التطورات الجارية في إدلب هي تطورات مؤسفة، ولكنها مجرد تحصيل حاصل ولا تمثل شيئا جديدا من الناحية الاستراتيجية.
ما يحصل الآن في إدلب كان أمرا محتوما منذ حصول عملية “درع الفرات”. حلب وإدلب سقطتا كلتاهما في يوم 24 آب 2015 عندما بدأت عملية “درع الفرات”.
ولكن سقوط حلب وإدلب لا يعني سقوط المعارضة ولا انتصار بشار، لأن سورية لا تقتصر على حلب وإدلب.
عندما حصلت عملية “درع الفرات” وبدأ هجوم بشار وداعميه على مدينة حلب خرجت بعض الأبواق التركية والقطرية وصارت تروج لنهاية الحرب في سورية بدعوى أن سقوط حلب يمثل نهاية المعارضة. آنذاك حذرنا من ذلك الكلام ونبهنا إلى أنه مجرد دعاية مخابراتية تركية. نفس الأمر سوف يتكرر الآن بعد سقوط إدلب، وربما على نحو أشد. سوف يخرج بعض الأشخاص الذين يقبضون رواتب من قطر وتركيا وسوف يقولون أن سقوط إدلب يعني نهاية الحرب في سورية. يجب الحذر من هذه الترهات وعدم تصديقها.
أميركا هي موجودة بقوة في سورية. هي موجودة في محافظتين كاملتين هما الحسكة والرقة، بالإضافة إلى أجزاء مهمة من محافظتي حلب ودير الزور.
في الماضي حذرنا من الدعاية التركية-القطرية الكاذبة التي تروج لما يلي:
- أميركا سوف تنسحب من مناطق سيطرة قسد بعد انتهاء حرب داعش ولن تحمي تلك المناطق.
- أميركا سوف تعقد صفقة لتقاسم النفوذ مع روسيا تسمح لبشار بالبقاء في دمشق.
حذرنا كثيرا (وما زلنا نحذر) من تصديق هذا الكلام الذي لا يستند إلى أي أساس. هذا الكلام هو مجرد كذب تروجه جهات تتلقى أموالا من تركيا وقطر.
بالنسبة للنقطة الأولى فأظن أن كذبها اتضح لكل الناس. بات واضحا الآن أن أميركا لا تنوي الانسحاب والتخلي عن المناطق المحررة. ولكنني أخشى أن بعض الناس قد يصدقون النقطة الثانية بسبب الهدنة القائمة بين الأميركان وبشار. نقول لهؤلاء: أميركا لا يمكن مطلقا أن تعترف بسيطرة بشار وحزب الله على دمشق لأن هذا الأمر هو خط أحمر لدى إسرائيل. أميركا لن تعترف أبدا بشرعية بشار في دمشق وسوف تظل تعمل لإزالة بشار من دمشق. كل كلام بخلاف ذلك هو كذب.
سبب الهدنة القائمة بين أميركا وبشار هو أن العرب السنة في المحافظات الغربية (وخاصة في محافظة حلب) لم يتعاونوا مع الأميركان وفضلوا التعاون مع تركيا. لا يمكن لأميركا أن تطيح ببشار في المحافظات الغربية دون تعاون سكان تلك المحافظات، لأن أميركا هي ليست ساحرا وليست إلها. هناك حدود لقدرات أميركا.
في الماضي شرحنا أن المعارضة العربية السنية في المحافظات الغربية لا يمكنها أبدا أن تهزم بشار الأسد دون دعم أميركي، لأن بشار يحظى بدعم من خمس دول، ثلاث منها تدعمه علنا ودونما مواربة (لبنان ممثلا بحزب الله، وإيران، وروسيا) واثنتان أخريان تدعمانه دون الإعلان عن ذلك (تركيا وقطر).
الدول الجادة في معارضة بشار هي ثلاث فقط: أميركا وإسرائيل و(نظريا) آل سعود.
معارضة آل سعود لبشار هي معارضة نظرية أو افتراضية. هم لم يفعلوا أي شيء عملي ضد بشار منذ بداية الثورة. كل ما فعلوه هو دعم قطر وتركيا، أي دعم بشار. نحن نفترض أنهم فعلوا ذلك عن غباء وسوء فهم (كما فعلوا في اليمن عندما سهلوا سيطرة الحوثيين على صنعاء دون أن يكون ذلك قصدهم).
بالنسبة لإسرائيل فهي وجهت بعض الضربات لبشار وحزب الله، والأهم من ذلك هو أنها تضغط باستمرار على الأميركان لكي لا يقبلوا ببقاء بشار وحزب الله في دمشق.
من الناحية العملية أميركا هي الدولة الوحيدة التي عملت جديا للإطاحة ببشار، ولكن المشكلة التي واجهت الأميركان منذ البداية هي عدم تعاون العرب السنة وتفضيلهم للتعاون مع تركيا وقطر. أميركا في البداية لم تكن راغبة في التعاون مع الأكراد لأكثر من سبب أهمها هو ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني، ولكن في عام 2014 حصل تطور استراتيجي مهم للغاية هو القرار الأميركي بدعم الأكراد ومن ثم التحالف معهم. أميركا أكرهت على اتخاذ ذلك القرار نظرا لانعدام البدائل. لو لم يتخذ الأميركان ذلك القرار لكان بشار وداعموه احتلوا سورية بأكملها.
الأميركان والأكراد كانوا راغبين في تحرير محافظتي حلب وإدلب، ولكن عملية “درع الفرات” قطعت الطريق أمامهم. عندما حصلت عملية “درع الفرات” قلنا أنها أضافت عقدا من الزمن إلى عمر بشار الأسد. بعض الناس ربما ظنوا أن ذلك كان مبالغة، ولكننا الآن نرى أنه لم يكن مبالغة.
ما يجري الآن في إدلب هو من ملحقات “درع الفرات”. هو ليس شيئا جديدا. الأمور ما زالت كما هي من الناحية الاستراتيجية. من يسقط الآن في إدلب هو ليس المعارضة السورية وإنما أردوغان، لأن ما يجري يطيح بورقة التوت الأخيرة التي ستر بها أردوغان عورته. لا يمكن لأردوغان بعد الآن أن يتظاهر بأنه داعم للعرب السنة في سورية.
الأميركان يعتزمون زيادة تدخلهم في سورية في الفترة المقبلة. هم سوف يؤسسون دولة سورية جديدة في المناطق المحررة وسوف يبنون جيشا جديدا لسورية. ما سوف يفعلونه هو مشروع لكل سورية وليس فقط للأكراد. العرب السنة الجادون في معارضة بشار يجب أن يفهموا جيدا ما الذي يجري وما الذي سيجري. عدم الفهم هو المشكلة الكبيرة التي أعاقت جهود حل الأزمة السورية. إذا أصر العرب السنة على عدم الفهم فهذا يعني مد عمر الأزمة السورية للمزيد والمزيد من السنين.
ما يجب أن يفهمه العرب السنة هو أمر بسيط: أميركا فقط هي من سيسقط بشار. أردوغان هو حليف لبشار. من يريد أن يتخلص من بشار يجب أن يهاجر إلى المناطق المحررة ويتعاون مع الأميركان، وإذا لم يستطع الهجرة فيجب عليه على الأقل أن يمتنع عن دعم بشار والجهات الداعمة له.
المقال فيه تحريض رخيص (كما جرت عادة المفلسين) والإصرار على الحديث عن العرب السنة في سوريا..
صاحب المدونة لم يفهم أن هذه اللغة أصبحت من الماضي… انتهينا من عرب سنة وعلويين..
ما يحدث الآن هو أمر طبيعي وفقاً لتسلسل أحداث ما يسمى ثورة:
1- مجموعة من الأشخاص سمعوا بشيء اسمه ربيع ففرحوا وركبوا موجة الربيع
2- دول تريد (الفوضى الخلاقة) دعمت هؤلاء الأشخاص بالكلام والمال..
3- دخول المال لشراء النفوس.. فأصبح السوري يقتل السوري..
4- مال أكثر… فدخل الغرباء (وما خرجنا إلا لنصرة هذا الدين).. وبدأوا باحتلال الأراضي السورية وتطبيق شرع الشيطان..
5- تراجع للدولة السورية..
6- عادت الدولة السورية للقوة واستعادة الأراضي..
7- استعادة حلب كان أمر مفصلي..
8- مؤتمر استانة… سلمت فيه الفصائل بعض الأماكن..
9- حصل التركي على ما يريد.. عبارة عن مثلث بسيط بعد أن كان يريد الصلاة في دمشق..
10- تظهر الدولة كقوة من جديد…
11- يبقى الفساد على ما هو عليه.. والنتيجة أن مجموعة من الأغبياء أرادو تغيير النظام والنتيجة كانت أسوأ مما كانت مع اقتطاع أجزاء من البلد أيضاً…
المسلي بالموضوع هو بكاء الفصائل على تويتر … هم يقولون: لقد سلمنا لهم في استانا.. نريد تطبيق استانا فقط… لماذا القصف إذاً….
أصبحت الفصائل تتسائل: إذا كانت الدولة تتقدم وفقاً للاتفاق أستانا فلماذا تقصفنا؟؟؟
لا يعرفون أن القادم أعظم… وأن المطلوب خلع آخر لباس… فالدولة لا تريد أن تعرّي المعارضة فقط.. الدولة السورية تريد أن تذل هذه الفاصائل.. وأن تستمتع بذلك..
قلناها وسنظل نقولها: أن ابتلاء سوريا ليس النظام بل معارضة النظام…
النظام سعيد جداً بوجود أغبياء بهذا المستوى من التفكير يعارضونه… وكلما زاد الحديث عن السنة والعلويين كلما زاد النظام من السعادة..
إن ما زاد بعمر الأسد عشر سنوات ليس أردوغان بل الذي زاد عمره هو الشعارات الطائفية ومنها ما نقرأه اليوم في هذا المقال..
الرهان اليوم على الجزيرة… لا بأس…
اليوم الجزيرة بيد أمريكا…
لننتظر ونرى..
الأيام بيننا…
نحن الآن في بداية 2018… والدولة السورية ممنوعة من الدخول إلى الجزيرة السورية… انتظروا وستروا أن أمريكا لن تستطيع بيناء مستشفى واحد، أمريكا لن تستطيع تمويل جامعة واحدة، ولن تستطيع تطوير المنطقة…
من يعتمد على الأمريكان سيندم… هذا ما يعمله لنا التاريخ…
أمريكا قسمت فيتنام… وقسمت كوريا…
فيتنا عاد أهله ووحدوا بلدهم بعد أن أذلوا الأمريكان…
أمريكا تعتاش اليوم على التهديد بين الكوريتين… فقط تخيلوا الكوريتين بدون وجود أمريكا… ستكونان اليوم أكثر من أخوة… ولكن أمريكا لا تريد ذلك..
سننتظر ونرى كم سنة تستطيع أمريكا البقاء في المنطقة..
أما بالنسبة لأخوتنا الأكراد، فالأفضل لهم أن يعرفوا أن كل من دخل سوريا سيخرج وسنبقى نحن وهم معاً…