امتناع الأميركيين عن المشاركة في مباحثات جنيف هو رسالة ذات معنى

الأميركان ما زالوا إلى الآن مقاطعين لمباحثات جنيف المتعلقة بنقل السلطة في دمشق.

هذا الأمر له طبعا تفسير سياسي. أنا ذكرت تفسيره في مقال سابق.

الأميركان يتعاملون مع مباحثات جنيف تماما كما يتعاملون مع المطالب التركية-الروسية المتعلقة بعملية تحرير الرقة. في كلتا الحالتين إدارة ترمب اختارت الصمت وعدم أخذ موقف معلن، ولكن الصمت لا يعني أن الأميركان هم نائمون، بل على العكس من ذلك، هم يعملون بسرعة كبيرة على الأرض. نحن شاهدنا ما فعلوه قبل أيام في مدينة الطبقة. هم تمكنوا من قطع طريق روسيا إلى الرقة وسيطروا على مطار الطبقة.

أميركا ليست غائبة عن سورية بل هي حاضرة بقوة. الحضور الأميركي في سورية لم يكن يوما بمثل هذا المستوى الذي نشاهده الآن.

الموقف الأميركي هو ببساطة كما يلي: الأميركان يرون أنهم يربحون في سورية في حين أن المحور المناوئ لهم (تركيا-روسيا-إيران) يخسر ولا يربح. طالما أن الأمور تسير لمصلحة الأميركان فما هو المبرر لتقديم تنازلات مجانية؟

ما هو الهدف من مباحثات جنيف؟ هذه المباحثات هي عبارة عن تذاك تركي-روسي يهدف لإنهاء الدور الأميركي في سورية. هم يريدون تأسيس حكومة في دمشق تقصي قسد، بل تعادي قسد. ما هو السبب الذي سيجعل الأميركان يدعمون تشكيل هكذا حكومة؟ لا يوجد طبعا أي سبب لذلك. هذه المباحثات لا تختلف في جوهرها وهدفها عن عملية “درع الفرات” التركية-الروسية. المستهدف الرئيسي منها هو الدور الأميركي في سورية.

الأميركان ليست لديهم أطماع استعمارية في سورية. سورية لا تحوي أية موارد طبيعية تغري الأميركان، وبالنسبة للنفوذ فأميركا لديها نفوذ في كل دول الشرق الأوسط تقريبا وهي لا تحتاج نفوذا إضافيا في سورية. ما يهم الأميركان في القضية السورية هو الحفاظ على برستيجهم وهيبتهم. هم يعتقدون أن صورة أميركا وهيبتها تعرضت للضرر خلال السنوات الأخيرة، وهدفهم الآن هو ترميم الهيبة الأميركية. هم يريدون أن يوجهوا رسالة للعالم مفادها أن أميركا ما زالت الدولة الكبرى ولا يمكن لتافهين مثل أردوغان وبوتن أن يهينا أميركا في سورية.

إخراج أميركا من سورية هو أمر يفوق طاقة بوتن، فما بالك بصعلوك كأردوغان. ما حصل مؤخرا في سورية كان عبارة عن مهزلة. أردوغان تآمر مع الروس والإيرانيين بهدف إحراج أميركا ودفعها لمغادرة سورية على نحو غير مشرف. أنا شرحت هذا الأمر بالتفصيل في بداية عملية “درع الفرات” وذكرت آنذاك أن المستهدف الأول من تلك العملية لم يكن داعش ولا الأكراد وإنما أميركا.

الأميركان يريدون الآن أن يلقنوا أردوغان وبوتن درسا سوف يعلمهما حجمهما الحقيقي.

الأميركان لم يكونوا يوما ضد أردوغان. هم حاولوا كثيرا أن يتعاونوا معه، ولكن أردوغان رفض التعاون مع أميركا، وعندما عملت أميركا بمفردها ذهب أردوغان إلى موسكو وطهران وحاك هناك مؤامرة سيئة جدا ضد هيبة أميركا وضد المصلحة السورية.

أميركا تدخلت في سورية لمحاربة داعش. هذا هو كل ما أراده الأميركان. هدفهم كان نبيلا، ولكن هذا الهدف النبيل لم يعجب أردوغان ودفعه للتآمر بهدف دعم داعش والإساءة إلى أميركا والسوريين.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s