أنا لا أحب شرح الأحداث لأن هذه وظيفة الصحافة وأنا لست صحفيا.
ولكنني سوف أشرح ما حصل في سورية مؤخرا لأن هناك حملة تضليل شنها الطرفان المعنيان بالمواجهة: إيران وإسرائيل.
إعلام إيران وحزب الله ركز على سقوط الطائرة الإسرائيلية وتجاهل التفاصيل الأخرى، وإعلام إسرائيل (ومعه إعلام قطر) حاول أن يضلل الرأي العام العربي عبر الزعم بأن روسيا هي التي أسقطت الطائرة الإسرائيلية.
أولا يجب أن نحدد الأمر الجديد فيما حصل. حسب معلومات أوردها موقع “زمان الوصل” فإن الغارات الإسرائيلية الأولى استهدفت مواقع إيرانية حصرا ولم تصب أية مواقع لبشار، ولكن بعد سقوط الطائرة الإسرائيلية وجد الإسرائيليون في ذلك فرصة ذهبية لشن حملة قصف ضد دفاعات بشار الجوية ومطاراته.
الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع إيرانية في سورية هي ليست بالأمر الجديد. هي حصلت مرات كثيرة من قبل. الإسرائيليون لا يستهدفون مواقع بشار إلا نادرا بسبب الموقف الروسي الذي يحظر عليهم ذلك، ولكنهم دأبوا على استهداف مواقع إيرانية.
بالنسبة لرد بشار فهو أيضا ليس بالأمر الجديد. بشار دأب منذ فترة على استهداف الطائرات الإسرائيلية التي تغير على المواقع الإيرانية. في بعض المرات السابقة وصلت صواريخ بشار إلى المجال الجوي لإسرائيل وأسقطتها الدفاعات الجوية الإسرائيلية. ما حصل هذه المرة هو أن أحد صواريخ بشار أصاب هدفه. هذا ليس تطورا سياسيا ولكنه مجرد صدفة.
حسب صحيفة الأخبار فإن الصاروخ الذي أصاب الطائرة الإسرائيلية هو صاروخ من نوع قديم موجود لدى عائلة الأسد منذ ثمانينات القرن العشرين، بالتالي لا أساس للزعم بأن روسيا أسقطت الطائرة.
الأمر الجديد فيما حصل هو أن إسرائيل استغلت سقوط الطائرة وشنت بتلك الذريعة موجة قصف ضد دفاعات بشار الجوية ومطاراته.
الخاسر الأكبر مما حصل هو بوتن، وذلك للأسباب التالية:
1. ما حصل أعطب بشار من الناحية العسكرية. هو خسر دفاعاته الجوية أو قسما منها. هذا سوف يسهل على إسرائيل والأميركان (وربما الأتراك) توجيه ضربات مستقبلية لبشار. في السابق كان بوتن يعتبر نفسه سيد المجال الجوي لبشار وكان يمنح الأذونات للدول التي تريد استخدام هذا المجال الجوي دون أن تتعرض لضربات من بشار، ولكن بوتن الآن فقد هذه الميزة أو قسما منها. أيضا إصابة مطارات بشار ستعيق سير المجازر التي كان بشار يخطط لارتكابها في الغوطة وغيرها (والتي حظيت بغطاء روسي كامل).
2. من وجهة نظر دولية بشار هو محسوب على روسيا وإسرائيل هي محسوبة على أميركا. بالتالي ما حصل يعتبر ضربة أميركية لروسيا.
3. ما حصل يقوض أطروحة بوتن حول سورية التي تميز بين بشار وإيران وتزعم أن بشار لا يشكل أي تهديد لإسرائيل بخلاف إيران. بوتن كان جادا جدا في تبني هذه الأطروحة إلى درجة أنه كان يطالب الإسرائيليين بدعم بشار بحجة أن ذلك يضعف إيران في سورية. أطروحة بوتن كانت منذ بدايتها مجرد تهريج، ولكن طبيعتها التهريجية ازدادت وضوحا الآن.
بوتن طبعا لم يكن يرغب في حصول أي تصعيد بين بشار وإسرائيل لأنه يعرف عواقب ذلك. حتى بشار نفسه لا يرغب في التصعيد (قبل أيام فقط هو أرسل رسالة تزلف إلى نتنياهو)، ولكن بشار كان مرغما على الرد بسبب الضغوط الإيرانية التي يتعرض لها.
بالأمس قرأنا تصريحا إيرانيا يقول أن إيران هي مسؤولة عن وصول بشار إلى ما وصل إليه. هذا التصريح على ما أعتقد يحتمل تفسيرين، إما أنه موجه لبشار لتذكيره بفضل إيران عليه حتى لا ينساق مع الروس والإسرائيليين وغيرهم، أو أن التصريح هو مجرد جزء من الدعاية الإيرانية التي تتفاخر بما حصل لأنه مؤشر على سطوة إيران في سورية.
ما حصل فعليا هو مواجهة إيرانية-إسرائيلية. لا روسيا ولا بشار يرغبان في مقاتلة إسرائيل، ولكن إيران ترغب دائما في ذلك (إيران تضغط دائما على بشار لكي يرد على إسرائيل ويحاربها ونحو ذلك). ما حصل يظهر إيران بوصفها القوة الأهم في سورية القادرة على فرض ما تريده، وهو يقوض دعاية الروس التي تحاول أن تهمش دور إيران في سورية.
إيران لا تهتم بتدمير دفاعات بشار الجوية وجيشه. الإيرانيون يريدون تحويل سورية إلى “ساحة للمقاومة”. هم يريدون أن تكون هناك في سورية جماعات وميليشيات تابعة “لمحور المقاومة” تخوض حربا دائمة ضد أميركا وإسرائيل والجهات التي تعتبرها إيران تابعة لأميركا وإسرائيل. مثل هذا السيناريو لا يهتم بوجود جيش نظامي تابع لبشار، بل إن وجود هكذا جيش يمكن أن يكون عقبة أمام تحقيق الرؤية الإيرانية المثالية.