
في الآونة الأخيرة عاد الروس مجددا إلى إظهار الحرص والاهتمام الكبير بالأكراد السوريين.
في كل يوم نقرأ تصريحات ومواقف روسية داعمة للأكراد السوريين ومطالبة بإشراكهم في مفاوضات الحل السياسي. الروس أيضا يشنون غارات داعمة لقسد قرب الرقة.
لفتني بالأمس أن بشار الأسد أرسل شكوى إلى الأمم المتحدة بخصوص الاعتداءات التركية الحدودية على الأكراد السوريين.
هذا الاهتمام المفاجئ بالأكراد هبط على بوتن بعدما سمع التصريحات التركية عن التقارب مع أميركا.
أردوغان يشيع أن الأميركان وافقوا على التعاون معه في سورية، وهو ذهب إلى الجزيرة العربية لحشد الدعم لهذا التعاون التركي-الأميركي المفترض. هو أيضا امتنع عن الحضور إلى مؤتمر أستانة (أو تأخر في الحضور؟) وغير تصريحاته المتعلقة بكيفية حل القضية السورية. بعض أتباع أردوغان السوريين ممن كانوا يطبلون لمؤتمر أستانة صاروا الآن يهاجمونه.
هذه التبدلات في السياسة التركية هي السبب الذي جعل بوتن “ينتبه” إلى القضية الكردية.
أنا لا أعلم حتى الآن ما هي حدود التعاون التركي-الأميركي المفترض، ولكن لا شك أن ما يبثه الأتراك حاليا هو مجرد دعاية غير واقعية.
كلام أردوغان عن رغبته في تحرير الرقة هو مجرد تهريج. هو قال قبل يومين أن تحرير الرقة سيحصل بعد تحرير منبج، أي أنه يريد أن يحارب قسد ويهزمها وبعد ذلك سيذهب إلى الرقة لكي يحررها.
اليوم ذكرت صحيفة الحرية التركية أن الأتراك قدموا مقترحين للأميركان، المقترح الأول هو أن تنسحب قسد من ممر بعرض 20 كم يمتد من تل أبيض نحو الجنوب، وبعد ذلك يجب أن يدخل الأتراك و”الجيش الحر” عبر هذا الممر إلى الرقة لتحريرها. هذا المقترح طبعا هو مجرد تهريج على غرار كلام أردوغان بأن تحرير الرقة سيحصل بعد تحرير منبج. أردوغان يريد أن تنسحب قسد من مدينة تل أبيض وأن تسلمها له بحجة أنه سينطلق منها لتحرير الرقة. الأكراد لن ينسحبوا أبدا من تل أبيض ويسلموها لتركيا، حتى ولو طلبت أميركا منهم ذلك، ولا أحسب أن الأميركان هم أغبياء إلى درجة أن يطلبوا هذا الأمر من الأكراد، خاصة وهم يرون ترصد بوتن. لو طلب الأميركان من الأكراد أن يسلموا تل أبيض لتركيا فإن الأكراد سوف يطلبون الدعم من بوتن، وهذا هو أصلا ما يريده أردوغان. ما يريد أردوغان أن يفعله في تل أبيض والرقة لا يختلف عما فعله في حلب. هو يريد إخراج التحالف الدولي من تلك المدن لكي يأتي إليها الروس والإيرانيون ويعلقوا فيها صور بشار الأسد (وبعد ذلك ستنشر وكالة الأناضول أن الأكراد علقوا صور بشار الأسد دون أن تذكر سبب ذلك).
الخيار الثاني الذي طرحه الأتراك على الأميركان حسب صحيفة الحرية هو أن يتقدم الأتراك من الباب نحو الرقة. هذا الخيار هو الخيار الوحيد الذي لا يمكن وصفه بأنه مجرد تهريج، ولكن مقال صحيفة الحرية استبعد هذا الخيار بسبب طول المسافة وبسبب “الطبيعة الجبلية” للمنطقة.
المسألة واضحة: أردوغان لا يريد أن يحرر الرقة ولكنه يريد أن يفشل حرب التحالف الدولي على داعش. لهذا السبب أنا لا أفهم سبب ذعر بوتن مما يجري بين تركيا وأميركا.
أظن أن ما يخيف بوتن هو ليس قضية الرقة وإنما ما يقال عن تأسيس مناطق آمنة. بوتن يخشى تحديدا من تأسيس منطقة آمنة إلى الشمال من حلب. لو حصل ذلك فهو سيعني أمرين، 1. عودة أميركا إلى محافظة حلب. 2. انتهاء “التفاهمات التركية-الروسية” حول بشار الأسد. باختصار، كل ما حققته عملية “درع الفرات” سيذهب أدراج الرياح.
لا أدري ما الذي سيفعله الأميركان، ولكنني لا أظن أنهم حمقى إلى درجة التخلي عن عملية تحرير الرقة بسبب مطالب أردوغان. وزارة الدفاع الأميركية سوف تشرح لدونالد ترمب تفاصيل القضية وهو سيفهم أن الاستجابة للمطالب التركية تعني عمليا انتهاء الحرب على داعش بانتصار داعش. لهذا السبب ترمب لن يستجيب لما يريده أردوغان في قضية الرقة، ولكنني أظن أن ترمب يجب أن يؤسس منطقة آمنة في الجيب الذي احتلته “درع الفرات”.
أنا لا أدري ما هو السبب الذي جعل أوباما يمتنع عن تأسيس منطقة آمنة في الجيب الذي احتلته “درع الفرات”. السبب الذي قرأناه في الصحف الأميركية سابقا هو أن المشاركة الأميركية في “درع الفرات” من شأنها أن تغضب الأكراد وتمنعهم من المشاركة في تحرير الرقة. هذا الكلام بالنسبة لي هو ليس مقنعا. الاحتلال التركي لجرابلس والباب لم يحصل بغطاء أميركي ولكنه حصل بغطاء من روسيا وإيران. الأكراد يجب أن يغضبوا من روسيا وإيران لأن هؤلاء هم السبب في الاحتلال، وأما قيام أميركا بتأسيس منطقة آمنة في المناطق المحتلة فهذا يصب في مصلحة الأكراد لأنه يسحب الأتراك بعيدا عن المؤامرة مع روسيا وإيران ويضع قيودا على تركيا تمنعها من التعدي على مناطق سيطرة قسد.
أفضل ما يمكن لترمب أن يفعله الآن هو أن يسرع في تسليح ودعم قسد لتحرير الرقة، وبالتزامن مع ذلك هو يجب أن يوافق على تأسيس منطقة آمنة في جرابلس والباب. بذلك هو سيكون قد أرضى الأتراك دون أن يفشل الحرب على داعش.
السلام عليكم
http://m.france24.com/en/20170221-us-backed-fighters-advance-syrias-east