منطقة “عفرين” التي تقع شمال غرب حلب هي منطقة لا تمت إلى الأميركان بأية صلة.
أميركا لم يسبق لها أن وطئت عفرين أو تعاملت معها بأي شكل. هذه المنطقة هي خارج نطاق عمليات التحالف الدولي ضد داعش، وفي الماضي هي كانت خارج نطاق برامج “دعم المعارضة السورية” التي نفذتها المخابرات الأميركية ثم وزارة الدفاع الأميركية.
في المقابل الروس لهم حضور معروف وعلني في عفرين. أظن أيضا أن الروس جلبوا بشار إلى هناك.
عندما كان أردوغان يهدد بمهاجمة عفرين كنا دائما نقول أن هذا تهديد فارغ لأن بشار والروس لا يمكن أن يمنحوا تصريحا لأردوغان بمهاجمة تلك المنطقة التابعة لهم، خاصة وأن هكذا هجوم ربما يفتح الباب أمام تدخل أميركي في المنطقة، وهو آخر ما يرغب به بشار والروس. حتى أردوغان نفسه لا يرغب بوصول الأميركان إلى هناك. بالتالي كل هذه القصة هي مجرد مسرحية هزلية. هي تهريج على غرار تهريج أردوغان عندما كان يتحدث عن عملية وشيكة لاحتلال منبج.
تفسيرنا لهذه القصة هو أنها مجرد طريقة تركية للضغط على بشار والروس بهدف انتزاع تنازلات منهم في النزاعات الحدودية. أردوغان يريد أن يحتل القسم الشمالي من محافظة إدلب الواقع شمال طريق حلب-اللاذقية. هذا هو سبب تهديده باحتلال عفرين.
هذا هو تحليلنا لقصة عفرين الذي نتبناه منذ أشهر، ولكن في الأيام الماضية لفتني أن أردوغان أطلق تصريحات مقذعة جدا ضد الأميركان من قبيل قوله بأنه سوف يدمر القوات المدعومة من أميركا في الحسكة والرقة. هو بتلك التصريحات بدا وكأنه يحاول استفزاز الأميركان وجرهم إلى حرب تصريحات وتصعيد كلامي. أليس من الغريب أن يفعل ذلك عشية العملية المزعومة التي يقول أنه سيشنها ضد عفرين؟
إذا كان يريد الدخول إلى عفرين واحتلالها فلماذا يستفز الأميركان ويحاول أن يستجرهم إلى مواجهة معه؟ هل هذا يخدم مخططه المزعوم لاحتلال عفرين؟ لماذا يحاول أن يجر الأميركان إلى قضية عفرين رغم أن تلك القضية لا تعنيهم؟
الإعلام التركي يحرص دائما على الربط بين عفرين وبين قسد رغم أن قسد هي ليست موجودة في عفرين ولا علاقة لها بعفرين. هل هذا الربط يخدم المخطط التركي لاحتلال عفرين؟ إذا كان الأتراك جادين في احتلال عفرين فمصلحتهم هي عزل عفرين عن قسد والأميركان وليس العكس.
بعض وسائل الإعلام العربية التي تدور في فلك تركيا نشرت في الأيام الماضية أخبارا من قبيل “عملية تركية وشيكة في عفرين تنتظر موافقة أميركية”. لا أدري ما هي الموافقة الأميركية التي ينتظرها الأتراك بشأن عفرين.
أنا الآن بتُّ أعتقد أن الأتراك يستغلون قضية عفرين للضغط على الأميركيين وليس على بشار والروس. هم على ما يبدو يريدون أن يجروا الأميركان إلى قضية عفرين لأنهم يعتقدون أن ذلك سيضع الأميركيين في موقف ضعيف وسيجبرهم على الدخول في مباحثات جديدة مع بشار والروس تؤدي إلى تنازلات أميركية جديدة لبشار والروس (كما حصل سابقا في منبج عندما اضطر الأميركان لعقد اتفاق مع بشار والروس بهدف صد الأتراك عن تلك المنطقة). هذا هو التفسير الوحيد لما يفعله الأتراك.
كل ما فعله الأتراك في سورية منذ عام 2011 وحتى اليوم يهدف في الحقيقة إلى جر الأميركيين للتنازل لبشار. هذا هو دائما السبب الخفي الكامن وراء سلوكياتهم الغريبة وغير المفهومة.
الأميركان على ما يبدو يفهمون اللعبة التركية ولهذا هم صرحوا في الأيام الأخيرة بأن قضية عفرين لا تعنيهم ولن يتدخلوا فيها. هذا أيضا تصريح للتحالف الدولي.
البعض سيظنون أن هذه التصريحات الأميركية هي تخل عن الأكراد وخيانة للأكراد وخوف من تركيا ونحو ذلك. هم سيظنون ذلك لأنهم ينظرون لما يجري في تركيا من منظار الدعاية التركية.
أميركا لا تتخلى عن الأكراد في عفرين. أميركا هي أصلا ليست موجودة في عفرين حتى نقول أنها تتخلى عن تلك المنطقة. منطقة عفرين هي محاصرة من كل الجهات والأميركان لا يمكنهم أن يفعلوا شيئا لها إلا إذا دخلوا في مباحثات مع الأتراك وبشار والروس. هذا تحديدا هو الهدف من كل هذه القصة. هي مجرد محاولة جديدة لجر الأميركان إلى محادثات تؤدي إلى تنازلات.
ما نخشاه هو أن يكون بشار والروس متفقين مع أردوغان في اللعبة التي ينفذها الآن. هم ربما منحوه ضوءا أخضر لمهاجمة عفرين لاعتقادهم بأن ذلك سيجر أميركا إلى محادثات حول القضية. أنا أرى أن هذا احتمال ضعيف. لو تبين أن بشار والروس منحوا أردوغان ضوءا أخضر فهذا سيدل على أن وضعهم هو مأساوي ومثير للشفقة. هم يتخلون لأردوغان عن قطعة أرض جديدة على أمل جر أميركا إلى محادثات. لا أحد يفعل شيئا كهذا إلا إذا كان يائسا تماما وفاقدا لكل أمل. هكذا سلوك يتناقض مع الكيفية التي يطرحون بها أنفسهم في الإعلام. هم يصورون أنفسهم كمنتصرين ورابحين.
الأيام القادمة ستكشف الحقيقة. إذا شن الأتراك هجوما كبيرا على عفرين فهذا سيدل على أن بوتن هو في حال يأس كامل ويوشك على الهرب من سورية، وإلا لما كان صرح لتركيا بعمل كهذا لأجل أمل واه.