مفاوضات جنيف هي بلا قيمة لأنها ضد المصلحة الأميركية

في الإعلام العربي هناك ضجة حول ما يسمى بمفاوضات جنيف. أنا لم أكن أنوي الكتابة عن هذه المفاوضات لأنها في رأيي لا تستحق إضاعة الوقت في الكتابة عنها، ولكنني سأكتب الآن نقاطا سريعة.

هذه المفاوضات انعقدت بضغط روسي ودون رغبة حقيقية من الأميركان. الأميركان ليست لهم مصلحة في هذه المفاوضات لأنها تقصي الطرف الوحيد في سورية الذي يعتبره الأميركان صديقا لهم. بقية الأطراف المشاركة في المفاوضات هي إما عدوة لأميركا أو أنها تنتمي إلى المعارضة التي يقول ترمب أننا لا نعرف من هي.

الهدف المعلن لهذه المفاوضات هو التوصل إلى اتفاق يؤدي لتشكيل حكومة في دمشق تعبر عن كل من روسيا وإيران وتركيا. هذه الحكومة سوف تعادي قسد التي تعبر عن أميركا. أي أن هذه الحكومة في الحقيقة سوف تكون مجرد استمرار لمسلسل التآمر الروسي-الإيراني-التركي ضد أميركا. هذه الحكومة ستكون مثل “درع الفرات”. هي ستكون شيئا لا علاقة لأميركا به، بل مضادا للمصلحة الأميركية.

الواقع الحالي لا يختلف عن الاتفاق الذي يريدون الوصول إليه في جنيف. هذا الاتفاق لن يغير شيئا. كل شيء سيظل كما هو. هم لن يتمكنوا أبدا من هزيمة قسد وإنهاء “الحلم الكردي” لأن أميركا لن تسمح لهم بذلك.

هم سيتذرعون بسيادة بشار الأسد أو بسيادة دمشق لكي يبرروا عدوانهم، ولكنهم يستخدمون هذه الذريعة الآن دون أية نتيجة. قصة “السيادة” هي قصة قديمة لن تفيدهم بشيء. الأزمة السورية لن تحل سوى بحل سياسي حصرا. أميركا لن تسمح لهم بفرض حل بالقوة العسكرية حتى ولو تذرعوا بالسيادة.

هم يريدون إشعال حرب إثنية عربية-كردية، ولكن ما يدعو للتفاؤل هو أن قسد تضم الكثير من العرب في صفوفها. لو نجح تحرير الرقة فهو سيكون ضربة قوية لمؤامرتهم.

طبعا لو نجحت المفاوضات في خلع بشار الأسد ومحاكمته فهذا سيكون أمرا ممتازا يصب في مصلحة كل السوريين، ولكن خلع بشار الأسد هو لوحده ليس حلا للأزمة السورية. هذا مجرد مدخل إلى الحل السياسي. ما الذي سنستفيده إذا خلعوا بشار الأسد ثم أشعلوا بعد ذلك حروبا جديدة؟ نحن نريد إنهاء الحروب وليس استبدالها بحروب جديدة تناسب ذوقهم.

وعلى كل حال، خلع بشار الأسد ومحاكمته هي أمور غير واردة مطلقا في مفاوضات جنيف (بغض النظر عن الترهات التي تقال في بعض الصحف العربية). أقصى ما قد يقبل به الروس نظريا هو اتفاق يبقي بشار الأسد كرئيس مع تقليص صلاحياته (كما ورد في مسودة دستورهم). هكذا اتفاق لن يغير شيئا في الواقع الموجود في دمشق. لو حاولوا أن يطبقوا هذا الاتفاق في دمشق فإن النتيجة ستكون حروبا وقلاقل داخل دمشق نفسها. هم لن يجدوا الوقت لمحاربة الأكراد لأنهم سيكونون مشغولين بقتل بعضهم. السبب هو أن طروحاتهم هي ليست حلولا جدية للأزمة السورية ولكنها مجرد مهازل. هم يتعاملون مع الأزمة السورية كما لو أنها أزمة حكومية في فرنسا أو بريطانيا. الأزمة السورية هي حرب طائفية دموية شملت عمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي. الأمم المتحدة تحدثت اليوم عن التهجير في حلب ووصفته بأنه جريمة حرب. أزمة مثل هذه الأزمة لا يمكن حلها بتبويس اللحى وبمجرد اتفاق بين بوتن والخامنئي وأردوغان.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s