في الآونة الأخيرة ازدادت وتيرة التنازلات الشكلية التي تقدمها أميركا إلى روسيا، وليس واضحا تماما ما هو سبب هذه التنازلات.
ما يلي أمثلة على ما نقصده:
-اتفاقيات “خفض التصعيد” التي بدأت في درعا والقنيطرة ويقال أنها ستمتد أيضا إلى الجيب المحاصر شمال حمص.
-المواقف الأميركية التي تبرأت من الفصائل التي تقاتل بشار الأسد في البادية الجنوبية.
-البيان الذي أصدره “مايكل راتني” وهاجم فيه جبهة النصرة في إدلب. نعتبر هذا البيان تنازلا لأنه يمكن أن يبرر للروس والإيرانيين مهاجمة إدلب.
هناك أمور أخرى تدخل في نطاق الإشاعات، مثل المزاعم حول تنسيق بين بشار الأسد وقسد. أنا قرأت هذه الإشاعة في مقال مصدره مخابرات بشار الأسد نشرته جريدة “الأخبار”. مصداقية المصدر هي ضعيفة والخبر قد يكون مجرد كذب بلا أساس.
تحركات أحمد الجربا السيئة وتباهيه بـ”إحلال مصر محل تركيا” (وكأن مصر هي أفضل من تركيا) قد تكون مجرد أمور شخصية تخص أحمد الجربا.
بعيدا عن هذه الأمور المشتبهة، هناك أمور واضحة:
-الموقف الاستراتيجي الأميركي لم يتغير. الأميركان ما زالوا يعلنون الرفض لبشار الأسد وإيران في سورية. هم فرضوا عقوبات على روسيا وإيران وينوون فرض عقوبات جديدة على حزب الله.
-موقف أميركا العسكري في سورية أصيب بضعف واضح بعد اتفاقات أردوغان مع الروس والإيرانيين التي سمحت للروس والإيرانيين بجلب بشار الأسد إلى تخوم الرقة ودير الزور.
رأيي الشخصي هو أن النقطة الأخيرة هي أرجح سبب يفسر التنازلات الأميركية. الأميركان هم مضغوطون ميدانيا بسبب الاتفاقات التي عقدها أردوغان مع الروس والإيرانيين. تلك الاتفاقات تهدد تحرير الرقة وليس فقط تحرير دير الزور. تلك الاتفاقات وما نتج عنها أجبرت الأميركيين على الانحاء تكتيكيا.
من الوارد أن الأميركان يقومون بمناورة تهدف إلى تفكيك المثلث الروسي-التركي-الإيراني. الحديث حول “إحلال مصر محل تركيا” قد يكون بوحي من آل سعود، ومن الوارد أن هناك تشجيعا أميركيا لمثل هذا الكلام. “إحلال مصر محل تركيا” لن يقدم بحد ذاته أية خدمة للموقف الأميركي، لأن الموقف المصري من القضية السورية هو ليس أفضل من الموقف التركي، ولكن الفائدة المحتملة من هذه السياسة هي خلخلة الحلف غير المعلن بين أردوغان وبشار الأسد. إذا شعر أردوغان بأن مصر تحل محله في سورية فإنه ربما سيغضب على بشار الأسد والإيرانيين والروس، والنتيجة ستكون انهيار المثلث الروسي-التركي-الإيراني الذي هو السبب الأساسي للمأساة السورية.
موقف مصر من القضية السورية هو موقف سيء وعدواني وإجرامي، ولكنه إلى حد كبير مجرد موقف كلامي. المصريون لا يملكون شيئا يقدمونه لإيران والروس سوى الكلام. لهذا السبب فإن إحلال مصر محل تركيا هو أمر جيد.
أظن أن الروس تحدثوا أيضا عن إحلال مصر محل تركيا. ذلك الكلام الروسي كان على الأغلب محاولة للضغط على الأتراك لابتزازهم وانتزاع المزيد من التنازلات منهم. هذا هو دأب الروس مع الأتراك منذ سنوات. لا أظن أن الروس هم جادون في تنفيذ ذلك الكلام. إذا خسر الروس تنسيقهم مع تركيا فسوف ينقلب الوضع في سورية 180 درجة. بشار الأسد سوف ينهار وسوف يضطر للانسحاب من شرق سورية ومن شمالها أيضا. لا توجد أية مصلحة للروس في خسارة علاقتهم مع تركيا.
لا يمكن إغفال التطورات التالية:
أولا- إشاعة كبيرة أن تركيا ستشتري منظومة S400 للدفاع الجوي من روسيا… الصفقة كبيرة.. وروسيا ما عندها مشكلة، المهم عندها الأموال وأن تغيظ أمريكا… بالمقابل أمريكا بالفعل منزعجة من هذا التصرف وتذكر تركيا أنها جزء من حلف الأطلسي…
ثانياً- الضغط الكبير الذي تتعرض له أمريكا لإنهاء الاتفاق النووي مع إيران… بالفعل كل يوم نسمع تصريحات من مسؤولين أمريكيين يريدون إما إلغاء الاتفاق أو تغيير بنوده… وكما نعرف فالغطرسة الأمريكية لن تترك الموضوع يمر بدون أن تفرض رأيها..
ثالثاً- الرسالة التي مررها وزير خارجية السعودية إلى المعارضة السورية… والذي أنكرها اليوم… وكلنا يعرف محتواها..
رابعاً- الكمية الكبيرة من المسلحين الموجودون اليوم في إدلب…. نحن نتحدث عن آلاف من المسلحين مع عائلاتهم تم وضعهم في مكان واحد…
خامساً- ما يحصل في عفرين… وهذا لا يفيد أحد، حتى الكرد لا يفيدهم في معركتهم… أنا أتحدث عن إجبار المركبات على وضع لوحات تابعة لعفرين واعتبار لغة الدراسة الأساسية هي الكردية… كل هذا لن يفيد حتى حلفائهم في قسد…
قسد سقطت في امتحان منبج… لنتابع ونرى ماذا سيحصل في امتحان الرقة…