إيران وحلفاؤها يحتفلون بوصولهم إلى الحدود العراقية-السورية ويصورون ذلك وكأنه نجاح لمشروع الهلال الشيعي.
ما يشجعهم على الاحتفال هو ضعف الموقف الأميركي. صحيح أن أميركا وجهت لهم بعض الضربات، ولكن الموقف الأميركي عموما هو أضعف من أن يخيف الإيرانيين. هم يفسرون هذا الموقف الضعيف على أنه تراجع وانكفاء.
هناك أمور استراتيجية يجب أن تكون واضحة:
أولا، أميركا هي ليست في وارد الانسحاب والانكفاء. لو كانت أميركا تملك نية الانسحاب من سورية لما كانت تحدت أردوغان ودخلت معه في مواجهة طويلة عريضة.
أميركا كانت منذ البداية ترغب في التدخل في سورية، ولكنها اصطدمت بعقبة كبيرة هي عدم وجود حليف محلي يمكن الاعتماد عليه. تركيا هي نظريا دولة حليفة لأميركا بسبب عضويتها في حلف الناتو، ولكن تركيا رفضت التعاون مع أميركا وعملت بشكل منهجي على إفشال كل محاولات التدخل الأميركي في سورية.
الأتراك والإيرانيون والروس كلهم عارضوا التدخل الأميركي في سورية وحاولوا أن يقصوا أميركا عن هذا البلد، ولكن أميركا تمكنت من حجز موقع لها في سورية رغما عن أنوف هؤلاء جميعا.
ما حققته أميركا في سورية هو ليس شيئا بسيطا. أميركا في بداية الأحداث لم تكن تملك شيئا في سورية. التدخل الأميركي في سورية واجه مقاومة عنيفة من تركيا. ولكن رغم كل شيء نجح التدخل الأميركي وتحولت أميركا الآن إلى أهم لاعب في سورية.
أكثر شيء يهم الأميركيين هو نجاح عملية تحرير الرقة. السبب الأساسي لذلك هو سبب دعائي. الأميركان روجوا لعملية تحرير الرقة طوال أشهر وسنوات. حسب كلامهم فإن الرقة هي عاصمة داعش، وتحرير الرقة يعني أن أميركا انتصرت على داعش. هذا سيكون نصرا دعائيا لأميركا يظهر حضورها المهم في سورية.
فشل عملية تحرير الرقة سيكون كارثة على أميركا. بوتن يدرك ذلك وهو حاول أن يستغل هذه القضية لابتزاز الأميركان.
ما نراه حاليا من تراجع وانكفاء أميركي سببه حرص الأميركان على نجاح عملية تحرير الرقة. الأميركان لا يريدون مواجهة مع الروس والإيرانيين لأن المواجهة قد تعطي الذريعة للروس والإيرانيين لكي ينضموا إلى أردوغان في الحرب الصريحة ضد قسد (أردوغان لم يوقف هجماته ضد قسد بل هو زاد من وتيرتها بعد بدء عملية تحرير الرقة).
أردوغان يهاجم قسد بذريعة الخطر الكردي (التي هي ذريعة كاذبة تماما وليس لها أساس)، ولكن الروس والإيرانيين لا يملكون ذريعة. الروس كانوا في الأشهر الماضية يظهرون الصداقة للأكراد وسيكون من الغريب الآن أن يتبنوا ذريعة أردوغان. هم بحاجة إلى ذريعة أخرى. في الآونة الأخيرة هم أصدروا بيانات اتهموا فيها قسد بالتواطؤ مع داعش ضدهم، وبعض المصادر (التي يبدو أنها تابعة لبشار الأسد أو أردوغان) روجت أخبارا عن مواجهات بين قسد وشبيحة الأسد غرب الطبقة. الأميركان نفوا صحة هذه الأخبار لأنهم لا يريدون إعطاء أية ذريعة للروس والإيرانيين حتى ينضموا إلى أردوغان في مهاجمة قسد.
الخلاصة هي أن عملية تحرير الرقة تكبل الأميركان وترغمهم على الرضوخ لبوتن وأردوغان والإيرانيين، ولكن هذا الرضوخ هو ليس أكثر من تكتيك وأمر مؤقت. الاستراتيجية الأميركية في سورية هي ليست استراتيجية انسحابية وإنما على العكس تماما: أميركا قطعت شوطا كبيرا في تدخلها في سورية. ما حققته أميركا قي سورية هو أشبه بالمعجزة. هي نجحت في صنع جيش سوري على حدود تركيا رغم أن تركيا قاومت ذلك بكل ما تستطيع.
القضية السورية بالنسبة للأميركان لا تنحصر في مكافحة داعش. التواجد الإيراني والتركي في سورية هو أيضا مرفوض لأنه يهدد الاستقرار الإقليمي وينذر بقيام فوضى كبيرة. الأميركان لن يسمحوا لإيران وأردوغان بتأسيس أهلة أو بدور تقوض دول المنطقة. لو سكت الأميركان عن ذلك فإن النتيجة ستكون فوضى عارمة وحروبا لها بداية وليس لها نهاية.
الأميركان سوف يعملون لاحقا على تصفية الاحتلال الإيراني والاحتلال التركي، ولكن الأولوية حاليا هي لمكافحة داعش. بعد انتهاء تحرير الرقة سوف يكون الأميركان في موقع قوي لمواجهة الاحتلالين الإيراني والتركي.
أميركا يمكنها في أي وقت أن تشن حملة قصف ضد الميليشيات الإيرانية في سورية. لا توجد عقبات قانونية أو سياسية تمنع شن حملة كهذه. الأميركان شرعنوا ميليشيات بشار الأسد بسبب الموقفين الروسي والصيني الذين يشرعنان هذه الميليشيات، ولكن أميركا لم ولن تمنح الشرعية للميليشيات الإيرانية.
القرار بقصف الميليشيات الإيرانية هو قرار عسكري أكثر منه سياسيا. أميركا لا تريد أن تدخل في مواجهة خاسرة مع الميليشيات الإيرانية. الأميركان لن يبدؤوا بقصف الميليشيات الإيرانية إلا عندما تتوفر لديهم قوات سورية برية قادرة على هزيمة الميليشيات الإيرانية وملأ الفراغ في سورية. نحن نقترب من تلك المرحلة. عديد قسد حاليا هو ربما أكبر من عديد شبيحة بشار الأسد. إذا شن الأميركان حملة قصف مركزة ضد الميليشيات الإيرانية فإن شبيحة بشار الأسد لن يصمدوا أمام قسد.
إذا نجحت قسد في تحرير الرقة وإدارتها بعد تحريرها فهذا سيكون نموذجا يمكن تطبيقه في المدن السورية الأخرى.
كما نقول دائما: تحرير المدن السورية هو مسؤولية السوريين وليس مسؤولية أميركا. نحن نشكر الأميركان على مساعدتهم لنا في تحرير الرقة، ولكن ما سيحصل بعد ذلك هو ليس قرار أميركا لوحدها. إذا قررت أميركا لسبب ما أن تنسحب وتنكفأ فهذا لا يعني أن السوريين يجب أن يتخلوا عن تحرير بلادهم.
أنا لا أظن أن أميركا ستنسحب وتنكفئ، ولكنني أوضح المبدأ: السوريون يجب أن يفهموا أن تحرير سورية هو مسؤولية السوريين وليس مسؤولية أميركا أو غيرها. أميركا يمكنها أن تساعدنا ولكنها لا يمكن أن تحرر لنا بلادنا أو تديرها لنا.
قسد قدمت نموذجا جيدا في تحمل المسؤولية، وأنا متفائل بأن نموذج قسد سوف يتعمم في النهاية على كل سورية.
إقرأ مقابلة روبرت فورد فهو يتوقع أن تنكفئ أمريكا
https://aawsat.com/home/article/955076/%D9%81%D9%88%D8%B1%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AF-%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D9%81%D8%B9%D9%88%D9%86-%D8%AB%D9%85%D9%86-%D8%AB%D9%82%D8%AA%D9%87%D9%85-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A3%D9%88%D8%A8%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D9%84%D9%85-%D9%8A%D8%AA%D8%B1%D9%83-%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%86