مناطق ترمب الآمنة ما زالت غير واضحة… ومؤامرة أردنية-إسرائيلية محتملة لدعم بشار الأسد في مقابل احتلال “منطقة آمنة” قرب الجولان

دونالد ترمب ما زال يتحدث عن تأسيس مناطق آمنة في سورية.

هو تحدث عن هذا الأمر مجددا قبل يومين في خطبته الشهيرة التي أشار فيها إلى “ما حصل ليلة أمس في السويد”. هو كرر في تلك الخطبة نفس كلامه السابق حول تأسيس مناطق آمنة تمولها دول الخليج “التي لا تملك شيئا سوى المال”.

استمرار ترمب في الحديث عن المناطق الآمنة يزعج الروس والإيرانيين، وهو يزعج أيضا الكثيرين داخل أميركا. هناك رأي عام أميركي ودولي يعارض تأسيس المناطق الآمنة في سورية (الرأي العام الأميركي والدولي يرى أن أوباما نجح في صوملة سورية وعزلها عن العالم، بالتالي العالم هو ليس مضطرا للتدخل هناك لوقف ما يجري لأنه لا يؤثر على أحد سوى السوريين أنفسهم).

كثيرون في أميركا كانوا يفترضون أن حديث ترمب عن تأسيس المناطق الآمنة هو حديث غير جدي وأن ترمب سيصرف النظر عن تلك الفكرة، خاصة وأن البنتاغون يعارضها، ولكن ترمب ما زال يتحدث عن المناطق الآمنة حتى الآن، وهذا بات يقلق من يكرهون التدخل في سورية.

لا توجد حتى الآن أية معلومات محددة حول المناطق الآمنة التي يريد ترمب تأسيسها. وكالة Sputnik الروسية نقلت عن مسؤول تركي سابق قوله أن الأميركان ناقشوا المناطق الآمنة مع السعودية والأردن ولكن ليس مع تركيا:

Interestingly enough, Logoglu said, Trump has already discussed the issue with Saudi Arabia and Jordan. However he has not discussed it with Turkey, even though Turkey was the most insistent in the issue.

 هذا كلام لافت لأنه يوحي بأن وزارة الدفاع الأميركية ما زالت مصرة على موقفها الرافض للتعاون مع تركيا في قضية المنطقة الآمنة، وترمب بطبيعة الحال لن يفعل شيئا يتعارض مع رؤية وزارة الدفاع.

هناك أمر مهم جدا يجب أن يفهمه المراقبون: وزارة الدفاع الأميركية لا ترفض التعاون مع تركيا في سورية من حيث المبدأ. حسب ما قرأنا فإن الأميركان عرضوا عدة مرات على الأتراك المشاركة في عملية تحرير الرقة، ولكن الأتراك كانوا وما زالوا يضعون شروطا تعجيزية للمشاركة. هم يرفضون أي تعاون مع قسد، ويرفضون المشاركة في العملية إن شاركت فيها قسد، ويصرون على تصنيف قسد كمنظمة إرهابية، ويريدون من أميركا أن تساعدهم في احتلال مناطق هي الآن تحت سيطرة قسد (خاصة منبج وتل أبيض). هذه الشروط التركية هي السبب الحقيقي لإقصاء تركيا عن عملية تحرير الرقة. الأتراك هم من يقصون أنفسهم. هم يفضلون التعاون مع بشار الأسد وداعميه بدلا من التعاون مع قسد والأميركان (والمؤسف هو أن بعض من يدعون معارضة بشار الأسد من السوريين ساروا مع تركيا في ذلك الخيار، كما رأينا في عملية “درع الفرات” الخيانية التي أضاعت محافظة حلب).

أنا غسلت يدي من تركيا منذ زمن طويل، ولكنني كنت وما زلت آمل بموقف عربي مستقل عن الموقف التركي الهدام. وزير الخارجية السعودي تحدث بالأمس أو قبل أمس لصحيفة ألمانية وقال أن بلاده مستعدة لإرسال قوات برية إلى سورية لمقاتلة داعش. هو لم يذكر المناطق الآمنة بشكل صريح ولكنه أشار إلى ضرورة “ضمان ألا تقع المناطق المحررة في قبضة حزب الله اللبناني أو إيران أو النظام السوري.”

أنا رصدت تغيرا في لغة الإعلام السعودي تجاه قسد. في السابق كان الإعلام السعودي يتهجم على قسد بنفس اللغة التي تستخدمها المخابرات التركية، ولكن ذلك التهجم هو متوقف حاليا. هذا قد يكون دليلا على أن السعوديين يستعدون للمشاركة الفعلية في عمليات التحالف الدولي ضد داعش.

مخابرات بشار الأسد تتحدث عن تواصل إماراتي وسعودي مع قسد (المقالات التي تنشرها جريدة الأخبار تحت مسمى “صهيب عنجريني” هي من عند مخابرات بشار الأسد في دمشق). مخابرات بشار الأسد تنشر هذه المعلومات على أمل تحريض الأتراك لتكرار عملية “درع الفرات” في الرقة والحسكة.

قد يقول قائل: من أين تحصل مخابرات بشار الأسد على هكذا معلومات؟ مناطق سيطرة قسد ما زالت تحوي الكثير من عملاء بشار الأسد. بعضهم ما زالوا يملكون الجرأة لإظهار أنفسهم علنا (هؤلاء مثلا). ما يشجع هؤلاء العملاء على إبقاء اتصالاتهم مع بشار الأسد هو أن بشار الأسد ما زال يدعي السيادة والسيطرة الكاملة على الحسكة ودير الزور والرقة، وهو ما زال يملك قواعد عسكرية قرب مدينتي الحسكة والقامشلي. هذه العوامل تشجع العملاء على الاستمرار في التخابر مع بشار الأسد، بل والمجاهرة بذلك.

لا شيء واضح حتى الآن، ولكن هناك مؤشرات بسيطة توحي بأن السعوديين على الأقل يستعدون لزيادة مشاركتهم في الحرب ضد داعش. التدخل السعودي المفترض سيركز بطبيعة الحال على دعم الفصائل العربية وليس الكردية (بسبب الموقف التركي)، ولكن أي تدخل في الحرب ضد داعش يستلزم قدرا من التنسيق والتفاهم مع الأكراد نظرا لدورهم الكبير في تلك الحرب. لا يمكن لك أن تقول: أنا أدعم العرب وأعادي الأكراد. من يقول هذا الكلام لا يريد فعلا أن يساهم في الحرب ضد داعش ولكنه يريد أن يفشل الحرب ويقلبها إلى صراع عربي-كردي.

جريدة الأخبار أشارت أيضا إلى مساع أردنية لأخذ موافقة من روسيا على تدخل عسكري في محافظة درعا بحجة محاربة “داعش” هناك. لو كان هذا الكلام الذي ذكرته الصحيفة دقيقا فهو يدل على أن ملك الأردن لا يريد أن يحارب داعش ولكنه يطمع في احتلال قسم من محافظة درعا بمباركة روسية وبدعم إسرائيلي.

داعش هي ليست موجودة في درعا. بعض القرى المحاذية للجولان هي خاضعة لسيطرة “جيش خالد بن الوليد” المبايع لداعش. هذا الفصيل هو ليس داعش الحقيقية ولكنه مجرد فصيل محلي أعلن الولاء لداعش. عندما نذكر عبارة “محاربة داعش” فنحن نقصد بذلك داعش الحقيقية الموجودة في دير الزور والرقة ولا نقصد “جيش خالد بن الوليد” الذي يسيطر على بعض القرى قرب الجولان. إذا كان ملك الأردن يريد بالفعل أن يحارب داعش فيجب عليه أن يذهب إلى دير الزور والرقة لمقاتلة داعش هناك، وأما التدخل قرب حدود الجولان بدعوى محاربة داعش فهذه مجرد أطماع توسعية لا تختلف عن أطماع أردوغان التوسعية، ولا شك أن الإسرائيليين هم من يحرضون ملك الأردن على ذلك (هم يريدون أن يؤسسوا منطقة احتلال أردني تكون بمثابة منطقة عازلة تحمي الجولان).

المنطقة التي يسيطر عليها “جيش خالد بن الوليد” قرب الجولان هي منطقة صغيرة جدا ومحاصرة ومعزولة. احتلال الجيش الأردني لتلك المنطقة لن يقدم أية خدمة للقضية السورية، بل هو سيكون ضارا جدا لأنه سيتضمن تنازلات ضخمة لبشار الأسد، وهذا أصلا سيكون سبب موافقة الروس على ذلك التدخل لو حصل. ذلك التدخل لن يختلف عن “درع الفرات” التي أضاعت محافظة حلب. هو لن يكون جزءا من الحرب الأميركية على داعش ولكنه سيكون مجرد مؤامرة روسية-أردنية-إسرائيلية تصب في مصلحة بشار الأسد.

أردوغان قدم لبشار الأسد مدينة حلب ومعظم محافظة حلب في مقابل احتلال المنطقة التي احتلها. ملك الأردن والإسرائيليون لا يملكون ما يقدمونه لبشار الأسد في مقابل احتلال المنطقة التي يريدون احتلالها. لكي يتمكنوا من تنفيذ مشروعهم هم سيحاولون على الأغلب تمريره ضمن صفقة أميركية-روسية، بمعنى أنهم سيطلبون من أميركا أن تتنازل لبشار الأسد في مقابل أن يتمكنوا من احتلال ما يريدون احتلاله تحت عنوان تأسيس “منطقة آمنة”.

لحسن حظنا فإن حسابات البنتاغون تختلف عن حسابات ملك الأردن وإسرائيل. المتحدث باسم البنتاغون صرح بالأمس لوكالة روسية بأن أميركا لا تنوي زيادة تعاونها العسكري مع روسيا في سورية. هذا التصريح أتى كرد على مطالبة وزير الدفاع الروسي بالتعاون مع أميركا في عملية تحرير الرقة. أيضا وزير الخارجية الأميركي صرح قبل فترة بأن أميركا لن تتعاون مع روسيا في سورية إلا إذا غيرت روسيا موقفها من فصائل المعارضة السورية (ذلك التصريح هو من المواقف القليلة جدا التي أعلنها وزير الخارجية الأميركي الجديد بخصوص سورية).

الموقف الأميركي الذي نراه يدل على أن الأميركان لا يعتزمون الارتماء في حضن بوتن، وهذا يقلل من احتمالات تأسيس المنطقة الآمنة المزعومة التي يريد ملك الأردن والإسرائيليون تأسيسها قرب الجولان.

عندما طرحت فكرة المناطق الآمنة في بادئ الأمر كان المقصود بها هو مساعدة السوريين على الإطاحة بالأسد، ولكن أردوغان الخائن غير معنى المنطقة الآمنة وحولها إلى وسيلة لخيانة السوريين واحتلال أراضيهم بالتنسيق مع بشار الأسد، وملك الأردن يريد أن يسير على نفس الطريق. هذه “المناطق الآمنة” التي يؤسسها هؤلاء هي ليست مناطق آمنة ولكنها مناطق احتلال وعدوان. من يريد أن يؤسس منطقة آمنة في سورية يجب أن يؤسسها في شرق سورية حيث لا نفوذ للروس والإيرانيين. الهدف من المناطق الآمنة هو تدريب السوريين وتنظيمهم لكي يذهبوا لاحقا إلى دمشق ويعتقلوا بشار الأسد. من لا يعجبه هذا الكلام يجب أن يبتعد عن القضية السورية.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s