تحدثنا سابقا عن الإشاعات التي بثها إعلام حزب الله وبشار الأسد حول وجود خطة أميركية لتحرير دير الزور انطلاقا من معبر التنف، وقلنا أن تلك الإشاعات هي موضع شك.

تحرير دير الزور هو ليس أمرا سهلا. هذه ستكون عملية كبيرة وصعبة على غرار عملية تحرير الرقة.

هل القوات الموجودة في معبر التنف هي مؤهلة لتحرير دير الزور؟ هذا أمر مشكوك فيه.

أنا لا أعلم كم هو عدد تلك القوات، ولكنه على الأغلب لا يتجاوز بضع مئات أو بضعة آلاف من الفصائل العشوائية غير المنظمة.

نحن رأينا المهزلة التي حصلت أثناء الاحتلال التركي لمدينة الباب. الأتراك أرادوا أن تقوم الفصائل السورية المتعاملة معهم باحتلال المدينة ومن ثم تسليمها للجيش التركي، ولكن تلك الفصائل لم تتمكن من أن تفعل شيئا والجيش التركي اضطر لخوض المعركة بنفسه وتكبد خسائر كبيرة.

الفصائل الموجودة في معبر التنف هي ربما أتعس من الفصائل التي تعاونت مع الاحتلال التركي. هذه الفصائل لن تقوى على احتلال البوكمال أو غيرها من مدن محافظة دير الزور.

الكلام حول تدخل أردني أو سعودي هو مجرد كلام في الهواء. نحن نسمع هذا الكلام منذ سنوات دون أن نرى شيئا في الواقع.

أهم نقطة في كل هذا النقاش هي أننا لا نسمع شيئا من الأميركان حول تحرير دير الزور. كل الكلام يأتي من مصادر في الشرق الأوسط.

لو كان الأميركان يعتزمون تحرير دير الزور فلماذا يخفون ذلك ولا يتحدثون عنه؟

أنا لا أعتقد أن هناك تحركا أميركيا وشيكا لتحرير البوكمال أو دير الزور. عندما سيقرر الأميركان تحرير تلك المدن فهم سيتحدثون عن ذلك. هذه ستكون عملية كبيرة وصعبة على غرار تحرير الرقة وهي ستتطلب كلاما وبحثا وتجهيزا.

ما يحصل حاليا في معبر التنف والبادية هو مجرد عمليات تمهيدية تهدف لعزل دير الزور ومحاصرتها تمهيدا لتحريرها في وقت لاحق.

لا أظن أن أحدا سيتمكن من تحرير دير الزور سوى قسد.

قسد باتت الآن قوة لا يستهان بها سواء من حيث العديد أم التسليح. أنا لا أعلم كم هو العديد الإجمالي لقسد حاليا ولكنه حتما يفوق عديد الشبيحة السوريين الموالين لبشار الأسد (ما يسمى بالجيش العربي السوري). الأميركان باتوا يزودون قسد بالسلاح الثقيل، بما في ذلك الدبابات والمدفعية. نحن بتنا نتحدث عن جيش حقيقي. هل يعقل أن الأميركان سيضعون هذا الجيش جانبا وسيبدؤون ببناء جيش جديد من الصفر بهدف تحرير دير الزور؟ ما هو المنطق في ذلك؟ وهل هو أصلا أمر ممكن؟ من أين سيأتي الأميركان بمقاتلين لتجنيدهم في جيش جديد؟

حسب البنتاغون فإن نسبة العرب في قسد تفوق الآن نسبة الأكراد. الأميركان جندوا أعدادا كبيرة من العرب في قسد. وتيرة التجنيد تزايدت في الآونة الأخيرة لأن التحالف الدولي حرر العديد من المناطق العربية، وهناك أيضا موجات نزوح كبيرة من الرقة ودير الزور باتجاه مناطق سيطرة التحالف الدولي. أنا أظن أن الأميركان (بمعونة الأكراد) يتمكنون من تجنيد قسم من النازحين.

الأكراد ساعدوا أميركا كثيرا في قضية تجنيد العرب. هم فرضوا “تجنيدا إجباريا” وشجعوا العرب الموجودين في مناطق سيطرتهم على التطوع في قسد. هم قاموا بالدور الذي رفض أردوغان أن يقوم به.

الأميركان أرادوا من أردوغان أن يفعل ما يفعله الأكراد الآن. هم أرادوا منه أن يساعدهم في تأسيس جيش سوري معتدل، ولكن أردوغان لم يتعاون لأنه لم يرد أن يؤذي حلفاءه بشار الأسد وإيران.

أردوغان الآن يجند التركمان السوريين لكي يشكل منهم جيشا لن يطلق طلقة واحدة على بشار الأسد وإنما سيحرس حدود مناطق التقسيم التي رسمتها اتفاقية أستانة.

لا أعلم إن كان الأميركان سيؤجلون تحرير دير الزور إلى ما بعد تحرير الرقة أم أنهم سيبدؤون به قبل ذلك، ولكن هذه العملية ستكون عملية كبيرة على غرار تحرير الرقة. هي لن تحصل بعملية خاطفة في جنح الظلام كما يحاول بعض خبراء ومحللي الإعلام العربي أن يوهموا الناس.

بعض محللي الإعلام العربي يتحدثون عن السيطرة على “الحدود السورية-العراقية” دون أن يذكروا أسماء مدن أو مناطق. لا أعلم ما هو قصدهم (ولا أعلم إن كانوا أصلا يعرفون ما يتحدثون عنه)، ولكن السيطرة على الحدود هي غير ممكنة دون السيطرة على مدينتي البوكمال والقائم، والسيطرة على هاتين المدينتين تتطلب قوة عسكرية كبيرة لتأمينهما، لأن داعش لن تتفرج عليهما بعد تحريرهما وإنما ستشن عليهما هجمات من المناطق المحيطة. هكذا عملية لن تكون مجرد عملية كوماندوز خاطفة ولكنها ستكون جزءا من حملة عسكرية كبيرة.