ما الذي استفادته القضية السورية من الضربة الأميركية التي حصلت بالأمس؟
من الناحية العسكرية هذه الضربة لم تغير الكثير: بشار الأسد لم يخسر سلاحه الجوي بشكل كامل وقوته العسكرية ما زالت تقريبا كما هي.
لعل الفائدة الكبرى لهذه الضربة هي أثرها النفسي. هي أضرت بجهود الدعاية التي عمل عليها بشار الأسد طويلا (الكلام عن “أبو علي بوتين” ونحو ذلك من الكلام الفارغ الذي يتداوله مؤيدو بشار الأسد). أيضا هذه الضربة توجه رسالة إلى بعض الأكراد الذين لا يعيرون بالا لجرائم بشار الأسد ولا يفهمون أن لهذه الجرائم عواقب. هم يجب أن يفهموا الآن أن هناك شيئا يسمى حقوق الإنسان وأن العالم هو محكوم بقوانين وقيم. العالم هو ليس غابة وليس محكوما بالتشبيح كما هو حال دويلة بشار الأسد.
ما سبق هو على ما أظن المكاسب المباشرة التي حققتها الضربة للقضية السورية. بالنسبة للخسائر فهي لم تظهر بعد، ولكننا نخشى أن تنعكس هذه الضربة بشكل سلبي على الحرب ضد داعش.
لاحظوا أن أكثر من فرح بالضربة هو أردوغان. هذا بحد ذاته هو مؤشر سيء. أردوغان لم يفرح بالضربة لأنه مهتم بإسقاط بشار الأسد ولكنه فرح بها لأنه يأمل أنها ستعطل الحرب على داعش وبالتالي ستنقذ بشار الأسد.
الضربات التأديبية المتفرقة لن تسقط بشار الأسد. ما سيسقط بشار الأسد هو حرب داعش. إذا انعكست ضربة مطار الشعيرات بشكل سلبي على حرب داعش فهذا سيعني أن الضربة أفادت بشار الأسد بدلا من أن تضره.
أقوى ورقة بيد بوتن هي ورقة “سيادة بشار الأسد”، ولكننا نلاحظ أن هذه الورقة فقدت الكثير من قيمتها. حتى ألمانيا أيدت الضربة الأميركية. ألمانيا كانت في السابق ترفض ضرب بشار الأسد بدعوى سيادته، ولكنها الآن لم تعد تهتم بسيادته. أيضا أنا لاحظت أن الصين لم تأخذ موقفا قويا ضد الضربة.
بوتن يتحدث عن وقف التنسيق مع الأميركان في سورية وعن نيته تزويد بشار الأسد بالمزيد من الأسلحة المضادة للطائرات. هو يريد أن يقول للأميركان أن طائراتكم قد تتعرض لهجمات منا أو من بشار الأسد.
أيضا بوتن قد يستهدف قسد بشكل مباشر أو بوساطة بشار الأسد. هو كان حتى الآن يستهدف قسد بوساطة أردوغان ويتجنب استهدافها بشكل مباشر.
بعض الأكراد يظنون أنهم أصدقاء لبوتن وأن بوتن لا يمكن أن يستهدفهم لذلك السبب، ولكنهم يجب ألا يفاجئوا إذا ما رأوا بوتن يهاجمهم بشكل مباشر أو بوساطة بشار الأسد. بوتن لا يبني علاقاته على أساس شخصي. ليس مهما إن كنت تعتبر نفسك صديقا لبوتن. بوتن لا يهتم بمشاعرك وبما تكنه في صدرك من حب وتقدير له ولبشار الأسد. كل هذه الأمور لا تدخل في حسابات بوتن ولا تساوي شيئا لديه.
لو كان بوتن يحبكم فعلا لما كان أدخل عليكم “درع الفرات”. بعض الأكراد لا يفهمون أن “درع الفرات” لم تكن إلا مكيدة من بوتن. لو كان بوتن يستطيع لكان أدخل عليكم أيضا درع البليخ ودرع الخابور ودرع دجلة.
كيف سيتصرف الأميركان إذا ما قام بوتن بالتصعيد ضد طائراتهم أو ضد قسد؟ إذا تراجعوا وداهنوا بوتن فهذا سيعني أن أردوغان كان محقا عندما فرح بضربة مطار الشعيرات.
ولكن من الممكن أن الأميركان لن يتراجعوا وإنما سيواجهون بوتن وسيتحدونه. لو فرضنا أن بشار الأسد أطلق أسلحة مضادة للطائرات على طائرات أميركية فمن الممكن أن الأميركان سيردون بتدمير الدفاعات الجوية لبشار الأسد (سواء بأنفسهم أم عبر إسرائيل). لو فرضنا أن طائرات بشار الأسد أغارت على قسد فمن الممكن أن الأميركان سيردون بتزويد قسد بأسلحة مضادة للطائرات.
عندما اتخذ دونالد ترمب قرار تنفيذ الضربة هو لم يفعل ذلك بسبب القضية السورية وإنما لاعتبارات أخرى. أهم اعتبار لديه هو على الأغلب الاعتبار الداخلي. هو يريد أن يبرئ نفسه من تهمة العمالة لبوتن ويريد أن يصرف أنظار الأميركيين عن تلك القضية، ويريد أيضا أن يظهر نفسه بمظهر “رئاسي”. من الممكن أيضا أن ترمب أراد ترضية إسرائيل وآل سعود وأردوغان.
وطبعا هذه الضربة ما كانت لتحدث دون رضا العسكريين الأميركيين. الطاقم العسكري في إدارة ترمب هو مهتم بإعادة الهيبة الأميركية، وهذا على الأغلب هو السبب الرئيسي الذي أدى لحدوث الضربة.
العسكريون الأميركيون يعرفون أن بوتن أراد استجرارهم إلى تصعيد ومواجهة. هم كانوا أمام خيارين: أن يتجنبوا الانجرار إلى المواجهة التي أرادها بوتن، أو أن يقبلوا التحدي ويذهبوا إلى المواجهة. الخيار الأول ما كان سيفيد الهيبة الأميركية. لهذا السبب هم اختاروا الخيار الثاني.