اعتدنا منذ ولدنا (ومن قبل أن نولد) على المشاكل في فلسطين وعلى الغضب لأجل فلسطين.
واعتدنا أيضا على أن يقوم حكام مجرمون فاسدون باستغلال ما يحصل في فلسطين لأجل تبرير أمور لا علاقة لها بفلسطين ولا بقضية فلسطين.
في عام 1963 حصلت ثورة شعبية في سورية ضد “النظام الانفصالي” الذي استولى على الحكم بعد الحركة الانفصالية في عام 1961. النظام الذي استولى على الحكم بعد تلك الثورة (حزب البعث) لم يرغب حقا في إنهاء الانفصال، ولهذا السبب فإن ذلك النظام نفسه واجه ثورات ومحاولات انقلاب. للتهرب من تلك المشكلة قرر قادة النظام “فتح الجبهة مع إسرائيل” بزعم تحرير فلسطين. هم لم يكتفوا بذلك ولكنهم طلبوا من الدول العربية تمويل مشروع لتحويل مجاري الأنهار التي تغذي بحيرة طبرية، أي أنهم أرادوا تجفيف بجيرة طبرية بهدف حرمان إسرائيل من مياهها كما زعموا. وبعدما حصلوا على تأييد الدول العربية شرعوا فعلا في تنفيذ ذلك المشروع وأرسلوا جرافات إلى الجولان على أساس أنهم سيحولون مجاري الأنهار وسيقطعون المياه عن إسرائيل.
كل ذلك التصعيد المسرحي ضد إسرائيل دفع الأخيرة لحشد قواتها على الحدود السورية والاستعداد لمهاجمة سورية. النظام الحاكم في دمشق استغل ذلك للمزايدة على جمال عبد الناصر. قادة النظام صاروا يقولون في إعلامهم أننا نحارب إسرائيل بينما جمال عبد الناصر يحتمي بقوات مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة. دفعا للحرج عن نفسه طلب جمال عبد الناصر من الأمم المتحدة سحب قوات مراقبة الهدنة، وأرسل جيشه إلى سيناء بهدف الاستعداد لمساندة سورية ضد إسرائيل.
الكل يعرفون كيف انتهى ذلك الفيلم. إسرائيل هاجمت جمال عبد الناصر في عام 1967 ودمرته، رغم أن المسكين لم يكن البادئ بتلك القصة. قادة النظام الانفصالي في دمشق هم الذين ورطوه.
المضحك في الأمر هو أن إسرائيل في 5 حزيران/يونيو 1967 هاجمت مصر وامتنعت عن مهاجمة سورية. الإسرائيليون أرسلوا رسالة إلى دمشق مفادها أن إسرائيل ستكتفي بمهاجمة مصر ولا تنوي مهاجمة سورية.
قادة النظام السوري شعروا بالحرج من التفرج على الحرب دون المشاركة فيها، ولهذا هم تجاهلوا الرسالة الإسرائيلية وقصفوا إسرائيل بالمدفعية. هم أيضا أرسلوا قوة عسكرية حاولت أن تقتحم حدود إسرائيل ولكنها فشلت في ذلك. السوريون كانوا يقومون كثيرا بمثل هذه الأعمال في السنوات التي سبقت حرب العام 1967. هم كثيرا ما كانوا يتحرشون بإسرائيل ويفتعلون مناوشات حدودية لأسباب دعائية محضة لا علاقة لها بقضية فلسطين. أول من ابتدأ هذا النهج هو الطاغية أديب الشيشكلي في خمسينات القرن العشرين. هو كان يتعرض لضغوط داخلية كبيرة، وللتهرب من تلك الضغوط كان يفتعل مناوشات مع إسرائيل بهدف صرف انتباه الرأي العام.
نظام البعث أحيا سنة الشيشكلي وصار يستخدم المناوشات والمسرحيات الحدودية لصرف انتباه الرأي العام عن قضية الانفصال.
الإسرائيليون لم يفكروا جديا في خوض حرب ضد سورية لأنهم كانوا يفهمون أن ما كان يحصل على الحدود كان مجرد مسرحيات. الإسرائيليون كانوا يفهمون طبيعة الأنظمة التي كانت تحكم دمشق وكانوا يعون أن تلك الأنظمة تخدمهم ولا تضرهم. تلك الأنظمة لم تكن تفعل أي شيء يمثل تهديدا حقيقيا لإسرائيل وإنما بالعكس: تلك الأنظمة كانت تقسم العالم العربي وتحارب الوحدة العربية، وهي أيضا كانت تدمر الاقتصاد السوري. الجيش السوري الذي كانت تديره تلك الأنظمة كان مجرد أضحوكة؛ هو كان يفتقر لأمور بسيطة كالانضباط العسكري والتدريب، ناهيك عن الأمور الأكبر كالتخطيط والتسليح.
النصر الكبير الذي حققته إسرائيل على مصر في 5 حزيران 1967 غير نظرة الإسرائيليين إلى القضية السورية. هم أصيبوا بالزهو وصاروا يرون أن الذهاب إلى دمشق وتأديب السوريين لن يكون سوى نزهة بسيطة مأمونة العواقب. لهذا السبب هم شرعوا في 9 حزيران 1967 (بعد ثلاثة أيام من الهجوم على مصر) بعملية عسكرية كبيرة ضد سورية. تلك العملية فاجأت النظام السوري كثيرا إلى درجة أن قادة النظام لم يعرفوا ما الذي يفعلونه. حافظ الأسد أتى لهم بمخرج: الانسحاب من الجولان وتسليمه لإسرائيل كبادرة حسن نية، وفي مقابل هذه الهدية السخية يجب على إسرائيل أن توقف عمليتها العسكرية. الإسرائيليون طبعا قبلوا بتلك الصفقة التي ما كانوا ليحلموا بمثلها.
أنا أحب أن أكرر هذا الكلام لأن كثيرا من الناس في العالم العربي لا يعرفونه. كثير من العرب يظنون أن غزو إسرائيل للجولان في عام 1967 كان هجوما مباغتا أخذ فيه السوريون على حين غرة، ولكن الحقيقة هي العكس: السوريون هم الذين بدأوا الهجوم، وعندما ردت إسرائيل عليهم (بعد ثلاثة أيام) فوجئ السوريون بذلك لأنهم اعتادوا لسنوات كثيرة على أن ما يجري على الحدود بينهم وبين إسرائيل هو مجرد مسرحيات غير جدية. أمام هول “المفاجأة” ابتدع لهم حافظ الأسد حلا عبقريا لا أظن أن أحدا من قبله أو بعده سيأتي بمثله (باستثناء ابنه بشار الذي بز أباه في ابتداع حلول عبقرية لا تصدر سوى من مجرم مختل).
العرب عموما والسعوديون خصوصا يجب أن يفهموا هذا التاريخ وهذه الأحداث. لا تصدقوا من يتحدثون عن القضية الفلسطينية من الأنظمة الفاشلة المجرمة التي تتاجر بتلك القضية، ولا تسمحوا لتلك الأنظمة الفاشلة المجرمة بأن تجركم إلى الهلاك كما فعلوا مع جمال عبد الناصر في عام 1967.
هل من عاقل يصدق أن حمد بن خليفة هو جاد في حماسه للقضية الفلسطينية؟ هذا الرجل هو عراب التطبيع مع إسرائيل في العالم العربي ولا يوجد إلى الآن من تفوق عليه في ذلك. هو دمر بالكامل أربعة أو خمسة بلدان عربية ومسحها من على الخريطة مسحا، بما في ذلك بلدان مجاورة لفلسطين التي يدعي نصرتها. هدفه الأكبر والنهائي كان تدمير المملكة السعودية، ولو تحقق له ذلك لما كان بقي من العرب شيء. من الذي يصدق أن هذا الشيطان هو نصير لقضية فلسطين؟
والأسوأ من حمد بن خليفة هو أردوغان. حمد بن خليفة هو الذي صنع أردوغان وجعل له أهمية في العالم العربي، ولكن من يعرفون أردوغان على حقيقته يعرفون أنه مجرد طاغية فاسد يتاجر إعلاميا بقضايا كثيرة منها قضية فلسطين. تركيا الآن تواجه مصاعب كبيرة وهي معزولة دوليا وباتت أشبه بدولة مارقة. لا يوجد حلفاء حقيقيون لتركيا سوى إيران وبشار. نهاية هذا الحلف المارق المكون من حمد بن خليفة وأردوغان وإيران وبشار لن تكون سوى في المزبلة.
هؤلاء الحثالات لن يحرروا فلسطين ولن يقدموا شيئا لفلسطين أو لغير فلسطين. من يظن أن هؤلاء سيحررون فلسطين سوف يخيب أمله كثيرا. هؤلاء تمكنوا من تدمير سورية ولكنهم لن يتمكنوا من فعل أي شيء آخر.
من يخدم قضية فلسطين فعلا هو محمد بن سلمان، لأن هذا الرجل يعمل على تنمية بلاده وتطويرها وإخراجها من التخلف إلى التقدم. تنمية السعودية والعالم العربي هي العمل الجدي الذي يمكن أن يؤثر حقيقة في مسار قضية فلسطين وغيرها من القضايا. التخلف والفقر والبؤس والجهل والحروب والدمار والخراب والخيانات هي أمور عاش فيها العرب لعقود ولم يروا منها أي خير، سواء لقضية فلسطين أو لغيرها.
قضية فلسطين لن تحل عسكريا. الحل النهائي لتلك القضية سوف يكون سياسيا، أي أن العرب سوف يتصالحون في النهاية مع اليهود الموجودين في فلسطين وسوف يقبلون ببقائهم هناك. لا يوجد بديل لهذا الحل. فكرة طرد اليهود من فلسطين هي مجرد كلام فارغ لا يمكن أن يحصل ولا يجب أن يحصل. التعصب الزائد ضد اليهود والإصرار على إبادتهم أو تهجيرهم أو نحو ذلك لا يحقق شيئا سوى إعاقة حل القضية الفلسطينية. إذا قام محمد بن سلمان بأعمال تظهر حسن نية العرب تجاه الإسرائيليين فهذا لا يعتبر تفريطا بل هو عمل حكيم يساعد في حل القضية الفلسطينية.
التصعيد والتوتير والهياج لا يساعد في حل أي شيء. الحل يتطلب الهدوء والتسامح. هذا ينطبق على القضية الفلسطينية كما على غيرها.
عندما يرتكب اليهود جرائم ضد الفلسطينيين فإن تلك الجرائم يجب أن تدان ومرتكبوها يجب أن يحاسبوا، ولكن يجب عدم الخلط بين ذلك وبين التصعيد الغوغائي الأهوج الذي ليس له أي هدف سوى الدعاية والمزايدة.
أتفه مقال قرأته في حياتي
سلام
طيب عندي سؤال, في بعض الأمور انا بوافقك فيا, بس في بعض الأمور ليس بالضبط, مثلا كيف ترى ان اردوغان والأسد حلفاء, علما انو اردوغان (أهان) الأسد مرة وتنين امام الأعلام, واذا كان هالموضوع هو عبارة عن عرض اعلامي, فليش ما عمل الأسد نفس الشي ؟؟ وكيف قطر هي حليفة الأسد علما انو الجزيرة ما عندا شي غير سب الأسد عن طريق القاسم وغيرو وغيراتو ؟؟؟
اما اذا بدنا نحكي الصراحة, فالتصالح مع اسرائيل هو تسليم نهائي لفلسطين, يعني اذا كان حمد عراب التطبيع مع اسرائيل, فملوك السعودية هنن اللي هندسو هادا التطبيع منذ زمن بعيد ! (بتوقع بتتذكر الرسالة اللي ارسلا الملك السعودي الأب اللي كان فيا ينظر بحنية يا حبة عيني لليهود وهو زعلان عليهن), وانت بتعرف انو العلاقات السعودية مع الأمارات متل السمن عالعسل, طبعا انا ما عم قلك انو اللي عم يعملو بن سلمان غلط ببلدو من تطوير وتحديث ووو..بس على فكرة, التطوير والتحديث اذا كان مزيف متل التطوير والتحديث تبع الأمارات, ما رح يفيدن بشي, التطوير والتحديث بكون متل التطوير والتحديث تبع اسرائيل, من جامعات قوية لمشاريع انتاج قنابل طبعا اضافة لشركات …الخ.
أردوغان يسب بشار ولكنه قدم لبشار مليون خدمة من العيار الثقيل جدا (هو سبب بقاء بشار حتى الآن)، وفي مقابل ذلك كافأه بشار بمنحه تفويضا لاحتلال مساحات شاسعة من الأراضي السورية التي كانت أصلا خارج سلطة بشار (بشار ينكر أنه منح تركيا تفويضا للاحتلال، ولكن موقفه تافه وليس له معنى قانوني، لأن الأتراك ينسقون مع الروس والروس بدورهم يقولون أنهم يعملون بتفويض من بشار، أي أن بشار هو مصدر الشرعية لكل ما يفعله هؤلاء).
هؤلاء الذين ذكرتهم يسبون بعضهم ولكنهم كلهم يعملون في خندق واحد ضد أميركا والجهات المدعومة من أميركا. هذا أمر واضح تماما ولم يعد هناك أي لبس فيه. هو بات أمرا معلنا وغير مخفي.
وبالنسبة لابن سلمان فإن إصلاحاته هي عميقة جدا ولم يسبق لأحد في تاريخ هذه المنطقة أن قام بإصلاحات مثلها.
طيب خلينا نمسك الموضوع نقطة نقطة :
انت عم تقول انو اردوغان اعطى الأسد الكثير, وانا معك, وانا على قناعة بهالشي, بس السؤال اللي محيرني هو, ليش من الأساس ليشارك بهاللعبة ضد الأسد ؟؟ من الأساس, اقصد من سنة 2011 ؟؟
انت سألتك على قطر وانت ما جاوبتني ؟ كيف قطر حليفة للأسد وهي راس الحربة العربية اللي بتهاجم الأسد ؟!
بصراحة ما رح اقدر ارد عليك بأصلاحات بن سلمان, لأنو ما اتطلعت عليهن بشكل كاف, بس بكرر انو اذا الاصلاحات رح تكون قشرية, فما رح يستفيد الشعب غير من المناظر فقط, اذا لم يتم اصلاح ثلاثية (حريات تعليم والعدل) فبرأيي اصلاحاتو عالفاضي كلا !
عم انتظر ردك
ماذا فعل حمد بن خليفة في سورية؟ صنع جبهة النصرة وداعش، أفشل المشاريع الأميركية لدعم المعارضة المعتدلة، حرض ثوار الائتلاف ضد أميركا وخرب علاقتهم بها، وبعد ذلك حرضهم ضد التحالف الدولي والأكراد. أنت ترى أن هذه جهود ضد الأسد ولكنني أراها تحالفا مع الأسد.
في هذا الموضوع تحدثت بتفصيل عما حصل.
عودة لك بعد انقطاع طويل , نتمنى عدم انقطاعك عن الكتابة
بالمناسبة يكفي من اصلاحات ابن سلمان تهميشه لدور الذراع الديني (هيئة كبار العلماء ) واعترافه بان الوهابية اصبحت من الزمن الماضي
ماذا استفدنا من الفكر الوهابي الا التطرف والدواعش الذين اصبحو شماعة للتدخل الغربي في دولنا
ابن سلمان يريد من السعودية ان تتحول على الطريقة الامارتية وليس اكثر من ذلك
نحن كعرب لن نستفيد شيئ من هذه الاصلاحات الا كف بلاء الوهابية
منذ اكثر من شهر وانت لم تنشر الا مقالة واحدة , لماذا تصر على ان تحرمنا من كتاباتك
أعتذر منك أخي. لدي عمل أحاول أن أنهيه قبل نهاية العام الحالي وهو يستنزف معظم وقتي.