخر من سورية سوى هذين الخفين. الاستمرار في المكابرة وإنكار الهزيمة لا يحقق له شيئا سوى مفاقمة خسائره.

الواقع القائم في سورية هو أن الروس خسروا حربهم الإجرامية ولكنهم يكابرون ويرفضون الإقرار بذلك. هم يقومون بأعمال عبثية يائسة، ولكن إلى متى سيستمر ذلك؟ مضي الوقت يفاقم خسائرهم.

الروس لن يتحملوا الخسائر إلى الأبد. سوف يأتي وقت يقررون فيه الهروب من سورية. قبل أن يتخذوا هذا القرار هم قد يقررون تقديم تنازل بهدف عقد صفقة سياسية تحفظ ما يمكن من ماء وجههم. هم قد يعرضون مثلا إزالة بشار من دمشق ونقله إلى منتجع سياحي خارج سورية. عندما يعرضون ذلك سوف يتهافت بعض المرتزقة ممن يسمون أنفسهم بالمعارضين السوريين للقبول بهذه الصفقة. من يقبل بمثل هذه الصفقة هو ليس معارضا سوريا وإنما هو مجرم يجب أن يحاسبه ويعاقبه الشعب السوري.

القضية السورية الآن هي ليست نزاعا على الحكم والسلطة. ما الذي بقي في سورية أصلا حتى نتنازع عليه؟ جوهر القضية السورية الآن هو محاسبة بشار على ما اقترفه من إبادة وتدمير وتهجير. لا يوجد شيء آخر مهم في سورية سوى هذه القضية، ولا يوجد شيء يمكن للمعارضة الحقيقية أن تتحدث بشأنه مع بشار وداعميه سوى هذه القضية. من يتحدث مع بشار وداعميه حول أي شيء سوى قضية الإبادة هو ليس معارضا سوريا حقيقيا وإنما هو شريك في جريمة الإبادة، لأنه يساعد في التغطية على تلك الجريمة الرهيبة.

بشار جمع عشرات الآلاف من المعارضين في معتقلات وقام بتصفيتهم وحرق جثثهم في أفران. هذا العمل لا يكاد يختلف بشيء عن هولوكوست هتلر. ولكن بشار لم يكتف بذلك ولكنه هجم أيضا على المدن ودمرها وهجر سكانها. هو محق البلاد محقا. أفعاله لا يوجد مثلها في التاريخ مطلقا. من يتجاهل هذه الجرائم الرهيبة ويذهب لكي يتحدث مع بشار حول الحكومة والدستور هو مجرم وليس بمعارض.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s