بشار الأسد وجريدة الأخبار دأبوا خلال الأيام الماضية على الحديث عن استعدادات للتحالف الدولي للتحرك نحو دير الزور انطلاقا من الأردن.
هم يقولون أن التحالف الدولي درب قوات سورية من العشائر بهدف التحرك نحو البوكمال.
هذا الكلام ليس جديدا. في الماضي سمعنا مرات عديدة أن ملك الأردن درب جيشا من العشائر لتحرير البوكمال، ولكن كل ما سمعناه في الماضي لم يكن كلاما جديا. جيش العشائر الذي تحدث عنه ملك الأردن في السابق كان جيشا خرافيا (مثل جيش أردوغان الذي سيحرر الرقة). لهذا السبب أنا أتحفظ في تصديق الأخبار المتداولة حاليا حول ذلك الجيش ولن أصدقها إلا عندما أرى الجيش المذكور في الواقع.
بعيدا عن جيش العشائر الخرافي، هناك الآن عامل جديد هو القوات التي تحارب داعش في البادية شرق السويداء وشرق دمشق. هذه القوات ترفع علم الانفصال (علم الجيش الحر) ولكنها متفرغة بالكامل لقتال داعش ولا يبدو أنها مهتمة بالاشتباك مع بشار الأسد في الوقت الراهن. سلوكها ونطاق عملها يوحي بأنها مدعومة من التحالف الدولي.
الأمر الملفت هو أن بشار الأسد والإيرانيين هاجموا هذه القوات التي تحارب داعش في البادية. هم يقولون أنهم ينوون تصعيد الاشتباكات والمعارك في البادية بهدف إفشال مساعي التحالف الدولي لتحرير البوكمال ودير الزور.
بشار الأسد والإيرانيون يقولون بشكل صريح أنهم يريدون منع التحالف الدولي من تحرير دير الزور لأنهم يريدون فتح طريق بري يصل بين إيران وحزب الله اللبناني. هذا الكلام الذي يقولونه هو كلام كبير لسببين:
1. هم يقولون أنهم يريدون إفشال عمليات التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، أي أنهم يضعون أنفسهم في صدام مع أميركا.
2. هم يقولون أنهم يريدون فتح طريق إمداد لحزب الله من إيران. هذا الكلام هو تهديد مباشر لإسرائيل.
كل من هذين السببين هو سبب لتوجيه ضربات عسكرية لبشار الأسد والقوات الإيرانية الداعمة له. السبب الأول يستدعي ضربات أميركية والسبب الثاني يستدعي ضربات إسرائيلية.
ولكن هل هناك أية جدية في هذا الكلام الذي يقوله بشار الأسد وداعموه الإيرانيون؟
الكلام حول عمليات وشيكة للتحالف الدولي لتحرير دير الزور هو كلام غير موثوق لأننا لم نسمعه من مصادر أميركية وإنما من بشار الأسد وإيران. نحن لا نعلم فعلا أن هناك عمليات وشيكة لتحرير دير الزور.
الكلام الوارد في صحيفة الأخبار يحوي الكثير من الفشخرة والبهورة غير الواقعية. لا أظن أن إنسانا عاقلا يصدق أن بشار الأسد يستطيع أن يقتحم البادية وأن يصل إلى دير الزور والبوكمال. هذا الكلام هو مجرد تهريج على غرار التهريج الذي سمعناه من أردوغان.
نحن رأينا سابقا ما الذي حصل لبشار الأسد في تدمر وفي ريف حلب وفي غير ذلك من المواقع. بشار الأسد لم يستطع أن يستولي على تدمر إلا بعدما حصل على دعم روسي وإيراني ضخم، ورغم ذلك الدعم الضخم هو لم يتمكن من الاحتفاظ بتدمر وخسرها مجددا. بالنسبة لريف حلب فبشار الأسد حصل هناك على دعم هائل جدا من أردوغان يفوق كل الدعم الذي حصل عليه من روسيا وإيران (أردوغان أرسل جيشه النظامي البري لدعم تقدم بشار الأسد في مدينة حلب وفي ريف حلب، في حين أن روسيا وإيران لم ترسلا قوات برية نظامية)، ولكن بالرغم من الدعم الخرافي الذي حصل عليه بشار الأسد من أردوغان هو لم يتمكن من الوصول إلى بلدة مسكنة حتى الآن، مع العلم أن مسكنة هي تابعة لمحافظة حلب، أي أن أردوغان لم يستطع حتى الآن أن يوصل بشار الأسد إلى خارج حدود محافظة حلب.
الكلام حول اقتحام بشار الأسد للبادية ووصوله إلى دير الزور والبوكمال هو ليس كلاما جديا. لهذا السبب أنا لست واثقا من أن الأميركان سيأخذون هذا الكلام بجدية. ولكن لو كانت هناك أية جدية في تهديدات بشار الأسد فالمتوقع هو تعرضه لضربات عسكرية أميركية أو إسرائيلية، لأن الأميركيين لن يسمحوا له بإفشال تحرير دير الزور من داعش، والإسرائيليين لن يسمحوا لإيران بفتح طريق بري لإمداد حزب الله.
من المحتمل أن بشار الأسد والإيرانيين يثيرون هذه الجلبة لأسباب دعائية تتعلق بجمهورهم. هم وقعوا مؤخرا على اتفاقية لتقسيم سورية في أستانا، وهذا شيء محرج لهم أمام جمهورهم. هذا قد يكون الدافع وراء اهتمامهم الإعلامي المفاجئ بدير الزور. هم ربما يريدون أن يقنعوا جمهورهم بأنهم لم يتخلوا عن دير الزور. لو تعرضوا لضربة أميركية أو إسرائيلية (وهو أمر متوقع لو كانت تهديداتهم جدية) فهم سيقولون بعد ذلك أننا كنا راغبين في احتلال دير الزور ولكن أميركا وإسرائيل منعتانا من ذلك.
أنا أشك كثيرا في أن الروس يرغبون فعلا في الذهاب إلى دير الزور. هم يقاسون الأمرين لكي يبقوا في تدمر، وهم عجزوا عن إيصال بشار الأسد إلى محافظة الرقة رغم كل ما فعله أردوغان. الهدف الحقيقي للروس هو ربما ليس الذهاب إلى دير الزور كما يزعمون ولكنهم يريدون فقط التحرش بأميركا لإرغامها على القبول بصفقة أستانا.
لو فرضنا أن أميركا انسحبت الآن من سورية بشكل نهائي وحقيقي فإن الروس سينسحبون في اليوم التالي. هم سيتركون دير الزور وتدمر وحتى قاعدة حميميم. كل هذه القصص لا تهم الروس فعلا. هم موجودون في سورية لهدف وحيد هو التحرش بالأميركان ومحاولة التوصل إلى صفقة معهم.