في الآونة الأخيرة أرسلت تركيا تعزيزات عسكرية كبيرة إلى المنطقة التي تحتلها في شمال سورية.
الأتراك زعموا وروجوا أن إرسال تلك التعزيزات هو تمهيد لهجوم على تل رفعت وعفرين، ولكن ذلك الهجوم لم يحصل.
أردوغان لا يمكنه أن يخطو مترا واحدا داخل سورية دون أخذ إذن الإيرانيين بوساطة الروس. وجود أردوغان داخل سورية لا يحظى بغطاء أميركي بل هو مرفوض من أميركا. أردوغان هو موجود داخل سورية دون غطاء من مجلس الأمن ودون غطاء من أميركا. هو يستند على ما يسمى بشرعية بشار الأسد. عندما حصل الغزو التركي صرحت الحكومة التركية بأن بشار الأسد هو موافق على الغزو، وهذا هو جوهر الموقف الروسي الذي يشرعن الاحتلال التركي بالاستناد إلى شرعية بشار الأسد. الروس يشرعنون وجودهم هم في سورية بنفس هذه الحجة. بشار الأسد في المنظور الروسي هو بقرة مقدسة تمنح الشرعية للاحتلال الإيراني والاحتلال الروسي والاحتلال التركي.
كل شرعية المثلث الروسي-التركي-الإيراني هي مبنية على ما يسمونه بشرعية بشار الأسد. بشار الأسد هو مجرد دمية بيد إيران، وهذا يعني أن إيران هي الضلع الأساسي في مثلث الاحتلال. دون الغطاء الإيراني لا يمكن لأردوغان أن يبقي قواته في سورية، ونفس الأمر ينطبق على بوتن أيضا. الأميركان يطالبون بوتن بأن ينفصل عن إيران، ونحن وضحنا أن هذه المطالبة ما هي إلا مكيدة، لأن بوتن لا يستطيع أن يبقى في سورية دون غطاء من إيران.
إيران تستفيد من بوتن كورقة توت لتغطية احتلالها لسورية. الإيرانيون وبشار الأسد يظهرون للعالم أن بوتن هو اللاعب الأساسي في سورية، ولكن الحقيقة هي أن بوتن هو مجرد ستار تتغطى به إيران. بوتن هو موجود في سورية لأسباب ظرفية تتعلق بمشكلته مع أميركا. هو ليس لاعبا حقيقيا في القضية السورية وهذه القضية بحد ذاتها لا تعني له شيئا. القضية السورية هي قضية احتلال إيراني. الدور الروسي في سورية هو مجرد قشرة دعائية تغطي الاحتلال الإيراني.
أردوغان لا يمكنه أن يظل يوما واحدا في سورية دون موافقة إيران. إذا غضبت إيران على أردوغان فيمكنها ببساطة أن توعز لبشار الأسد بأن يفتعل مشكلة معه، وآنذاك لن يكون أمام بوتن خيار سوى السير مع إيران وطرد أردوغان إلى خارج سورية. لا يمكن لبوتن أن ينحاز إلى أردوغان ضد إيران وبشار الأسد. لو فعل بوتن ذلك فسوف تنهار فلسفته القائمة على قدسية بشار الأسد.
لو هاجم أردوغان تل رفعت وعفرين فسوف تنشأ مشكلة كبيرة بينه وبين الأميركان، لأن الهجوم التركي على أكراد عفرين سوف يؤدي لتجميد عملية تحرير الرقة. أردوغان لا يمكن أن يدخل في مغامرة كهذه دون غطاء إيراني صلب ومتين، فهل هو يملك غطاء كهذا؟ لو كان يملك الغطاء لكان هاجم عفرين بالفعل. عدم حصول الهجوم يدل على عدم موافقة إيران عليه (بوتن في هذه القضية هو مجرد وسيط لا أكثر، بغض النظر عما يقوله الإعلام).
أنا أظن أن الحديث عن مهاجمة عفرين لم يكن جديا من الأساس. هو كان مجرد حجة لتبرير إرسال التعزيزات التركية.
الهاجس الأكبر الذي يشغل بال أردوغان هو كيفية الاحتفاظ بالأراضي التي احتلها. هو سيكون سعيدا جدا إن تمكن من الاحتفاظ بهذه الأراضي وأنا لا أظن أن وضعه يسمح له بأن يطمع باحتلال المزيد.
أردوغان يخشى مما سيحصل بعد تحرير الرقة. هو يخشى من أن يأتي الدور عليه بعد داعش، بمعنى أنه يخشى من أن تشن قسد هجوما عليه بدعم خفي من أميركا. هو محق في هكذا خشية لأن أميركا لديها حساب معه وهي على الأغلب ستسعى لتأديبه بسبب ما قام به من تآمر مع الإيرانيين وبشار الأسد.
البعض سوف يستغربون هذا الكلام وسوف يقولون: تركيا هي أقوى بكثير من قسد فكيف لأردوغان أن يخشى هجوما تشنه قسد؟ الرد على ذلك هو أننا لا نتحدث عن هجوم سوري ضد الأراضي التركية ولكننا نتحدث عن حرب سورية-تركية قد تجري داخل الأراضي السورية. القوة العسكرية لوحدها لن تسعف الأتراك في هكذا موقف. وجود أردوغان في سورية لا يحظى بغطاء من أحد سوى بشار الأسد، والأميركان لا يعترفون ببشار الأسد ولا بغطائه. لو حصل اشتباك كبير بين قسد وأردوغان داخل الأراضي السورية فإن ورقة بشار الأسد لن تسعف أردوغان بشيء، بل هي ستزيد موقفه سوءا أمام الأميركان، ولهذا أنا أظن أنه لن يقرر حتى أن يستخدم تلك الورقة. هو عمليا لن يملك شيئا يبرر به حربه داخل سورية أمام الأميركيين (هو يعتبر قسد منظمة إرهابية ولكن الأميركيين لا يعتبرونها كذلك).
أردوغان يرسل تعزيزات عسكرية لأنه يريد أن يردع قسد والأميركان. هو يريد أن يخيفهم لكي لا يقرروا مهاجمة المنطقة المحتلة بعد انتهائهم من تحرير الرقة. هذا في ظني هو السبب الحقيقي لإرسال التعزيزت التركية.
أنا لا أعرف كيف يفكر الأميركيون ولكنني لا أظن أن المواجهة مع أردوغان تصب في مصلحتهم الآن. المواجهة مع أردوغان يجب أن تترك للنهاية. تحرير المنطقة التي تحتلها تركيا يجب أن يحصل بعد تحرير كل المناطق السورية الأخرى. ولكن أولويات الأكراد هي ليست كأولويات الأميركيين. بالنسبة للأكراد فإن الحرب مع أردوغان هي أولوية أهم من كل شيء آخر.
وضع الأميركيين مع الأكراد يشبه وضع بوتن مع إيران. لا يمكن لأميركا أن تغضب الأكراد، لأنها لو فعلت ذلك فسوف تخسر كل شيء في سورية. ولكن يجب على الأكراد ألا يبالغوا في الاعتماد على هذه المسألة. ليس من مصلحة الأكراد أن يحشروا أميركا في زاوية ضيقة لظنهم بأن أميركا لا يمكن أن تتخلى عنهم. وجود أميركا في سورية هو ليس أمرا مصيريا بالنسبة لأميركا. أميركا تريد من خلال تدخلها في سورية أن ترمم هيبتها الدولية، ولكن ترميم الهيبة الأميركية يمكن أن يحصل في مكان آخر غير سورية. لا يوجد شيء مصيري يربط أميركا بسورية.