سلوك رموز المعارضة السورية المدعومين من أنقرة هو بشكل عام سلوك سيء ومدمر للمصالح السورية. أنا أركز على نصر الحريري لأنه يظهر في الإعلام أكثر من غيره.
بالأمس هو هاجم أميركا مجددا واتهمها بعقد صفقة خبيثة وبأنها تحابي مناطق سورية معينة على حساب أخرى.
السؤال هو ما الهدف من هذه التصريحات ومن هذا المؤتمر الصحفي؟
درعا هي في ورطة ولا أحد يمكنه نظريا أن يساعدها سوى أميركا. هل استعداء أميركا هو العمل المناسب لدعم درعا؟
لو كان هناك أمل بنسبة 5% بحصول تدخل أميركي لدعم درعا فإن هذا الأمل سوف يصير 0% لو أن الأميركان أخذوا تصريحات نصر الحريري على محمل الجد. أنا آمل أنهم لن يأخذوها على محمل الجد. نحن قلنا لهم سابقا أن هذا الرجل هو عميل تركي أو أنه شخص معتوه لا يدري معنى الكلام الذي يتفوه به.
أميركا هي ليست مسؤولة عن حماية درعا. إذا تدخلت أميركا لحماية درعا فإن هذا سيكون مجرد تطوع ومكرمة من أميركا.
معظم الأميركيين لا يرغبون بحماية أحد في سورية، بل هم في الحقيقة يكرهون سورية بمجملها ولا يتمنون لها خيرا (لأسباب مركبة ليس هذا مجال بحثها). الرئيس الأميركي نفسه هو أكبر كاره لسورية. هو جعل معاداة السوريين أحد محاور حملته الانتخابية. هو أظهر عداء عاما للمسلمين ولكنه ركز بشكل خاص على معاداة السوريين وذلك من جهتين، الجهة الأولى هي موقفه العنصري التحريضي ضد اللاجئين السوريين، والجهة الثانية هي الموقف الداعم لبشار الذي عبر عنه. قبل أشهر قليلة هو أصدر أوامر متكررة لوزارة الدفاع بالانسحاب من سورية بمجملها وتركها لبشار وإيران، ولكن وزارة الدفاع تجاهلت أوامره.
أميركا هي ليست مثل الدول العربية وليست مثل تركيا. السياسة الخارجية الأميركية لا يصنعها رجل واحد ولا جهة واحدة. الجمهور الأميركي يؤثر في صنع السياسة الخارجية ولكنه لا يصنعها، لأن هذا الجمهور هو عموما جاهل بشؤون السياسة الخارجية. كثير من الناس في أميركا لا يرغبون بأن يكون لأميركا أي تواجد في سورية أو أي بلد عربي أو إسلامي. هناك لدى بعض الجمهور الأميركي اعتقاد بأن أميركا كانت تاريخيا تنفق الأموال على دول الشرق الأوسط وأن دول الشرق الأوسط هي مدينة لأميركا بسبب ذلك الإنفاق. الرئيس الأميركي هو أبرز من يعبر عن هذه الفكرة المعتوهة. هو يقول دائما أن “أميركا أنفقت ترليونات الدولارات في الشرق الأوسط ويجب على دول الشرق الأوسط أن ترد لنا الدين”. ما يقصده بهذا الكلام هو أن أميركا أنفقت ترليونات الدولارات في تمويل الحروب ضد العراق وفي تمويل حروب إسرائيل، والدول العربية هي مطالبة بأن ترد هذه الأموال لأميركا. الإنسان العربي سوف يتعجب عندما يسمع هذا الكلام وسوف يظن أن من يقوله هو مختل عقليا، ولكن الواقع هو أن كثيرين في أميركا يعتقدون بهذا الكلام، وأبرز مثال هو الرئيس الأميركي.
الجمهور الأميركي (مثل أي جمهور) هو ليس عقلانيا جدا. كثيرون في هذا الجمهور يعتقدون بنظريات مؤامرة وبأفكار عجيبة غريبة لا تمت للواقع بصلة. لهذا السبب الجمهور الأميركي لا يصنع السياسة الخارجية، ولكن هذا الجمهور يؤثر كثيرا في صنع السياسة الخارجية. الجهات التي تصنع السياسة الخارجية (البيت الأبيض، وزارة الخارجية، وزارة الدفاع) هي مطالبة دائما بأن تكسب تأييد الرأي العام لما تفعله، والأهم من تأييد الرأي العام هو تأييد الكونغرس. الكونغرس الأميركي يمكنه أن يفشل السياسة الخارجية إذا لم يوافق عليها، لأن الكونغرس هو المسؤول عن تمويل كل شيء تفعله السلطة التنفيذية بما في ذلك العمليات العسكرية، والكونغرس يمكنه أيضا أن يبطل الاتفاقيات الخارجية التي تعقدها السلطة التنفيذية. الكونغرس نفسه يتأثر كثيرا بالرأي العام.
هناك قناعة لدى بعض الناس في العالم العربي بأن الرأي العام الأميركي هو ليس ذا أهمية وأن كل المطلوب هو كسب تأييد البيت الأبيض والطبقة السياسية، ولكن مثل هذه القناعة هي مجرد هراء. الرأي العام الأميركي هو الذي يعين الرئيس الأميركي والطبقة السياسية. الرأي العام الأميركي يؤثر كثيرا في صنع السياسة الخارجية.
الرأي العام الأميركي كان عاملا رئيسيا في صنع سياسة باراك أوباما الخارجية. آل سعود لم يستوعبوا ذلك وفسروا سياسة أوباما على أنها شيء شخصي نابع من ميل أوباما للشيعة ولإيران ونحو ذلك من الترهات. العرب عموما يواجهون صعوبة في فهم أميركا كدولة ويتصورونها مثل دولهم.
الرأي العام الأميركي لا يرغب في دعم السوريين بل يرغب في ترك سورية وشأنها. الطبقة السياسية يجب أن تنصاع لهذه الرغبة. الطبقة السياسية يمكنها أن تعارض الرأي العام إذا كان هناك سبب وجيه يدعوها لذلك.
معظم الأميركيين لا يعرفون ما هي قسد، ولو عرفوا ما هي فإنهم لن يرغبوا في دعمها. السبب الذي يجعل أميركا تدعم قسد هو أن وزارة الدفاع الأميركية تروج لذلك في أوساط الطبقة السياسية. وزارة الدفاع أقنعت الكونغرس بأن مصلحة أميركا تتطلب الاستمرار في دعم الأكراد السوريين وحمايتهم، ولهذا السبب فإن الكونغرس تبنى سياسة دعم وحماية الأكراد. الرئيس الأميركي نفسه هو ضد هذه السياسة. هو أصدر أوامر صريحة بالانسحاب من سورية وترك الأكراد فريسة لبشار وإيران وأردوغان. وزارة الدفاع اصطدمت مع الرئيس الأميركي في هذه القضية. الكونغرس الحالي ليست له مصلحة في مخالفة الرئيس ولكنهم في قضية دعم الأكراد ساروا مع موقف وزارة الدفاع، لأن موقف الرئيس في هذه القضية هو موقف معتوه وهناك احتمال كبير بأنه نابع من تواطؤ خفي مع الروس.
وزارة الدفاع الأميركية لا تدعم الأكراد بسبب كونهم أكرادا وإنما بسبب ما حصل في الحرب ضد داعش. في عام 2014 أعلنت أميركا الحرب ضد داعش وطلبت من العرب السنة أن يتعاونوا معها في تلك الحرب. أردوغان وحمد بن خليفة دعوا العرب السنة لرفض التعاون مع أميركا ورفض تدخلها العسكري في سورية. العرب السنة ساروا مع أردوغان وحمد بن خليفة ورفضوا أن يتعاونوا مع أميركا. الأكراد في المقابل اختاروا أن يتعاونوا مع أميركا. الأكراد كانوا رأس الحربة في القتال ضد داعش وساعدوا أميركا في تأسيس قسد.
أميركا أشرفت على تأسيس قسد ودربت عناصرها وسلحتهم. القوات الأميركية حاربت جنبا إلى جنب مع قسد. أميركا لديها قواعد عسكرية في مناطق قسد. من يقارن حالة قسد بحالة فصائل درعا يجب أن يكون معتوها ولا يدري ما الذي يتحدث عنه لأن وجه الشبه بين الحالتين هو معدوم. لهذا السبب نصف نصر الحريري بأنه معتوه ولا يدري ما الذي يتفوه به.
أميركا لم تؤسس فصائل درعا وعلاقتها المباشرة بتلك الفصائل هي معدومة. أميركا تتحدث مع فصائل درعا عبر وسائل الإعلام أو عبر ضباط أردنيين. أميركا هي ليست مسؤولة عن فصائل درعا. إذا دمر بشار والروس تلك الفصائل فإن هذا لن يسيء لأميركا وهو ليس قضية تعني أميركا بشكل مباشر.
في المقابل لو فرضنا أن بشار والروس تمكنوا من تدمير الأكراد السوريين فإن هذه ستكون فضيحة وخيبة كبيرة لأميركا على الصعيد الدولي، لأن هؤلاء هم محسوبون فعلا على أميركا.
الأكراد نجحوا في نسج علاقة تحالف مع أميركا (تحديدا مع وزارة الدفاع). في المقابل العرب السنة لم يرغبوا أصلا في أن يتحالفوا مع أميركا. موقف العرب السنة منذ بداية الحرب السورية كان شتم أميركا وتوجيه الأوامر لها بنفس الطريقة التي ينتهجها نصر الحريري وقبله الائتلاف. أوباما طلب من الكونغرس في عام 2014 إقرار 500 مليون دولار أميركي لكي تقوم وزارة الدفاع بتدريب وتسليح قوة من العرب السنة في سورية. العرب السنة لم يستفيدوا من ذلك البرنامج وأفشلوه، لأن أردوغان وحمد بن خليفة طلبا منهم ذلك.
أميركا رغبت منذ عام 2012 في أن تسلح وتدرب قوة من العرب السنة في سورية، ولكن أردوغان وحمد بن خليفة منعا حصول ذلك. الأميركان تمكنوا في النهاية من تأسيس قسد بسبب تعاون الأكراد. لولا دور الأكراد لما كانت قسد قد وجدت. أميركا دعت العرب السنة للانخراط في قسد ولكنهم لم ينخرطوا فيها وإنما هاجموها وناصبوها العداء.
العرب السنة يناصبون أميركا العداء منذ بداية الثورة السورية وإلى الآن. ولكنهم في نفس الوقت ينوحون ويتهمون أميركا بخيانتهم.
ما هي علاقتكم بأميركا حتى تقولوا أن أميركا خانتكم؟ هل أميركا هي أمكم؟
لو تحالفتم مع أميركا كما فعل الأكراد فإننا كنا سنقول أن أميركا هي ملزمة بحمايتكم لأسباب أخلاقية وأيضا لأسباب واقعية تتعلق بمصالح أميركا ومصداقيتها الدولية. ولكنكم لستم حلفاء لأميركا. لا يوجد سبب يلزم أميركا بحمايتكم. حتى لو أراد أحد في الحكومة الأميركية أن يتدخل عسكريا لحمايتكم فإنه لن يستطيع أن يبرر ذلك أمام الكونغرس والرأي العام. سوف يقولون له: ما هي علاقتنا بأولئك الناس حتى نتدخل عسكريا لحمايتهم؟
الحكومة الأميركية على كل حال ترى نفسها معنية بقضية درعا لأنها جزء من القضية السورية عموما، والقضية السورية هي مهمة لأنها تتعلق بإسرائيل وقضية إيران وقضية روسيا. نحن لا نقول أن أميركا لا تهتم بما يجري في درعا. ولكنني أستغرب أن يقال أن أميركا هي ملزمة بحماية درعا. ما هو السبب الذي يلزم أميركا بذلك؟
هناك اعتبارات عملية تجعل من التدخل العسكري الأميركي في درعا أمرا صعبا إن لم يكن متعذرا. أميركا ليس لديها قوات عسكرية في درعا ولا قوات حليفة، بالتالي هي لا تستطيع أن تقول أنها تتدخل لحماية قواتها والقوات الحليفة (كما حصل في حالة قسد). لو تدخلت أميركا في درعا فسوف يقول الروس أن ذلك اعتداء سافر ومن المحتمل أنهم سيفتعلون مواجهة عسكرية مع أميركا، وذلك لن يصب في مصلحة أحد سوى بشار. هذه قضية تقنية تعيق التدخل الأميركي لو فرضنا أن أميركا رغبت في التدخل وتوريط نفسها مع أناس لا تعلم عنهم شيئا كما وصفهم ترمب.