التطورات الأخيرة في شمال سورية أعادت رسم الحدود بين بشار الأسد وتركيا على نحو يجعل من احتفاظ بشار بمدينة حلب أمرا مستبعدا.
معظم ريف حلب هو خارج سيطرة بشار. هو يحتل المدينة التي دمرها وهجر معظم سكانها ويحتل أجزاء من الريف الجنوبي والشرقي. المناطق الريفية التي يحتلها هي عموما فقيرة وقليلة السكان وأقل أهمية من المناطق التي لا يحتلها.
بشار عمليا لا يسيطر على شيء يذكر في شمال سورية. التطورات الأخيرة أخسرته مناطق مهمة محسوبة عليه، منها مثلا منطقة عفرين التي تنازل بشار والروس عنها لتركيا في عمل غريب لم نتوقعه.
ما جرى مؤخرا في شمال سورية يؤكد فكرة قديمة كنا قد طرحناها في الماضي: إيران هي ليست جادة في احتلال شمال سورية. تدميرهم لمدينة حلب وتفريغها من سكانها كان مجرد عمل دفاعي. هم كانوا يخشون من أن تتحول مدينة حلب إلى “بنغازي”، أي أنهم كانوا يخشون من تحولها إلى مركز لمشروع يستهدف الإطاحة ببشار وتحرير دمشق.
ما يجري الآن يدل على أنهم لا يخشون سقوط مدينة حلب بيد الاحتلال التركي. هم لا يظنون أن استيلاء تركيا أو مواليها على مدينة حلب سوف يهدد بشار، بل هم ربما يفترضون أن هكذا تطور سيخدم مشروعهم التقسيمي، لأن تركيا (كما هو واضح) هي ليست جادة في الإطاحة ببشار بل تعمل بضراوة لمنع الأميركان من الإطاحة به.
إذا احتلت تركيا مدينة حلب فما الذي سيخرجها من هناك؟ ما الذي سيخرج تركيا من المناطق التي تحتلها الآن؟ إخراج تركيا من هذه المناطق سوف يكون أمرا صعبا جدا. هو سيكون حتما أصعب من إخراج بشار من دمشق. إخراج بشار من دمشق هو أمر سهل من الناحية النظرية. المطلوب فقط هو تأسيس بديل لبشار متحالف مع الأميركان. لو توفر هذا البديل فإن بشار سيسقط سريعا بعد ذلك. إخراج الاحتلال التركي سوف يكون أمرا أصعب بكثير.
إخراج الاحتلال التركي سيتطلب أولا تأسيس حكومة سورية تحظى بتأييد عام في سورية. لو فرضنا أن هذه الحكومة تأسست وتمكنت من الحصول على تأييد سكان المناطق التي تحتلها تركيا فإن الخطوة التالية بعد ذلك ستكون حشد المجتمع الدولي ضد تركيا لإرغامها على إنهاء الاحتلال. هذا المسار سوف يكون طويلا جدا وسوف يستغرق ربما عقودا من الزمن. تركيا لديها خبرة في إدامة هذا النوع من الاحتلال تفوق خبرة أية دولة أخرى في العالم. انظروا مثلا إلى نموذج قبرص.
الأمر الخطير في الاحتلال التركي هو أنه يستند دائما على الاستيطان والتتريك. بعد احتلال الأتراك لشمال قبرص جلبوا أعدادا كبيرة من المستوطنين الأتراك وأسكنوهم هناك، وهذه القضية باتت العقبة الأكبر أمام إنهاء الاحتلال التركي (الذي يبدو أنه لن ينتهي أبدا). نفس الأمر حصل سابقا في لواء إسكندرون الذي كان ذا غالبية عربية قبل الاحتلال التركي وتعرض للتتريك بعد ذلك.
في الماضي ذكرنا أن المصادر التركية تزعم أن نسبة التركمان في محافظة حلب هي 40%. إذا كانت هذه هي نسبتهم قبل الاحتلال التركي فلا بد أن نسبتهم بعد الاحتلال سوف تقفز إلى 60% أو 70%، كما حصل سابقا في لواء إسكندرون (طبعا في الحقيقة نسبة التركمان هي أقل من ذلك بكثير وربما لا تبلغ 10%).
ما نقوله الآن هو ليس أمورا جديدة. في الماضي قلنا هذه الأمور وحذرنا منها، ولكن التحذير لم يغير مسار الأمور. قسم كبير من السوريين اختار بملأ إرادته إيصال البلاد إلى التقسيم والتتريك.
إذا كانوا يريدون التقسيم والتتريك فنحن نبارك لهم تحقق ما أرادوه. لننتظر ونر كيف سيكون حالهم بعد عقد أو عقدين من الزمن. هم سيندمون ولكن بعد فوات الأوان كما هي عادتهم.
اقرأ أيضا
إن من أوصل وضع البلد إلى ما هي عليه هم أبطال الثورة الذين خرجوا بكل وقاحة للمطالبة … لم نعد نذكر بماذا كانوا يطالبون..
فقط ما نذكره أنهم دمروا البلد والآن هم يسلمونها للتركي من أجل القضاء عليها..
هناك ملاحظتين:
الأولى: إصرار الأكراد على عدم إدخال الجيش السوري.. بالمقابل الخروج من عفرين بدون قتال.. وهذا يذكرنا بما حصل معهم في العراق.. فبعد العنتريات التي ملؤو بها الشاشات كنا نظن أنهم أسود، ولكن بكل أسف كانو أقل من ذلك بكثير..
الثانية: أين هم الأكراد الآخرين.. أقصد هنا أكراد تركيا وأكراد العراق وأكراد سوريا.. لماذا لم ينجد الأكراد أخوتهم الأكراد؟
هذا دليل واضح على أن هذه الأراضي والمدن والقرى لم تكن يوماً من الأيام للأخوة الأكراد بل هم استولوا عليها.. ولو كانوا صادقين بانتمائهم لهذه الأرض لما تخلوا عنها..
على الهامش: أين هي أمريكا المشغل الرئيسي للأكراد؟ كما قلنا سابقاً أنها تستعملهم ومن ثم ستمري بهم بأقرب حاوية، وهذا ما حصل.. وما يحاول البعض الإشارة له إلى أن روسيا تركت عفرين وحدها غير منطقي، فالروس لم يعلنوا أنهم شركاء او حلفاء مع الأكراد على عكس المشغل الأساسي..