عقد اتفاق مع روسيا هو من أهم أهداف دونالد ترمب.
هو قال مرارا خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه أنه يريد أن يتفق مع بوتن. هو أوضح أن هذه القضية بالنسبة له هي أولوية.
هو أوضح ماهية الاتفاق الذي يريد أن يعقده مع بوتن. هو قال خلال حملته الانتخابية أنه يريد أن يترك سورية لبشار وبوتن. هذا هو ما قصده بالاتفاق مع بوتن.
موقفه ذاك أثار الشكوك حول كونه عميلا لروسيا، ومن هنا أتى تحقيق مولر.
بسبب تحقيق مولر هو أجل عقد “الاتفاق مع بوتن” خلال العام الأول من رئاسته، ولكنه في العام الثاني أدرك أن التحقيق لن ينتهي في المدى المنظور، ولذلك هو قرر الشروع في تنفيذ مخططه. هو ضغط لأجل سحب أميركا من سورية على أساس أن ذلك يفتح الطريق أمام اتفاقه المنشود مع بوتن.
ولكن مسعاه خاب. هو لم يتمكن من سحب أميركا من سورية. بالتالي هو غير قادر على عقد “الاتفاق” الذي أراده.
في الأسابيع الأخيرة هو أظهر تبدلا في نهجه. هو فرض عقوبات على شركة وقود روسية بسبب إيصالها الوقود لبشار، واستأنف تقديم الدعم لمنظمة الخوذ البيضاء في سورية. أيضا وزارة الدفاع الأميركية عادت مجددا لأخذ موقف قوي فيما يتعلق بالدفاع عن المناطق المحررة في سورية. والأهم من كل ذلك هو تصريح لافت جدا أطلقه ترمب مؤخرا في مقابلة تلفزيونية. هو تحدث عن رغبته في دعوة بوتن إلى اجتماع الـ G7، وفي تبريره لذلك قال أنه يريد أن يتحدث مع بوتن ويقول له “يجب عليك أن تخرج من سورية”.
بهذا الكلام وبتلك التصرفات ترمب يظهر أنه تخلى عن موقفه السابق الراغب بتسليم سورية لبوتن.
بشار أحيط علما بهذا التغير الظاهر في موقف ترمب (على الأغلب من خلال أسياده الروس)، ولهذا نراه الآن يجري مقابلات صحفية ينفس بها عن غضبه وخيبته.
ترمب سوف يلتقي مع بوتن قريبا لعقد اتفاق. لا نعلم كيف سيكون ذلك الاتفاق. ولكن من المستبعد أن الاتفاق سيتضمن انسحاب أميركا من سورية أو تبييض صفحة بشار. الاتفاق على ما يبدو لن يغير شيئا في الوضع السوري.
في السابق كنا نأمل أن تتطور الأوضاع نحو حل القضية السورية، ولكن جل ما نطمح إليه الآن في ظل إدارة ترمب هو تثبيت الوضع الراهن وعدم السماح لترمب بتنفيذ الأمور التي كان قد وعد بها بوتن (وربما أيضا أردوغان). إن مر لقاء ترمب وبوتن بسلام ولم ينجم عنه تغير في الوضع السوري الراهن فيجب أن يفرح السوريون بذلك لأن هذا هو أفضل سيناريو ممكن في ظل ترمب.
لا يوجد أمل لحل القضية السورية قريبا. المسؤول عن ذلك هو ليس أميركا ولا روسيا ولا إيران وإنما تركيا. السبب الذي جعل الأزمة السورية تستمر إلى الآن هو أن فئة عميلة لأنقرة تسلطت على المعارضة السورية ودمرتها لأجل مصلحة بشار. هذا هو السبب الوحيد لكل المصائب في سورية. ما يرد في الإعلام التركي والقطري من لوم لأميركا وروسيا وإيران والسعودية هو مجرد تعمية وتضليل. من يجب أن يلام على الوضع السوري هو أنقرة وعملاؤها حصرا، ونخص بالذكر حمد بن خليفة أكبر عملاء أنقرة وأقدمهم وأسوأهم.
حل القضية السورية هو غير ممكن إلا بسحب المعارضة العربية السنية بعيدا عن أنقرة وتوجيهها للعمل ضد بشار. تحقيق هذا الأمر يزداد صعوبة مع مرور الوقت لأن أنقرة ترسخ سلطتها على المعارضة العربية السنية. ولكننا نأمل أن تدخلا عربيا في سورية في المستقبل قد يتمكن من تحقيق ذلك. إذا تحررت المعارضة العربية السنية من قبضة أنقرة فإن زوال بشار سوف يكون تحصيل حاصل. بشار لا يساوي شيئا في سورية وكل قيمته تأتي من القيمة التي تعطيه إياها أنقرة.
السعودية هي المرشحة لقيادة تدخل عربي في سورية، ولكن السعودية هي مشغولة الآن بحرب الحوثيين، وبعد حرب الحوثيين يجب حل مسألة حمد بن خليفة. لا أظن أن تدخلا عربيا في سورية سوف ينجح قبل وضع حد لحمد بن خليفة. حمد بن خليفة هو السبب الذي جعل تركيا وإيران تسيطران على سورية من الأساس، مثلما أنه كان السبب وراء حرب اليمن والحرب الليبية وغيرها. إن ذهب السعوديون إلى سورية قبل حل مسألة حمد بن خليفة فسوف يجدون أنفسهم محاصرين في سورية بين تركيا من أمامهم وحمد من ورائهم. هذه ستكون حماقة.