حسب هذا المقال لموقع دبكا فإن نتنياهو في زيارته الأخيرة لروسيا اشتكى لبوتن من التواجد الإيراني قرب الجولان.
ما لم يقله المقال هو أن نتنياهو أراد الحصول من بوتن على رخصة (سواء لإسرائيل أم لملك الأردن) للدخول إلى سورية واحتلال “منطقة آمنة”. لهذا السبب هو اشتكى من تواجد الإيرانيين قرب الجولان.
بوتن بطبيعة الحال لن يمنح إسرائيل هكذا رخصة. لا يوجد سبب يدفعه لذلك.
قرأنا في الفترة الماضية كثيرا من المقارنات بين المنطقة الآمنة التي تريدها إسرائيل في الجنوب وبين المنطقة التي احتلها أردوغان في الشمال. من يجرون هذه المقارنات لا يفهمون ما الذي جرى في شمال سورية ويظنون أن بوتن تكرم على أردوغان ومنحه بعض الأراضي السورية دونما مقابل. الحقيقة هي ليست كذلك. التدخل التركي في سورية أفشل تمدد التحالف الدولي نحو مدينة حلب وسمح للإيرانيين بتطهير المدينة طائفيا وتعليق صور بشار الأسد فيها، وبعد ذلك خرج الشبيحة من المدينة واتجهوا شرقا نحو الرقة. كل هذا قدمه أردوغان في مقابل الأراضي التي احتلها. أرباح بوتن والإيرانيين من تلك الصفقة فاقت بكثير قيمة الأراضي التي احتلها أردوغان.
على ما يبدو فإن ملك الأردن هو أحد الأشخاص الذين لم يفهموا ما الذي جرى في شمال سورية، بدليل أنه كان في الفترة الأخيرة يتزلف إلى بوتن ويتقرب إليه طمعا في الحصول على رخصة للاحتلال. ملك الأردن ظن أنه لو شارك في مؤتمر أستانة وعمل على إعادة بشار الأسد إلى الجامعة العربية فإن ذلك سيجعل بوتن يمنحه “جائزة” من الأراضي في محافظة درعا. ولكن هذه الأمور التي قام بها ملك الأردن هي سخيفة ولا يمكن مقارنتها بما قام به أردوغان (إلا إذا كانت هناك خيانات أخرى سرية لملك الأردن لا نعلم بها).
موقف بوتن السلبي من طلب نتنياهو هو ليس مفاجئا، ولكن ما لفت نظري هو النظرية العبقرية التي تفتق عنها عقل بوتن حول كيفية هزيمة إيران في سورية. حسب مقال موقع دبكا فإن بوتن قال لنتنياهو أن “حملة عسكرية مشتركة بين أميركا وروسيا والأكراد ضد الدولة الإسلامية سوف تحبط هدف إيران الأساسي الذي يتمثل بتأسيس جسر بري عبر شمال العراق وسورية إلى البحر المتوسط”. بعد ذلك سوف تصاب إيران باليأس وتنسحب من سورية حسب بوتن.
بوتن يقصد ما يلي: يجب على أميركا أن تتعاون مع شبيحة الأسد الذين يقتربون الآن من الرقة، وهذا التعاون يجب أن يتوسع ويصل إلى الحدود مع العراق، بمعنى أن أميركا يجب أن تسلم كل شرق سورية لبشار الأسد. عندما يحصل ذلك فإن إيران ستهزم وستنسحب من سورية، حسب بوتن.
أنا قرأت كلاما شبيها بهذا الكلام في مقالات لبعض أفراد معارضة الائتلاف. هم تحدثوا في تلك المقالات عن أن روسيا سيطرت على شبيحة الأسد وعزلت إيران وهمشت دورها، وهم تطلعوا حتى إلى أن يقوم بوتن بطرد إيران من سورية كليا. هم استدلوا على صحة نظريتهم بانتشار جنود روس في بعض المناطق التي كان يشغلها شبيحة إيران.
عندما أسمع هذه الطروحات المنسوبة إلى بوتن فأنا لا أفهمها سوى على أنها سخرية واستهزاء. بوتن يسخر منهم بهذا الكلام. هو يقول لهم: أنا سأهزم إيران في سورية عبر دعم بشار الأسد وتمكينه.
انتشار الجنود الروس في بعض المناطق التي يحتلها شبيحة إيران هو ليس تهميشا لدور إيران. بوتن ينشر جنوده في تلك المناطق الهادئة لأنه يريد تحرير الشبيحة المحتلين لتلك المناطق والسماح لهم بالذهاب إلى الجبهات. على ما يبدو فإن أحد أهداف بوتن من الترويج لهذه الخزعبلات هو رغبته في حماية جنوده. هو يقول لمعارضي الائتلاف أن الجنود الروس يطردون إيران ويهمشونها ولهذا يجب عليكم ألا تستهدفوهم.
بوتن يستخف بعقول معارضي بشار الأسد ويتعامل معهم كما لو كانوا سذجا. هو يشعر بالغطرسة بسبب ما حققه في سورية.
هناك أمور أساسية يجب أن يفهمها كل مراقب للشأن السوري:
بوتن هو حليف وثيق لإيران. حلف بوتن مع إيران هو السبب الذي أوصل بوتن إلى العز الذي هو فيه الآن. بوتن لا يهتم ببشار الأسد لأن بشار الأسد لا يساوي شيئا ولا يملك شيئا يقدمه لبوتن، ولكن علاقة بوتن مع إيران هي شيء لا يمكن لبوتن أن يستغني عنه. إذا خسر بوتن حلفه مع إيران فهذا يعني خروجه من منطقة الشرق الأوسط بشكل نهائي وكامل، وإذا خرج من تلك المنطقة فهذا يعني خسارته لكل دوره الدولي، لأن منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة الوحيدة التي يستطيع بوتن أن يلعب فيها دور الدولة العظمى، والفضل الكامل في ذلك يعود لإيران. إيران هي التي تسمح لبوتن بأن يظهر بمظهر الدولة العظمى.
إذا ابتعدنا عن الشرق الأوسط وإيران ونظرنا إلى بوتن فسنرى أنه لا يساوي قرشا صدئا. بوتن لا يساوي شيئا دون إيران، وهو يعرف ذلك جيدا.
عندما يقول بوتن لشخص ما أنه يدعم بشار الأسد لكي يهزم إيران فهو يفترض أن ذلك الشخص هو أهبل.