بالتزامن مع زيارة محمد بن سلمان لأميركا سربت المخابرات الأميركية هذه المعلومات الفضائحية التي تتعلق بعلاقة محمد بن سلمان مع أمه، كما أنها تسيء لوالده أيضا.
ما هو سبب هذا الهجوم الشخصي على ابن سلمان في أثناء زيارته لأميركا؟
هناك احتمالان، الاحتمال الأول هو أن إدارة ترمب تقف وراء هذا التسريب. ترمب يتبع سياسة خارجية تقوم على البلطجة وهذا التسريب قد يكون شكلا من البلطجة بهدف انتزاع تنازلات من ابن سلمان (مثلا تنازلات مالية، أو تنازلات تتعلق بالقضية الفلسطينية). من المحتمل أيضا أن الإسرائيليين منزعجون من مشروع ابن سلمان النووي وهذا التسريب قد يكون من جهات داعمة لإسرائيل ترغب في إحباط ذلك المشروع.
الاحتمال الآخر هو أن المخابرات الأميركية تقف وراء هذا التسريب وأن ترمب لا علاقة له به. ما يدعم هذا الاحتمال هو أن المخابرات الأميركية سربت اليوم أيضا معلومات جديدة تستهدف ترمب (تتحدث عن أن المحقق روبرت مولر يحقق في أعمال ترمب بحثا عن مصالح له في روسيا). هذه التسريبات المخابراتية المتزامنة التي حصلت اليوم تدل على أن الجهة التي استهدفت ابن سلمان هي عينها الجهة التي كانت ولا تزال تستهدف ترمب.
المخابرات الأميركية هي حانقة على ترمب بسبب انحيازه للروس في عدد من القضايا الخطيرة التي تمس بالأمن القومي الأميركي، ليس فقط قضايا خارجية بل حتى قضايا سيادية داخلية (قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية). لهذا السبب المخابرات الأميركية تشن حملة متواصلة من الضغوطات ضد ترمب. الأمر الملفت هو أن المخابرات الأميركية (على ما يظهر) باتت تنظر إلى ابن سلمان على أنه شريك لترمب.
هذه أمور غامضة وأنا لا أعلم ما هو السبب الذي قد يجعل المخابرات الأميركية تتوجس من ابن سلمان.
ما نعلمه يقينا هو أن المخابرات الأميركية هي حانقة على محمد بن زايد ولي عهد الإمارات بسبب لعبه دور وسيط أو عميل للروس في الفترة التي سبقت وصول ترمب للسلطة.
قصة محمد بن زايد هي بحد ذاتها لغز غامض. هذا الرجل دعم بشار الأسد وبذلك هو دعم إيران وروسيا، وهو لم يكتف بذلك ولكنه قام بعمل مخابراتي لمساعدة الروس على اختراق دونالد ترمب (عبر اللقاء الشهير الذي حصل في جزر سيشل في المحيط الهندي). لماذا قام ابن زايد بهذه الأعمال لمصلحة الروس؟ أنا لا أعرف الجواب على ذلك. هو على ما أعتقد برر ما فعله على أساس مناهضة الإخوان المسلمين، ولكنني لا أدري ما هو الرابط بين مناهضة الإخوان المسلمين وبين دعم بشار الأسد وإيران والروس. هذه الحجة لا تقنع عاقلا وهي على الأغلب لا تقنع المخابرات الأميركية.
من الوارد أن المخابرات الأميركية تنظر إلى ابن زايد بوصفه جزءا من شبكة علاقات سرية أدارها بوتن ضد المصالح الأميركية، وبما أن محمد بن سلمان يوصف بأنه مقرب من ابن زايد فإن هذا قد يكون سببا يدفع المخابرات الأميركية للتوجس من ابن سلمان.
أنا لا أظن أن لابن سلمان أية مصالح سرية مع روسيا. هو يداهن روسيا لأنه يريد أن يكسب تأييدها له في قضية اليمن. لا يوجد سبب آخر يدفعه لمداهنة الروس. وليس صحيحا أن ابن سلمان هو مقرب جدا من ابن زايد أو أنه مطابق لابن زايد.
قراء المدونة يعلمون رأيي القديم في أمير قطر حمد بن خليفة وكيف أنه مجرد أداة استخدمتها المخابرات الأميركية لاختراق الجماعات والتنظيمات الإسلامية، ناهيك عن اختراقه للدول الإسلامية والدور المحوري الذي لعبه في تدمير عدد من الدول العربية ومسحها من الوجود. بما أن أمير قطر هو عميل قديم للمخابرات الأميركية فالمتوقع هو أن له مناصرين ومحبين في أجهزة المخابرات الأميركية، وهؤلاء قد يكونون منزعجين من ابن سلمان بسبب تحركه البطولي ضد أمير قطر.
كتبنا سابقا أن قضية مثل قضية أمير قطر لا يمكن أن تحل جزئيا أو بنصف حل، لأن أمير قطر يملك قدرة هائلة على التخريب وإحداث الأذى والضرر تفوق ما يتخيله معظمنا. ما فعله ابن سلمان هو أنه استثار الشيطان ثم تركه يسرح ويمرح، وهذا خطأ كبير. لا بد من إنهاء قضية هذا الشيطان وإلا فإنه سوف يستمر في إحداث الدمار ولن يتوقف قبل هدم المملكة السعودية كما هدم غيرها من قبل.