سيطرة السعودية والإمارات على الحديدة سوف تكون نصرا عسكريا مهما.
ولكن من الناحية الاستراتيجية هذا النصر هو ليس ذا أهمية كبيرة. حتى لو سيطروا على صنعاء فإن هذا لا يعني أنهم ربحوا استراتيجيا.
الدول ذات الماضي الحافل بالتدخلات العسكرية (مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا) تعلمت من تجاربها التاريخية أن نجاح الغزو العسكري لبلد ما هو ليس بالضرورة انتصارا. في بعض الأحيان أنت تتمكن من غزو بلد ما عسكريا، ولكن مع مرور الوقت يتبين لك أن احتلالك لذلك البلد يكبدك خسائر بشرية واقتصادية وسياسية، أي أنك تخسر ولا تربح من وجودك في ذلك البلد.
لهذا السبب قررت تلك الدول مغادرة بعض البلدان التي كانت قد غزتها أو تدخلت فيها عسكريا. مثلا الأميركان تركوا فييتنام الجنوبية بعدما كانوا قد تدخلوا فيها بشكل كبير جدا وأنفقوا فيها الكثير من الأرواح والمال والجهد. هم تركوها لأنهم وجدوا أن بقاءهم فيها يضرهم ولا ينفعهم.
إيران هي دولة حديثة عهد بالغزو والاحتلال وهي لا تملك مثل تلك الخبرة التاريخية التي يملكها الأميركان والبريطانيون والفرنسيون. الإيرانيون غزوا سورية بأسلوب بدائي يعود إلى القرن 19 (وإذا احتسبنا ما فعله بشار في حلب وغيرها فيمكننا أن نقول أن أسلوب هذا الغزو يعود إلى عصر هولاكو). هذا الغزو الإيراني لسورية هو حماقة استراتيجية ولا يمكن أن ينتهي سوى بالفشل. الإيرانيون ظنوا لبعض الوقت أن احتلالهم لسورية خدمهم في قضية الملف النووي، ولكن ما حصل مؤخرا بيّن أن ذلك كان وهما. الاحتلال الإيراني لسورية كان أحد المبررات التي ساقها مؤيدو إسرائيل عندما ضغطوا لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران.
نفس الأمر حصل إلى حد ما مع تركيا. أردوغان ظن نفسه رابحا عندما تمكن من استنقاذ بشار واحتلال بعض الأراضي في شمال سورية، ولكنه يكتشف الآن أن ما فعله في سورية يكلفه ثمنا غاليا. هو خسر علاقته مع أميركا ومع المملكة السعودية، وذراعه الضاربة المتمثلة بشيطان قطر حمد بن خليفة باتت أقل تأثيرا من السابق بسبب تحرك بعض الدول العربية لتكبيلها، وهو أيضا يخسر اقتصاديا. الأمور لا تبشر بخير لأردوغان. قادم الأيام سوف يكون أسوأ له.
التاريخ حافل بالتجارب والعبر، ولكننا نرى في الواقع أن بعض الدول الناشئة لا تستفيد من تلك التجارب والعبر. لهذا أنا أخشى أن يرتكب ابن سلمان في اليمن أخطاء مميتة على غرار أخطاء إيران وأردوغان في سورية.
أنا أظن أن ابن سلمان هو شخص ذكي من حيث المبدأ، ولكنه على ما يبدو يتأثر سلبا بمحمد بن زايد، أو هو ربما يجد نفسه مضطرا لمسايرة محمد بن زايد في بعض القضايا التي تهم الأخير. محمد بن زايد لا يبدو شخصا ذكيا. انطباعي عنه أن مستوى ذكائه لا يختلف كثيرا عن مستوى ذكاء بشار، بدليل أن مقارباته لبعض القضايا هي مثل مقاربات بشار.
سوف أضرب مثالا: ما الذي استفاده محمد بن سلمان من المهزلة التي حصلت مؤخرا مع لجين الهذلول ومثيلاتها؟ هل محمد بن سلمان هو مقتنع بأن تلك المهزلة خدمته؟
هو اتهم لجين الهذلول بالعمالة لجهات خارجية لم يحددها. أنا لا أستبعد أن يكون ذلك صحيحا. التدخلات الأجنبية هي موجودة ولا يمكن إنكارها. بعض الدول تتدخل لدعم المعارضين في دول أخرى بهدف الضغط على حكومات تلك الدول. من الممكن نظريا أن بعض الدول الغربية حاولت أن تخترق معارضين سعوديين بهدف استخدامهم للضغط على محمد بن سلمان لإجباره على التنازل لإيران والحوثيين وشيطان قطر أو لابتزازه ماليا. السؤال هو كيف تتعامل مع مثل تلك التدخلات إن وجدت؟
الطريقة التي يتبعها ابن سلمان في التعامل مع المعارضين هي نفس طريقة بشار. هل نفعت تلك الطريقة بشار حتى تنفع ابن سلمان؟
ما حصل في قضية لجين الهذلول شوه صورة ابن سلمان دوليا وداخليا. هو أظهر نفسه أمام الرأي العام الدولي والداخلي بمظهر الطاغية المستبد. الناس لم يهتموا بما قاله حول التدخل الأجنبي. الرأي العام الدولي رأى المسألة كما يلي: ابن سلمان هجم على فتاة صغيرة عمرها 28 عاما وزج بها في السجن بسبب كونها ناشطة في مجال حقوق المرأة. لا أحد اهتم بكلام ابن سلمان حول كون هذه الفتاة خائنة أو عميلة. اتهام المعارضين بالخيانة والعمالة هو شيء يفعله الطغاة والمستبدون. بشار الأسد اعتقل في الماضي فتاة صغيرة اسمها طل الملوحي وزج بها في السجن بسبب كلام كتبته في مدونتها على الإنترنت، وبعدما اعتقلها زعم أنها عميلة للمخابرات الأميركية والإسرائيلية. ما فعله ابن سلمان مع لجين الهذلول لا يختلف عما فعله بشار مع طل الملوحي.
ابن سلمان اكتسب سمعة دولية جيدة بسبب إصلاحاته، ولكنه يخرب سمعته بنفسه بمثل تلك الأفعال الخرقاء التي تضره ولا تنفعه.
حتى لو كانت المعارضة مخترقة من جهات أجنبية فإنك لا يجب أن تنكل بها ولا يجب أن تتهمها بالخيانة والعمالة، لأن ضرر ذلك أكبر من نفعه، خاصة وأننا نتحدث عن معارضة محدودة التأثير داخل المملكة السعودية. هل يريد ابن سلمان أن يقنعنا أن لجين الهذلول كانت ستسقط نظامه؟ لا أدري ما هو الضرر الذي كانت ستسببه لجين الهذلول، ولكن ذلك الضرر المفترض هو أقل من الضرر الذي سببه ابن سلمان لنفسه عندما نكل بها ومنح الفرصة لأعدائه لكي يشوهوا صورته ويظهروه بمظهر الطاغية الذي لا يحتمل وجود المعارضة.
لولا اعتداء ابن سلمان على لجين الهذلول لما كان أغلب الناس قد سمعوا باسمها. ابن سلمان هو الذي حولها إلى أيقونة، تماما كما فعل بشار سابقا مع ميشيل كيلو وأمثاله. ميشيل كيلو (مع احترامنا الكبير له) اكتسب شهرته من أمر وحيد هو اعتقال بشار له. هو كتب مقالا على الإنترنت فاعتقله بشار بسبب ذلك، وبهذا غدا مشهورا.
بشار هو الذي صنع شهرة أغلب معارضيه. المعارضون السوريون المشهورون إعلاميا لم يكونوا ذوي تأثير شعبي كبير داخل سورية. لو كانوا ذوي تأثير شعبي كبير لما كان بشار اعتقلهم أصلا. بشار قبل الثورة لم يكن يجرؤ على اعتقال الشخصيات المؤثرة لخوفه من ردود فعل مناصريها. هو في الغالب كان يغتال مثل تلك الشخصيات ويتهم الجهاديين بقتلها (مثلا معشوق الخزنوي، ومؤخرا وحيد البلعوس).
بشار كان يظن نفسه ذكيا لأنه كان يحسب أنه طهر سورية من المعارضة، ولكن عندما حصلت الثورة تبين له أن المعارضة هي موجودة. لا يمكن لأحد أن يقضي على المعارضة. أنت تستطيع أن تمنع المعارضة من تنظيم نفسها ولكنك لا تستطيع أن تلغيها. منع المعارضة من تنظيم نفسها هو خطأ استراتيجي مميت. إذا كانت المعارضة منظمة وظاهرة للعيان فهذا يسمح لك بمراقبتها والتحدث معها. التحدث مع المعارضة هو أمر ضروري جدا في أوقات الأزمات. عندما حصلت الثورة في سورية كان بشار يرغب في التفاوض مع المعارضة وتقديم تنازلات سياسية بهدف تهدئة الأمور، ولكنه لم يجد من يتحدث معه. لا أحد داخل سورية كان يستطيع أن يؤثر على الثوار الذين خرجوا في المظاهرات. الجهة الوحيدة التي كانت تؤثر في المتظاهرين هي شيطان قطر حصرا. بشار وجد نفسه مضطرا للتفاوض مع شيطان قطر لكي يتمكن من تهدئة الثوار، ولكن الشيطان لم يكن راغبا بالتفاوض. هو كان يرغب في تكرار السيناريو الليبي في سورية ولم يكن يقبل بأي شيء آخر.
هل يعقل أن محمد بن سلمان لم يتعظ من تلك التجربة الكارثية؟ أين كان محمد بن سلمان عندما حصلت تلك الأحداث؟
كل مجتمع هو مكون من فئات مختلفة ذات أفكار مختلفة، وكل مجتمع يمر بأزمات. في أوقات الأزمات يجب أن تتحدث فئات المجتمع المختلفة مع بعضها لتفادي الكوارث. هذا الحديث يتطلب أن تكون فئات المجتمع منظمة. مصلحة الحاكم العاقل هي أن ينظم المجتمع وليس أن يقوض نظامه وأن يحوله إلى غابة.
الأنظمة الملكية هي في العادة أكثر حكمة في التعامل مع المعارضة من غيرها، ولكننا لا نرى مثل هذه الحكمة لدى ابن سلمان. هو يطبق نهجا خطيرا جدا سوف يدمر المملكة السعودية.
ما نخشاه هو أن نفس هذا العمى السياسي سوف يتكرر في اليمن. نخشى أن ابن سلمان سوف يتعامل مع الحوثيين وغيرهم من الفئات اليمنية بنفس الطريقة التي تعامل بها مع لجين الهذلول.
إذا كان ابن سلمان يقلد بشار وإيران في كيفية تعامله مع المعارضة فهو قد يقلدهم أيضا فيما فعلوه في سورية. هو ربما يظن أن ما فعلته إيران في سورية كان ناجحا وقد يسعى لتقليده في اليمن. أنا بصراحة ضعت مع ابن سلمان ولم أعد أفهم هذا الرجل. في بعض القضايا هو يبدو واعيا وذكيا، وفي قضايا أخرى يبدو كنسخة من بشار. تفسيري المبدئي لهذا الأمر هو أن ابن سلمان يضطر لمسايرة ابن زايد في بعض الأمور. ولكن هذه المسايرة قد توصله إلى هاوية لا قرار لها.
حرب اليمن يمكن أن تنتهي بطريقة واحدة هي صيغة “لا غالب ولا مغلوب”. أي شيء آخر يعني استمرار الحرب إلى ما لا نهاية. لا يمكن للسعودية أو غيرها أن تحكم اليمن بقوة السلاح.
الحوثي يجب أن يتخلى عن فكرة حكم اليمن بالسلاح ويجب أن يقبل بالتحول إلى حزب سياسي غير مسلح. هو يجب أن يفهم أن التحريض الإيراني والقطري والغربي لا يصب في مصلحته ولا في مصلحة اليمن. إيران وشيطان قطر يستغلناه واليمن ككبش محرقة بهدف استنزاف المملكة السعودية، والدول الغربية تحرضه وتوهمه بأنه على حق لسببين، السبب الأول هو أن استمرار حرب اليمن يسمح لتلك الدول بابتزاز المملكة السعودية وانتزاع الأموال منها، والسبب الثاني هو أن تلك الدول تقبض عشرات المليارات من شيطان قطر الذي يبيع ثروات قطر وأصولها السيادية وينفق عائدات ذلك في التحريض ضد المملكة السعودية. مسألة اليمن بالنسبة للدول الغربية هي مسألة تربح وتكسب مالي. إذا انتهت حرب اليمن فإن المال الذي يذهب إلى الدول الغربية بسبب حرب اليمن سوف يذهب لإعمار اليمن، وهذا ما لا تريده الدول الغربية. الحوثي يجب أن يفهم ذلك ويجب أن يقدم مصلحة شعبه على مصالح تلك الدول المستغلة. ترك السلاح ليس عيبا. لا توجد دولة تسمح بوجود أحزاب سياسية مسلحة. اترك السلاح واترك إيران وخذ الأموال من السعوديين للإنفاق على شعبك المنكوب.
معاناة الحرب يتحملها الشعب اليمنى