هناك اليوم عاصفة في الإعلام الأميركي بسبب مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست بالأمس ورد فيه أن ترمب كشف معلومات استخبارية سرية تتعلق بداعش لوزير الخارجية الروسي والسفير الروسي في واشنطن خلال لقائه معهما.
حسب المقال فإن الشيء الخطير الذي كشفه ترمب هو أنه ذكر أمام الروس اسم مدينة خاضعة لسيطرة داعش حصل الأميركان منها على معلومات استخبارية عبر دولة حليفة.
حاليا لم تعد هناك الكثير من المدن تحت سيطرة داعش. عندما قرأت ذلك الكلام فإن ما خطر على بالي هو دير الزور، والدولة الحليفة المقصودة هي على الأغلب الأردن.
ترمب كشف للروس أن الأردن يتجسس على دير الزور لمصلحة الأميركيين، وهذا أثار غضب المخابرات الأميركية ودفعها لتسريب القصة لصحيفة واشنطن بوست، والنتيجة هي أن هناك الآن عاصفة ضد ترمب في أميركا. لجنة الحزب الديمقراطي أصدرت بيانا قالت فيه أن روسيا لم تعد تحتاج للتجسس على أميركا لأنها تملك ترمب. فريد زكريا قال على قناة CNN أن ترمب هو إما عديم الكفاءة أو عميل للروس. حتى المعلقون على قناة FOX لم يتمكنوا من الدفاع عن ترمب وقالوا كلاما مثل كلام فريد زكريا.
ترمب أصلا هو واقع في حفرة بسبب إقدامه على طرد جيمس كومي الذي كان يحقق في قضية الصلات بين حملة ترمب الانتخابية وبين الروس. القضية التي كشفها مقال واشنطن بوست بالأمس زادت الطين بلة.
علاقة المخابرات الأميركية بترمب هي علاقة سيئة وقائمة على الابتزاز كما اقترحت في مقال سابق. المخابرات الأميركية لا تثق في ترمب وتتعامل معه كما لو أنه جاسوس روسي. هم يسربون معلومات للإعلام لكي يبتزوا ترمب ويروضوه. هم يريدون منعه من تقديم تنازلات مجانية للروس ولغيرهم.
إحدى القصص التي سربتها المخابرات الأميركية للإعلام تتعلق بمحمد بن زايد ولي عهد الإمارات. هذا الفهلوي حول نفسه إلى وسيط سري بين بوتن وترمب. هو ربما ظن أن ذلك العمل سيجعله شخصية مهمة في أميركا، ولكن ما حصل هو العكس. انظروا مثلا إلى هذا التقرير الذي يسخر منه ويهينه.
لا أدري إن كانت هناك صلة بين هذا الدور لمحمد بن زايد وبين التوجه المشبوه الذي رصدناه مؤخرا من محمد بن سلمان. أنا افترضت سابقا أن السبب الذي جعل محمد بن سلمان يقع في غرام بوتن هو أن محمد بن سلمان لا يرغب بالتدخل في سورية لأسباب مالية، ولكن من الوارد أن محمد بن سلمان يتزلف إلى بوتن لأنه يريد كسب رضا ترمب. لو كان هذا التحليل صحيحا فيجب على ابن سلمان أن يحذر. ترمب هو ليس ملكا كأبيك. ترمب هو رئيس ضعيف جدا وإقالته من منصبه هي واردة في أي وقت. بعد إقالته سوف يسعى الأميركان لمحاسبتك أنت ومحمد بن زايد وكل من سهل لبوتن اختراق أميركا.
لا تحولوا أنفسكم إلى دمى بيد بوتن ظنا منكم أن هذه شطارة لأنها تكسبكم رضا ترمب.
الملفت في القصة التي سربتها المخابرات الأميركية بالأمس هو توقيت تسريبها. هم سربوا هذه القصة عشية اللقاء الذي سيجمع ترمب مع أردوغان. هم على ما يبدو يخشون من أن يتنازل ترمب لأردوغان.
المصالح التجارية التي تربط ترمب بأردوغان هي ليست سرا. في الماضي نشرت مقالا حولها. نحن قرأنا مرارا في الصحف الأميركية أن ترمب هو متعاطف مع أردوغان. مايكل فلن الذي أقيل من منصبه بسبب اتصالات سرية مع روسيا كان عميلا لتركيا أيضا.
ترمب حاول في بداية ولايته أن يلغي عملية تحرير الرقة. صحيفة واشنطن بوست ذاتها ذكرت آنذاك أن ترمب ألغى خطة تحرير الرقة التي وضعتها إدارة أوباما. هو فعل ذلك لإرضاء الروس والأتراك. المخابرات الأميركية نجحت في ترويضه وأرغمته على العودة مجددا إلى تلك الخطة، ولكنهم الآن يخشون من أن يقوم بإفشالها بحجة إرضاء أردوغان.