من يتابعون أوضاع مملكة آل سعود ربما يتساءلون عن سر التأييد الشعبي الكبير للعائلة الحاكمة حتى بعد التقشف الأخير.
النتيجة الطبيعية للتقشف الحكومي هي بروز المعارضة. هذا حصل بالفعل. المعارضة في مملكة آل سعود هي حاليا أقوى من أي وقت مضى. ولكن ما نشاهده على الإنترنت يوحي بأن غالبية الشعب ما تزال ترفض التظاهر ضد العائلة الحاكمة أو حتى نقدها.
الشعب في مملكة آل سعود هو معروف بأنه محافظ جدا ultraconservative. كلمة “محافظ” تطلق على من يخافون من التغيير ويرغبون بإبقاء الأوضاع على حالها. المحافظة هي فطرة بشرية ومعظم البشر هم محافظون بطبيعتهم، ولكن في مملكة آل سعود المحافظة هي ليست مجرد فطرة وإنما ثقافة مكتسبة.
ما يلي عوامل أظن أنها لعبت دورا في صنع الثقافة المحافظة جدا السائدة في مملكة آل سعود.
1. الوهابية
الفكر الوهابي هو أصولي بامتياز. الهدف المعلن لهذا الفكر هو إعادة الناس إلى ما كانوا عليه في زمن الرسول. هذا الفكر يرفض أمورا مثل “عيد المولد النبوي” لأنها بدع حديثة لم تكن موجودة في زمن الرسول. أصحاب هذا الفكر لهم موقف سلبي من الديمقراطية وغيرها من القيم الحديثة لأنها أمور جديدة لم تكن موجودة في زمن الرسول. هم أيضا يتميزون برفض المخترعات والآلات الحديثة. في زمن الملك عبد العزيز (مؤسس الدولة السعودية) كان الوهابيون المتشددون يرفضون أجهزة الراديو، وبعد ذلك هم رفضوا التلفزيون، ثم رفضوا أطباق الاستقبال الفضائي، ثم رفضوا أجهزة الموبايل المزودة بكاميرات، وهكذا. هم يرفضون كل شيء جديد.
2. التاريخ البدوي
معظم سكان مملكة آل سعود هم حديثو عهد بالتمدن. أجدادهم كانوا قبائل بدوية لم تتمدن إلا بعد تأسيس المملكة السعودية في النصف الأول من القرن العشرين.
الدول كانت موجودة في الجزيرة العربية قبل المملكة السعودية، ولكن تلك الدول كانت ضعيفة لأنها لم تكن تسيطر على البدو. مثلا شريف الحجاز لم يكن يسيطر بشكل حقيقي على القبائل البدوية الموجودة في الحجاز، ونفس الأمر ينطبق على ابن رشيد في نجد. ابن رشيد كان يسيطر نظريا على قبيلة شمر (التي يتحدر منها)، ولكن الباحثين يتساءلون كيف أن أميرا حضريا مقيما في حائل تمكن من حكم قبيلة بدوية كبيرة مثل شمر. الوصف الصحيح ربما هو أن ابن رشيد كان يحظى بدعم قبيلة شمر ولكنه لم يكن يحكمها بالمعنى الحقيقي للكلمة.
لا يمكن لأية حكومة أن تسيطر بشكل حقيقي على البدو إلا بالقضاء عليهم، أي بتمدينهم وتحويلهم إلى حضر. هذا هو ما فعله عبد العزيز ابن سعود. هو قام بتوطين البدو وبهذا تمكن من حكمهم (ولكن عبد العزيز طبعا هو ليس أول من فعل ذلك. فكرة توطين البدو هي قديمة جدا. الرسول طبق هذه الفكرة في القرن الميلادي السابع. سياسة الرسول المناهضة للبدو أدت إلى انقراض القبائل البدوية القديمة خلال القرون الإسلامية الباكرة. القبائل البدوية التي كانت موجودة في زمن ابن سعود هي ليست استمرارا للقبائل القديمة ولكنها قبائل حديثة تشكلت بعد انهيار الحضارة العباسية وسريان الفوضى في المشرق العربي).
الحياة البدوية هي حياة شاقة وخطيرة. الجيل المعاصر في مملكة آل سعود سمع من آبائه وأجداده قصصا مريعة عن الحياة البدوية وما كان فيها من شقاء وجوع ودماء. من أنهى ذلك الشقاء هو عبد العزيز بن سعود، ولهذا فإن سكان المملكة هم ممتنون له ولدولته وهم لا يتحملون فكرة انهيار هذه الدولة وعودة الماضي البئيس.
3. الربيع العربي
سكان مملكة آل سعود تابعوا عن كثب ما جرى في سورية وليبيا واليمن، والعبر التي استخلصوها من ذلك أكدت لهم ما كانوا يعتقدونه سلفا عن خطورة انهيار الدولة وسريان الفوضى.
هذه ربما هي أهم العوامل التي تفسر معاداة سكان مملكة آل سعود للمعارضة.
ولكن هناك أمر يجب أن يكون مفهوما لآل سعود وهو أن الثورات في الغالب لا تندلع بسبب تخطيط أو دراسة عقلانية. الثورات كثيرا ما تندلع بشكل عفوي ودون حسابات عقلانية. إذا ضاق الإنسان ذرعا بأوضاعه وشعر باليأس والعجز فهو سيثور دون تفكير أو اهتمام بعواقب ثورته. هو سيتصرف وفق مبدأ “علي وعلى أعدائي”.
وجود جماعات المعارضة السياسية المنظمة يخدم مصلحة البلد لأن جماعات المعارضة المنظمة يمكن أن تتحكم بالغوغاء وتضبطهم إذا ما خرجوا في ثورة. سبب الكارثة التي حصلت في سورية هو أن عائلة الأسد أبادت المعارضة المنظمة في سورية. عندما خرج بعض الناس إلى الشوارع للتظاهر لم يكن هناك أحد في سورية يقدر على ضبطهم. الجهة الوحيدة التي كانت تتحكم بهم هي قناة الجزيرة.
هل يريد آل سعود أن يجدوا أنفسهم في موقف كذلك الموقف؟ هل تريدون أن تجدوا أمامكم ثوارا لا يمكن لأحد أن يؤثر فيهم سوى أمير قطر وأردوغان وربما إيران؟
منع المعارضة المنظمة هو حماقة كبيرة. من مصلحة الدولة أن يكون قرار المعارضة في داخل البلد وليس خارجها.