الأمور سارت في سورية كما توقعنا.
الأميركان نجحوا في تحرير مساحة كبيرة من سورية وحظروها على بشار الأسد وداعميه.
المنطقة التي سيطروا عليها تحوي معظم نفط الدويلة السورية وقسما كبيرا من مياهها وزراعتها، ولكن الأميركان طبعا هم ليسوا طامعين في هذه الأمور بحد ذاتها كما يتوهم بعض الناس. مع احترامي لثروات شرق سورية ولكن هذه الثروات لا تساوي شيئا بالنسبة للأميركان. هي ليست كافية حتى لتمويل ما ينوي الأميركان القيام به في سورية. هم الآن يبحثون عن جهات دولية تتبرع لهم بالأموال لكي يتمكنوا من إزالة الألغام التي خلفتها داعش ولكي يتمكنوا من إعادة إعمار الرقة وغيرها.
ثروات شرق سورية هي ليست مهمة للأميركان ولكنها مهمة جدا لبشار الأسد، لأن بشار الأسد هو منتوف ولا يملك شيئا سوى ما تتصدق به إيران عليه. خسارة بشار الأسد لتلك الثروات هي ضربة استراتيجية كبيرة له. هذه هي أهمية سيطرة الأميركان على تلك الثروات. هي حرمان لبشار من موارد يحتاجها بشدة.
الأهم من خسارة بشار الأسد للثروات الطبيعية هو أن المنطقة التي حررها الأميركان هي مؤطى قدم استراتيجي داخل سورية يمكن أن يستخدم في المستقبل كمنصة للإطاحة ببشار الأسد.
ليس من الضروري أن يقوم الأميركان بأنفسهم بالإطاحة ببشار الأسد. هم يقولون أنهم لن يفعلوا ذلك، وموقفهم هذا صحيح لأن قضية الإطاحة ببشار الأسد هي شأن داخلي سوري. الأميركان جربوا في الماضي إسقاط نظام صدام والنتيجة كانت سيئة في رأيهم. لهذا هم لا يريدون أن يكرروا نفس الأمر مع بشار.
قضية التخلص من بشار (كما كنا نقول على الدوام) هي قضية داخلية سورية لا بد أن يحلها السوريون بأنفسهم. التدخل الأميركي في سورية خلق منطقة آمنة داخل سورية يمكن أن يستفيد منها السوريون في المستقبل لحل قضية بشار، سواء بطرق عسكرية أم بطرق غير عسكرية. رأيي الذي شرحته كثيرا في الماضي هو أن قضية بشار يمكن أن تحل دون عنف بمجرد أن يقتنع داعموه السوريون بنبذه.
الأميركان الآن يعملون على تأمين المنطقة التي حرروها ومنع داعمي بشار الأسد من مهاجمتها. الخطر الأكبر الذي يتهدد هذه المنطقة نظريا هو روسيا (خاصة وأن الروس هددوا مرارا بمهاجة قسد ووصل الأمر بهم إلى تشبيهها بداعش). لهذا السبب يحرص الأميركان على عقد اتفاقات الهدن و”منع التصادم” مع الروس.
المثلث الروسي-التركي-الإيراني أراد شرعنة بشار الأسد لكي يكون ذلك مدخلا لشن حملة سياسية على أميركا بدعوى أنها تهتك سيادة بشار عبر تدخلها العسكري في سورية. مسار أستانة كان يجب أن يوصل إلى ذلك، ولكن الأميركان نجحوا في تعطيل هذه المؤامرة وأعادوا الاعتبار مجددا لمسار جنيف. مؤتمر المعارضة السورية الذي حصل مؤخرا في الرياض كان على الأغلب بطلب أميركي والهدف منه هو منع المثلث الروسي-التركي-الإيراني من شرعنة بشار الأسد. المخابرات التركية وقطر شنوا حملة دعائية هائلة ضد المؤتمر قبل انعقاده بهدف إفشاله.
قضية بشار الأسد هي مستمرة ولن تنتهي قريبا، ولكن وجود أراض محررة داخل سورية يعطي فرصة للسوريين (ولمن يريد أن يدعمهم) لحل هذه القضية في المستقبل.
دول كثيرة حاولت (وما تزال تحاول) أن تقفل قضية بشار الأسد عبر تقسيم سورية. أبرز الدول التي تدفع في هذا الاتجاه هي بعض الدول الأوروبية (خاصة ألمانيا) التي تظن أن تقسيم سورية هو أسرع حل لإنهاء الخلاف مع بوتن. أيضا سيسي مصر هو ممن يدفعون في هذا الاتجاه لأسباب غير واضحة (من الوارد أن بشار الأسد والإيرانيين يتلاعبون بهذا الرجل، ومن المحتمل أنه يعتقد أن تقسيم سورية هو أهون من خلع بشار الأسد ومحاكمته، لأن السيسي على ما يبدو يقارن حالة بشار بحالته هو شخصيا).
جهود تقسيم سورية تعتمد بدرجة كبيرة على الأمم المتحدة ومنظماتها. الدول الراغبة بتقسيم سورية تستغل الأمم المتحدة ومنظماتها لتمويل بشار وإعادة تأسيس سلطته في بعض المناطق (مثلا في حلب).
أصعب مشكلة واجهت السوريين منذ اندلاع أزمة بشار كانت ولا زالت مشكلة أردوغان. الروس والإيرانيون (وبشار نفسه) أدخلوا الجيش التركي إلى سورية لتحقيق عدة أهداف تكتيكية أهمها منع الأميركيين من تحرير مدينتي حلب ودير الزور، ولتحقيق أهداف استراتيجية أهمها هو منع قيام تعاون بين أميركا والمعارضة العربية السنية في سورية، على أساس أن أردوغان سوف يمنع هذه المعارضة من التعاون مع أميركا. نحن شككنا كثيرا في قدرة أردوغان على تحقيق هذا الهدف على المدى الطويل، خاصة وأن الأميركان يمكنهم أن يستعينوا بآل سعود لمعاكسة تأثير أردوغان.
آل سعود لم يكونوا راغبين في مساعدة أميركا في سورية ضد أردوغان (هم كانوا لفترة طويلة يتظاهرون بالتعاون مع أميركا ولكنهم في الحقيقة لم يكونوا يتعاونون)، ولكن في الآونة الأخيرة نشأت ظروف أجبرت حكام آل سعود على التعاون مع أميركا في بعض الأمور. الملك السعودي يريد أن يقوم بعمل كبير هو توريث حكم المملكة السعودية لابنه. لكي ينجح في هذا العمل هو يحتاج دعما أميركيا. في الآونة الأخيرة لاحظنا أن الأميركيين يقدمون له هذا الدعم. السبب هو أن آل سعود باتوا يساعدون الأميركيين في بعض المسائل المتعلقة بسورية (على سبيل المثال، ثامر السبهان زار مدينة الرقة المحررة ووعد بالمساهمة في إعمارها، وآل سعود قبلوا باستضافة مؤتمر المعارضة السورية في الرياض رغم معارضة أردوغان وبوتن الشديدة لهذا المؤتمر).
أردوغان ساعد بشار في بعض الأمور المهمة، أهمها هو أنه سهل لبشار احتلال مدينتي حلب ودير الزور، ولكن على المدى الاستراتيجي أردوغان لا يمكنه أن ينقذ بشار.
إنقاذ بشار هو مهمة تفوق طاقة أردوغان وطاقة بوتن. بوتن على الأغلب هو أول من سيصاب باليأس من تحقيق هذا الهدف. نحن نلاحظ الآن أن بوتن هو مستعجل جدا لإقفال قضية بشار، لأن فكرة البقاء في سورية إلى أجل غير مسمى هي فكرة لا تناسب الروس أبدا (التدخل الروسي في سورية هو مكلف والروس لا يستطيعون أن يتحملوا هذه الكلفة لوقت طويل). صحيح أن الأوضاع الآن هي “هادئة” في مناطق سيطرة بشار (بسبب المجازر الروسية الرهيبة ومؤامرات أردوغان)، ولكن هذا الهدوء لن يستمر إلى الأبد. الروس يريدون أن يخرجوا من سورية الآن قبل أن تضطرب الأوضاع مجددا. هم يحاولون بكل طاقتهم إيجاد صفقة سياسية تسمح لهم بالخروج من سورية مع ضمان مستقبل بشار، ولكن الأميركيين هم ليسوا في وارد منحهم هكذا مخرج. لهذا السبب بوتن هو الآن في ورطة حقيقية. هو استنفد كل السبل الممكنة للضغط على الأميركيين وعجز عن إرغامهم على شرعنة بشار. في النهاية لن يكون أمامه خيار سوى الانسحاب الكيفي دون امتلاك ضمانات حقيقية حول مستقبل بشار الأسد من الأميركيين، وأظن أن هذا سيحصل قريبا.
الطرف الوحيد الذي سيضمن مستقبل بشار لبوتن هو أردوغان، وعلى هذا ينطبق المثل “التم المتعوس على خايب الرجا”.
ظهر النفس الاخواني الان عند هاني . الناس لا تحب بشار الأسد بل تكره الاخوان والنصرة وداعش وتنظيمات واشنطن وأنقرة الإرهابية هؤلاء من دعم بشار الأسد وجعله خشبة الخلاص من الظلاميين والقروسطيين والمتخلفين في كل شئ . اترك الاخوان فهم كانوا دائما ضد تقدم الدولة والإنسان في العالم الاسلامي