احتمال عزل ترمب من منصبه يفوق احتمال الانسحاب الأميركي من سورية

تصريح دونالد ترمب الأخير حول سورية لم يكن صادما من حيث محتواه.

موقف ترمب من القضية السورية كان واضحا منذ حملته الانتخابية في عام 2016. هو قال آنذاك أنه معجب ببشار الأسد وبوتن، وأوحى بأنه ينوي أن يدعمهما. هذا الموقف تحديدا هو السبب الذي أثار المخابرات الأميركية ضد ترمب وجعلها تترصد له لكي تمنعه من دعم بشار على أرض الواقع.

بالنسبة للمؤسسات الحكومية في واشنطن فإن ترمب هو تهديد للأمن القومي الأميركي، ولكنه أيضا الرئيس المنتخب. هم كانوا أمام معضلة ولم يعرفوا كيف يتعاملون مع هذا الشخص الذي يبدو ظاهريا وكأنه عميل روسي ولكنه قد يكون مجرد شخص مخبول. الحل الذي طبقوه للتعامل مع هذه الورطة هو أنهم سمحوا لترمب بأن يحكم ولكنهم قيّدوه بالتحقيق الجنائي في الصلات المحتملة بينه وبين روسيا. هم أملوا أن استمرار هذا التحقيق سيمنع  ترمب من تنفيذ أجندته المتعلقة بسورية.

نحن لا نعلم تحديدا ما أهي أجندة ترمب المتعلقة بسورية، ولكن الظاهر مما قاله هو أنه يرغب في تسليم سورية لبشار وداعميه على أساس أن ذلك سوف يكون مدخلا للصلح بين أميركا وروسيا.

ترمب أجل تنفيذ أجندته المتعلقة بسورية خلال العام الأول من رئاسته لظنه بأن تحقيق مولر سينتهي خلال أشهر، ولكنه في بداية العام الحالي أدرك أن هذا التحقيق لن ينتهي أبدا. لهذا السبب هو قرر الشروع في تنفيذ أجندته رغم استمرار التحقيق. خلال الأسابيع الماضية هو صار يمهد في تصريحاته لفكرة الانسحاب من سورية (أشرنا إلى هذا الأمر في مقال قبل حوالي أسبوع). حسب ما علمنا مؤخرا فإنه أيضا طلب من مساعديه العمل على سحب أميركا من سورية، ولكنهم ماطلوا ولم يستجيبوا له.

التحركات المستجدة لترمب خلال العام الحالي هي ربما السبب الذي أدى إلى زيادة حرارة تحقيق مولر. المؤسسة الحكومية الأميركية سخّنت التحقيق لكي تخيف ترمب وتردعه عن المضي قدما في فكرة الانسحاب من سورية، ولكن المفاجأة كانت رد فعل ترمب. بدلا من أن يرتدع هو أطلق التصريح العجيب الذي شاهدناه في أوهايو. في هذا التصريح هو قرر من تلقاء نفسه أن أميركا ستنسحب من سورية قريبا جدا، ضاربا بعرض الحائط موقف الحكومة الأميركية بأكملها.

قبل أن يطلق هذا التصريح هو مهد بطرد 60 دبلوماسيا روسيا لظنه بأن ذلك سيدفع عنه تهمة العمالة لروسيا. هو أيضا جمد مبلغ 200 مليون دولار مخصصا لإعادة إعمار المناطق المحررة في سورية لأنه أراد أن يقول أن دافعه للانسحاب من سورية هو عدم رغبته في أن تدفع أميركا ذلك المبلغ، ولكن هذه مجرد قنبلة دخانية، لأن المبلغ المذكور هو مبلغ تافه لا يساوي شيئا. أميركا أنفقت في عام 2017 سبعة مليارات ونصف مليار دولار لتمويل الحرب على داعش. ما هي قيمة 200 مليون مقابل سبعة مليارات ونصف؟ نحن أيضا نعلم أن ترمب أراد الانسحاب من سورية قبل رصد المبلغ المذكور بزمن طويل. قصة كلفة إعادة الإعمار التي يتحدث عنها هي مجرد تعمية وتضليل.

أنا لست قلقا من حماقات ترمب ولا أظن أنه يشكل تهديدا جديا للقضية السورية. الحكومة الأميركية في واشنطن لن تسمح له بتنفيذ ما يريده، حتى ولو تطلب الأمر خلعه من السلطة. ما يسعى إليه ترمب هو بمثابة نكبة قومية لا يمكن للأميركان أن يقبلوها. أنا أعتقد أن احتمال عزل ترمب من السلطة هو أكبر من احتمال نجاح ترمب في سحب أميركا من سورية.

رد الفعل في أميركا على تصريح ترمب الأخير كان لافتا: كثير من الناس فسروا موقفه على أنه خيانة وعمالة لروسيا، وآخرون اعتبروا أن ترمب ألقى الكلام جزافا دون أن يفكر فيه. لا أحد تقريبا تفهم موقفه أو دافع عنه.

ترمب هو معزول تماما. هو في الحقيقة زاد الشبهات التي تحوم حوله. لماذا يصر على الانسحاب من سورية وتركها لبشار وبوتن؟ ولماذا هو مستعجل جدا لتحقيق ذلك؟

لو فرضنا أن هناك أمورا سرية بين ترمب والروس فمن المحتمل أنه أطلق تصريحه الأخير لكي يوصل رسالة إلى الروس مفادها أنه حاول وسعه لسحب أميركا من سورية ولكنه عجز عن ذلك.

فكرة وجود اتفاق سري بين ترمب والروس هي واردة، ولكن من الممكن أيضا أنه مجرد شخص أخرق لا يفهم أبعاد الأمور التي يخوض فيها. كثير من آرائه وطروحاته تدل على محدودية تفكيره.

أنا أظن أن ترمب سيتعرض في الفترة المقبلة لضغط كبير جدا سيرغمه على نبذ فكرة الانسحاب من سورية، وإذا لم ينبذ هذه الفكرة فإنه سيعزل من منصبه وسيحل محله نائبه مايك بنس.

الأتراك وانكشاريتهم السوريون فرحوا كثيرا بتصريح ترمب لظنهم بأن ترمب هو مثل أردوغان يستطيع أن يقرر بنفسه كل شيء، ولكن ترمب هو ليس كأردوغان. هم أيضا تلقفوا تصريحا محرفا لمحمد بن سلمان واستغلوه للترويج مجددا لفكرة بقاء بشار الأسد. ما لفتني هو أن الإعلام القطري شذ عن القاعدة هذه المرة ولم يظهر حماسا كبيرا في تأييد موقف أنقرة والانكشارية. هذا يدل على أن مقاطعة قطر هي مفيدة وبدأت تحقق نتائج.

تصريح محمد بن سلمان احتوى على تطور نوعي في الموقف السعودي: لأول مرة السعودية تصرح علنا بدعمها للوجود الأميركي في سورية. هذا الموقف يضع السعودية في صدام مباشر مع الأتراك والروس، أي أن السعودية ابتعدت عن الحياد وباتت أقرب إلى الخندق المناوئ لبشار وداعميه. ربما لهذا السبب أضاف ابن سلمان الجملة التي قال فيها أن بشار الأسد باق. هو أراد بهذه الجملة أن يخفف من وطأ تصريحه على الأتراك والروس. ولكن هذه الجملة لا تغير شيئا عمليا. المحصلة العملية للتصريح هي أن الموقف السعودي ضد بشار اشتد وصار أقوى من السابق.

3 آراء حول “احتمال عزل ترمب من منصبه يفوق احتمال الانسحاب الأميركي من سورية

  1. عزيزي هاني
    بشار الأسد باق وداعش والقاعدة الى نهاية في سوريا وسوف ينقلهم الغرب الى غرب افريقيا وجنوب الصحراء
    هناك خطر من الاخوان والقاعدة على مصر لكن الجيش والشعب في مصر يواجهان بقوة

  2. هاني لما يبتدي اصطياد الجنود الامريكين في سورية والذي وجد مؤشرات كثيرة انها سيبتدأ عاجلآ
    فماهو السبب والمبرر الذي سيعطيه ترامب وإدارته للشعب الامريكي ولاهالي الجنود المقتولين!؟
    امريكا لاتملك أي مبرر أو شرعية للبقاء في سورية فهي راحلة حتمآ وكل ما عجلت في رحيلها كان ذلك أفضل لها ولحفظ ماء وجهها

  3. او ربما هو اطلق هذه التصريحات لابتزاز السعودية وجعلها تدفع لاجل ابقاء القوات هناك ……..ترامب يفكر بعقلية تاجر صرفة هو لا يقيم للسياسة اي وزن
    استغرب ان هذا المعتوه له شعبية ……….هل يعقل ان الشعب الامريكي معاتيه حتى انتخبوه !!!!!!!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s